Wednesday, October 17, 2012

دراسة: سلطات غرفة المشورة


من الثابت في قانون المسطرة الجنائية أن من ضمن الأوامر الصادرة طبقا للمادة 223 من قانون المسطرة الجنائية، عن قاضي التحقيق والقابلة للاستئناف الأوامر المتعلقة بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي والمؤطرة بالمادة 177 من قانون المسطرة الجنائية.

تبلغ الأوامر الصادرة طبقا للمادة 220 من قانون المسطرة الجنائية الى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني خلال الأربع والعشرين ساعة الموالية لصدور كل أمر قضائي بواسطة رسالة مضمونة، كما يشعر المتهم والطرف المدني طبقا للكيفيات نفسها، وضمن الآجال نفسها بالأوامر القضائية بانتهاء التحقيق وبالأوامر التي يمكن استئنافها، وإذا كان المتهم معتقلا يخبره بذلك رئيس المؤسسة السجنية.
وأنه من الثابت قانونا طبقا للمادة 248 من ق.م.ج أن من واجبات رئيس الغرفة الجنحية أو من ينوب عنه التحقق من حسن سير مكاتب التحقيق التابعة لنفوذ محكمة الاستئناف والعمل على ألا تتأثر المسطرة بأي تأخير غير مبرر.
إنه رجوعا الى ملف التحقيق عدد: 2012/610 والقرار رقم 902 الصادر عن الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء بتاريخ 2012/09/19 في ملف القرض العقاري والسياحي المعروف بملف خالد عليوة ومن معه بمناسبة استئناف أمر قاضي التحقيق بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي، يؤخذ من مرافعات الدفاع أنه وقع الدفع بعدة خروقات مسطرية أهمها عدم احترام مقتضيات المواد 220 و177 من ق.م.ج.
عدم تبليغ أمر قاضي التحقيق بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي خرقا لمقتضيات المادة 220 من قانون المسطرة الجنائية، ذلك أن الأمر المذكور لم يقع تبليغه الى دفاع المعتقلين وعلى الأخص دفاع محمد الزيزي، المدير السابق لسلسلة فنادق القرض العقاري والسياحي المسماة “مهد السلام”، كما أنه لم يبلغ الى المعتقلين إلا بعد مضي ما يزيد عن عشرة أيام من تاريخ انتهاء فترة الشهرين المحددة كأصل لمدة الاعتقال الاحتياطي.
إن عدم تبليغ الأمر المذكور وفق الشكليات المنصوص عليها في المادة 220 يجعل الأمر المتخذ بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي عديم الأثر، ولا يمكن أن يعتبر إلا بمثابة إنهاء التحقيق دون أن يتخذ قاضي التحقيق أمرا بانتهائه، ويترتب عليه بالتالي الإجراء المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 177 وهو إطلاق سراح المتهم بقوة القانون.
كما أن عدم الجواب على هذا الدفع من قبل الغرفة الجنحية رغم إثارته بصفة نظامية من طرف الدفاع ورغم خطورته لا يمكن أن يفسر إلا بشيئين اثنين:
إما أن ما أثاره الدفاع صحيح ولا شك فيه وفي هذه الحالة يتعين على الغرفة التصريح ببطلان إجراء التمديد وفقا للمادة 239 من ق.م.ج الذي ينص على ما يلي:
“إذا ما أحيل على الغرفة الجنحية طلب بإبطال إجراء من إجراءات التحقيق فإنها تصرح إذا كان لذلك موجب ببطلان الإجراء المعيب، وإن اقتضى الحال ببطلان الإجراءات التي تليه كلا أو بعضا، طبقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة 211 أعلاه...”
وإما أن ترد الدفع وتصرح بسلامة الإجراء المتخذ وعليها أن تعلل ذلك بكيفية لا لبس فيها بالنظر الى خطورة هذا الإجراء الذي أقل ما يقال عنه إنه يمس حقا من أقدس الحقوق الفردية ألا وهي الحرية، وهو مقتضى وقع التنصيص عليه في جميع القوانين، إذ أن اعتقال الفرد وإيداعه السجن وحرمانه من حريته إجراء لا يلتجأ إليه إلا لمبرر مشروع، ولهذه الغاية كانت الأحكام الجنائية غير قابلة للتنفيذ إلا بعد أن تكتسب قوة الشيء المقضي به، ولكنه استثناء من هذا المبدأ سمح القانون وبشروط خاصة باعتقال المتهم في مرحلتي التحقيق الإعدادي والمحاكمة وقد نبه الى صفة الاستثناء هذه للاعتقال الاحتياطي في المادة 177 من ق.م.ج بصيغة عدم الجواز عندما قال:
“لا يمكن أن يتعدى أمد الاعتقال الاحتياطي شهرين في الجنايات....”
إنه لا يفهم من عبارة لا يمكن إلا أن الأصل في الاعتقال حدده المشرع وجوبا في مدة لا تتعدى شهرين ثم أجاز استثناء لهذا المبدأ إمكانية التمديد وعلقه على شروط يصعب تحقيقها منها وجود الضرورة لاستمرار الاعتقال، وهذه الضرورة يتحتم أن تكون مبررة بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصا ومدعم بأسباب، حيث جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 177 المذكورة: “إذا ظهرت عند انصرام هذا الأجل ضرورة استمرار الاعتقال الاحتياطي جاز لقاضي التحقيق تمديد فترته بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب”.
إن عدم تبرير استمرار الاعتقال لا يمكن أن يشكل إلا تعديا على نصوص قانونية آمرة ومقتضيات دستورية واضحة لا غبار عليها على رأسها المادة 119 التي تجعل من قرينة البراءة حقا مقدسا يفرض احترامه على الجميع، هذا المبدأ كرس ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة لهيأة الأمم المتحدة كما كرسته المادة 1 من قانون المسطرة الجنائية التي اعتبرت كل شخص بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية.
إن استمرار اعتقال محمد الزيزي، حسب ما ذهبت اليه الغرفة الجنحية، بحجة أن الأسباب التي بني عليها الأمر بالاعتقال الاحتياطي وتمديده لازالت قائمة، تعليل لا يستقيم ومقتضيات المادة 248 من قانون المسطرة الجنائية التي تلزم رئيس الغرفة الجنحية بالعمل على حسن سير مكاتب التحقيق والحيلولة دون تأثر المساطر الرائجة بأي تأخير غير مبرر.
وكذا مقتضيات المادة 249 من القانون نفسه التي تمنحه صلاحية توجيه التوصيات اللازمة الى قاضي التحقيق إذا تبين له أن الاعتقال لا مبرر له.
يتضح جليا أن المشرع أحاط المعتقل احتياطيا على ذمة التحقيق بعدة ضمانات أو كل مراقبة احترامها الى رئيس الغرفة الجنحية، وهي ضمانات تجد أساسها في الدستور وفي مختلف المواثيق الدولية وكذا القوانين الداخلية ممثلة في قانون المسطرة الجنائية.
إن من أبسط حقوق المتهم الثابتة تمتيعه بمحاكمة عادلة، لا يمكن أن تتحقق وحالة الاعتقال التي يعتبرها المتهم غير مبررة على الإطلاق. بعد مرور ما يقارب 3 أشهر ونصف على إيداعه السجن دون أن يباشر أي إجراء من إجراءات التحقيق في الملف لأسباب يجهلها ولا بد له فيها ولا يعقل أن تكون على حساب حريته وترهن مصيره ومصير أسرته.
إن الإطار الحقيقي لمحاكمة الزيزي محمد كان يتوجب أن يكون خارج إطار مسطرة التلبس، سيما أن القضية التي هو معتقل على ذمتها انطلق البحث التمهيدي بخصوصها أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية منذ شهور لم يثبت أن تخلف المتهم على إحدى جلسات البحث فيها، أو بدر منه ما يمكن أن يعرقل سيرها، فكيف يقع الأمر بإيداعه السجن فجأة بحجة الخشية من أن يؤثر بقاؤه في حالة سراح على سير التحقيق.
إنه لإن كانت جهة التحقيق تستقل بتقدير وضعية المتهم على ضوء معطيات الملف وما أسفرت عنه الأبحاث الأولية في القضية فإن هذه الجهة ملزمة وطبقا للقانون أن تبرر وتعلل قرارها صونا لحرية الأفراد ولا يمكن تجاوز ذلك بحجة الحفاظ على سرية التحقيق.
إن قرار الغرفة الجنحية الذي لم يتول الجواب على أي دفع من الدفوع المثارة بخصوص الأمر بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي يعتبر تسليما ضمنيا بهذه الدفوع التي تتعلق بخرق مقتضيات جوهرية للإجراءات المسطرية لا يمكن أن يترتب عنها إلا البطلان مصداقا للمادة 212 التي جاء فيها: “يترتب كذلك البطلان عن خرق المقتضيات الجوهرية للمسطرة إذا كانت نتيجتها المساس بحقوق الدفاع لكل طرف من الأطراف”

بقلم: ذ/ المصطفى باحو, محام بهيأة الدار البيضاء
جريدة الصباح
الأربعاء, 17 أكتوبر 2012

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا