Saturday, October 13, 2012

المسؤولية المدنية للقاضي


الإصلاح الحقيقي هو إصلاح المجتمع بكامله

إن الوسائل العملية للزجر ليست وحدها الاختيار الفعال بل إن هذه الوسائل تكون غير منتجة إذا كان الانحطاط ناتجا عن أسباب اجتماعية واقتصادية عميقة. ولكنه إذا كانت هذه الوسائل مقبولة شيئا ما فإنها لا تشكل وحدها العلاج الوحيد لأزمة حادة، إنما علاج مؤقت لأمد قصير إذا لم يعالج المرض من جذوره. لا جدوى في علاج إذا أمكن لمرض أن يظهر من جديد بقوة مرتفعة. ولنا أمثلة متكررة صدرت بشأنها أحكام بدون طائل ومن بين المحكوم عليهم قضاة وموظفون سامون في أسلاك الدولة. وبعبارة أخرى إن العقاب ومحاولات إعادة التربية تكون عديمة الأثر وعقيمة إذا كان انحراف الأشخاص ليس عضويا وإنما هو نابع من مجتمع منحرف موسوم بعيوب متعددة.
إن العقاب وحده كما هو معلوم يولد المهابة والخوف وليس الاحترام والمحبة، وإنما هو خوف مؤقت يستحيل على الأقل إلى عصيان سلبي وإلى فوضى.
ولكنه بفضل سياسة تندمج فيها في آن واحد الوسائل الزجرية والتفعيل للإسوة الحسنة، لا يمكن إلا أن تعود بالخير على الأمة شريطة السير معا للوسيلتين.
ويجب إذن على الدولة والأحزاب السياسية والوعاظ والعلماء وذوي الإرادة الحسنة والمثقفين أن يتشاوروا معا وأن يقفوا متكاثفين كرجل واحد من أجل تأسيس مجتمع قوي عادل كريم ومتضامن.
سوف يكون من الخرافة ومن الأحلام الزائفة محاولة تغيير وجه العدل دون تغيير وجه المجتمع ككل لأن الإصلاح هو إصلاح المجتمع بكامله وبذاته.
إن المهمة لن تكون سهلة إلا باستعمال وسائل الإقناع الشافي والبريء وبالإرادة والميل إلى إصلاح الإنسان لنفسه قبل أن يحاول إشراك الآخرين ومطالبتهم بالانضمام إلى عملية الإصلاح.
إن سن القوانين أو اتخاذ القرارات لا قوة لها ولا أثرا إيجابيا لها إذا لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الجميع. ولذلك أحب أن أشير إلى مثل وقع نهجه في مدينة باريس، ذلك أنه بهدف التقليل من حدة وأثر التلوث في المدينة قرر أن تتحرك السيارات ذات الرقم المزدوج والمنفرد بالتناوب كل يوم وأن يسمح لأولئك الذين لم يستعملوا سياراتهم أن ينتقلوا بالمجان عبر النقل العمومي. إن هذا لمثل ينبغي أن يحتدى.
إن جميع المصائب والويلات في العالم الإسلامي آتية من كوننا انسلخنا عن ديننا واتخذنا الإسلام مظهرا.
وإذا وقع استغلال أو محاربة هذه الأمة ذات العدد الكبير من السكان من طرف الاستعمار فإن ذلك نابع من استعمالنا السطحي والمتخلف أو المتعسف والمنحرف للإسلام.
ويطيب لي أن أشير فقط إلى آيتين قرآنيتين لأحاول إعطاء فكرة على سمو وسماحة ديننا الحنيف:
ـ الآية الأولى 108 سورة الأنعام (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم).
ـ الآية الثانية 140 سورة النساء (إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم).
إن الله في الآية الأولى يوصينا أن لا نسب وأن لا ندنس معبودات المشركين لأن ذلك لا يؤدي إلا للعداوة والمنازعة ولأنه سلاح الضعيف.
وفي الآية الثانية أن الله يدعونا للابتعاد قليلا عن أولئك الذين يستهزئون بتلاوة القرآن وبالرجوع إليهم عند تناولهم حديثا آخر.
وفي هاتين الآيتين يدعونا الله إلى كثير من الصبر والتسامح وإلى كثير من الالتزام والاحترام وإلى نبذ الانتقام والعداوة وأخيرا إلى التحلي بالمثل الحسن على غرار المثل غير المنازع فيه لنبينا (ص). وبجملة مختصرة فإن الله يدعونا إلى التمسك بموقف مثالي إزاء أعداء الإسلام والذي يكون من شأنه تقريب القلوب وجمع الناس حول كلمة الله.
إن نجاتنا وسعادتنا يكمنان في تعلقنا الراسخ بتعاليم ديننا وبإتباع تعليمات نبينا (ص)، هذا الإسلام السمح طوق نجاتنا.
ويطيب لي أن أضيف بعض الإشارات: ألم يقل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). وقال رسوله (ص) لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقال أيضا ما آمن بي من جاره بات على الطوى. وقد نسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال وهو قول حكيم من الأهمية والدلالة بمكان: إذ أردت أن تطاع فآمر بالمستطاع.
إن القوانين السائرة في اتجاه واحد والمواقف الأنانية لا تلد إلا انفعالات ومواقف سلبية والحقد والانتقام والكراهية واختراق الصالح العام.
إنني أعتقد ما لم يقع تكذيبي أنه من باب الخيال إصلاح القضاء خارج إصلاح شمولي للمجتمع أو الاعتقاد أن القضاء إذا وقع إصلاحه قادر أن يقوم العيوب والإعوجاجات المتراكمة أولا داخل أسرته بمفهومها العام ثم داخل المجتمع بأكمله.
وبعبارة أخرى ليس بالصحيح الاعتقاد أن المجتمع مريض بسبب قضاء مختل بل العكس هو الصحيح. إذا كان القضاء غير مجد وغير منتج فلأن المجتمع مريض. إن العلاج الصحيح والأنجع لجميع المشاكل المجتمعية التي نتخبط فيها في جميع الميادين، وعلى جميع المستويات، وأن سر إقامة الوفاء الاجتماعي والأخلاق، والإيثار البناء محل الأنانية الشرسة، أي أن ذلك كله لا يمكن الحصول عنه إلا عن طريق تنمية الإنسان الذي هو مفتاح وعماد تنمية الأمة وعن طريق الأسوة الحسنة بالقول والفعل وعن طريق الإصغاء إلى ديننا الحنيف وتعاليمه. وبفضل ذلك سنعيش نحن وأولادنا أيام السعادة والأمن.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا