Wednesday, October 31, 2012

حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية


تحتل المرافق العمومية المحلية مكانة هامة للقيام بخدمات أساسية، لأنها تشكل أداة لتلبية الحاجيات اليومية للمواطنين في قطاعات حيوية، كالنقل والماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات والازبال، في إطار حكامة جيدة تعتمد إدارة القرب والفعالية والاستجابة الفورية...الخ، لذا يتعين البحث دائما عن أساليب وطرق لتدبير الخدمات الأساسية في أحسن الظروف.
حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية
لا يمكن القضاء على أزمة تخلف الاستثمار الوطني أو الأجنبي في بلادنا، إلا بإيجاد الحلول القادرة على تخطي المشاكل التي تزيد تفاقم أزمة الثقة بين المستثمر والدولة، وكذلك بالبحث في مواقع الخلل والكشف عنها لمحاولة إيجاد حلول مناسبة تساعد على الخروج من هذه الوضعية الصعبة التي نتجت عنها مظاهرات واحتجاجات بالجملة.
فالأمر يبدو واضحا ولا داعي للتذكير بأن التدبير المفوض ليس هو الخوصصة، وبالتالي تبقى مسؤولية الدولة في الرقابة على تنفيذ العقد تجاه المفوض إليه قائمة، بل تنتقل فقط من دور المسير للمرفق العام المفوض إلى دور المراقب.
إن الحكامة في هذا المجال تتمثل في طرح وسائل وطرق جيدة للتدبير من طرف القطاع الخاص، خاصة بعد فشل مجموعة من المنظمات العمومية في تدبير مرافق عمومية محلية، باعتمادها توجهات غير صائبة في التسيير، وبالتالي منح آليات الشراكة مع القطاع الخاص وإمكانيات وفرص حقيقية من أجل تدبير هذه المرافق، وذلك عن طريق عقد اتفاقيات للشراكة والتعاون أو التدبير المفوض...الخ، وهذا بدوره يتيح آليات جديدة للتدبير وتجاوز الطرق التقليدية، إضافة إلى أن تنفيذ السياسات التنموية المحلية من طرف القطاع الخاص يعتبر أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية، مما يدعو إلى البحث المستمر عن ملاءمة وفعالية السياسات التنموية المحلية وضرورة توضيح التزامات الفاعلين وعقلنة التدبير. كل ذلك يقتضي اعتماد مجموعة من المعايير المناسبة لإنجاح هذه التقنية وذلك على النحو التالي:
- يجب أن يكون النظام القانوني للتدبير المفوض واضحا وبسيطا، بتحديد هدف التدبير المفوض عن طريق توسيع المزايا ومحاولة تقليص الجوانب السلبية، وبذلك سيتم تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق المشاريع الكبرى.
- على السلطة المفوضة في حالة التفويض أن لا تتخلى عن جميع سلطاتها خاصة في ما يتعلق بمراقبة التزامات المفوض إليه، والتأكد من مدى مراعاته للصالح العام مع تحقيق هامش الربح طبعا.
- ترشيد نفقات التدبير المفوض بشكل يوفر بنية أساسية، ويسمح بوضع التعديلات المناسبة حسب كل حالة على حدة، متوافقة مع حاجيات الجماعة المعنية.
- صياغة عقود للتدبير المفوض أكثر وضوحا لتفادي أي تأويلات بعيدة عن المعنى الحقيقي لمقتضيات العقد، بتحديد شروط وظروف الاستغلال وكيفية تدبير الممتلكات والمقتضيات المالية (النظام المحاسباتي، سياسة التمويل، الرسوم، برنامج الاستثمارات)، وأيضا الرقابة على هذا التسيير والتنفيذ الشخصي لنشاط المرفق من قبل المفوض إليه.
- الثقة المتبادلة بين القطاعين العام والخاص ينبغي أن تكون مبنية على أسس متينة، بحيث لا يمكن القضاء على أزمة تخلف الاستثمار الوطني والأجنبي في بلادنا إلا بإيجاد الحلول القادرة على تخطي المشاكل التي تزيد من تفاقم أزمة الثقة بين المستثمر والدولة.
- منح القضاء(خصوصا القضاء الإداري) صلاحيات واسعة في مجال الرقابة سيما في ما يتعلق باحترام مبادئ المرفق العام لتفادي بعض التجاوزات من قبل الخواص، خصوصا إذا علمنا أن الهدف الأساسي لهذا الأخير هو تحقيق الربح.
- يجب الأخذ بعين الاعتبار الاختلالات التي كشفها تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2009، بهدف تجاوزها فيما تبقى من مدة تفويض المرفق العام، مع اتخاذ الإجراءات القانونية وتفعيل مجال العقوبة في حق مرتكبيها، سواء كان مفوضا أو مفوضا إليه.
وختاما نود الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي الإرادة والإخلاص وقيم المواطنة المسؤولة، والسعي نحو تحقيق المصلحة العامة والرغبة في خدمة التنمية، لأن الأزمة الحقيقية لتدبير المرافق العامة محلية كانت أم  وطنية، هي أزمة قيم وأخلاق أكثر منها أزمة قانونية، مالية، تقنية وبشرية.
إن دفاعنا عن هذا الطرح – أزمة القيم والأخلاق بالمرفق العام – راجع بالأساس إلى النتائج السلبية التي أثارها التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2009، والمتعلقة بالشفافية وحفظ المال العام وجودة خدمات التدبير المفوض، حيث كشف عدة اختلالات واختلاسات مست بالأساس الجانب المالي، وبالتالي فالبعد التدبيري والبعد الأخلاقي كلاهما مكمل للآخر في علاقتهما بحسن التدبير، حيث يشكلان دعامة أكثر صلابة لحكامة جيدة لسياسة التدبير المفوض بالمغرب.

المصطفى المصبحي, باحث في تدبير الإدارة المحلية- سلك الدكتوراة-
كلية الحقوق سطات

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا