Monday, October 29, 2012

مستــقبل العلاقات الدولية في ظل وجود فواعل جديدة


مستــقبل العلاقات الدولية في ظل وجود فواعل جديدة
“المنظمات العالمية غير الحكومية” و” المواطن العالمي”
بقلم: د. نبيلة بن يوسف – جامعة مولود معمري
يعالج المقال موضوع الرهانات الكبرى و التحديات الجديدة التي سيواجهها حقل العلاقات الدولية على المدى المتوسط في اقرب التوقعات، بعد بوادر تؤكد سيطرة العولمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الثقافية. و إن كان مبعثا للخوف عند الكثير من المثقفين لاسيما في عالم الشق الجنوبي من الكرة الأرضية. إلاّ أن المؤشرات تدل على تغييرات كثيرة على أبواب الربع الأول من القرن الواحد و العشرين، انه مشهد الفواعل الجديدة في التفاعلات بين دول العالم. و قد حاولنا اختيار المنظمات العالمية غير الحكومية بعد بروزها أداورها في حالات السلم و الحرب ، و في مختلف المحافل حتى العالمية منها، فالي أي مدى يمكن توقع تصدرها المواقع الأولى في العلاقات بين الدول مستقبلا؟ و هل يمكن بعد تحقق فكرة المواطن العالمي التي نظر لها المفكرون و الباحثون ، أن تكون فاعلا جديدا من فواعل العلاقات الدولية؟ و هل ذلك يغير تصنيف الفواعل فتتقدم الجديدة عن التقليدية؟ و هل يمكن أن تزاح التقليدية ؟
لم يكن يتوقع الحاضرين و الفاعلين في صلح وستفاليا عام 1846 الذي أنهى نظاما إمبراطوريا و أقر بالدولة القومية صاحبة السيادة العليا، و الفاعلة الوحيدة في مسرح العلاقات الدولية، أنه سيأتي يوما يقاسم الممثل صاحب الدور البطولي البطولة مع غيره من أبطال فاعلين على خشبة المسرح الدولي. و لم يتوقع أصحاب النظرية الواقعية و الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية أن الدولة القومية ستنزاح بشكل جزئي فاسحة المجال لتدخل منظمات عبر قومية تنشط في الساحة العالمية ، إلاّ أن أصحاب النظرية الليبرالية و الليبرالية الجديدة أكدوا على وجود فاعلين دوليين نشيطين يمكن أن يعوّل عليهم و يساعدون الدول في مهامهم العالمية متحديين النظريات و المناهج التقليدية في العلاقات الدولية.
لقد تنامت المنظمات العالمية عبر القومية بعد ما شاع مصطلح “الدولة المسافرة” و المقصود بها الانسحاب الكبير للدولة من أنشطتها التقليدية في شتى المجالات الحياتية منها الاقتصادية و الاجتماعية.
إنّ المنظمات العالمية غير الحكومية هي مبادرات خاصة بعيدة عن تأثير الحكومات الرسمية، استجابة إلى الرغبة في تنظيم الوضع من اجل ممارسة نشاط معين في الحياة العامة، و هي قائمة على التطوع الفردي الناجم عن الإرادة الواعية بالهدف، و هي لا تسعى لتحقيق ربح مادي. و تعددت التعاريف المقدمة لها بتعدد رؤية الفقهاء و نشاطاتها، يعرفها ” انطوان قزانو” على أنها : ” تجمع لأشخاص طبيعيين أو غير معنويين خواص من جنسيات مختلفة دولية بطابعها بوظائفها و بنشاطها و لا تهدف لتحقيق الربح و تخضع للقانون الداخلي للدولة التي يوجد فيها مقرها الرئيسي”1.
نستشف خصائص تميز هذا النوع من المنظمات كأنها تعتمد على مبادرات خاصة متبرعين و متطوعين، لا تسعى لتحقيق ربح مادي، لها أهداف سامية و نبيلة، لها صبغة دولية، بعيدة عن أن تكون حكومية، و لا تتمتع بشخصية قانونية دولية.
لم يظهر هذا النوع من المنظمات العالمية في سنوات قريبة و إنما ظهر منذ أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، توسع نشاطها في الدول التابعة للقطب الرأسمالي.
اعترف رسميا بهذه المنظمات في هيئة الأمم المتحدة في نص المادة 71 منه، و تزايد عددها في هيئة الأمم المتحدة ذاتها في موقع استشاري في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي إذ وصل إلى عدد 2010 في فبراير 2001، ثم ليصل إلى 2531 منظمة عام 2004. و هي في تنامي مستمر من حيث العدد و من حيث تدخلاتها في مواضيع مختلفة، فقد ساهمت في بلورة مفاهيم التنمية و تدخلت في مسائل أمنية، تشارك أوقات السلم و ترسل البعثات الميدانية، تعمل على الرصد و التوثيق لحقوق الإنسان و التأكد من الحقائق. أنواع البعثات الميدانية كبعثة تقصي الحقائق، للبحث في حالة السجناء السياسيين، حضور المؤتمرات الدولية مثل المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان من عام 1993 فينا سجل حضور أكثر من 800 منظمة غير حكومية. و أثناء النزاعات المسلحة تتدخل جهودها، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تعد اكبر المنظمات في حالة النزاعات. كما تتعاون مع هيئة الأمم المتحدة و مع المنظمات الإقليمية .
فقد ساهمت في إلغاء بعض الأمور التي لم تأخذ الدول على إلغاءها محمل جد،كمساهمتها في إلغاء تجارة الرقيق في القرن التاسع عشر. مما أخاف دول و أذعرها و أصبحت تخشى التقارير الصادرة عن مثل هذه المنظمات، بل لقد أصـبح تأثيرها أعمق لما تضغط على القاعدة الشعبية و على المسئولين على حد سواء. بعد أن تعرض كل ما لذيها من براهين و حجج عن طريق حملات إعلامية كبرى تدعو الشعب( أو الشعوب ) إلى النهوض لأجل تغيير الوضع السيئ، و تنظم مظاهرات لتغيير مواقف الحكومات و حثها على اتخاذ إجراءات فعّالة و جادة. صدق العالم السياسي “شولدن ويلن” لما قال في بداية النصف الأول القرن العشرين أن المنظمات العالمية غير الحكومية لاسيما بعدما امتدت تأثيراتها إلى خارج حدود الدولة ” لقد أصبحت حقيقة و جزء لا يتجزءا من واقع العلاقات الدولية”.
لقد أصبحت قريبة من المواطن أكثر من مؤسسات الدولة، أو ما عبر عنه الكاتب و المختص في العلاقات الدولية “جوزيف ناي” في مؤلفه القوة الناعمة بالقدرة على اجتذاب الأتباع. و لقد أثرت مسائل عدم الثقة و الصراع حول السلطة السياسية على المواطن و أضحى يبحث عن فواعل لا تطمح لبلوغ السلطة السياسية، بل طموحها إنساني عالمي.
و أتبتت براعتها في عديد من الظروف لاسيما أوقات الأزمات و النزاعات و الحروب.
كما قد تصل ضغوطها إلى المسئولين و ذلك عن طريق جولات مفاوضية دبلوماسية لإقناع الجهات المعنية، أو قد تستعمل ضغط المواطنين في حالات ترى فيها احتمال فشل المساعي الحميدة.
و في حالات أخرى تستعمل الوسيلة الإعلامية كطريقة للضغط ، فبعد قيام منظمة مراقبة حقوق الإنسان بإصدار تقريرها العالمي عام 2003 الذي تضمن نقدا قوميا للحكومة الأمريكية على طريقة إدارتها للحرب على الإرهاب ظهرت مقالات في 228 صحيفة و مجلة على امتداد أيام عشر حول المنظمة 2. فالوسيلة الإعلامية التقليدية أم الحديثة كلاها تعمل على مساعدة المنظمات في أعمالها و نشاطاتها إضافة إلى تقديمها للعالم و التعريف بها و قد تقودها للشهرة و من تم لتصدر المراكز الرسمية في حقل الفواعل الرسمية في العلاقات العالمية.
و قد أكد الدكتور “خالد خنفي” على وجود صدام بين الحكومات الرسمية و المنظمات العالمية غير الحكومية، و عليه يوجد صدام بين هذه الأخيرة و المنظمات الحكومية 3.
لقد عارضت منظمات عالمية غير حكومية البنتاغون الأمريكي في معارضته لتحريم إلغاء الألغام الأرضية و عملت جاهدة إلى أن أخرجت معاهدة للوجود بخصوص الموضوع عام 1997.
لقد اتبثت بجدارة قدرتها على معالجة عدد من المشاكل و الصعوبات خدمة للمواطن، و تعمل على تشجيع الجميع على المشاركة في الحياة السياسية و الثقافية قائمة على توعيتهم و تنشئتهم، و لقد طالت خدماتها المستوى الثقافي عن طريق أنشطتها المتعددة كإصدار المجلات و عقد المؤتمرات و الندوات العلمية لمختلف المواضيع الحياتية. و من اشهر المنظمات غير الحكومية نذكر الهلال الأحمر مقره بسويسرا.
يرجع نموها كفاعل دولي غير رسمي لامتلاكها الليونة في التعامل و التأثير في العلاقات الدولية و التأثيرات الوظيفية و البنيوية التي طالت النظام العالمي برمته و الدولة القومية في ظل العولمة المفروضة عليها، و أضحت بذلك مجبورة على التنازل عن بعض من أدوارها و سلطاتها للفاعلين الجدد . و قد قال يوما “جان فرانسوا بيار” مدير المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا أن الدولة الوطنية ضحية العولمة 4.
و لا يمكن إغفال أمر حساس في موضوع المنظمات العالمية غير حكومية متعلق بإمكانية سيطرة مؤسسة أو أفراد معينين عليها أو حتى كسبها لصفتي الدولية و غير الحكومية؛ كمثال مؤسسة تنمية إفريقيا أسست من طرف الكونغرس الأمريكي و تستند تمويلاتها منه و هي مطالبة بالإعلان عن طريق صرف أموالها في إفريقيا و رغم ذلك تعتبر غير حكومية ! ناهيك عن الصفوة الجديدة من رجال الأعمال و الخبراء في مجالات الاتصالات و الإعلام و المثقفين عامة و رجال الدولة التي تبشر بحكومة عالمية كبرى تجعل الدولة تسافر حقا عن عالم العلاقات الدولية.
فكما تسعى المنظمات و المؤسسات التجارية و الاقتصادية إلى فرض نفسها على الصعيد الدولي عن طريق تكتلات اقتصادية تسعى منظمات في المجال السياسي على أن تكون غير حكومية و عالمية تضم مواطنين من كافة دول المعمورة بغض النظر عن اختلافاتهم السياسية و العرقية و الاثنية و أصولهم الجغرافية و الدينية.
سيصبح المواطن العالمي ( le citoyen universel ) فاعلا يحسب له ألف حساب، و يزداد الاهتمام به من كثرة تدخلاته المستمرة محاولة منه إصلاح أوضاع مجتمعه الصغير الدولة و أوضاع مجتمعه الأكبر العالم، بعدما أصبح العالم كقرية صغيرة بعد الثورة التكنولوجية و التقنية و المعلوماتية التي ساهمت في تطوير و ترقية مختلف وسائل الإعلام المسموعة منها و المكتوبة و المرئية – قنوات فضائية -, و وسيلة الانترنت التي جمعت بين كل أنواع وسائل الإعلام. لقد غذى الانترنت جزءا من العالم الافتراضي لا يمكن تجاهله، و قد قالها مستشار للرئيس أمريكي قبل سبعة عشر عاما أن الانترنت سيحقق للعالم ما عجز عن تحقيقه في مجال الديمقراطية ذلك لأنه سيحقق الديمقراطية الكونية[i] .
تساهم وسائل الإعلام لاسيما الحديثة منها (الصحافة الالكترونية)، أكثر من أي وقت مضى في تربية المواطن و تنشئته بالتركيز على القيم المشتركة بين شعوب العالم، و تثقيفه بالقضايا العالمية.
و قد ساهمت الظروف السياسية الدولية تعميم فكرة العولمة و محاولة تجسيدها واقعيا بعد سيطرة القطب الأوحد بفكره الاقتصادي – الليبرالي، و فكره السياسي الديمقراطي على العالم، و قد تصاعد في الوقت الحاضر الاهتمام بفكرة المواطن العالمي و عندما يذكر هذا المفهوم يتباذر إلى الذهن “جعل المواطن الواحد على مستوى عالمي؛ أي نقله من الحيز الجغرافي المحدود (الدولة الواحدة) إلى آفاق اللامحدود ؛أي العالم كله”، فيكون إطار تفاعله و تبادله مع الآخرين على اختلاف المستويات الاقتصادية و الثقافية و السياسية متجاوزا الحدود القومية، مشكّلا سمات بدور التحوّل عن نمط المواطن في الدولة إلى المواطن العابر للقوميات، بالمعنى البسيط إنها علاقة المواطن بالعالم على شكل كتلة واحدة بكافة جوانبها منها السياسية و الأخلاقية و البيئية…، و هو بذلك مرتبط بمفهوم العولمة، التي عززتها عوامل كثيرة كالتغييرات الاجتماعية- الاقتصادية، و السلطة السياسية فوق القطرية و المنظمات العالمية الكبرى غير الحكومية و المهتمة بمختلف مجالات الحياة.
و لن تعد مسؤوليته محصورة و مرتبطة بما يحدث في بلده، بل تتسع و تشمل ارتباطه بالعالم متجاوزة الدولة و الوطن و الحدود 5 [ii] .
الفرص التي تحققها فكرة “المواطن العالمي” هي سهولة الحركة الفكرية الحقوقية الإنسانية في إطار الدولة العالمية (الفاعل الدولي الأكبر المتوّقع) بعد تحوّل الدول إلى مقاطعات داخل نظام كوني متفاعل له نظام و قواعد، و تنصهر الدول تحت لواء الكونية.
رغم تحفظ الدول الانضمام إلى الدولة الكونية خوفا من استلاب سيادتها إلاّ أنها ستجد نفسها تسير في هذا الاتجاه كما يجد المواطن نفسه يسير في اتجاه العالمية، و ذلك من خلال تأثره السريع بما يجري في العالم و تفاعله، و من تم تأثيره على الدول و الحكومات، فقدرته مقدر لها أن تتعاظم لاسيما بعد أحداث تونس و مصر و ليبيا و عدد من دول المنطقة العربية التي قلبت العالم رأسا على عقب، و تعاظمها يزيد من احتمال نشأة “دولة عالمية “، و هذا لا يعن اندثار الدولة القومية، و لا يعن أيضا الخضوع التام لسلطة دولة عالمية. و إن ستكون لدى عديد من الدول فكرة الدولة العالمية في حد ذاتها صدمة تضرب شدتها كالزلزال، مما قد يؤدي إلى تفكيكها أو تفتيتها إن لم تتقبل الوضع الجديد، و تفضل الاعتزال عندها قد تتعرض لضغوط خارجية مساندة للضغوط الداخلية من طرف المؤسسات و المنظمات العالمية و المواطنين لإطلاق الحريات مجبورة، تنادي جميعها بالتحوّلات العالمية على جميع الأصعدة مع احترام جميع الثقافات و الديانات (الحضارات) لاسيما على الصعيد السياسي في مجالات الانفتاح.
من المرجح أنه سيتداول في الأدبيات السياسية، و إن كان قد نظر في أمره عدد من المفكرين الأوائل في الفكر السياسي القديم و الحديث، كالفكر السياسي القديم الذي عرف عند الحضارات الشرقية القديمة و منها الفكر البوذي الذي تأمل نشر أفكاره وصولا لتحقيق الحكم المثالي و هو الملك الكوني و قد اتخذها ملوك من الهند القديمة فيما بعد كمبرر للسيطرة على عدد من المناطق الآسيوية، مسيطرين على مماليك مجاورة تحت شعار : “تحقيق إرادة بوذا على الأرض”، لتحقيق المجتمع البشري الكوني الأسعد.
و من اشهر المنظرين للفكرة على الإطلاق في العصور الماضية هم أصحاب المدرسة الرواقية stoicisinne و على رأسهم المؤسس ” زينون الاكيتومي” بعد أفول المدينة – الدولة في اليونان القديمة ، دعى أصحابها إلى عدم جعل حدود بين مدينة و أخرى، إنها كانت الدعوة للانفتاح تشاؤما من فكرة الانغلاق و المدينة الدولة المصغرّة، و جعل كل فرد فيها مواطن دون النظر لأصوله، عكس ما كان قائما في اليونان و دولة المدينة الأثينية خصوصا التي تنسب صفة المواطنة للأثيني المولد و الأصل (من والدين أثينيين). فكرة لاقت أذانا صاغية و قبولا تاما من طرف الإمبراطور “الاسكندر المقدوني” الملقب بالكبير، الذي راح يؤسس إمبراطوريته الكبرى من 334 إلى 323 قبل الميلاد، و التي أطلق عليها بالمدينة العالمية يصبوا من خلالها على جعل المواطن عالمي التي اطلق عليها آنذاك كوسموبوليتاني cosmopolitain، يتمتع كل مواطن أينما وجد بالمساواة و خضوع الجميع أمام القانون حفاظا على الأمن، و قبول فكرة استقلالية الفرد عن الجماعة. إنها فكرة الكوسموبوليتانية cosmopolitisme ،
و تواصلت الفكرة مع مجيء العهد المسيحي الأول لما تلاقت تعاليمه مع أفكار المدرسة الرواقية كالدعوة للمساواة بين البشر، فأراد أباطرة الإمبراطورية الرومانية أن يحافظوا على فكرة المواطن العالمي بفكرة أن الوعي و حب الوطن يعود للعامل الديني.
و تتالت الإشارة إليها في كتابات “جان جاك روسو” و “جون ستيوارت ميل”، هذا الأخير الذي أشار إلى ضرورة اشتراك المواطنين جميعا في أوقات الأزمات الكبرى في حراك عالمي دليل على ضرورة تجسد فكرة المواطن العالمي لوجود قواسم مشتركة بين الإنسانية قاطبة. فـفي خضم الاختلافات و الانقسامات التي يعرفها عالمنا المعاصر، فإنه يشهد ذات الوقت تزايد للقواسم المشتركة بين البشر لاسيما حول الأضرار التي يتعرضون لها من حروب و أزمات كبرى قد تكون اقتصادية أو بيئية أو سياسية، شأن الحرب على العراق أين اجتمعت حشود غفيرة من المواطنين في معظم دول العالم رافضة غزو العراق عام 2003، و مسيرات شعبية عربية مؤيدة لانتفاضات شعبية تقوم بها شعوب تونس و مصر و ليبيا، إنها بوادر توحي ببداية تشكل المواطن العالمي بل و فرض رأييه على قوى و فواعل كبرى تقليدية في الساحة السياسية العالمية ممهدا الطريق لتأسيس حضور عالمي مستقبلي.
لعل عنصر عدم الثقة بين الحاكم و المحكوم أو الحذر و الارتياب الذي أصبح لا يفارق المواطنين يجعلهم يصبون إلى تكوين تنظيمات كبرى على مستوى عالمي تهتم بالشؤون الكبرى لاسيما تلك المتعلقة بمسائل الأمن بكل أشكاله منها الأمن البيئي و الفكري،الاجتماعي و الاقتصادي، بل الإنساني عامة .
لقد تم إنشاء منظمة خاصة بالمواطن العالمي بتاريخ 23 ديسمبر 2009 على الموقع الالكتروني التالي :
http://www.globalcitizencorps.org/ar/user/12836/edit
بمبادرة من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الإنسان العالمي في جمهورية أوكرانيا الاتحادية ليكون بيت لجميع الحالمين بعالم واحد يضمنا تحت رايته بعدل و رحمة وحرية وليكون مكانا لجمع كل الأفكار الإنسانية لتصبح مرجعا ودستور. و اتخذت جمهورية أوكرانيا مقرا لها. و تعمل على تشكيل فروع لها في كافة دول العالم كطريقة أولى لبداية نشر فكرة المواطن العالمي أو الكوني. و هي من أوائل المنظمات غير الحكومية الافتراضية لإسماع الأصوات العالمية. و عن مساعي المنظمة جاء ما يلي:
” تسعى منظمة المواطن العالمي إلى أن يكون عالمنا برمته تحت قيادة عالمية واحدة بغض النظر عن توجه هذه القيادة أو مذهبها … و يعود موقفنا هذا لرؤيتنا الواضحة من ضرورة جمع سياسي العالم كلهم تحت قبة واحدة تجعهم إن كانت بيضاء أم حمراء أم سوداء لنستطيع أن نعرف عدونا من صديقنا ونحدد المسؤولية بتحديدنا لقيادة العالم. وعليه فإن منظمتنا ليست منظمة إنسانية بمعنى أنها تنكر النزعة الشريرة الموجودة في الإنسان وتحاول محاربتها – رغم أن هذا من الأهداف النبيلة جدا – وإنما هي منظمة تطالب بتوحيد العالم كله تحت راية واحدة تجمعه…. لأننا نرى بالوحدة العالمية السبيل الوحيد للوصول إلى حقوقنا المشروعة في الحياة حيث يصبح المسئول عن ألامنا وأمالنا معروف لنا وللجميع فيسهل بذلك حسابه ولا نضيع نحن بين حيصهم و بيصهم وعندما يلقي كل واحد منهم المسؤولية على الأخر” 6.
و من المتوقع أن انتشار استعمال الوسائط الالكترونية سيروج كثيرا لفكرة المواطن العالمي و الذي سيصبح فاعلا دوليا نشيطا سواء تكتل تحت لواء منظمة عالمية غير حكومية افتراضية أم غير افتراضية، ليضيف نوعا و نمطا جديدا للحياة السياسية عامة و السياسة الدولية خاصة .
إذا سارت الأوضاع نحو الجاري استراتيجيا اقتصاديا و سياسيا فسوف نشهد منظمات غير حكومية عالمية و مواطنين عالميين كفاعلين رئيسيين في مسرح العلاقات العالمية (و ليس الدولية)، و تصبح من القوى الحاكمة للعالم بعد فشل الدول في معالجة قضايا و مسائل دولية كبرى في المسارح الدولية كهيئة الأمم المتحدة و لم تفصل فيها فصلا قطعيا ليومنا هذا، أو لم تصدر عقوبات صارمة للمخالفين للقوانين الدولية. فعلى الدول أن تسعى لإعادة الابتكار في ممارسة الأدوار و المهمات في عصر العولمة و الحوكمة العالمية، و هذا ما جاء في كتاب للمؤلف “علي حرب” الصادر عام 2005 (7).
إنه عصر السباق الرهيب بين الفواعل الجديدة لإثبات القدرات و الموارد ، القدرة على المواصلة، و الكفاءة و الفعالية و بالتالي الحكامة الرشيدة لتفرض نفسها في عصر التنافسية ، و هي القاعدة الأساسية التي قامت عليها الليبرالية – الديمقراطية . و إثباتها معايير الفاعل الدولي ستحظى باللقب المنتظر “الفاعل العالمي الرسمي”.
 الهوامش:
1- ENTOINE GAZANO ,LES RELATIONS INTERNATIONALES ,PARIS :GUALINO ;2001 ;96-1
2- جوزيف.س . ناي ، القوة الناعمة وسيلة لنجاح في السياسة الدولية،(ترجمة: محمد توفيق البجرمي)، المملكة العربية السعودية: العبيكان،2007، ص 138.
3-زين العابدين احمد،”المنظمات الدولية غير الحكومية تعتبر نفسها تمثل الضمير العالمي”، العدد 7213،بتاريخ 26 يناير 2011، نقلا عن : http://webcache.googleusercontent.com/search
4- أماني غازي جرار ، المواطنة العالمية،ط1، عمان: دار وائل للنشر و التوزيع، 2001،ص 45.
5- طلال أبو غزالة، النظام العربي و العولمة،الأردن : دار الفارس، 2004.
6-محمد فادي الحفار،” منظمة المواطن العالمي”، الحوار المتمدن، العدد: 2897 بتاريخ 2010 / 1 / 24 ،نقلا عن : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=200752
7-زياد بن عبد الله الدريس،مكانة السلطة الأبوية في عصر العولمة، ط1، لبنان: المؤسسة العربية للدراسات و النشر.
7- علي حرب،الإنسان الأدنى: أمراض الدين وأعطال الحداثة،ط1، لبنان: المؤسسة العربية للدراسات و النشر،2005، ص261.
Le résumé :
L ‘avenir des relations internationales en la présence de nouveaux acteurs
«Les organisations internationales non gouvernementales” et “citoyen universelle »
Le monde vie une phase de mutations politiques , ces mutations interpellent plus que jamais les états- nations a revenir a ses rôles et fonctions traditionnels , car elle est face au nouveaux acteurs telle que les organisations mondiales non gouvernementales très puissantes, les développements récentes dans le champs des relations internationales a donner l intérêt et la force au organisations mondiales . elle va jusqu’ a crée le citoyen universelle , ce dernier aussi va être un concurrent au rôle de l Etat nation a la scène internationale .
 * مداخلة مقدمة في اطار فعاليات الملتقى الوطني المقاربات المنهجية و النظرية الحديثة في دراسة العلاقات الدولية يومي 03 و 04 ماي 2011 بمجمع هيليوبوليس بقالمة، الجمهورية الجزائرية.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا