Saturday, October 13, 2012

دراسة: الإفراج المقيد بشروط بين القانون والتطبيقات الإدارية (الحلقة الأولى)


رغم التنصيص في قانون المسطرة الجنائية على كل الآليات القانونية المشار إليها لا يتم استعمالها



في كنف الظروف الاجتماعية والاقتصادية الهشة، وفي غياب التدابير الوقائية القبلية والآنية والبعدية، نمت الجريمة وتطورت، وتصاعدت وثيرتها بشكل مثير للانتباه، واكتسبت قوة ومناعة ضد المسكنات والمضادات القانونية غير الحيوية الواردة في وصفات القانون الجنائي وأضحت سطوتها تبعا لذلك توشك أن تطغى على سلطة وهيبة القانون الزجري، رغم كل التغييرات والتعديلات الطارئة عليه، وكذا رغم كل الإجراءات التي تقوم بها أجهزة العدالة الجنائية، المتمثلة في التدابير الروتينية، والأساليب التقليدية التي لا تتجاوز نطاق تعقب المجرمين، وتحريك المتابعات وإصدار العقوبات السالبة للحرية، في وقت لم يعد فيه أسلوب استخدام الآليات الزجرية يجدي وحده لمحاربة الجريمة والإحاطة بها.

لقد أصبح التعامل مع هذه الظاهرة يقتضي توظيف آليات العقاب والعفو معا، بالإضافة إلى توظيف الإجراءات البديلة للاعتقال الاحتياطي، وتفعيل مقتضيات النصوص القانونية المتعلقة بمسطرة الصلح، وأخيرا مراقبة السجون وتحسين ظروف الإيواء بها حتى لا تتحول من آلية تقويم إلى وسيلة انتقام، وإصلاح نظامها بشكل يجعلها تتوفر على كل المواصفات والشروط المطلوبة التي تخول لها القيام بأدوارها التربوية والتأهيلية والردعية.
في هذا الإطار نشير إلى أنه رغم التنصيص في قانون المسطرة الجنائية على كل الآليات القانونية المشار إليها، فإنه مع ذلك لا يتم استعمالها وممارستها طبقا للغاية التي أنشئت من أجلها، ووفقا لإرادة المشرع، خصوصا في الجانب المتعلق بآليات العفو الجنائي التي يتم تفعيل بعضها فقط دون البعض الآخر، رغم المذكرات والمنشورات الوزارية المتعددة الصادرة في هذا الصدد عن الإدارة المركزية، والتي توصي بضرورة تفعيل مختلف آليات العفو لفائدة السجناء الذين تتوفر فيهم كافة الشروط القانونية.
من بين تلك المذكرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، المنشور الوزاري رقم: 73 الصادر عن وزارة العدل بتاريخ 5 ماي 1959 والمتعلق بتطبيق آلية الإفراج المقيد بشروط، والذي ورد في الفصل الثالث منه، ما مفاده أن مديرية إدارة السجون تتحقق أثناء الزيارات التفقدية التي تقوم بها فيما إذا كان المحكوم عليهم، المتوفرة فيهم الشروط القانونية قد قدمت بشأنهم اقتراحات الإفراج أم لا، وفي حالة النفي، عليها أن تقف على الأسباب التي أدت إلى عدم تحضير ملفاتهم.
فالقوانين الجنائية المغربية وكغيرها من القوانين المقارنة تشتمل على عدة بنود ومواد تقضي بالعفو من العقوبة بعد توفر كل الشروط القانونية لتحقيق ذلك، وهي المواد المنصوص عليها بمقتضى القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، وكذا طبقا لمقتضيات قانون العدل العسكري، وأخيرا طبقا للقانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، والتي سنستعرضها ونتناولها بالدراسة في هذا المقال لاحقا.
تلك المواد والبنود القانونية التي يمكن لنا اعتبارها بمثابة فسحات للأمل، وملاذات للنجاة يمكن أن يلوذ بها، ويلتجئ إليها الأشخاص المدانون بعقوبات حبسية، والتي تنص على تمتيعهم إما بالعفو، أو بالرخص الاستثنائية للخروج، أو بالإفراج المقيد بشروط، كمكافأة لهم على سلوكهم السوي، وحسن سيرتهم وامتثالهم لقانون السجن، ولأوامر المشرفين على تكوينهم وتأهيلهم ومراقبتهم أثناء قضائهم فترة العقوبة.
فنوافذ الأمل، وأبواب العفو، تبقى مفتوحة دائما في وجه كل من اقترف جرما، أو حمل ظلما، أو تورط في خطيئة ما، إذا راجع سلوكه، وندم على كل أفعاله السلبية وأعماله المشينة، وعبر ما فيه الكفاية عن نيته الصادقة في التوبة، ورغبته الأكيدة في إصلاح نفسه، والاندماج في الحياة الاجتماعية الطبيعية.
وهكذا، فبعد المتابعات التي يتم تكييفها من طرف النيابة العامة، أو التي يتم إنجازها من طرف قضاء التحقيق.
وبعد الإدانات الزجرية المتمثلة في الأحكام والقرارات الصادرة باسم القانون والقاضية بإنزال عقوبات سالبة للحرية في حق كل المتورطين في أفعال جرمية، تعتبر إما جنحh، أو جنايات، وبعد استنفاد كل الطعون، وانتهاء كل مراحل التقاضي، وصيرورة تلك الأحكام والقرارات نهائية وحائزة لقوة الأمر المقضي به، يمكن لكل شخص مدان بعقوبة حبسية نافذة، سلوك أي ضرب من ضروب العفو الجنائي المشار إليها، شريطة توفر الشروط القانونية المنصوص عليها طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، وكذا طبقا لمقتضيات القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
تبعا لذلك نتناول في هذا المقال الحديث عن إحدى أهم آليات العفو الجنائي، ألا وهي آلية الإفراج المقيد بشروط  وفق دراسة نظرية وتطبيقية نحاول من خلالها تسليط الأضواء حول كل الإجراءات المسطرية القبلية والبعدية التي يتم اتباعها لأجل تحقيق هذه الغاية، وكذا كيفية ممارسة وتتبع تلك الإجراءات من طرف الإدارات المعنية، عن طريق توضيح القنوات والمسالك الإدارية التي تمر عبرها تلك الإجراءات، وذلك على ضوء مقتضيات الفصول: 49 و57 و59 من القانون الجنائي، وكذا طبقا لمقتضيات المواد من: 622 إلى 632 من قانون المسطرة الجنائية، والفصل 205 من قانون العدل العسكري، وأخيرا على ضوء المرسوم رقم: 2.00.485 الصادر في 6 شعبان 1421 موافق 3 نوفمبر 2000، والذي تم بموجبه تطبيق القانون رقم: 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1420 موافق 25 أغسطس 1999.
وقد عرف الفصل 59 من القانون الجنائي الإفراج الشرطي بأنه: «إطلاق سراح المحكوم عليه قبل انتهاء فترة العقوبة المحكوم بها عليه، نظرا لحسن سيرته داخل السجن، على أن يظل مستقيم السيرة مستقبلا.
غير أنه إذا ثبت في حقه سوء السلوك، أو إذا أخل بالشروط المحددة في قرار الإفراج، فإنه يعاد إلى السجن لإتمام ما تبقى من عقوبته».
وتعد آلية الإفراج الشرطي طبقا للفصل 49 من القانون نفسi سببا لإيقاف تنفيذ العقوبة، غير أن هذا الإيقاف لا يسري على أداء صائر الدعوى، والتعويضات المدنية، كما أنه لا يسري على العقوبات الإضافية، أو فقدان الأهلية المترتب عن الحكم الزجري، طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في الفصل 57 من القانون الجنائي.

بقلم:  المصطفى ناضر بوعبيد, منتدب قضائي إقليمي بالنيابة العامة
لدى المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا