Sunday, October 14, 2012

تعريف اللامركزية وشروطها


تعريف اللامركزية وشروطها
اللامركزية – التي تمثل بالنسبة للعديد من الدول أداة لتنفيذ سياسة تهيئة المجال – هي عملية ترمي إلى نقل أنشطة اقتصادية وخدمية من منطقة مركزية مسيطرة إلى أقاليم قليلة النمو.
وتعرف اللامركزية الإدارية بأنها <<أي فعل تقوم الحكومة عبره بنقل السلطة والمسؤولية رسميا إلى فاعلين ومؤسسات على مستوى أدنى في تراتبية سياسية وإدارية ومناطقية >> ، فهذا النقل للصلاحيات الإدارية يمكن الأقاليم من مزاولة عمل الدولة فيما يخص تنفيذ ومتابعة وتسيير الاستثمارات العمومية، وينبغي أن يكون تحويل السلطات إلى الأقاليم مصاحبا بتوفير الوسائل المالية الضرورية للتنمية الإقليمية اللامركزية.
كما تعني اللامركزية عند البعض الآخر << أن تعترف الدولة للأشخاص المعنوية الدنيا (بلديات، مجالس جهوية، مؤسسات عمومية) بنوع من الاستقلالية في تسيير شؤونها الداخلية، لكن دائما تحت إشراف ومراقبة السلطة المركزية >> .
وهناك أيضا من يعتبر اللامركزية مسار أو سياقا يتخلى بموجبه مركز عن جزء من سلطاته وامتيازاته، لصالح مجالات أخرى، فهي بهذا المعنى تحويل جزء من الصلاحيات إلى سلطات أدنى .
ويشترط لقيام اللامركزية عناصر أساسية هي :
* وجود مصالح محلية ذاتية تتمتع بالشخصية المعنوية، فإلى جانب المرافق التي تؤمنها الدولة (كالدفاع والبريد ...)، توجد أيضا خدمات تؤمنها إدارة محلية كتوزيع الكهرباء والماء في الأقاليم، وتتولى الدولة في هذا المجال عملية تحديد المرافق العامة التي تعتبرها وطنية وتلك التي تعتبرها محلية.
ولكي تتمكن وحدات الإدارة المحلية من إدارة شؤونها يجب أن يكون لديها موظفون وأملاك وموازنة خاصة، وأن تمتلك حق التقاضي أي أن تتمتع بالشخصية المعنوية.
* تنظيم مجالس إدارية محلية مستقلة تنتخب من بين الناخبين المسجلين في المنطقة ومن قبل هؤلاء الناخبين.
* أن لا تخضع أجهزة السلطة المحلية لرقابة صارمة من قبل السلطة المركزية، حيث تحقق اللامركزية نوعا من الاستقلال الذاتي غير المطلق، بمعنى أن السلطة المحلية تبقى خاضعة لرقابة السلطة المركزية أو لرقابة ممثليها المحليين، إلا أن هذه الرقابة لا ينبغي أن تكون حادة.
ب- أما اللامركزية الإدارية، ومهما يكن الشكل الذي تتخذه، فتتميّز بقيام كيانات قانونية منتخبة على المستوى المحلي، تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، وإنما تخضع لرقابة السلطة المركزية –المحدودة مبدئيا- رغم استقلالها عنها إداريا". وبالتالي، فإن أهم المعايير الواجب اعتمادها للقول بوجود حالة لامركزية هي:
* قيام سلطة عامة محلية، تستمد شرعيتها من القانون الذي يحدّد صلاحياتها.
* تمتّع هذه السلطة بالشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية الدولة التي هي جزء منها.
* تمتّع هذه السلطة باستقلال مالي، أي بموازنة مستقلة عن الموازنة العامة، وبمصادر واردات خاصة بها، وبإمكانية إنفاق من ضمن الموازنة. لكن هذا الاستقلال ليس مطلقا، فالسلطة المركزية تحتفظ لنفسها بحق الرقابة، نظرا إلى كون هذه الأموال أموالا عامة، يقتضي فرض الرقابة على سبل جمعها وإدارتها وإنفاقها، وإنما حصرا ضمن حدود القانون.
* تمتّع السلطة اللامركزية بالاستقلال الإداري، أي بإمكانية إدارة أموالها وشؤونها دون الرجوع إلى السلطة المركزية إلاّ استثنائيا .
وفي ضوء العلاقة بين اللاحصرية (اللامحورية) واللامركزية يمكن القول أن الأولى تمثل محطة على طريق تحقيق الثانية، والتي تتخذ هي الأخرى أنماطا ومستويات متعددة.
أنماط ومستويات اللامركزية
يشير مفهوم اللامركزية إلى العملية العامة التي تنقل بموجبها السلطة السياسية والعمليات التنفيذية إلى هيئات حكومية على المستوى المحلي، ولقد قسم المنظرون اللامركزية حسب درجتها وعمقها إلى أنماط أربعة تبعًا لمستوى نقل السلطة ولنوع "الوحدة" التي يجري تشاطر السلطة معها، وهذه الأنماط هي:
- التنازل: ويعني نقل السلطة إلى حكومات محلية مستقلة ذاتيا أو شبه مستقلة ذاتيا.
- التفويض: وهو نقل مسؤوليات الخدمات والإدارة إلى أجهزة الحكم والمؤسسات المحلية.
- إبطال المركزية (أو عدم التركُز): ويعني توكيل تنفيذ البرامج الوطنية لفروع أدنى من الحكومة.
- التجريد: وهو نقل الخدمات والمؤسسات العامة (الحكومية) إلى شركات ومؤسسات خاصة" .
ولكل نمط من هذه الأنماط مقومات سياسية ومالية وإدارية (الجدول رقم 1)، فكلما كان حجم ونوع الصلاحيات الإدارية للوحدات الإدارية الممنوحة المحلية والإقليمية في كل جانب من جوانب الإدارة العامة ذات العلاقة بعملية تطبيق اللامركزية كبيراً وهاماً، كلما كانت اللامركزية قوية.
وقد حدد البعض حجم ونوع هذه الصلاحيات لكل جانب من جوانب الإدارة العامة وربطها بمستوى اللامركزية الذي تمثله والتي تمثلت في:
- البعد المكاني : ويقصد به تشكيل الوحدات الجغرافية اللامركزية، فإذا تم ذلك بموجب الدستور تكون اللامركزية قوية، وإذا حصل ذلك وفق قانون تكون اللامركزية متوسطة، أما إذا شكلت هذه الوحدات بموجب قرار إداري فتكون اللامركزية ضعيفة.
- البعد التنظيمي : ويعني مدى استقلالية الوحدات الإدارية المحلية في وضع نظامها الداخلي، فإذا كانت هذه الوحدات تتمتع في ذلك بالاستقلال الكافي تكون اللامركزية قوية، وإذا ما قامت الحكومة المركزية بتحديد إطار عام للنظام الداخلي للسلطات المحلية فتكون اللامركزية متوسطة، وإذا وضعت الحكومة المركزية النظام الداخلي للوحدات الإدارية المحلية أو حددت تعليمات تفصيلية لهذه الغاية فتكون اللامركزية ضعيفة.
- البعد المؤسسي : إذا توفر للوحدات الإدارية المحلية البناء المؤسسي المعتاد للحكومات من برلمان وقضاء مستقل فتكون اللامركزية قوية، وإذا توفرت جميع المؤسسات باستثناء القضاء وبعض المؤسسات الأخرى فتكون اللامركزية متوسطة، أما إذا كانت الإدارات المحلية مجرد سلطة إدارية عندئذ تكون اللامركزية ضعيفة .
- تعيين المسؤولين : إذا كان تعيين المسؤولين في الوحدات الإدارية المحلية يتم بواسطة الانتخاب من قِبل السكان تكون اللامركزية قوية، وإذا تم تعيين المسؤولين في هذه الإدارات بموافقة السلطة المركزية فتكون اللامركزية عندئذ متوسطة، وفي حالة تعيين المسؤولين من قِبل الحكومة المركزية تكون اللامركزية ضعيفة.
- تحديد الصلاحيات : إذا حُددت صلاحيات الوحدات الإدارية المحلية بموجب الدستور تكون اللامركزية قوية، وإذا كان ذلك عن طريق قانون تكون اللامركزية متوسطة، أما إذا كان هذا التحديد قائم على أساس قرار إداري فتكون اللامركزية ضعيفة.
- صلاحية التشريع : إذا تمتعت الوحدات الإدارية المحلية بصلاحية تشريع كاملة في جوانب معينة تكون اللامركزية قوية، وإذا كانت صلاحية التشريع في جوانب معينة موزعة ما بين الإدارة المحلية والسلطة المركزية فتكون اللامركزية متوسطة، وفي حالة عدم امتلاك الوحدات الإدارية المحلية لأي سلطة تشريعية تكون اللامركزية ضعيفة.
- فرض وجمع الضرائب : إذا كان من صلاحيات الوحدات الإدارية المحلية استيفاء ضرائب الدولة المختلفة في المناطق التي تمارس فيها صلاحياتها تكون اللامركزية قوية، أما إذا اقتصرت صلاحياتها في هذا المجال على استيفاء الضرائب المحلية فتكون اللامركزية متوسطة، وإذا لم تمتلك هذه الوحدات أي صلاحياتها في استيفاء الضرائب تكون اللامركزية ضعيفة.
- صلاحية الإنفاق : إذا تمتعت الوحدات الإدارية المحلية باستقلالية في الصرف وبدون شروط تكون اللامركزية قوية، وإذا كان الصرف وفق شروط تحددها السلطة المركزية تكون اللامركزية متوسطة، أما إذا كان الصرف بموافقة السلطة المركزية فتكون اللامركزية ضعيفة .
- تمثيل المصالح المحلية على المستوى الوطني: إذا كانت المصالح المحلية والإقليمية ممثلة بمؤسسات على المستوى الوطني مثلاً في مجالس برلمانية تكون اللامركزية قوية، وإذا اقتصر تمثيل المصالح المحلية على المستوى الوطني بشخص أو أكثر تكون اللامركزية متوسطة، وإذا غاب الشرطان السابقان تكون اللامركزية ضعيفة.
2- مفهوم وأهداف التنمية المحلية:
ظهر مفهوم التنمية المحلية بعد ازدياد الاهتمام بالمجتمعات المحلية لكونها وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة على المستوى القطري، فالجهود الذاتية والمشاركة الشعبية لا تقل أهمية عن الجهود الحكومية في تحقيق التنمية، عبر مساهمة السكان في وضع وتنفيذ مشروعات التنمية، مما يستوجب تضافر الجهود المحلية الذاتية والجهود الحكومية لتحسين نوعية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية للمجتمعات المحلية، وإدماجها في التنمية القطرية .
وهكذا انطلقت التنمية المحلية من فكرة أساسية تؤكد أن التوجه التنموي التعصيري الانتاجوي قد أهمل الوسط الفلاحي والمعارف المحلية التقليدية التي اكتسبتها المجتمعات الريفية التقليدية على مدى قرون، لذا أصبحت هذه المعارف (منذ مطلع الثمانينات وبالنسبة إلى العديد من المؤسسات المختصة في التعاون الدولي) محل دراسة ومصدر استلهام للعمل التنموي باعتبارها قابلة للتطوير، ذلك لأن المجتمعات التقليدية ليست في الواقع جامدة بل تتطور باستمرار وهي قابلة للتكيف مع ما تشهده من ظروف جديدة. ويمكن في هذا الصدد إعادة الاعتبار لطرق العلاج التقليدية، وطرق استغلال الموارد الغابية والمائية والفلاحية المتاحة محليا .
ويقوم مفهوم التنمية المحلية على عنصرين رئيسيين هما :
* المشاركة الشعبية في جهود التنمية المحلية، والتي تقود إلى مشاركة السكان في جميع الجهود المبذولة لتحسين مستوى معيشتهم ونوعية الحياة التي يعشونها معتمدين على مبادراتهم الذاتية.
* توفير مختلف الخدمات ومشروعات التنمية المحلية بأسلوب يشجع الاعتماد على النفس والمشاركة.
أما من حيث الأهداف المرجوة منها فإن التنمية المحلية تهدف إلى الآتي :
* تطوير عناصر البنية الأساسية كالنقل والمياه والكهرباء حيث يعتبر النهوض بهذه القطاعات أساسا لعملية التنمية ولتطوير المجتمع المحلي.
* زيادة التعاون والمشاركة بين السكان مما يساعد في نقل المواطنين من حالة اللامبالاة إلى حالة المشاركة الفاعلة.
* زيادة حرص المواطنين على المحافظة على المشروعات التي يساهمون في تخطيطها وتنفيذها.
إن التنمية المحلية تعمق مبدأ المشاركة في التنمية بهدف تحقيق ديمقراطية التنمية المحلية. فمنطلق التنمية المحلية إذن هو تبني مبدأ البناء من أسفل، بأن نجعل من تنمية الجماعات المحلية نقطة الانطلاق الأساسية لتنمية المجتمع ككل. فكيف إذن تساهم اللامركزية في تحقيق ذلك ؟

ثالثا: دور اللامركزية في تحقيق التنمية المحلية
بما أن اللامركزية هي الحالة أو الوضع الذي يعطى فيه حق المشاركة في اتخاذ القرار للمستويات الإدارية الدنيا، دون أن يلغي ذلك حق الجهة المركزية في اتخاذ القرار، فهي إذن أسلوب في العمل يقوم على مبدأ توزيع سلطة صنع القرار والصلاحيات بين السلطة المركزية وهيئات أخرى مستقلة تتواجد في الأقاليم والتجمعات السكانية المختلفة، وهذا يعني أن اللامركزية الإدارية تتمثل في تفعيل دور السلطات الإقليمية والمحلية، وذلك بإسناد مهام إدارية وتنموية لها تزيد من فاعليتها، وتعزز دورها في تحمل مسؤولياتها وصلاحياتها بالشكل الذي يعمل على دمج السكان المحليين في عمليات التنمية المحلية ويؤدي في النهاية إلى نجاحها .

1- اللامركزية كإطار ملائم لتخطيط وتنفيذ التنمية المحلية
إن الجانب الإداري في عملية إعداد وتنفيذ ومتابعة خطط التنمية عامةً، والتنمية المحلية خاصة قضية يجب التعامل معها على أنها أساسية وضرورية لنجاح هذه الخطط في تحقيق أهدافها، إذ أن فشل كثيـر من خطط التنمية وبالذات الريفية منها في العديد من دول العالم النامي ناجم بالأساس عن الأساليـب الإداريـة المتبعـة في إدارة خطـط التنمية أثناء تنفيذها وليس عن فقـر في محتوى عملية التخطيـط نفسهـا.
على صعيد آخر فإن الإدارة هي التي تبرز أهمية التخطيط اللامركزي مقارنة بالتخطيط القطاعي، وهي الوسيلة الوحيدة التي يتم من خلالها تحويل الأهداف القطاعية إلى إطار عام يصلح كاستراتيجية تنمية محلية تسمح بتحقيق المشاركة الشعبية، وتضمن الترابط والانسجام والتكامل بين الهيئات والمؤسسات المعنية بإعداد وتنفيذ خطط التنمية المحلية، لذلك فإن هيئات التخطيط الرسمية في المستوى الإقليمي والمحلي يجب أن تمتلك السلطة والكفاءة الإدارية العالية التي تمكنها من القيام بدورها على أكمل وجه.
إن عملية التخطيط في ظل اللامركزية الإدارية يجب أن تعني تفعيل المشاركة الشعبية ودور المجموعات المستهدفة في عمليات إعداد وتنفيذ خطط التنمية المحلية، وهذا ما يعرف بأسلوب التخطيط من أسفل، فالتخطيط والبناء من أسفل يعمل على تحقيق مبدأ رئيس من مبادئ التنمية الناجحة كما يراها إيمانويل صن وهذا المبدأ يتمثل في تعزيز الحرية، ولكن ليس بمفهومها السياسي فقط، وإنما بمفهومها الإنساني الشامل الذي يسمح ويعظم من قدرة الإنسان على الاختيـار .
كما أن التخطيط من أسفل يساعد في تحديد أهداف التنمية الإقليمية التي تعكس خصوصية الإقليم قيد التخطيط، ودائماً هناك فرق كبير بين أهداف التنمية الإقليمية التي تضعها هيئات ومؤسسات تخطيط إقليمية، وأهداف التنمية الإقليمية التي تضعها هيئات التخطيط المركزي، وإن كانت الأولى يجب أن تكون مكملة ومنسجمة مع الثانية وغير متناقضة معها.
إن تطبيق الإدارة اللامركزية بفاعلية في مجال التخطيط والتنمية المحلية، يعمل على تطويع برامج التنمية بسهولة إزاء حاجات السكان المحليين ومتطلباتهم، نظراً لأنها تسمح بمشاركة سكان الوحدات الإدارية المختلفة في عملية إعداد وتنفيذ الخطط التنموية لمناطقهم، كما أنها توفر دعماً ضرورياً لحشد الطاقات وتعبئة الموارد، وهذا يهيئ فرص النجاح لخطط التنمية الوطنية في تحقيق أهدافها بشكل متوازن يضمن توفير حياة ملائمة لجميع السكان في جميع المناطق داخل الدولة، ويسهم هذا النجاح في تحقيق التوازن الإقليمي وتقليل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الإقليمية، وهذا يعتمد بالدرجة الأولى على توزيع سلطة صنع القرار بين هيئات التنمية والتخطيط المركزية ونظيرتها المحلية، وذلك على اعتبار أن توزيع الاستثمارات والموارد ورصدها في مجتمع ما له علاقة وثيقة بتوزيع سلطة صنع القرار فيه.


2- اللامركزية وتوسيع خيار المشاركة والديمقراطية المحلية:
يعتبر الكثير من فقهاء القانون الإداري أن اللامركزية ليست أسلوبا إداريا صرفا إنما شكل من أشكال وجود السلطة، باعتبارها وثيقة الصلة بنمط الحكم القائم ودرجة تركيز السلطة ونمط العلاقات القائمة بين الدولة والمجتمع .
ويساعد تبني الخيار اللامركزي على تحسين إدارة الحكم عبر تعزيز المساءلة والمشاركة والشفافية، لذلك اعتمدته العديد من الدول النامية في مختلف أنحاء العالم بهدف بناء قدرتها الإدارية والمؤسسية، ويؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على أن إدارة الحكم الرشيد تتطلب مشاركة الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، فمن دون المشاركة من أدنى إلى أعلى لن تتمكن أجهزة الحكم المحلي من هيكلة أو إدارة الخدمات العامة وتحقيق التنمية المحلية.
وكلما صغر النطاق الجغرافي للمجتمع، زادت قدرة الناس على المشاركة الفعالة في نسق للحكم الرشيد وقل احتمال إهمال "الأطراف" نتيجة لسيطرة "المركز" على المجتمع كله، وهي من آفات الحكم في البلدان النامية. إذ تخلق إدارة الحكم اللامركزي فرصا أكثر لمشاركة الناس وإسهامهم.
وفي أنظمة الحكم الديمقراطي يكون الحكم المحلي ميدانا لتبلور قدرات المساهمة في مجالات الحكم المختلفة، وبروز العناصر القادرة على المساهمة في الحكم المركزي، كما ينظر إلى عملية صنع القرار على المستوى المحلي كأحد أوجه المشاركة الشعبية يعبر عنه بـ"البعد المحلي للديمقراطية" أو "الديمقراطية المحلية" التي تعد إحدى المؤشرات الأساسية لنموذج الحكم الرشيد الذي يراد له اليوم أن يمثل الإطار المرجعي للإصلاح السياسي والمؤسسي في الدول النامية، وفي هذا الصدد يعتبر ألكسيس دي توكفيل أن الهياكل البلدية هي بالنسبة للديمقراطية بمثابة المدارس الابتدائية بالنسبة للعلم .
وتكمن الفكرة الأساسية للامركزية في أن القرارات العامة يجب اتخاذها إذا أمكن على مستوى السلطة الأقرب إلى الناس، إذ يملك قاطنو منطقة معينة الحق والمسؤولية في اتخاذ قرارات بشأن المسائل التي تؤثر فيهم مباشرة والتي يستطيعون اتخاذ قرارات في شأنها.
وفي مقدور أجهزة الحكم المحلي أن تكون أكثر تجاوبا وتكيفا مع الأوضاع المحلية الأمر الذي يؤدي إلى فاعلية أكبر، فالإداريين المحليين يوفرون مجالا أفضل وأكثر راحة، ويضعون المؤسسات الحكومية مباشرة في متناول السكان الذين تخدمهم.
وتمثل البلديات مسرحا لتجسيد التعاون والتضامن، بدءا بالاتصال المباشر بالناس، وكذلك مع المنظمات والجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية، عبر أطر تضمن الديمقراطية والمشاركة في آن واحد. فالمشاركة الشعبية ضرورية لإيجاد المساءلة داخل المؤسسات المحلية والتجاوب مع حاجات المجتمع المحلي.
لكن تطبيق سياسة اللامركزية ليس حلا سحريا لكل المشاكل التنموية على المستوى المحلي، وإنما تواجهه جملة من التحديات.

  ثانياً: أنواع اللامركزية    
ecentralization Kinds

    يميز أغلب الكتاب والباحثين في معرض حديثهم عن اللامركزية بين الأنواع الآتية(10) :

1- اللامركزية الجغرافية: وتتمثل في عملية توزيع السلطة بين أقاليم ومحافظات ومناطق القطر الواحد التي تتمتع بشخصية معنوية تناط بمجلس محلي ينتخب جميع أو بعض أعضاءه من قبل مواطني الإقليم ويكون له صلاحية وضع ميزانية مستقلة واتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بإدارة المشروعات والمرافق العامة في حدود ذلك الإقليم أو المحافظة، ويطلق البعض على هذا النوع من اللامركزية الإدارية بالإدارة المحلية أو إدارة الأقاليم والمحافظات .

ان واقع الإدارات المحلية في العالم يعكس تفاوتاً كبيراً في هياكل واختصاصات هذه الإدارات تتميز فيه المعالم الآتية(11) :

ö     إن الإدارات المحلية في الدول النامية تميل إلى كونها أدوات بيد الإدارات المركزية، فهي بهذا أجهزة تنفيذية للقرارات، كذلك تتميز هذه الإدارات المحلية بأنها تتمتع بقسط محدود جداً من الاهتمام والدعم من قبل السلطات المركزية رغم كونها مكرسة من حيث المبدأ لإشباع الطلبات للأكثرية العظمى من أبناء الشعب، كما تتميز هذه الأجهزة الإدارية في الدول النامية بمحدودية إمكاناتها المادية والفنية بصورة عامة مقارنة بالأجهزة الإدارية المركزية كذلك الشعور بالتبعية والميل نحو عدم اتخاذ المبادرة في ممارسة الصلاحيات المتاحة، ومن طريف القول هنا إن مسألة نقل العاملين من الأجهزة المركزية إلى الأجهزة الإدارية المحلية كثيراً ما يأخذ طابع العقود الإدارية بالنسبة لهؤلاء العاملين .
لابد من الإشارة هنا إلى إن محافظات العراق (عدا منطقة كردستان) تعمل وفق صيغة الإدارات المحلية بموجب قانون المحافظات رقم (59) لسنة 1969 وحتى الوقت الحاضر، أما منطقة كردستان فكانت تعمل بموجب قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان الوارد بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 248 لسنة 1974 إلى غاية عام 1991 .

ö      أما سمات ومميزات أجهزة الإدارات المحلية في الدول المتقدمة فمتباينة فيما بينها، فالإدارات المحلية في النظام الانكليزي والنظام الأمريكي تتميز بأنها تمثل اتجاهاً لا مركزياً واضحاً مقارنة بالإدارات المحلية في النظام الفرنسي الذي يبرز عكس الاتجاه المذكور، رغم تقارب هذه الإدارات المحلية في هذه الدول من حيث تمتعها بقدرات فنية ومالية ومستويات تخصصية عالية نسبياً، أما ظروف العمل في الإدارات المحلية فلا تختلف كثيراً عن ظروف العمل في الإدارات المركزية عكس ما تم ملاحظته في الدول النامية .

ö     أما في الدول الاشتراكية فالإدارات المحلية تبرز اتجاهاً لا مركزياً واضحاً مع التزامها بالتخطيط المركزي القومي شأنها في ذلك شأن الإدارات المركزية، كما تتميز الإدارات المحلية في الدول الاشتراكية بتأكيدها على المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ورسم الخطط ضمن حدود صلاحياتها ومسؤولياتها الجغرافية، أما ظروف العمل والإمكانات الفنية والمادية ومستويات الانجاز في هذه الإدارات المحلية فمشابه إلى حد كبير للإدارات المركزية بسبب التزام الدولة بالتخطيط المركزي وتأكيدها على تطبيق مبدأ المساواة .

2-اللامركزية الوظيفية: وتتمثل في عملية توزيع السلطات والصلاحيات فقط على المستويات الهرمية وبين الأقسام المتخصصة داخل المنظمة أو الوزارة الواحدة، وتبرز الحاجة إلى هذا النمط الاداري كلما اتسعت مهام المستويات العليا وزادت أعمالها وضاق وقتها عن تسيير الأمور بكفاءة وفعالية .

3-اللامركزية السياسية: وهي عملية قانونية يتم بموجبها توزيع الوظائف الحكومية المختلفة – التشريعية والتنفيذية والقضائية– بين الحكومة الموجودة في مركز البلد والسلطات الموجودة في المراكز الأخرى التابعة لهذا البلد نفسه وينتج عن هذا التوزيع نوع من نظام الحكم يسمى (بالاتحاد الفدرالي)• فالاتحاد الفدرالي يتكون من عدة حكومات مركبة تشكل بمجموعها اتحاداً واحداً، فكل ولاية حكومة، ولكل حكومة سلطات ثلاثة: تشريعية وتنفيذية وقضائية وغالباً ما نلاحظ هذا النمط من الحكم في الدول المركبة من ولايات كالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك والاتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا واستراليا والهند وأندنوسيا وغيرها(12).

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا