Wednesday, October 03, 2012

الحكامة في تدبير المالية العامة


أصبح الاهتمام في السنوات الأخيرة بالحكامة كآلية لتحسين أداء الإدارة المركزية واللامركزية على جميع المستويات والميادين , وبما إن الهدف من الحكامة هو التحسين ووضع آليات للتدبير الرشيد والجيد لمكونات الدولة وقطاعاتها , ومن هدا المنطلق ارتأيت  بان نتطرق إلى الحكامة الجيدة في تدبير وترشيد الأداء المالي بالمغرب، باعتبار هدا الموضوع يمثل أحد أهم انشغالات الرأي العام بكل مكوناته وتنظيماته، كالحكومات المتعاقبة على دواليب السلطة، ومجموع عناصر المجتمع المدني أحزابا ونقابات وجمعيات... وكذا الخبراء والباحثين في ميدان المالية العامة، ولا ننسى أيضا المواطن العادي الذي أضحى يولي اهتماما متزايدا بالأداء المالي للدولة، نظرا لتأثير ذلك بطريقة مباشرة على مستويات معيشته وكذا لازدياد وعيه بالإكراهات والتحديات المطروحة على الدولة. [1]

ويعزى هذا الاهتمام المتزايد إلى المكانة الإستراتيجية التي تحتلها المالية العامة بالنسبة لجميع العناصر المكونة للدولة، وعلى رأسها الدولة نفسها، إذ يستحيل تصور وجود دولة قائمة بذاتها في غياب أموال خاصة بها، تسمح لها بأداء وظائفها الاقتصادية والإدارية والأمنية والاجتماعية وغيرها وتلبية لحاجيات أفرادها، وذلك بهدف ضمان استقرارها واستمرارها.

وبما أن هذه الأموال التي تستعملها الدولة وجدت من أجل تنفيذ السياسات العمومية التي تخدم الصالح العام، فإنها وكنتيجة لطبيعة هذا الاستعمال، أضحت تتسم بطابع العمومية، وما يستتبع ذلك من تغيير على مستوى طبيعة هذه الأموال سواء من الناحية القانونية أو من ناحية الأدوار والحاجيات التي ينتظر منها تلبيتها، وبالتالي فإننا نجدها قد صبغت بنوع من الخصوصية على مستوى التدبير أو المراقبة، كما أنها أصبحت تحظى بجميع الامتيازات العامة التي تمنحها لها الدولة من حماية قانونية لتأمين حرمتها واحترام قدسيتها، اعتبارا للأهمية والمكانة التي تتصف بها هذه الأموال في بناء واستقرار الدول على مر العصور.

وإذا كان الهدف المتوخى من المالية العامة هو استخدامها كوسيلة أساسية من أجل تحقيق التنمية على جميع المستويات والميادين التي من شأنها الرفع من معدلات التنمية وبالتالي الحفاظ على استمرارية الدولة واستقرارها، وهو ما أشار إليه المفكر الفرنسي [2]François-Perrare اعتبر«أنه من الضروري إحداث تغيير بنيوي في الأفكار والتصرفات سواء كان الهدف هو تحقيق النمو أو التنمية بحيث أن المالية العامة باستطاعتها أن تلعب دورا أساسيا وفعالا في الخروج من التخلف، خصوصا بعدما أصبحت للمالية العامة علاقات متشابكة تربطها بسائر العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية...».

فالمالية[3] العامة تهتم بدراسة العلاقات القانونية والاقتصادية التي تنشأ عندما تقوم الدولة بالنشاط المالي الذي يهدف إلى إشباع الحاجات العامة أو المصلحة والخدمات العامة العمومية ... إلخ، كل هذه المفاهيم شهدت تطورا واسعا راجع إلى التغيير الذي وقع على طبيعة دور الدولة، واتساع تدخلاتها في المجتمع، وقد انعكس هذا التطور بدوره على طبيعة النشاط المالي للدولة مع بداية العصر الحديث.

إذن، فموضوع  الحكامة في تدبير أداء المالية العامة، قد أضحى موضوعا لتحديث الدولة في صيرورة تفعيل تدبير الشأن العام الذي بدوره أصبح يحظى باهتمام متزايد لدى الدولة، وهذا لا يوجد على مستواه أي فرق في كل من الدول المتقدمة أو النامية على حد سواء، وذلك أن إصلاح وتطوير تدبير الأداء المالي ضروري لتحقيق التنمية وتأهيل الموارد البشرية المتاحة بالجهاز الإداري بل أكثر من ذلك فإن للمالية العامة القدرة على جعل الدولة توسع نطاق تدخلاتها العمومية إلى إحداث هيئات عمومية لمباشرة هذه التدخلات إلى جانب الدولة سواء على المستوى الترابي أو على المستوى المرفقي، ودور المالية العامة هنا يكمن في توسعة نطاقها هي الأخرى وعوض أن يؤدي هذا الاتساع إلى خلق روافد متعددة لتخفيف الأعباء المالية للدولة وبالتالي تطوير مناهج تدبير المرافق العمومية عن طريق تخفيف ثقل المركزية من خلال تقسيم الأدوار بين الدولة  والهيئات العمومية الأخرى، وفي نفس الإطار، فإن اللجوء القوي لهذه الهيئات يؤدي إلى خلق أعباء ثقيلة ومستمرة لمالية الدولة وذلك في غياب التحكم في التدبير المالي لهذه الهيئات بما يضمن الرفع من المردودية والحيلولة دون التبذير والتسيب وكذا ضياع المال العام بدل استثماره.

من هنا نجد أنه وكما أكدنا سابقا فإن الوصول إلى هذه الأهداف سيلعب فيه التحسن الملموس في حكامة المالية العامة دورا  أساسيا بالرفع أولا من الموارد المالية للدولة. أن أوراش و مشاريع الدولة لا بد لها من تمويلات وترشيد و الحكامة هي الكفيلة من تحقيق ذلك .

 هذا برغم من تخفيض الضغط الجبائي وتقليص مداخيل الرسوم الجمركية , وبتحسين تدبير موارد الخوصصة التي مولت وتمول صندوق الحسن الثاني, و بعقلنة تدبير المؤسسات العمومية التي أصبحت تساهم بكيفية فعالة في تمويل استثمارات الدولة, وبالتحكم  في التضخم المالي ونسبة عجز الميزانية ودلك يجب ان يكون بموازات مع مجهود استثماري متصاعد للدولة، مما سيمكن من اعتماد سياسات قطاعية واضحة مع إصلاح المحيط المؤسساتي للمقاولة. إن حكامة الأداء المالي للدولة وكذا الآليات المخصصة له’قد أضحى يعتبر من الموضوعات الأساسية التي تشكل مقاسا لدرجة تقدم أو تخلف أية دولة، ومدى مصداقيتها اتجاه مجتمعها المحلي أو الدولي، وذلك من خلال ما تقرره من قواعد وضوابط لصرف وتدبير الأموال التي تستخلصها من الشعب عن طريق الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة، وكذا ما تتوصل به من طرف غيرها من الدول والهيئات الدولية سواء على شكل قروض أو هبات أو مساعدات.

 حكامة المالية العامة أين تتجلى علاقتها و أبعادها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية؟ و ما علاقتها بالتنمية الإنسانية عموما؟ و ما هي معاييرها؟ و كيف يمكن قياس فعالية و نتائج تطبيقها؟ هذه كلها أسئلة تستوجب الجواب اعتبارا لأهميتها الحيوية حاليا أكثر من أي وقت مضى؟

فما هي الحلول الموضوعة والواجب وضعها سواء حلول تشريعية او تجهيزية للقضاء على الاختلالات وتحسين آليات أداء المالية العامة بالمغرب ؟

 محمد الخشاني


--------------------------------------------------------------------------------
المراجع :
[1]- د. محمد حنين: "تدبير المالية العمومية، الرهانات والإكراهات"، الطبعة الأولى، 2005                              5.

[2]- د. أناس بن صالح الزمراني: "المالية العامة والسياسة المالية"، الطبعة الأولى، 2002.

[3]- د. أناس بن صالح الزمراني: "المالية العامة والسياسة المالية"، طبعة 2002.

 وكدا الاعتماد على مقالة منشورة للاستاد الدكتور محمد حركات حول الحكامة المالية

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا