أحدثت دون أن توفر لها الموارد البشرية والأطر المستوعبة لأهدافها ولطريقة إدارتها
عبد الجليل بوغبة
يعتبر النهوض بقطاع العدل من بين الاهتمامات التي حظيت بنقاش مهم بين مختلف الفاعلين في هذا المجال، وبالفعل شهدنا بعض التجليات الواقعية التي طالت المؤسسات القضائية بالمملكة، سواء على مستوى تحديث بنايتها ومنابرها، أو على مستوى ادخال التقنيات الحديثة بها، ومع ذلك فإصلاح القضاء لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها أو فقط من خلال إحداث رتوشات هنا وهناك، بل لابد من التوفر على إستراتيجية منطقية منبثقة من رؤية من داخل المؤسسات، وبناء على تقارير ميدانية للتمكن من إدراك جميع الاختلالات التي يعانيها القطاع.
وفي هذا الإطار نتساءل عن دور مؤسسة الوسيط التي أحدثت أخيرا، وهل كان إحداثها يصب فعلا في الاصلاح أم أنها ولدت نتيجة عملية قيسرية لم تراع المعطيات الموضوعية الراهنة؟
وإذا كان المأمول من إحداث مؤسسة الوسيط تفعيل الوساطة بين المتقاضين وباقي أجهزة المحكمة من جهة ورغبة في تبسيط المساطر وترسيخ قيم الشفافية والوضوح لدى المتقاضين في تعاطيهم مع مصالح المؤسسات القضائية من جهة أخرى.
فإننا نرى أن هاته المبادرة شرع في تنزيلها دون الاستعاب الدقيق لطبيعة البنية التنظيمية للمحاكم والإمكانيات البشرية المتوافرة فكان ذلك مؤشرا على ضبابية الفكرة وعدم وضوحها لدى الساهرين على تنفيذها مما يكون بذلك مصيرها إلى التكلس وعدم الفاعلية وبالتالي نبني اسس الإصلاح على مبادرات لاتستجيب للواقع وقاصرة على مجاراة التحديات الراهنة ومن بين الملاحظات التي تثيرها مؤسسة الوسيط:
1- لقد تم إحداث هاته المؤسسة دون أن توفر لها الموارد البشرية والأطرالمستوعبة لأهدافها ولطريقة إدارتها، وهكذا نجد أن المحاكم استعانت لملء مكاتب الوسيط بأطروموظفي كتابة الضبط رغم حجم الضغط الذي تعانيه كتابة الضبط من كثرة الملفات وتعدد الاجراءات.
2- لم يتلق لحد الآن الساهرون على مكاتب الوسيط أي مذكرة أو دليل يحدد طبيعة هذا الجهاز ويحدد المسؤوليات.
3- هل يكتفي الوسيط بإرشاد المتقاضين أم بإمكانه اتخاذ قرارات للحد من النزاع وإن كان كذلك فما هي القيمة القاونونية لهذه القرارات وماهي درجة التزام الأطراف بها...؟
ورغم ما تمت الإشارة إليه فإن المبادرة في حد ذاتها تؤشر على إرادة صادقة في استكمال ورش إصلاح القضاء بالمغرب الذي أصبح يشكل التحدي الأكبر في ظل معطيات عالمية جديدة أضحت فيها محددات التنمية مرتبطة بمدى فاعلية مؤسسات الدولة وقدرتها على تفعيل الضمانات السياسية والقانونية للفرد والجماعة، الأمر الذي يستوجب الانخراط الفعلي والجماعي لإنجاح أي مبادرة تبتغي الإصلاح والرقي المنشودين.
جريدة الصباح
No comments :
اضافة تعليق
الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى