Saturday, October 13, 2012

دراسة: المسؤولية المدنية للقاضي (1/3)


ظاهرة اكتظاظ السجون تشكل المؤشر والدليل على اعتقالات غير سليمة أو خارجة عن حدودها المعقولة



يمكن مخاصمة القاضي في الأحوال الآتية كما نص على ذلك الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية، إذا ادعي ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهييء القضية أو الحكم فيها أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه، أو إذا قضى نص تشريعي صراحة بجوازها، أو إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القاضي يستحق عنها تعويض، أوعند وجود إنكار العدالة. على خلاف شأن سائر أعوان الدولة مهما كانت صفتهم ومهما بلغت درجتهم في أسلاك الإدارة فإن المسؤولية الشخصية للقاضي لا تقوم إلا في الأحوال السالفة الذكر ولو ارتكب خطأ جسيما.
وإذا كان من الضروري سلوك طرق الطعن القانونية ضد أحكام وأوامر القضاة المتسمة بالخطأ البين، فمن المفيد كذلك مطالبة الدولة بالتعويض عن الضرر الحاصل عن طريق المطالبة بإعمال الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص صراحة بأن الدولة مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن خطأ مصلحي وعن أخطاء أعوانها.
ومن صور هذه الأخطاء صدور حكم قضائي من غير استدعاء الطرف المدعى عليه المحكوم عليه ودون تبليغه نسخة من المقال الافتتاحي للدعوة.
ويمكن كذلك أن نتصور صدور حكم بناء على حجة أدلى بها أحد الخصوم من غير تبليغها إلى الأطراف الأخرى في النزاع، من أجل بيان أوجه دفاعهم في شأنها.
ويمكننا أن نفترض وضع شخص رهن الاعتقال ثم الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية بمقتضى حكم يكون فيه التعليل على خلاف المنطوق ينبئ ببراءته.
ويمكن الوقوع في خطأ وضع إنسان رهن الإعتقال والقانون لا يسمح بذلك كما يمكن إجراء متابعة في حقه في غياب شرط أوجبه القانون. فلنتصور أيضا أن المحكمة نسبت إلى متهم في غفلة وتسرع أفعالا لا حديث عنها بتاتا في وقائع النازلة ولا في أطوار المناقشة وفي غياب أدنى إثبات.
وربما تساءل سائل في محاولة معرفة نوع الضرر الذي حصل ما دام انه بإمكان المحكوم عليه الطعن في حكم صدر دون الاستماع إليه أو دون عرض الحجة عليه وتمكنه من الدفاع عن حقه؟ الجواب أنه أولا تلقى صدمة نفسية ومعنوية ومفاجأة موجعة عندما أخبر بذلك. وثانيا أنه أجبر رغما عليه على ممارسة الطعن وتحمل مصاريف الطعن وأتعاب الدفاع. ومن المتوقع أن يتعرض لضرر أكبر إذا تعلق الأمر بقرار استئنافي وهو قابل للتنفيذ بالرغم من الطعن بالنقض. ومن المحتمل أن يستفحل الضرر في حالة ما إذا انتهى النزاع لصالحه بعد النقض والإحالة وأصبح الخصم معوزا لا يقدر على رد ما أخذه منه.
وإذا لجأ المشرع إلى إعفاء القاضي من كل مسؤولية شخصية باستثناء الأحوال المنصوص عليها في الفصل 391 فلأنه يريد أن يستشعره بالمكانة من الاعتبار العالية التي يحتلها دور القاضي في المجتمع.
إن معظم القضاة يتفهمون جيدا معنى وكنه هذا الدور بينما البعض لن يفهموه جيدا إذا إلا تمت مقاضاة الدولة من حين إلى آخر لتعويض الأضرار الناتجة عن أخطائهم فضلا عن إمكانية تعرضهم لمحاكمة تأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء.
إن حرية وحقوق الأشخاص شي مقدس. فعلى المشرع أن ينتابه إحساس كبير بها حتى يضع حواجز من شأنها السماح بمخاصمة القاضي شخصيا عن أخطائه الجسيمة الخارجة عن نطاق الفصل 391 السالف الذكر، وكذا تضييق وحد سلطته التقديرية على غرار ما فعله بالنسبة للتعويض في مجال حوادث السير.
إن ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون تشكل بلا شك المؤشر والدليل على اعتقالات غير سليمة أو خارجة عن حدودها المعقولة أو غير مدروسة. إن الغاية من تنصيب هذا النوع من الحواجز هي إعطاء إشارة قوية من المشرع على رغبته في تدعيم دولة الحق وترسيخ حقوق الإنسان.
إن القانون يلزم كل شخص يتمتع بقواه العقلية ويلزم القاضي في المقام الأول لأنه هو الذي عهد إليه الحرص على تطبيقه تطبيقا صحيحا وسليما.
وأمام قضاة مثقلين بالملفات يشتغلون في ظروف غي مريحة وتعوزهم التجربة الكافية لسنا في مأمن من هذه الأخطاء ومن غيرها.
إن الأخطاء القضائية كانت ومازالت عبر العصور لا تفارق المسيرة القضائية وليست ظاهرة خاصة بعدالتنا المغربية ولكن في أشكال مختلفة. بل على المتقاضين أن يحتموا منها أو أن يحاولوا على الأقل التقليل منها، وذلك بالمطالبة بتعويض الضرر كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وعلى المحامي أن يكون هو اللسان المعبر والمدافع عن المتضررين بروح نضالية للسعي إلى تغيير وجه العدالة الوطنية إلى ما هو أحسن. لا ينبغي للمؤسسة التشريعية أن تبقى غائبة دون الإتيان بالأجوبة التشريعية اللازمة في مجال الإصلاح، بينما يتعين على وزارة العدل أن تجيد التكوين العملي للقضاة قبل أن يتحملوا ممارسة العمل القضائي، وأن تحتفظ أكثر ما يمكن من المدة بالقضاة ذوي تجربة قضائية طويلة. ومن المرغوب فيه والمستحب التفكير في إعادة تكوين القضاة وتعميق التكوين الإداري للرؤساء.
ومعلوم أن القاضي الجيد لا يأتي بين عشية وضحاها. ليس في سنة ولا في سنتين يستطيع القاضي أن يمتلك فن الفصل في النوازل والسيطرة على المساطر وأن تتقوى لديه الملكة القانونية والقدرة على التحليل والاستنباط وأن يتشبع بثقافة التعامل بإنسانية مع المتقاضين ومساعدي القضاء. ولابد في هذا الصدد من الاستعانة بمكونين أصحاب الاختصاص. وعلاوة على فحص طبي شامل للمرشحين لابد من إخضاعهم أيضا إلى اختبار نفسي للتأكد من خلوهم من عاهات مانعة من ممارسة مهنة القضاء.
لا ديمقراطية بدون قضاء مسؤول وناجع. وبفضل إرادة الجميع ليس الأمر مستحيلا.
وبالموازاة مع حرية إعمال الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود من قبل الطرف المتضرر ضد الدولة المغربية، ينبغي في نظري المتواضع أن يعقد المجلس الأعلى للقضاء جلسات يدعو إليها الطرف المشتكي أو محاميه ويقترح في أعقابها عند الاقتضاء عقوبة الإقصاء إذا كان الخطأ جسيما.
إن مسطرة من هذا النوع إذا طبقت سيكون من شأنها إيقاظ الضمائر وبعث القضاة غير الواعين إلى القيام واحترام واجبهم المقدس.
ويقال عن حق إن القانون لا قيمة له إلا من خلال تطبيقه العادل والسليم. ولا غرو أن كل جهد من شأنه تلميع وجه القضاء آيل مقدما إلى الفشل إذا لم يحسن اختيار القاضي ولم يهيأ لتحمل المسؤولية أو إن لم توضع حواجز من أجل تفادي الانزلاق والتعسف.

بقلم: حمو مستور, قاضي شرفي

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا