Sunday, October 21, 2012

دراسة: المسؤولية المدنية للقاضي (3/3)


الإصلاح الحقيقي هو إصلاح المجتمع بكامله

يمكن مخاصمة القاضي في الأحوال الآتية كما نص على ذلك الفصل 391 من قانون المسطرة المدنية، إذا ادعي ارتكاب تدليس أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم أثناء تهييء القضية أو الحكم فيها أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه، أو إذا قضى نص تشريعي صراحة بجوازها، أو إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القاضي يستحق عنها تعويض، أوعند وجود إنكار العدالة. إذا كانت العدالة كما هو معلوم الركيزة والأساس الذي لا يتصدع للأمة فإنها لا تقف عند قاعات المحاكم فحسب، وإنما تتجلى كذلك في السلوك اليومي للإنسان السوي، في علاقة ربة البيت وخادمتها وفي التعامل بين المشغل وأجيره. فهي ثمرة التربية الحسنة التي تأتي بدورها من المثل الحسن. إنها تتجلى بصفة عامة في استعداد الإنسان إلى الإصغاء إلى أخيه الإنسان وإلى أن يكون في خدمة المجتمع. وبالمناسبة أود أن أسوق بعض الأمثلة التي تخلت فيها الدولة من خلال أعوانها عن الأسوة الحسنة وهي كالآتي:
- لماذا لم يتم التفكير بفتح ضلع في ميزانية الدولة السنوية يوضع فيه قدر مناسب من المال لمواجهة وتغطية الديون المترتبة عن الدولة في حينه بمقتضى أحكام قضائية.
- لماذا لم تتدخل الدولة بصفة إيجابية لمساعدة المحاكم في أدائها بشكل منتظم وبقدر من السرعة أتعاب الخبراء عند وضعهم تقارير الخبرة أو لأداء التعويضات للشهود المطلوبين أمام المحاكم، وذلك لتشجيعهم على عدم التخلف. كم من ملف زجري صدرت فيها أحكام دون حضور الشهود ومناقشتهم بعد أداء اليمين؟
- ولماذا الدولة بمناسبة سلوك مساطر نزع الملكية تأخذ الأراضي من حيازة أصحابها وتقترح عليهم أثمنة زهيدة أقل بكثير من الأثمنة المتداولة في سوق العقار لدفعهم إلى سلوك مساطر قضائية تدوم سنوات عدة يكون أثناءها الوكيل القضائي النائب عن الدولة يجاهد بشراسة من أجل الدفع إلى تبني الثمن المقترح واستدامة النزاع أكثر من اللازم. ومن ضمن هذه الملفات يوجد بعضها لم يعرف نهاية، إلا بعد ما انتقلت عن طريق الإرث إلى أحفاد المنزوع منه الملكية، مقابل تعويض زهيد، مقارنة مع الثمن العادل الذي كان من الممكن صرفه إلى صاحب الأرض، ليتمكن من توظيفه منذ اليوم الأول فيما يعادل في القيمة أرضه المنزوعة. وبسبب ذلك حرم أولئك الأحفاد من الاستفادة من الأثمنة المتصاعدة التي عرفها العقار. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على موقف عنيف وخال من الإحساس من قبل أعوان الدولة الذين من المفروض عليهم حماية المواطنين وحماية الملكية الشخصية.
إن نزع الملكية ما هو إلا شراء جبري من أجل المصلحة العامة ولكن بثمن عادل ومنصف. إن الدولة مثلها مثل الأشخاص يمكن أن تقتني العقارات ولكنها تفضل اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية من أجل اختيار الأرض المناسبة لمواصفات مشروعها.
ومن الظلم الذي تمجه الأسماع في بلد يصبو إلى الديمقراطية أن تنزع الملكية تحت غطاء القانون دون محاولة إرضاء صاحب الأرض واقتراح ثمن مناسب عليه.
سوف يكون من الصواب والتعقل على الدولة أن توفر قبل كل شيء المبلغ المناسب لنزع الملكية من أجل تسديده للمنزوع منه الأرض في حدود ثمن مناسب للأثمنة المعروفة في سوق العقار في آن واحد مع احتلال الأرض.
وعلى ضوء هذا المثل فإن الدولة توحي بأنها تتخذ موقفا عدائيا ضد حقوق الفرد لمصلحة المجتمع في حين أن المصلحتين تندمجان وتتحدان في مصلحة واحدة. وبحمايتها لحقوق الفرد فإنها تحمي في آن واحد حقوق المجتمع. وللتحلي بالمثل الحسن تأبى بنفسها أن تنزل إلى الحلبة القضائية إلا من أجل دفع اعتداء الأفراد على حقوق المجتمع.
وبتعبير آخر إن المسؤولين الإداريين يدبرون الأمور ليس بالتحلي بالحياد وإنما بعقلية جافة من الإحساس الإنساني وبعقلية جلب المنفعة ولو على حساب الآخرين، كأننا في معاملة تجارية. بل يجب على كل مسؤول يحمل هذا الوصف أن يضع على نفسه قبل اتخاذ أي قرار أو موقف السؤال الآتي: ماذا سيكون موقفي لو كنت معنيا شخصيا بالأمر؟
يجب للأعمال الإدارية أن تتصف باللطف وبالطابع الإنساني. ولنا في مثال مدينة باريس الفرنسية ما يدل على وجود الإحساس الإنساني لدى المسؤولين.
إن الله جعل من الأمة الإسلامية أمة وسطا من أجل الحفاظ على التوازن بدون انحراف إلى اليمين أو إلى اليسار وبدون تراخ وإهمال وبدون غلو ولا رحمة ومن أجل وزن الأشياء بالقسطاس المستقيم. إن الشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده.
ومن الأكثر فظاعة وانحرافا وانحطاطا إرشاء الناس من أجل دفعهم إلى إعطاء أصواتهم إلى الراشي ورفعه إلى أعلى قمة في التمثيلية الوطنية. كيف يمكن إذن أن نثق ولو لحظة واحدة في هؤلاء أن في عروقهم ذرة من حب الوطن وحبة من الإحساس لتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية؟ كيف يمكن رفع مستوى القضاء إذا كانت الأخلاق منحطة، وإذا كانت هذه الفئة من الناس قادرة على تحريف الحقيقة وتحريف سير القضاء بشهادة مزورة سببها الارتشاء، وإذا كانت الأنانية تتقدم الصالح العام وتنسف الوفاء والأخلاق العامة؟
كيف يمكن وضع الثقة في فئة عريضة من الراشين والمرتشين الذين تغلب عليهم المصلحة الشخصية على المصلحة العليا للبلاد؟ كيف يمكن بناء قضاء سليم مع هؤلاء إن لم يتم إرشادهم إلى التوبة وتحسين السلوك بفضل سياسة الأسوة الحسنة؟
بل يجب تخصيب الأرض قبل كل شيء لكي تثمر أكثر وأحسن، ذلك أنه بفضل الأسوة الحسنة والخلق السامي يستطيع القضاء أن يساهم في محاربة الاعوجاج ومقاومة القبيح في المجتمع. وبالإرادة الحسنة الصادقة فإن المأمورية ليست بعسيرة. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

بقلم: حمو مستور, قاضي شرفي

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا