Saturday, October 20, 2012

وللديمقراطية وجوه أخرى


كما هو الأمر فى كل أمر، فإنه درجات وأنواع. فهناك درجة من الديمقراطية تقف عند الإجراءات وكأن العملية الديمقراطية هى انتخابات واستفتاءات على مدى زمنى معين وما بينهما دعة وسكون ولا فعل. وهذا كان نمط الديمقراطية السائد فى القرن التاسع عشر وصولا إلى العشرينيات حتى اكتشف منظرو الديمقراطية أنهم حين ينتخبون حكامهم وممثليهم فإنه لا وسيلة لهم لإبلاغهم بتفضيلاتهم السياسية إلا بعد عدة سنوات حين يأتى موعد الانتخابات اللاحقة. لدرجة أن دارسى العلوم السياسية تبين لهم أن نسبة أعضاء الكونجرس الذين كانوا يفقدون مناصبهم بعد كل انتخابات كان ضعف ما يحدث الآن، ذلك أن التواصل بين الناخب والمنتخب كان ضعيفا مقارنة بما عليه الآن. وأطلق الباحثون على هذا النمط من الممارسة الديمقراطية اسم: «الديمقراطية الإجرائية».
ثم جاء النقاش فى مسارين متوازيين للحديث عن وجهين آخرين للديمقراطية وهما الديمقراطية التداولية والديمقراطية التشاركية. أما الأولى فهى تتطلب من السياسيين أن يضيفوا إلى مهام صناعة القرار، مهام استلهام الرأى العام، أى ألا يظن الحاكم أو ممثل البرلمان أنه معه عقد تنازل ممن يمثلهم عن حقهم فى إدارة شئونهم (هذا مفهوم فى ضوء الديمقراطية الإجرائية)، وإنما يتحول الحاكم أو عضو البرلمان إلى وكيل (مثل المحامى) عمن انتخبه، وليس بديلا عنه.
وهذا المدخل التداولى للديمقراطية يقتضى تواصلا منتظما بين عضو البرلمان وأهل دائرته وبين المسئول التنفيذى وأهل الاختصاص فى مهنته. ومن هنا بدأت نسبة بقاء البرلمانى فى منصبه ترتفع لأن أصبح أكثر قربا ممن يمثلهم.
ولكن هذا المدخل للديمقراطية يفترض أن الإسهام الحقيقى لجموع المواطنين سيكون بصفة أساسية عبر ممثليهم وحكامهم، فى حين أن هناك طاقات كبيرة يمكن أن توظف لو كانت هناك درجة أعلى من المشاركة المجتمعية القائمة على جهود المجتمع المدنى وجماعات الضغط المنظمة والمبادرات الشعبية. وهنا تأتى أهمية هذا النمط من «الديمقراطية التشاركية» التى يتحول فيها كل شخص إلى مواطن شريك ومشارك فى عملية صنع القرار من خلال مبادرته بتوجيه صانع القرار إن أخطأ والتعاون معه إن أصاب، وملء الفراغ فى التخطيط والتنفيذ إن حدث.
فى أحد كلاسيكيات «الاقتصاد السياسى للتنمية» يقال: «التنمية ليست قرارا تتخذه الحكومة وينفذه المجتمع، ولكنها عملية متداخلة تمهد فيها الحكومة الطريق، وتنطلق من خلاله المبادرات المجتمعية». الديمقراطية التشاركية تقتضى منا أن نتحرك على مستويات ثلاثة:
أولا، لابد لشباب الثورة أن يفكروا فى العمل الجماعى من خلال أطر جامعة سواء محلية أو عامة؛ فالفعل الجماعى أصبح ضرورة.
ثانيا، لا ينبغى أن يكتفى الشباب برد الفعل على القرارات والسلوكيات التى تثير حنقهم، وإنما عليهم أن يتشاركوا فى بناء تصورهم عن مستقبل دورهم فى بناء وطنهم.
ثالثا، المشاركة لا تعنى بالضرورة المعارضة بل هى فى جزء كبير منها التعاون مع ما يحقق الصالح العام بالتعاون مع الحكومة المنتخبة والتى تعبر عن الإرادة العامة للمواطنين.
إذن، فلنعرف ابتداء أن المطلوب منا يتخطى كثيرا فكرة الديمقراطية الإجرائية الانتخابية إلى فكرة الديمقراطية التداولية والديمقراطية التشاركية. وربما تكون حركة «مصرنا» أو غيرها مدخلا ملائما لذلك الهدف.
الكاتب:ـ معتز بالله عبد الفتاح
المصدر:المصريون

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا