Wednesday, October 31, 2012

التدبير المفوض للمرافق العامة



                    يتضمن هذا الكتاب النص الكامل للقانون رقم 54-05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية.
                                                               أنقر هنا لتحميل الإصدار 

مشروع قانون المالية كاملا + كل ملحقاته


                                                     فيها مشروع قانون المالية كاملا + كل ملحقاته
                                                           نسخة قابلة للتحميل على هذا الرابط
                                                                       التحميل

حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية


تحتل المرافق العمومية المحلية مكانة هامة للقيام بخدمات أساسية، لأنها تشكل أداة لتلبية الحاجيات اليومية للمواطنين في قطاعات حيوية، كالنقل والماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع النفايات والازبال، في إطار حكامة جيدة تعتمد إدارة القرب والفعالية والاستجابة الفورية...الخ، لذا يتعين البحث دائما عن أساليب وطرق لتدبير الخدمات الأساسية في أحسن الظروف.
حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية
لا يمكن القضاء على أزمة تخلف الاستثمار الوطني أو الأجنبي في بلادنا، إلا بإيجاد الحلول القادرة على تخطي المشاكل التي تزيد تفاقم أزمة الثقة بين المستثمر والدولة، وكذلك بالبحث في مواقع الخلل والكشف عنها لمحاولة إيجاد حلول مناسبة تساعد على الخروج من هذه الوضعية الصعبة التي نتجت عنها مظاهرات واحتجاجات بالجملة.
فالأمر يبدو واضحا ولا داعي للتذكير بأن التدبير المفوض ليس هو الخوصصة، وبالتالي تبقى مسؤولية الدولة في الرقابة على تنفيذ العقد تجاه المفوض إليه قائمة، بل تنتقل فقط من دور المسير للمرفق العام المفوض إلى دور المراقب.
إن الحكامة في هذا المجال تتمثل في طرح وسائل وطرق جيدة للتدبير من طرف القطاع الخاص، خاصة بعد فشل مجموعة من المنظمات العمومية في تدبير مرافق عمومية محلية، باعتمادها توجهات غير صائبة في التسيير، وبالتالي منح آليات الشراكة مع القطاع الخاص وإمكانيات وفرص حقيقية من أجل تدبير هذه المرافق، وذلك عن طريق عقد اتفاقيات للشراكة والتعاون أو التدبير المفوض...الخ، وهذا بدوره يتيح آليات جديدة للتدبير وتجاوز الطرق التقليدية، إضافة إلى أن تنفيذ السياسات التنموية المحلية من طرف القطاع الخاص يعتبر أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية، مما يدعو إلى البحث المستمر عن ملاءمة وفعالية السياسات التنموية المحلية وضرورة توضيح التزامات الفاعلين وعقلنة التدبير. كل ذلك يقتضي اعتماد مجموعة من المعايير المناسبة لإنجاح هذه التقنية وذلك على النحو التالي:
- يجب أن يكون النظام القانوني للتدبير المفوض واضحا وبسيطا، بتحديد هدف التدبير المفوض عن طريق توسيع المزايا ومحاولة تقليص الجوانب السلبية، وبذلك سيتم تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق المشاريع الكبرى.
- على السلطة المفوضة في حالة التفويض أن لا تتخلى عن جميع سلطاتها خاصة في ما يتعلق بمراقبة التزامات المفوض إليه، والتأكد من مدى مراعاته للصالح العام مع تحقيق هامش الربح طبعا.
- ترشيد نفقات التدبير المفوض بشكل يوفر بنية أساسية، ويسمح بوضع التعديلات المناسبة حسب كل حالة على حدة، متوافقة مع حاجيات الجماعة المعنية.
- صياغة عقود للتدبير المفوض أكثر وضوحا لتفادي أي تأويلات بعيدة عن المعنى الحقيقي لمقتضيات العقد، بتحديد شروط وظروف الاستغلال وكيفية تدبير الممتلكات والمقتضيات المالية (النظام المحاسباتي، سياسة التمويل، الرسوم، برنامج الاستثمارات)، وأيضا الرقابة على هذا التسيير والتنفيذ الشخصي لنشاط المرفق من قبل المفوض إليه.
- الثقة المتبادلة بين القطاعين العام والخاص ينبغي أن تكون مبنية على أسس متينة، بحيث لا يمكن القضاء على أزمة تخلف الاستثمار الوطني والأجنبي في بلادنا إلا بإيجاد الحلول القادرة على تخطي المشاكل التي تزيد من تفاقم أزمة الثقة بين المستثمر والدولة.
- منح القضاء(خصوصا القضاء الإداري) صلاحيات واسعة في مجال الرقابة سيما في ما يتعلق باحترام مبادئ المرفق العام لتفادي بعض التجاوزات من قبل الخواص، خصوصا إذا علمنا أن الهدف الأساسي لهذا الأخير هو تحقيق الربح.
- يجب الأخذ بعين الاعتبار الاختلالات التي كشفها تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2009، بهدف تجاوزها فيما تبقى من مدة تفويض المرفق العام، مع اتخاذ الإجراءات القانونية وتفعيل مجال العقوبة في حق مرتكبيها، سواء كان مفوضا أو مفوضا إليه.
وختاما نود الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي الإرادة والإخلاص وقيم المواطنة المسؤولة، والسعي نحو تحقيق المصلحة العامة والرغبة في خدمة التنمية، لأن الأزمة الحقيقية لتدبير المرافق العامة محلية كانت أم  وطنية، هي أزمة قيم وأخلاق أكثر منها أزمة قانونية، مالية، تقنية وبشرية.
إن دفاعنا عن هذا الطرح – أزمة القيم والأخلاق بالمرفق العام – راجع بالأساس إلى النتائج السلبية التي أثارها التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2009، والمتعلقة بالشفافية وحفظ المال العام وجودة خدمات التدبير المفوض، حيث كشف عدة اختلالات واختلاسات مست بالأساس الجانب المالي، وبالتالي فالبعد التدبيري والبعد الأخلاقي كلاهما مكمل للآخر في علاقتهما بحسن التدبير، حيث يشكلان دعامة أكثر صلابة لحكامة جيدة لسياسة التدبير المفوض بالمغرب.

المصطفى المصبحي, باحث في تدبير الإدارة المحلية- سلك الدكتوراة-
كلية الحقوق سطات

تعريف المرافق العامة


ليس من السهل تعريف المرفق العام، ولعل صعوبة تعريفه تعود إلى أن عبارة المرفق العام مبهمة ولها معنى عضوي و أخر موضوعي .
المعنى العضوي ويفيد المنظمة التي تعمل على أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة، ويتعلق هذا التعريف بالإدارة أو الجهاز الإداري. أما المعنى الموضوعي فيتعلق بالنشاط الصادر عن الإدارة بهدف إشباع حاجات عامة والذي يخضع لتنظيم وإشراف ورقابة الدولة.
وعلى ذلك يمكن القول بأن المرفق العام هو في حالة السكون المنظمة التي تقوم بنشاط معين ، أما في حالة الحركة فهو النشاط الذي يهدف إلى إشباع حاجات عامة بغض النظر عن الجهة التي تؤديه.
وقد تراوح التعريف بين هذين المعنيين فقد أكد بعض الفقهاء على العنصر العضوي للمرفق العام، بينما تناوله البعض الأخر من الناحية الوظيفية أو الموضوعية , وبعد أن كان القضاء الإداري في فرنسا ومصر يتبنى المعنى العضوي، تطورت أحكامه للجميع بين المعنيين، ثم استقر فيما بعد على المعنى الموضوعي فعرف المرفق العام بأنه النشاط الذي تتولاه الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى، مباشرة أو تعهد به لأخرين كالأفراد أو الأشخاص المعنوية الخاصة، ولكن تحت إشرافها ومراقبتها وتوجيهها وذلك لإشباع حاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام .
وفي ذلك يعرف الأستاذ "رفيرو" المرفق العام بمعناه الوظيفي بأنه نشاط يهدف إلى تحقيق الصالح العام .
ويعرفه الدكتور طعيمة الجرف بأنه " نشاط تتولاه الإدارة بنفسها أو يتولاه فرد عادي تحت توجيهها ورقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجة عامة للجمهور" .
وفي الحقيقة يمكن الجمع بين المعنى العضوي والوظيفي للوصول إلى تعريف سليم للمرفق العام لوجود التقاء بين المعنيين ، عندما تسعى الهيئات العامة التابعة لشخص من أشخاص القانون العام إلى تحقيق النفع العام وإشباع حاجات الأفراد، وهذا يحصل دائماً في المرافق العامة الإدارية.
غير أن تطور الحياة الإدارية، والتغيرات الكبيرة التي طرأت في القواعد التي تقوم عليها فكرة المرافق العامة أدى إلى ظهور المرافق العامة الاقتصادية أو التجارية التي يمكن أن تدار بواسطة الأفراد أو المشروعات الخاصة مما قاد إلى انفصال العنصر العضوي عن الموضوعي وأصبح من حق الإدارة أن تنظم نشاط معين في صورة مرفق عام وتعهد به إلى الأفراد فيتوافر فيه العنصر الموضوعي دون العضوي.
وقد اعترف مجلس الدولة في فرنسا للمرافق الاقتصادية والتجارية بصفة المرفق العام، بل أطلق هذه الصفة على بعض المشروعات الخاصة ذات النفع العام التي تخضع لترخيص أداري مقيد ببعض الشروط، وفق ما يعرف بفكرة المرافق العامة الفعلية .
وفي الاتجاه ذاته اعترف القضاء الإداري في مصر للمرافق الاقتصادية بصفة المرافق العامة وأخضعها لنظام القانون العام .
عناصر المرفق العام
من التعريف السابق يتضح أن هناك ثلاثة عناصر يجب توافرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العام ويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباط المشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه وأخيراً استخدام امتيازات السلطة العامة .

أولاً : عنصر الهدف .
لابد أن يكون الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكون مادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين.
وعلى ذلك يعد تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام عن غيره في المشروعات التي تستهدف تحقيق النفع الخاص أو تجمع بين هذا الهدف وهدف إشباع حاجة عامة أو نفع عام.
ومع ذلك فإن تحقيق بعض المرافق العامة للربح لا يعني حتماً فقدها صفة المرفق العام، طالما أن هدفها الرئيس ليس تحقيق الربح، وإنما تحقيق النفع العام كما أن تحصيل بعض المرافق لعوائد مالية لقاء تقديمها الخدمات إلى المواطنين كما هو الحال بالنسبة لمرفق الكهرباء والقضاء لا يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما بعد وسيلة لتوزيع الأعباء العامة على كل المواطنين .
ومع ذلك فان هدف المنفعة العامة الذي اعترف القضاء الإداري به عنصراً من عناصر المرفق العام لا يمكن تحديده بدقة ، فهو الهدف قابل للتطور ويتوقف على تقدير القاضي إلى حد كبير .
وفي هذا السبيل ذهب جانب من الفقه إلى أن الذي يميز المرفق العام، أن المشروعات التي تنشئوها الدولة تعتبر مرافق عامة لأنها تستهدف تحقيق وجهاً من وجوه النفع العام الذي عجز الأفراد وأشخاص النشاط الخاص عن القيام بها، أولا يستطيعون القيام بها على أكمل وجه .
إلا أن المتتبع لأحكام القضاء الإداري الفرنسي يجد أنه اعتبر الكثير من النشاطات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، رغم إن نشاطها من السهل أن يتولاه الأفراد، ومن ذلك حكم Terrier 1903 المتعلق بقتل الثعابين ، وحكم Therond 1910 الخاص برفع جثث الحيوانات .

ثانياً : عنصر الإدارة
تقوم الدولة بإنشاء المرافق العامة ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظماً من جانب الإدارة وموضوعاً تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعاً لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة.
وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنوية العامة بإدارة المرافق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد، ونفس الأمر إذا أصبحت الإدارة بيد هيئة خاصة بمقتضيات المصلحة العامة تقتضي النص على إخضاع هذه الهيئة الخاصة كاملة فلا نكون أمام مرفق عام.
مع إن هناك جانب من الفقه تؤيده بعض أحكام مجلس الدولة الفرنسي يذهب إلى أن هناك ما يمكن تسميته بالمرافق العامة الفعلية , وتخضع لبعض أحكام المرافق العامة، لأن هذا الاتجاه يتعارض والمستقر في مبادئ وأحكام القانون الإداري التي تقضي بضرورة وجود نص يخول الإدارة إنشاء المرافق العامة.

ثالثاً : وجود امتيازات السلطة العامة :
يلزم لقيام المرافق العامة أن تتمتع الجهة المكلفة بإدارة المرفق العام بامتيازات غير مألوفة في القانون الخاص تلائم الطبيعة الخاصة للنظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة.
غير أن هذا الشرط مختلف فيه بين الفقهاء على اعتبار أن التطورات الاقتصادية وتشعب أنشطة الإدارة أفرزت إلى جانب المرافق العامة الإدارية مرافق عامة صناعية وتجارية تخضع في الجانب الأكبر من نشاطها إلى أحكام القانون الخاص كما أن خضوع المرفق للقانون العام هو مجرد نتيجة لثبوت الصفة العامة للمرفق ، ومن غير المنطقي أن تعرف الفكرة بنتائجها .
غير أننا لا نتفق مع هذا الرأي من حيث أن المرافق العامة الصناعية والتجارية وأن كنت تخضع في بعض جوانبها لأحكام القانون الخاص فأنها لا تدار بنفس الكيفية التي تدار بها المشروعات الخاصة كما أن إرادة المشرع في إنشائها تضعها في إطار نظام قانوني غير مألوف وأن لم تتضمن امتيازات غير مألوفة في القانون الخاص.
ومن هنا نرى ضرورة خضوع المرافق العامة لنظام قانوني متميز عن نظام القانون الخاص بسبب طبيعتها المتميزة واستهدافها المصلحة العامة ومن قبيل ذلك حقها في التنفيذ المباشر وحقها في استيفاء الرسوم، وهذا ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي .

الدكتور مازن ليلو راضي –القانون الاداري- منشورات الأكاديمية العربية في الدنمارك 2008

أنواع وتصنيف المرافق العامة


أنواع المرافق العامة
   تقسم المرافق العام إلى : مرافق عامة إدارية , ومرافق عامة اقتصادية , ومرافق عامة مهنية , على أساس طبيعة النشاط أو الخدمة التي تؤديها .
    وتقسم إلى : مرافق عامة وطنية , ومرافق عامة محلية , من حيث امتداد نشاطها مكانياً أو جغرافياً أو إقليمياً .
    وتقسم أيضاً إلى : مرافق عامة تتمتع بالشخصية المعنوية , ومرافق عامة لا تتمتع بالشخصية المعنوية , وذلك بالنظر للهيئة التي تقوم على إدارتها .
    وتصنف أخيراً إلى : مرافق عامة اختيارية , ومرافق عام إجبارية , على أساس مدى حرية السلطة العامة في إحداثها , أي وفقاً لأسلوب إنشائها .
تصنيف المرافق العامة وفقاً لطبيعة نشاطها
    يمكن تقسيم المرافق العامة من حيث طبيعة نشاطها , أو من حيث الخدمة التي تؤديها , إلى :
1.   مرافق عامة إدارية .
2.   مرافق عامة اقتصادية .
3.   مرافق عامة مهنية أو نقابية .
1- المرافق العامة الإدارية ( ويطلق عليها المرافق السيادية ) :
    يقصد بالمرافق العامة الإدارية : المرافق التي تتناول أنشطة إدارية تدخل في صميم الوظيفة الإدارية التقليدية للدولة , وتختلف في طبيعتها عن النشاط الذي يمارسه الأفراد عادة , وتتولاها سلطة إدارية مستخدمة في إدارتها أساليب القانون العام .
    ومن أهم المرافق العامة الإدارية مرفق الدفاع , ومرفق الشرطة .
    فهذه المرافق تقدم خدمات هامة لأفراد المجتمع , وتتعلق أنشطتها بمرافق سيادية تعتبر من مظاهر سيادة الدولة , ولذلك تتولى الدولة إدارتها وتحتكرها بشكل كامل ولا تسمح للأفراد والهيئات الخاصة بالتدخل لإدارتها .
    وتخضع المرافق العامة الإدارية كقاعدة لأحكام وقواعد القانون العام ( القانون الإداري ) , ويترتب على ذلك نتائج في غاية الأهمية :
آ- يعتبر العاملون في المرافق العامة الإدارية موظفين عموميين لدى الدولة , ويخضعون للقوانين والأنظمة التي تحكم الوظيفة العامة .
ب- تعتبر أموال المرافق العامة الإدارية أموالاً عامة لا يجوز الحجز عليها أو التصرف فيها , ولا يسري عليها التقادم المكسب للملكية .
ج- تعتبر القرارات التي تصدر عن المرافق العامة الإدارية قرارات إدارية تخضع للنظام القانوني الذي يحكم القرارات الإدارية .
د- تعتبر العقود التي تبرمها هذه المرافق عقوداً إدارية إذا تضمنت العناصر المميزة للعقد الإداري , وفقاً لمعيار العقود الإدارية .
هـ - تعتبر المنازعات التي تنشأ عن نشاط المرافق العامة الإدارية منازعات إدارية تدخل في اختصاص القضاء الإداري , إلغاء وتعويضاً .
و- تتمتع المرافق العامة الإدارية بحق استخدام امتيازات القانون العام , مثل نزع الملكية للمنفعة العامة , والاستيلاء المؤقت , والتنفيذ الجبري بالقوة المادية .
2- المرافق العامة الاقتصادية ( الصناعية أو التجارية أو الزراعية أو المالية ) :
    تعرف المرافق العامة الاقتصادية بأنها : مشروعات تجارية أو صناعية أو زراعية أو مالية تمارس نشاطاً اقتصادياً يماثل النشاط الذي يقوم به الأفراد والهيئات الخاصة ، وتتضمن جميع العناصر المميزة للمرافق العامة , وتخضع لقواعد القانون الخاص والقانون العام معاً كل في مجال معين .
   ومن أمثلتها : مرافق توريد الكهرباء والمياه والغاز ومرافق البريد والهاتف والمواصلات … إلخ .
   وتخضع المرافق العامة الاقتصادية لنظام قانوني مزدوج أو مختلط يتكون من قواعد القانون الخاص والقانون العام , ويختص بمنازعاتها في أغلب الحالات القضاء العادي , وأحياناً القضاء الإداري , وذلك لأن هذه المرافق تمارس نشاطاً تجارياً وصناعياً وتتبع في إدارتها أساليب المشروعات الخاصة.
3- المرافق العامة المهنية :
   ظهرت المرافق العامة المهنية وانتشرت بشكل كبير عقب قيام الحرب العالمية الثانية , لتنظيم المهن الرئيسية في الدولة بواسطة الأفراد الذين يمارسون هذه المهن , ومن أجل ذلك أباح لها المشرع حق استخدام بعض وسائل القانون العام , مثل نقابة المحامين ونقابة الأطباء ، وظهرت أيضاً بالإضافة لها الغرف الصناعية والتجارية .
   والمرافق العامة المهنية هي عبارة عن مرافق موضوع نشاطها هو توجيه وتنظيم ورقابة النشاط المهني الذي تتولاه , ويعهد بإدارتها إلى هيئات مهنية يخولها القانون بعض وسائل السلطة العامة لتأدية رسالتها .
    وتقوم هذه المرافق على الأسس والمبادئ التالية :
أ- تتخذ هذه المرافق شكل النقابة , ويشرف على إدارتها مجالس منتخبة من أعضاء المهنة ذاتها , وبالتالي فإن أعضاء مجلس النقابة لا يعتبرون موظفين عموميين .
ب- يكون الانضمام إلى النقابات المهنية إجبارياً بقوة القانون , ويعتبر شرطاً من شروط اكتساب صفة العضوية وممارسة المهنة . فالمحامي مثلاً لا يستطيع مزاولة مهنة المحاماة ما لم يكن مقيداً بجدول نقابة المحامين . وبهذا تختلف النقابات المهنية عن نقابات العمال التي يكون الانضمام إليها اختيارياً .
ج- تتمتع النقابات المهنية بالشخصية الاعتبارية أو المعنوية , وتعتبر من أشخاص القانون العام , وتقوم بإدارة مرفق عام . أما في سورية فما زالت تعتبر من أشخاص القانون الخاص .
    وتنفرد النقابات المهنية باختصاصات واسعة دون غيرها من نقابات القانون الخاص , نظراً لكون الانضمام إليها قسرياً وشرطاً لازماً للممارسة المهنة , ومن أهم هذه الاختصاصات :
1- تمثيل المهنة والدفاع عنها أمام الدولة وغيرها من السلطات العامة وإمدادها بكافة المعلومات الفنية عن المهنة وإمكانياتها .
2- يخول المشرع النقابات المهنية سلطة الإشراف على النظام الداخلي للمهنة , عن طريق إصدار قرارات لائحية أو تنظيمية يلتزم بها جميع الأعضاء , وقرارات فردية تخص عضواً معيناً .
  ويمكن إظهار السلطة الآمرة لهذه النقابات والتي تستتبع خضوعها للقانون الإداري على الشكل التالي :
أ ) - تختص النقابات بوضع القواعد المنظمة لمزاولة المهنة والخاصة بواجبات المهنة وآدابها ,  والعقوبات التأديبية التي يمكن أن تفرض في حال مخالفتها .
  ويقوم بوضع هذه اللوائح عادة مجلس النقابة .
  وتخضع هذه اللوائح للرقابة الإدارية من قبل السلطة التنفيذية .
   ويجوز لكل عضو أن يطلب إلغاء تلك اللوائح أمام القضاء الإداري إذا كانت غير مشروعة .
ب ) - النظر في طلبات انضمام الأعضاء الجدد إليها , والتحقق من استيفاء الشروط القانونية المطلوبة , والرقابة على جدول القيد الخاص بها .
  وتكون النقابة مسؤولة أمام القضاء الإداري وفقاً لقواعد المسؤولية الإدارية في حالة رفض قرار القيد أو تأخيره بدون مسوغ شرعي .
ج ) - الرقابة على أعضاء النقابات , وإصدار قرارات تأديبية في حق الأعضاء الذي يرتكبون مخالفات مسلكية .
  وتخضع السلطة التأديبية للنقابة للقواعد التي تحكم الإجراءات التأديبية للموظفين العموميين .

Tuesday, October 30, 2012

عرض:حول الجهـــــوية الموسعـة ومشروع الحكـــــم الذاتي


تقديم عام  :                                                                                  
إن البناء الجهـوي بالمغرب سواء في مساره التاريخـي العـام أو في تطوُراته الحديثة والمُعاصرة يُعتبر بناء ذا ارتباط قوي بالتطــور السياسي العـام للبلاد ، وبالإستراتيجية الملكية لتدبير الشأن المحلي، لذلك أصبحت السياسة اللامركزية في بعدهـا الجهوي موضوعاً قارا داخل الخطاب السياسي الرسمي وورشة مِحورية للعديد من الأعمال الأكاديمية وحلاًَ نظرياً وديمقراطيا وفعليا للعديد من القضايا الشائكة بالمملكة ، وهو ما يجعل الجهوية في بُعدها السياسي والإداري و الاقتصادي والاجتماعي والقانوني محط مدارسة وبحث تحظى بتتبع جُل السياسيين والاقتصاديين والجغرافيين والإداريين والقانونيين والاجتماعيين . لدى عمِل المغرب منذ بداية سنة 2010 على تقديم ملف أساسي يتمثل في الخطوط العريضة للجهوية ،من خلال الجهوية المُوسعة المُعلنة ضِمن الخطاب الملكي في 3 يناير 2010 ، والذي حمَل في طياته  الإستراتيجية التنموية الشاملة في كل أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية ، التي تشهدها المملكة ، وكذلك للدفع بجمـيع مكونات المجتمع المغربي  للانخراط الجماعي في هذا المشروع الوطني والرسمي والدولي ، وحل أقدم الملفات الدولية المتنازع فيها ، والتي عُرضت في مرحلة معينة على أنظار منظمــة الوحدة الإفريقية –الإتحاد الإفريقي حالياً -،لينتقل فيما بعد إلى أروقة منظمة الأمم المتحدة التي حاولت ومنذ مدة طويلة، وعبر عدة حلول واقتراحات إيجاد حل لهذا النزاع، لكن ومع كامل الأسف فجميع المحاولات التي طرحت لاقت اعتراض هذا الطرف أو ذاك، والسبب في ذلك يرجع إلى التدخل الجزائري في النزاع عن طريق الدعم اللامشروط و اللامشروع لجبهة البوليساريو..  
وأمام هذا الواقع أختـار المغرب أن يذهب بعيداً في مسيرة الديمقراطية والتنمية وذلك من خلال استكمال الأوراش المفتوحة ، وفتح أوراش جديدة من أهمها ورش الجهوية الموسعة والمُتقدمة،وهذا ما عبر عنه جلالة الملك بشكل صريح في خطابه بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية ، حينما صرّح :  »ويظل في صُلب أهدافنا الأساسية ،جعل أقاليمنا المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة ..« -[1] .

فإذا كانت الجهوية المُوسعة تهم كل أقاليم وجهات المملكة المغربية ، فإن أقاليم جهة الصحراء تحظى بأهمية كُبرى في إطار هذا الورش الهـام،الذي يحظى بدعم وتشجيع أغلبية أعضاء المجتمع الدولي بما فيها الدول الأعضاء الدائمة العضوية بمجلس الأمن، وكذلك الأمم المتحدة والتي ومن خلال قرار مجلس الأمن رقم 1754 رحبت بالجهود المبذولة من قبل المملكة المغربية لحل النِزاع في الصحراء ،وما يؤكد جدية المقترح في تعامله مع النزاع هو القرار الأخير رقم 1920 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 30أبريل2010 والذي يؤكد مصداقية المغرب الرامية إلى المضي قُدما بالعملية صوب التسوية.
     إذن فالمبادرة المغربية المتعلقة بمنح حكم ذاتي للأقاليم الصحراوية ، ليست غاية في حد ذاتها ، وإنما وسيلة لإثبات احترام الشرعية الدولية ، وهي ثانيا آلية لإقرار وتعزيز الديمقراطية المحلية والحكامة الجيدة التي من شأنها ضمان الحريات والمساواة والتدبير المعقلن للشأن العام الوطني والمحلي ،وإرساء المفهوم الجديد للسلطة، والذي في إطاره يتولى أبناء الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم وذلك عن طريق المؤسسات التي تنص المبادرة على إحداثها.
وبناءا على هذا، فإن مختلف التجارب العالمية في مسألة الجهوية وافاق الحكم الذاتي بها،أخذت مسارات متباينة ومتفاوتة  بلورت طبيعة كل دولة على حدة ، باختلاف ظروفها وبصيغة الأهداف التي تصبوا كل دولة لتحقيقها،وبالتالي فالجهوية قد تأخذ مفهوما ذا طابع إداري واقتصادي كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا ،وقد تأخذ الجهوية مفهوما سياسيا كما هو الشأن بالنسبة لإيطاليا وإسبانيا. كما ان العديد من الدول السائرة في طريق النمو أصبحت الجهوية فيها ضرورة اقتصادية وتنموية واجتماعية وإدارية تفرض نفسها أمام تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي وصلت إلى الحد الذي أصبحت فيها الدولة المركزية عاجزة وحدها عن  إيجاد الحلول اللازمة لحلها .
فإذا كانت الجهوية عموما أحد الأساليب الحديثة للممارسة الديمقراطية، فالجهوية السياسية يأخذ فيها بعين الاعتبار المقومات الثقافية والاجتماعية داخل نفس الدولة،فالمنطق الديمقراطي لا يقضي بخضوع الأقلية للأغلبية ـ وإنما اعتراف لهذه الكيانات الاجتماعية بخصوصيتها الثقافية وهويتها السياسية وحقوقها الاجتماعية - كحقها في تسيير شؤونها بنفسها،وهو ما يطلق عليه بالاستقلال الذاتي أو الحكم الذاتي .
يعكس مفهوم الحكم الذاتي تاريخيا جوانب متعددة لحياة بعض المجتمعات الإنسانية ،ولعل هذا هو السبب الذي من أجله لا يجد مستقرا ثابتا في نظام قانوني واحد، من هنا يعتبر الحكم الذاتي ذو تاريخ طويل في التفكير الإنساني والفلسفي ،هذا الأمر أكسبه شيئا من الغموض والتعقيد نتيجة للمعاني والأدوار التاريخية التي مر بها ، وللازدواج في مدلولها بين الجانب السياسي والجانب القانوني .
الحكم الذاتي كمفهوم يصعب ضبطه نظريا، فهو يثير الخلاف ويستعص بشأنه الاتفاق ، إذ هو غامض ومتسع ويتضمن قدرا كبيرا من المرونة إذ يقترب أحيانا كثيرة من الإدارة والقانون ويكون بذلك حُكما ذاتيا إداريا ، وفي حالات أخرى يكتسي طابعا سياسيا ،وفي بعض التطبيقات يجمع بين الطابع السياسي والإداري والقانوني معا.
ومن هنا وجب التطرق إلى الحكم الذاتي من خلال مفهومه ومكوناته وكذا الضوابط الدستورية والقانونية التي تؤطره وبالتالي الغوص في أعماق تجارب الأنظمة التي انتهجت هذا النوع من الحكم و التسيير (الحكم الذاتي) ضمن مناطقها،وبما أن الجهوية الموسعة بالأقاليم الصحراوية ما هي إلى خطوة أولية لإقرار وتطبيق الحكم الذاتي سنتطرق ضمن بحثنا هذا أيضا إلى الأهداف والمرتكزات التي تسعى الجهوية المُوسعة لتحقيقها ، (المبحث الأول).
وبما أن المغرب يعرف حاليا دينامية كبيرة من أجل منح أقاليمه الصحراوية حُكما ذاتيا في إطار الجهوية الموسعة التي أعلن عنها الملك محمد السادس ضمن خطابه، أصبح ضروريا منح هذا الموضوع أهمية كبيرة من خلال التطرق للمبادرة المغربية لتمتيع الصحراء بالحكم الذاتي وكذا التساؤل عن أهم الأسس والمبررات الداخلية والخارجية التي دفعت المغرب لتبني هذا الخيار (المبحث الثاني ).

المبحث الأول : الجهويـة السياسية و مشـروع الحُكـم الذاتـي رؤية إستراتيجية وغايـة دستـورية و حلاً للنزاع الصحراوي في الأقاليم الصحراوية:

المطلب الأول :       مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي والقانون الداخلي العام مع إبراز جل مكوناته:


يتقاسم مفهوم الحكم الذاتي القانونين،القانون الدولي العام ،والقانون العام الداخلي، غير أن مدلوله يختلف حسب كل واحد منهما[2].
     فمفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي العام  يعني أن يحكم الإقليم نفسه،ويقصد به أيضا " صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة المستعمرة السيادة عليها". وهو ينشأ بواسطة وثيقة دولية، سواء كانت معاهدة دولية تعقد بين دولتين بشأن إقليم خاضع لسيطرتها أو عن طريق اتفاقيات تبرمها منظمة الأمم المتحدة  وعصبة الأمم.  
     وقد بدأ مفهوم الحكم الذاتي في البروز عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة اللامركزية في إدارة شؤون مستعمراتها ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مستعمراتها إلى علاقة اشتراك بمعنى آخر بقاء المستعمرات في حالة تبعية لكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي. ومن هنا كانت العلاقة بين الطرفين على أساس مبادئ القانون الدولي العام، غير أن التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم وتبنيها لنظام حماية الأقليات ونظام الانتداب جعلت مفهوم الحكم الذاتي يعرف تطورا أساسيا، فقد تمكنت الدول الاستعمارية من إيجاد صيغة قانونية لاستمرار هيمنتها الاستعمارية وذلك عن طريق تطبيقها لنظام الحكم الذاتي في مستعمراتها.وقد أدى هذا التطور الذي شهده مفهوم الحكم الذاتي إلى خروجه من نطاقه الضيق كعلاقة داخلية إلى المجال الدولي واكتسابه بعد ذلك بُعدا قانونيا دوليا. وتم التنصيص عليه بعد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة في الفصول 73 و 74 .
     وفي الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة وفي المادتين 73 و76 أشير إلى مفهوم الحكم الذاتي، والتزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين يضطلعون بإدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا من الحكم الذاتي الكامل بمراعاة العمل على تنمية هذه الأقاليم، وشمل هذا الالتزام جانبين:أولهما، كفالة تقدم هذه الشعوب، و ثانيهما إنماء الحكم الذاتي.
غير أن الدول الكبرى، آنذاك أصرت على ضرورة أن يكون الحكم الذاتي، وليس الاستقلال هدف هذه الشعوب والأقاليم التابعة والمستعمرة ، لكن هذا القرار قوبل بالإعتراض بعض ممثلي الدول على عبارة "الحكم الذاتي" إذ كانوا يرون فيها ذريعة لتهرب الدول المستعمرة من منح الاستقلال السياسي الكامل للبلدان المستعمرة، وفي مقابل ذلك رأوا ضرورة النص على الاستقلال السياسي الكامل، كهدف للدول التي لم تكن تمتع بالاستقلال آنذاك. وهكذا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل لجنة في عام 1946 عرفت فيما بعد بلجنة الإعلام عن الأقاليم غير المحكومة ذاتيا،وشغل تعريف هذه الأقاليم حيزا كبيرا من المناقشات، وذلك في ضوء المادتين73 و76 من الميثاق وشارك في هذه المناقشات دول عديدة،في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومصر، والهند والفلبين وغيرها. وأفضت هذه المناقشات إلى تبني عدد من المعايير العامة التي لا بد من توافرها في الإقليم، حتى يمكن انطباق صفة الحكم الذاتي عليه وهي:

1-  ضرورة وفر سلطة تشريعية في الإقليم تولى سن القوانين، ويتم انتخاب الأعضاء بحرية، في إطار عملية ديمقراطية أو أن تشكل بطريقة تتوافق مع القانون، وتجعلها موضع اتفاق السكان.

 2- سلطة تنفيذية يتم اختيار الأعضاء في جهاز له هذه الصلاحية ويحظى بموافقة الشعب.............................................................................................
3-  سلطة قضائية يناط بها تطبيق القانون واختيار القضاة والمحاكم.
كما تضمنت هذه المعايير ضرورة التحقق من مشاركة السكان في اختيار حكومة الإقليم من دون أية ضغوط خارجية مباشرة،أو غير مباشرة، من طريق أقليات محلية مرتبطة بقوى خارج الإقليم، تريد فرض إرادتها على الأغلبية، وبالمثل توفر درجة من الاستقلال الذاتي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والتحرر من الضغوط الخارجية، وتحقيق المساواة بين مواطني الإقليم في التشريعات الاجتماعية وغيرها.
     أما مفهوم الحكم الذاتي  في القانون العام الداخلي يقصد به صيغة للحكم والإدارة،تطبق على منطقة  أو مناطق معينة ؛ تتميز بخصائص ذاتية،ويكون عن طريق الاعتراف بالشخصية المعنوية لهذه الأقاليم،ومنحها اختصاصات وسلطات متعددة،مع بقائها في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة[3]،  قام مشرعو القانون الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات متباينة، بمحاولات للتخفيف من الطابع الإستعماري لمفهوم الحكم الذاتي، وذلك بتصويره فكرة مستمدة من مبدأ حق تقرير المصير القومي، وقاموا بتنظيمها في إطار قانوني ليكون أساسا لحل المسألة القومية ومشكلة عدم التكامل، ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والصين والعراق.

     كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول متعددة القوميات اقتنعت بأن الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقا من هذا التصور للحكم الذاتي، اتجهت هذه المجموعات إلى تبني هذا النظام دون رفع شعار الطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظا على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، ولقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي علقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتجهت معظم الدول التي تعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامل الوطني إلى النص صراحة على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها. ويمكن القول أن الحكم الذاتي الداخلي هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري،وبتعبير أخر هو نظام لامركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم معين قوميا أو عرقيا  داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية.
      المطلب الثاني : الحكم الذاتي مكوناته وعناصره :                                                  
إن النظم  اللامركزية أيا كان شكله ،سواء أكانت لامركزية سياسية أم لامركزية إدارية تتميز بوجود عنصرين رئيسيين،هما الإستقلال الذاتي لهيئاتها،ووجود علاقة قانونية تكفل لها رقابة مركزية على هذه الهيئات وأعمالها، فإنه في حالة نظام الحكم الذاتي ينضاف العنصرين السابقين عنصراً بالغ الأهمية هو الإقليم أو النطاق الجغرافي الذي تعيش فيه الجماعة أو عرقية بذاتها وتمارس سلطاتها.وعليه يتشكل الحكم الذاتي من ثلاث عناصر هي:
-         الرقعة الجغرافية حيث تمارس هيئات الحكم الذاتي سلطتها (المقاطعة أوالإقليم).
-         الإستقلال الذاتي لهيئات الحكم الذاتي.
-         ورقابة السلطة المركزية على هذه الهيئات.                                          
 الإقليم (المقاطعة):
يُعد هذا العنصر أساسيا ضمن عناصر الحُكم الذاتي ،حيث يذهب الفقيه الإيطالي كارلولافانيا إلى "أن الحكم الذاتي نظام خاص بالجماعة البشرية –القومية أو العرقية- التي تقطن عادة في إقليم معين" [4]،كما ذهب الفقيه أستاذ لدوفان وويه عندما عرَّف الحكم الذاتي "بأنه نظام يوجد حينما يعطي الدستور استقلالا للوحدة الإقليمية،يصل إلى هيئات اولة العليا مع التمتع بالسيادة ".
     إن أهمية دور الإقليم في قيام الحكم الذاتي تتضح عند استعراض القواعد القانونية المنظمة لذلك المفهوم إذ أغلب قوانينه تبقى فاقدة لمعناها الدقيق مالم يُضاف إليها مُصطلح الإقليم وهو ما أكدته أكثر الدساتير التي أخذت بفكرة الحكم الذاتي.
     لهذا فالتكامل الجغرافي للإقليم أو المقاطعة هو شرط لبلوغ هدف الحكم الذاتي والتمايز في التكوين القومي أو التكامل الإقليمي يؤدي حتما إلى اختلاف في تطبيق عدة أنظمة الحكم الذاتي.
الاستقلال الذاتي :
يعتبر الاستقلال الذاتي أحد المقومات الأساسية لنظام الحكم الذاتي الداخلي،إذ تتمتع فيه السلطات التشريعية والتنفيذية باستقلال ذاتي الذي من خلاله تتقلص سلطات الحكومة المركزية ،وتمنح الهيئات التي تنتخبها الجماعة القومية أو العرقية التي ستمارس الحكم الذاتي في إقليم مميز من الدولة جزءا من اختصاصاتها الدستورية،كما انه يمثل تمسك مواطني الإقليم بوجودهم المميز وحفاظهم على كيانهم الذاتي.
ومما تثيره فكرة الاستقلال الذاتي هو أنه يعهد لهذه الهيئات مباشرة أغلب اختصاصات السلطات الدستورية في الدولة (تشريعية التنفيذية المالية)،حيث تنص قوانين الحكم الذاتي على حق الإقليم في سن قوانينه الخاصة،عن طريق مجلس تشريعي إقليمي[5]-عدا ما يدخل في اختصاص السلطة المركزية –إضافة إلى مهمة التنفيذ وإدارة المرافق العامة في الإقليم بواسطة هيئة تنفيذية [6].
     والحكم الذاتي كأي تنظيم لا مركزي يقوم على فكرة الشخصية المعنوية، حيث يتمتع بذمة مالية مستقلة تتميز عن الذمة المالية للحكومة المركزية ،والتي تتجلى في وجود موازنة خاصة مستقلة لها، من حيث التمويل والإنفاق الذاتي.          
 الرقابة على هيئات الحُكم الذاتي:                                    
إن الاستقلال الذي تتمتع به الأقاليم الحكم الذاتي ،مهما كان مداه ودرجته ،فهو ليس عاما ولا مطلقا ،بل محدود بالأبعاد الذي يحددها المشرع ،وهو ما يفترض وجود رقابة مركزية تكفل مبدأ الشرعية وتحمي المصالح الوطنية العامة،فعندما تصدر عن هيئات الحكم الذاتي أعمالا قانونية تخالف القواعد الدستورية والمبادئ العام التي قررتها التشريعات المركزية ،يحق لهذه الأخيرة الطعن في تلك الأعمال التشريعات الإقليمية- إما بطعن سياسي أمام البرلمان المركزي ،أو بطعن قضائي إذا ما تم المس بالمشروعية .
وتشمل الرقابة المركزية على هيئات الحكم الذاتي ، الرقابة التنفيذية والرقابة التشريعية والرقابة القضائية والرقابة المالية [7].
المطلب الثالث : الضوابط القانونية والدستورية لنموذج الحكم الذاتي والجهويات السياسية الموسعة

     إن المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصِلة ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في  الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا ،وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير متعارف عليها عالميا ضمن (المادة 11 من مشروع الحكم الذاتي).
فهل فعلا يستوفي مشروع الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب الضوابط القانونية اللازمة ؟
أولا : الضوابط الدولية (المادة 11 من مشروع الحكم الذاتي المغربي) :
     تعتبر الضوابط الدولية مما يميز الحكم الذاتي عن باقي أنظمة الجهويات السياسية بمختلف أصنافها ودرجاتها.
قرار مجلس الأمن 1720/2006:
-      التوصل إلى حل سياسي وعادل ودائم ومقبول بين الطرفين
قرار مجلس الأمن 1754 في أبريل 2007 :
-      مبادرة جديدة لإيجاد حل سياسي وعادل ومقبول للطرفين .
-      يرحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية وال رامية إلى المضي بالعملية صوب التسوية
-      البحث الجدي على حل يتجاوز مشروع بيكر 2003.
ارتكاز الحكم الذاتي على  مبادئ مشروع ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده :
-  نظام الحكم الذاتي الناتج عن المفاوضات سيتم للتشاور من خلال استفتاء السكان طبقا لمبدأ تقرير المصير  ولنصوص  ميثاق الأمم المتحدة (المادة8).
-  وجوب خضوع الحكم الذاتي لاستفتاء بشكل حر وديمقراطي طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ويشكل ممارسة حرة لحق السكان في تقرير مصيرهم المادة( 27).
-  مفهوم السكان الصحراويين يضم سكان وساكني المخيمات من خلال ضمان عودتهم وسلامتهم وكرامتهم ليقولوا كلمتهم بحرية (المادة 31.30.32).
-      تقرير المصير يُعرف وفقا لمبادئ الأمم المتحدة ،ولكن كذلك مقاصده لضمان المكانة اللائقة والدور الكامل لكافة الصحراويين في مختلف هيئات الحكم الذاتي دون تمييز أو إقصاء المادة (4)[8].
ثانيا : الضوابط الدستورية :
     إن الخوض في هذه الضوابط الداخلية الدستورية يقربنا أكثر بين نماذج الحكم الذاتي و الجهويات السياسية في كل بلد على حدة باختلاف طبيعة تشكلها والأهداف الرامية إليها ، ولا جدال في أن كافة الدول ترتكز في وضع دساتيرها عل بنيان من المبادئ الضروري لأي نظام وأي مجتمع .وهي السيادة ،الوحدة والشرعية.
مبدأ السيادة:
يلعب مفهوم الشخصية المعنوية الدولية دورا أساسيا وهي التي تميز الدولة الفيدرالية عن الكنفدرالية عن الموحدة البسيطة ، والتي قد تكون دولة الجهات أو دولة المجموعات المستقلة.وهكذا فإن الدولة المغربية هي المؤهل الوحيد للتعبير الخارجي عن الشخصية الدولية في العلاقات الدولية وتحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين  السيادة لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين (المادة6).
مبدأ الوحدة :
     من الآليات التي تتضمنها تهيئة مبدأ الوحدة : وحدة الأمة ووحدة الحقوق والحريات.
        وحدة الأمة :
يؤسس مبدأ وحدة الأمة في أنظمة الحكم الذاتي وضمن دستورها مابين احترام استقلالية الجهات الإدارية والسياسية  وبين عدم المساس بسيادة ووحدة الدولة والأمة،وهو ما يعني النجاح في تدبير التنوع والاختلاف في  إطار الوحدة القوية.
     وهذا المبدأ العام نصت عليه مختلف الدساتير فلدى الجمهورية الإيطالية نصت بأن الجمهورية الإيطالية موحدة غير قابلة للتجزئة من خلال ما نص عليه(الفصل 5 من الدستور 27 دجنبر 1947) .وكما جاء أيضا في (الفصل 2 من دستور إسبانيا 27 سبتمبر 1978 )،حيث يضمن حق التنوع الجهوي مع مراعاة التضامن بينها وضمان الوحدة القوية للأمة الإسبانية .
وحدة الحقوق والحريات :                                                                  
يكفل الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان كافة الحقوق الذي سيتمتع بها سكان الجهة ، طبقا لما هو متعارف عليه دوليا (المادة 25 من مشروع الحكم الذاتي).
مبدأ الشرعية :
يقوم على ضرورة احترام الأدنى للأعلى سواء كمؤسسات ، أو ما يصدر عنها كأعمال وتشريعات  ،باعتبارها تعكس السيادة ،وهي بذلك محورا لتماسك أي دولة أومجتمع أو أمة.
الأسس :
وقوة الشرعية مترابطان بوحدة الأمة وانسجام مصادرها الشرعية وتراتبيتها ،باعتبار الدستور أسمى قانون في الدولة وعلى ضوئه تفهم التشريعات والتي يجب أن لا تتعارض مع مضامينه.واستقلالية مناطق الحكم الذاتي أو الجهات السياسية لا يتعارض مع التنصيص عل مبدأ التجانس بين التشريعات لمناطق الحكم الذاتي وبين الدستور ،ففي دستور إيطاليا وضمن فصوله 114 -117-123 تنص أن كل جهة لها نظام أساسي يتجانس مع الدستور، وبالتالي كل القوانين التنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات الجهة يجب أن تطابق مع نظام الحكم الذاتي من جهة ومع دستور المملكة من جهة أخرى (المادة24 من دستور الحكم الذاتي).
ومن البديهي أن يتضمن هذا الضابط الأساسي ضمانات مؤسساتية وقضائية.
 الضمانات :
ضمانة قضائية :
طبقا للمادة 23 من مشروع الحكم الذاتي المغربي،تتولى المحكم العليا الجهوية باعتبارها أعلى هيئة قضائية ،النظر في تأويل قوانين الجهة دون المساس باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة ،حيت نجد في الدستور الإسباني المحكمة الدستورية تمارس قضائها على كافة التراب الإسباني طبقا( للفصل 123 و 163 من الدستور الإسباني)[9]. وتبُتُ المحكمة الدستورية في النزاعات المرتبطة بدستورية القوانين والأعمال التي لها قـوة قانون للدولة والجهات (الفصل 134 و127 من دستور إيطاليا).


ضمانة السلطة العُليـا :
وتعني ضمانة السلطة السامية أو الفيدرالية في المركز باعتبارها ضامنة لوحدة الدولة ورمز لسيادة الأمة وتجانسها ،وهو بالتالي ضمانة للشرعية وحماية للمؤسسات وللحقوق ولحريات،وعلى هذا الأساس يبقى فصل 19 المرتكز الوحيد لهاته الضمانة.
وإلى جانب السلطة السامية المركزية تحتفظ الكثير من الأنظمة يضمان ممثلي الدولة في مناطق الحكم الذاتي أو الجهات السياسية،ففي مشروع الحكم الذاتي المغربي هناك مندوب للحكومة برتبة سيزاول اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء (المادة 16 من مشروع الحكم الذاتي).
ففي إيطاليا يتوفر مندوب الحكومة المركزية على أخطر إجراء وهو الحلول محل السلطات المستقلة أو حتى الحل وذلك في حالة عدم احترام الاتفاقيات الدولية والمعايير المشتركة أو هناك خطر الأمن العام ،أو استمرار الحكومة الجهوية في خرقها للقانون رغم إنذارها. (الفصل 126 من دستور إيطاليا).
مبدأ الاحتياطية أو التفريع الفرعية :
في توزيع الاختصاصات :
وهو نوع من توزيع الاختصاصات عملا بالمبدأ الأصيل "الالتزام بناء على حسم قانوني واضح أو تعاون وتفاهم شريف" ،أي ما يستطيع الأدنى القيام به يترفع عنه الأعلى وما يعجز عنه الأدنى يتولاه الأعلى، وقد أدرج هذا الضابط لأول مرة في مشروع الحكم   الذاتي في المادة 17  الذي نص على أنه من جهة أخرى تُمارَس الاختصاصات التي لم يتم التنصيص على تخويلها  صراحة ،باتفاق بين الطرفين وذلك عملا بمبدأ التفريع[10].
في توزيع السلطة المعيارية :
 من مميزات الحكم الذاتي ليس توزيع السلطة المعيارية (أي سلطة الأصل وليس الفرع) ولكن ثنائية السلطة المعيارية بناء على تراتبية السيادة والشرعية ووحدتها. ويتجلى هذا الضابط في مشروع الحكم الذاتي المغربي ،من خلال كون الدولة تحتفظ باختصاصات حضرية خاصة منها ما يلي: مقومات السيادة لاسيما العلم والنشيد الوطني والعُملة،المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية والحريات الفردية والجماعية،الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية والنظام القضائي للمملكة (المـادة14 من مشروع الحكم الذاتي المغربي ) وماعدا هذا فهو من اختصاص مناطق الحكم الذاتي .
في تنازع الاختصاص :
تحتفظ كل دولة بمعايير خاصة في توزيع الاختصاصات ما بينها وبين التقسيمات الترابية الأخرى كالجهات والمجموعات المستقلة،فمن بين هاته الأنظمة نجد إيطاليا حيث تجعل الأصل في الاختصاص هو الجهات المستقلة(الفصل11 من دستور إيطاليا).
أما في النموذج الإسباني (الفصل 149) ،يميز بين ثلاث حالات  في تنازع الاختصاصات:
-      الحالة المخولة بصريح الدستور فالأصل هو الجهات وليس الدولة.
-      حالة غير المخول بصريح الدستور  لأي منهما فالغلبة لقانون الدولة (الوطني).
-      اختصاصات لم تلتزم أو لم تستطع الالتزام بها المجموعات المستقلة فهذه تعود للدولة.
وعلى هذا الأساس فالتوزيع يجب أن يراعي المبادئ التالية حسب ما جاء في قرار المحكمة الدستورية الإسبانية 03 نوفمبر 1982:
-         ضمان وحدة الشروط لممارسة الحقوق لكافة الاسبان.
-         التنقل الحر للممتلكات في تراب الدولة .
-         الوحدة الاقتصادية.
-         الوحدة القضائية .
-         ضمان وحدة شروط العيش للإسبان..
مبدأ الديمقراطية :
يُقال عادة أن الجهوية الموسعة والحكم الذاتي هي التي تنادي على الديمقراطية لتدبير القضايا الجهوية والعكس الصحيح .لذلك فالديمقراطية تتجلى في وجود المؤسسات وسلامة الانتخاب وفعلية الأداء .
طريقة الانتخاب : هنا تتجلى خاصية الأحزاب الجهوية ،فهناك أنظمة لا ترى مانعا من وجود أحزاب جهوية إلى جانب الوطنية كبلجيكا التي تأخذ بتوازي الأحزاب الجهوية (باستثناء الخضر والحزب الشيوعي ). مع الجهوية السياسية،وفي إسبانيا أصبح التراب الجهوي رهان الأحزاب الوطنية مما يحولها إلى جهوية .
وفي المغرب فإن قانون الأحزاب السياسية لا يُجيز إنشاء أحزاب جهوية ،وذلك طبقا لمادة 42 والذي نصت " لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي ".
طريقة الاقتراع: سلك المغرب طريق جيرانه في ما يخص الاقتراع المباشر لاختيار أعضاء البرلمان الجهوي من طرف سكان الجهة مع مراعاة التشكيلة القبلية للمنطقة الصحراوية ،على غرار تجربة للمجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء(المادة 4 من الظهير المحدث للمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية  رقم 81-06-1 في 25 مارس 2006).وبعد انتخاب البرلمان يتولى الأخير انتخاب رئيس للسلطة التنفيذية (الحكومة المحلية) والملك يعمل على التنصيب فقط بينما يعمل رئيس الحكومة المحلية على تشكيل أعضاء حكومته ومعاونيه.
ثالثا – الضوابط القانونية :
تؤخذ بمعناها الضيق التشريع الصادر عن المؤسسات المختصة في مناطق الحكم الذاتي  .وبالرجوع لمختلف التجارب نجدها تتلخص في ضرورة احترام الضابط القانوني لمبادئ التهيئة وتقنياتها.
– مبادئ التهيئة :
وتتجلى في ..
1.    الاستقلالية هي الأصل وذلك عبر :
-         احترام الشخصية الجهوية وحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية ومفهوم المواطنة للساكنة الجهوية.
-         رعاية اللغة والثقافة المحليتين والتعليم.
-         احترام الحدود والترابية المقررة بالإتفاق عند دخول للحكم الذاتي حيز التنفيذ
2.     احترام الضوابط الدستورية :
عبر التزام التشريعات المحلية بالعمل واحترام الدستور الوطني كوثيقة وكروح ثم العمل في إطار لا يتعارض مع مقتضياته.
3.     احترام السلطة المعيارية :
وذلك من خلال :
-   التهيئة الملائمة للنظام البرلماني ،في شكل يحترم المؤسسات الدستورية المستقلة (التنفيذية التشريعية القضائية)،ومراقبة القضاء المحلي.
-         وجود أجهزة لمراقبة والوقاية:
وكمثال على ذلك ،مجلس الضمانات النظامية يسهر على توازن وعدالة الأنظمة الأساسية لمختلف الهيئات والقطاعات .ومجلس الحسابات والوسيط ثم مجلس سمعي بصري[11].
– تقنيات التهيئة:
وهي تختلف من نظام لأخر وتتعلق بشروط تنزيل وثيقة الحكم الذاتي أو الجهوية السياسية:
1)   التفاوض حول الأصل وترك التفاصيل :
إن استيفاء الضوابط المتعارف عليها في مشروع الحكم الذاتي لا يلزم (بكسر الزاي)بمبدأ "لا اتفاق على شيء على حين الاتفاق عل كل شيء"[12].
2)   اعتماد مبدأ التراتبية والتدرج :
     طبقا للمادة 149في فقرتها الأخيرة من دستور اسبانيا تشير إل أنه "يمكن للجماعات المستقلة بواسطة تعديل الأنظمة الأساسية أن توسع على التوالي صلاحياتها ضمن النطاق المنصوص عليه في المادة 149".
إن ضوابط نموذج الحكم الذاتي لم تًرِد في وثيقة خاصة أو شريعة محددة يوجب القانون أو المواثيق الدولية التزام جميع الدول بها،بل يمكن فقط استنتاجها من مختلف التجارب العالمية وهي مسالة اجتهاد ترتبط بسياق تنظيم القدرات والموارد بشكل يحافظ على قُوة الدول وتماسُك المجتمعات والأمم مهما اختلفت أجناسها ولغاتها أو أديانها وقبائلها.
وعلى أساس اختلاف وتنوع نماذج الحكم الذاتي من دولة لأخرى ، وفي إطار عزم المغرب على الانخراط في هذا المسلسل من أجل منح أقاليمه الصحراوية حُكما ذاتيا، وجب التساؤل حول خصوصية هاتـه المُبادرة وكذا توضيح الأسباب الداخلية والخارجية الكامنة وراء تبني هذا المشروع ضِمن هذا المبحث (الثاني) .
المبحث الثانـي :المبادرة المغربية لتمتيـع جهة الصحراء بحكم ذاتي موسع خصوصياتها و الإشكالات المرتبطة بتطبيق هذا الحكم  :

المطلب الأول  :الاختصاصات المنصوص عليها في المُبادرة المغربية :

     بقـراءة مشروع الحكم الذاتـي الذي تقدم به المغرب نجده خص جهة الصحراء باختصاصات جد واسعة في ميادين عدة، في حين أبقى على أخرى حصرية لفائدة الدولة، أما التي لم يتم التنصيص على تحويلها صراحة فإنها تمارس باتفاق بيم طرفين،وذلك عملا بمبدأ التفريع [13].
الفقرة الأولى: اختصاصات جهة الصحراء المستقلة ذاتيا:

لقد خصت المبادرة جهة الحكم الذاتي للصحراء بعدة اختصاصات تمارسها داخل حدودها الترابية ،هذه الاختصاصات شملت الميادين التالية:
§       الإدارة المحلية والشرطة المحلية وحاكم الجهة ؛
§       على مستوى الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة ؛ميزانية الجهة ونظامها الجبائي؛
§       فيما يخص البُنى التحتية:الماء والمنشآت المائية والكهرباء والأشغال العمومية والنقل؛
§       على مستوى الاجتماعي : السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية؛
§       على مستوى الثقافي : التنمية الثقافية ، بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني ؛
فالملاحظ أن هذه الاختصاصات الممنوحة لجهة الصحراء تتماشى مع ما هو مُتضمن في التجارب المتقدمة في تطبيق الحكم الذاتي (اسبانيـا،وإيطاليـا)،كما تحترم الضوابط والمعايير المتعارف عليها عالميا في هذا الشـأن.بل هناك من ذهب إلى حد اعتبار أن ما جاء في المشروع المغربي متفوق في كثير من مقتضياته على توصيات لجنـة لانــد "Lund"[14]،
ولتمكين  جهة الصحراء من ممارسة اختصاصاتها ،حددت المبادرة المغربية الموارد المالية الضرورية التي ستساعدها في ذلك  وقد تضمنت مايلي:
-         العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية المرصودة للجهة؛
-         الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني ؛
-         الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة؛
-         عائدات ممتلكات الجهة؛
من خلال هذه الموارد التي جاءت بها المبادرة المغربية يتضح لنا مدى تميز ها عن توصيات لجنة "لاند" التي ترفض مثل هذا الاختصاص للسلطة الجهوية المستقلة.
الفقرة الثانية : الاختصاصات الحصرية للدولة :

إلى جانب  الاختصاصات المخولة لجهة الصحراء المستقلة ، نجد أن الدولة احتفظت لنفسها باختصاصات حصرتها الفقرة 14 من المبادرة في كل :
-         ما يتعلق بالسيادة
-         ما يتعلق بالاختصاصات الدستورية والدينية
-         ما يتعلق بالأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية
-         النظام القضائي للمملكة
-         العلاقات الخارجية.
وتباشر هذه الاختصاصات من طرف مندوب الحكومة في جهة الحكم الذاتي للصحراء،وفي الفقرة 15[15] من المبادرة المغربية تم إشراك جهة الصحراء في الاختصاصات الدبلوماسية عندما تكون لها صلة مباشرة باختصاصات جهة الصحراء المستقلة .
وبناءا على ما سبق جاءت  المبادرة المغربية جريئة بالشكل الذي لا نجده إلا استثناء في بعض الأنظمة المتقدمة كالمجموعات المُستقلة في إسبانيا  مثلا.
المطلب الثاني : هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء :

من أجل ممارسة الاختصاصات المخولة لجهة الحكم الذاتي للصحراء ، كان لابد لهذه الأخيرة من توفرها على هيئات : تشريعية ،تنفيذية،قضائية ؛ فعند معاينة مشروع الذي تقدمت به المملكة ،نجده خصص فقرات من 19 إلى 26 للحديث عن هاته الهيئات .والتي جاءت كالتالي:
البرلمان الجهوي : يتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة من النساء.
الحكومة الجهوية : يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك،فهو من يمثل الدولة في الجهة .
يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة.
المحاكم الجهوية : يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.
وطبقا للفقرة 23 تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة.
إلى جانب هذه الهيئات نصت المبادرة المغربية في فقرتها 26 إلى ضرورة أن تتوفر الجهة على مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية.
وقبل الانتقال للمطلب الأخير ضمن هذا العرض تجدر الإشارة أن المُبادرة المغربية لما تضمنته من عناصر استطاعت إقناع مجلس الأمن والعديد من دول العالم  بجديتها وبكونها ذات مصداقية ،وبأن المبادرة أداة وحيدة وفعالة لحل النزاع حول الصحراء.


المطلب الثالث :  الإشكالات المرتبطة بتطبيق الحكم الذاتي :

                يطرح مفهوم الحكم الذاتي، في التطبيق، مشكلات عديدة، نظرا إلى غموضه وعدم حصره، ونسبية مفهومه وافتقار نص واضح بشأنه يمكن الاستناد إليه عند الضرورة، الأمر الذي يجعل من المفهوم موضوعا للتأثر بعلاقات القوى والرؤى الإيديولوجية.

ومن خلال تفحص بعض أنماطه، وتطبيقاته المختلفة، يمكننا استخلاص بعض المشكلات الهيكلية التي تصاحب تطبيقاته على أرض الواقع .

1- صراع المصالح:
كثيرا ما ينشب نزاع في المصالح بين الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي، سواء أكانت أقاليم أم مناطق وبين الدول صاحبة السيادة، أو بين هذه الأقاليم وبين الدول المستعمرة. ففي حالة الأقاليم والمناطق والصراع بينها وبين الإدارة المركزية والدولة صاحبة السيادة، ينصَبُ الصراع على تعارض المصالح الخاصة بالإقليم مع المصالح الوطنية العليا التي تحظى برعاية الدولة. وفي حالة الأقاليم الخاضعة للاستعمار ينصب هذا الصراع حول الاستقلال والأمن والعلاقات الخارجية وغيرها من القضايا ذات التأثير المباشر في مصالح الطرفين كما يراها كل منهما على حدة:

وتتخذ معالجة هذا الصراع أشكالا ثلاثة:
حل سياســي : ويتم اللجوء إلى هذا الحل في حالة أن تكون الوحدة المتمتعة بالحكم الذاتي ذات وضعية دولية وتخضع لنظام دولي ، كما هو الحال بالنسبة إلى إقليم "السار" الذي منحته المعاهدة الألمانية - الفرنسية حكما ذاتيا مضمونا من ثماني دول، وهي اتحاد أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وكان اتحاد دول أوربا الغربية أصدر قرارا في 11 ماي 1955 ينص على أنه في حالة خرق وضع الإقليم من أية جهة، فإن للمفوض الأوربي أن يدعو إلى عقد جلسة طارئة لإتحاد دول غرب أوربا، وعليه اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة، لمعالجة الموقف وبالمثل حالة إقليم تريست، حيث نص على التسوية عن طريق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
حـل قانونــي : ويتم استخدام هذا الحل بكثرة في إطار الدولة الاتحادية، إذا ما نشب نزاع بين بعض الولايات الاتحادية، إذ إن المحكمة الاتحادية هي الجهة المختصة في الفصل في هذا النزاع.
التحكيــم : يقوم على أساس تشكيل مجلس تحكيم للبت في المشكلات المثارة على غرار المعاهدة الفرنسية التونسية التي أنشأت مجلس تحكيم من سبعة أعضاءه لاتخاذ القرارات اللازمة.
2- مشكلة الشخصية الدولية:
إن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و"بورتوريكو" و"غرينلاند" ، لم تحظ طبقا للحكم الذاتي الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع. فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية.
وفي "غرينلاند" تقوم حكومة الدانمارك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة "غرينلاند" عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي.
 أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتيا بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية.
وبناءا على هذه النتائج ، فإن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعا للقانون الدولي وإنما موضوعا للقانون الداخلي وشخصا له.
3- استغلال الموارد الطبيعية  :                                                                           تتفاوت سلطة الحكومات الذاتية على مواردها الطبيعية واستغلالها بتفاوت طبيعة ونوعية الحكم الذاتي ودرجته التي تتمتع بها ففي الحكومات الفيدرالية القوية نجد أنها تنزع إلى السيطرة على هذه الموارد واستغلالها، خصوصا في قطاع المناجم والمعادن ، وفي حالة إقليم الصحراء، فإن للحكومة المركزية الصلاحية المطلقة فيما يتعلق بحق إصدار التشريعات الأساسية الخاصة في الميادين التالية التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة،ميزانية الجهة ونظامها الجبائي، البنى التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهربائية والأشغال العمومية والنقل،السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية: بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني، والبيئة.
4- مشكلة توزيع الصلاحيات :
تسود هذه المشكلة في كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا وبين السلطة المركزية.
5- المسائل الأمنية:
تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة. وبالتالي يمكن لسلطة الصحراء تشكيل قوة شرطة محلية لحفظ الأمن والنظام بالتنسيق مع القوات الأمنية المغربية.
هذه بعض الإشكاليات التي قد تصاحب تطبيق الحكم الذاتي على أرض الواقع، و على المغرب توخي الحذر والحيطة عند تطبيق مشروع الحكم الذاتي، فقد علمتنا التجارب السابقة لبعض البلدان العربية التي سبقتنا في هذا المجال أن الحكم الذاتي لم يكن سوى مجرد جرعة مسكنة قليلة الفعالية، ذاك أنه ثبت عمليا قصور هذا النظام على تحقيق الاستقرار السياسي والقضاء على مشكلة عدم التكامل كالسودان الذي عانى طوال 30 سنة من حرب أهلية انتهت بتوقيع اتفاقية مع الجنوب لتوزيع السلطة والثروة، والعراق الذي عانى فيه إقليم كردستان من طغيان النظام السابق والتدخل التركي من الشمال، والفلبين الذي عانى فيه المسلمون من تراجع حكومة مانيلا من تطبيق بعض بنود الحكم الذاتي.
خاتمة :

وخلاصة القول ، إن تطبيق المغرب للمقترب السياسي للجهوية كخطوة أولية للمُضي قُدماً لتطبيق الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية ، سواء أكان على الطريقة الإسبانية أو الإيطالية ليس من شأنه فقط أن يحل النزاع الصحراوي بهاته المناطق فقط، وإنما سيعمل أيضا على تحجيم التفاوتـات الصارخة بين تراب جهات المملكة ،وكذلك سيعطي السكان المحليين فرصة حكم مجالهـم بأنفسهم وهو ما سيفتح الباب أمام تنافسية حقيقية بين جهات المغرب ،حيث يكون التراب الوطني بكامله هو المستفيد على جميع الأصعدة، أولا وأخيراً. وبالتالي يمكن القول أن نظام الجهوية الموسعة بالأقاليم الصحراوية يشكل خطوة متقدمة لتعزيز وتوطيد دعائم اللامركزية والديمقراطية المحلية ، كما سيشكل رافعة أساسية لتحقيق التنمية وذلك في أفق إقرار نظام الحكم الذاتي الذي لا يمكن تطبيقه من طرف واحد ، احترما والتزاما من المغرب بمواقفه المعبر عنها بشكل صريح أمام المنتظم الدولي.
ومن هنا وجب علينا التساؤل ، أليس خطاب الجهوية (السياسية- الموسعة) مجرد خطاب سياسي للنخبة السياسية بالمغرب؟  ألا يطرح الانتقال بالجهة إلى مستوى متقدم من اللامركزية في إطار الدولة الموحدة والكيان الوطني القائم على التعددية و الديمقراطية إلى إجراء إصلاحات سياسية ودستورية؟
ثم ما مدى تحمل النظام السياسي المغربي لفكرة الجهوية السياسية أو "الجهوية الموسعة" لتقسيم السلط والشرعية وصناعة سياسة عامة محلية مؤثرة في السياسة العامة المركزية ؟

الفهرس :
المبحث الأول : الجهويـة السياسية و مشـروع الحُكـم الذاتـي رؤية إستراتيجية وغايـة دستـورية و حلاً للنزاع الصحراوي في الأقاليم الصحراوية:
المطلب الأول :مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي والقانون الداخلي العام مع إبراز جل مكوناته:
المطلب الثاني : الحكم الذاتي مكوناته وعناصره :
المطلب الثالث : الضوابط القانونية والدستورية لنموذج الحكم الذاتي والجهويات السياسية الموسعة
المبحث الثانـي :المبادرة المغربية لتمتيـع جهة الصحراء بحكم ذاتي موسع خصوصياتها و الإشكالات المرتبطة بتطبيق هذا الحكم  :
المطلب الأول  :الاختصاصات المنصوص عليها في المُبادرة المغربية :
الفقرة الأولى: اختصاصات جهة الصحراء المستقلة ذاتيا:
الفقرة الثانية : الاختصاصات الحصرية للدولة :
المطلب الثاني : هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء :
المطلب الثالث :  الإشكالات المرتبطة بتطبيق الحكم الذاتي :
خاتمة :


                                                                                   

كتب – مجلات – منشورات – مؤلفات وأعمال جامعية
                1            الجهـوية المُــوسعة بالمغرب(أي نموذج مغربي على ضوء التجارب المقارنة ؟): د/سعيـد وكريــم لحـــرش.
                2            الجهوية والتنمية - المجلة المغربية للسياسات العمومية REMAPP- جمال حطابي /د حست طارق.. العدد 6 _ خريـف 2010.
                3            تقسيــم التراب والسياسة الجهوية بالمغرب : نحو اعتماد جهــوية سيـاسية – سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية - ذ.عبد الكبير يحيا.
جـرائــــد :
                1            جـريـدة الصباح  العدد 2180  – تفاصيل مبادرة التفاوض حول مشروع للحكم الذاتي في الصحراء- الصفحة 3.
مقــــالات :
1.   مقــال بعنـوان : آفـــاق تطبيـق نظــام الحكـم الذاتـي فـي الأقـاليـم الجنــوبية ، للبــــاحث : عبد الحق ذهبي.
2.    مقــال : المقـال هو جزء من رســـالة لنيل دبلــــوم الدراسات العليـــــا المعمقـــة في العلاقات الدولية تحت عنوان: " قضية الصحراء ومفهوم الاستقلال الذاتي".محمد بـوبـوش : باحث في العلاقات الدولية- جامعة محمد الخامس- أكدال- الرباط.


[1] المجلة المغربية للسياسات العمومية – مجلة الحوار بين الجامعة والفاعلين-  *الجهويـــة والتنمية*  ص31
[2] منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية-تفسيم التراب والسياسة الجهوية بالمغرب:نحو اعتماد جهوية سياسية
[3] محمد الهماوندي *الحكم الذاتي والنظم اللامركزية الإدارية والسياسية*، دار المستقبل العربي،القاهرة،الطبعة الأولى - 1990- ص33.
[4]معية* ص 343 منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة *مؤلفات وأعمال جا
[5]واختصاصاتهم بقانون. يتولى هذا المجلس سن قوانين وإصدار القرارات المحلية وتتحدد صفات أعضائه وكيفية اختيارهم
[6] يتم تشكيل هذه الهيأة من قبل المجلس التشريعي الإقليمي وذلك يكون غما عن طريق انتخاب أعضاء المجلس التنفيذي ورئيسه من بين أعضائه،وإما ينحصر دوره في مجرد ترشيح أو تقديم توصية للسلطة المركزية بتعيين هؤلاء الأعضاء والرئيس ويصدر قرار التعيين من رئيس الدولة.
[7] منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،سلسلة *مؤلفات وأعمال جامعية*عدد 84/ 2010 .ص348 -349-350-351
[8] المجلة المغربية للسياسات العمومية *الجهوية والتنمية* العدد2010.6 . ص64.65    
[9]  المجلة المغربية للسياسات العمومية – الجهوية والتمنية- العدد  6-.2010
[10] وهو مانص عليه الدستور الإيطالي الذي اعتبر لأن القانون يحدد الإجراءات الرامية إلى ممارسة الصلاحيات والسلطات المخولة في إطار احترام مبدأ التفريع ومبدأ الشريف (الفصل 12 فقرة الأخيرة).
[11] هذه الأجهزة يتوفر عليها المغرب لكن قد يتطلب الأمر ملاءمتها مع الوضع الذي سينتج عن اعتماد الحكم الذاتي
[12] الفقرة 15 من تقرير الأمين العام بتاريخ 19 أكتوبر 2007.
[13] الفقرة 17 من المبادرة المغربية حول الحكم الذاتـي.
[14] تقسيم التراب بالمغرب والسياسة الجهوية :نحو اعتماد الجهوية السياسية ص 421
[15] منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، "مؤلفات وأعمال جامعية" عدد 84 ،2010 ص 422 .

Monday, October 29, 2012

أطروحة دكتوراه : السياسة المالية ودورها في تحقيق التوازن الاقتصادي

رسالة ماجستير:أحكام الشيك: دراسة فقهية تأصيلية مقارنة بالقانون


أحكام الشيك: دراسة فقهية تأصيلية مقارنة بالقانون – رسالة ماجستير – عيسى محمودعيسى العواودة
بإشراف أ.د. حسام الدين عفانة
جامعة القدس – فلسطين – 1423هـ – 2011م

دراسة :العولمة المالية وأثارها على اقتصاديات الدول النامية.


الأستاذ رميدي عبد الوهاب. أستاذ مكلف بالدروس بمعهد علوم التسيير والاقتصاد، المركز الجامعي بالمدية.
الأستاذ: سماي علي. أستاذ مكلف بالدروس بمعهد علوم التسيير والاقتصاد، المركز الجامعي بالمدية.                  
العنوان البريدي: سماي علي، حي 483مسكن عمارة 212 رقم 02 البر واقية المدية 26200.
الهاتف: 95 73 33 072، 96 73 33 072،  15 09 67 054.
الفاكس:025580064.  
البريد الالكتروني:      karimmoussa2005@yahoo.fr
                                         Smaiali2006@yahoo.fr      
 عنوان المداخلة: العولمة المالية وأثارها على اقتصاديات الدول النامية.
المحور:5-العولمة المالية.الكلمات المفتاحية:العولمة المالية، حركات رؤوس الأموال، المدخرات المالية، اقتصاديات الدول النامية.

1- المقـدمـة
تسببت المتغيرات الاقتصادية الدولية والتطورات العلمية والتكنولوجية التي مر بها العالم في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في انقلاب موازين القوى بين الدول، وأحدثت تغيرات في المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتغيرات سريعة في أساليب الإنتاج والعمل دون تمكين أي مجتمع من التعايش في عزلة عن الكيان العالمي أو بما يسمى بالعولمة ومظاهرها المختلفة. كما انه لم يقتصر التغير في العلاقات الاقتصادية على التغير في الاقتصاد العيني، بل أن التغير شمل أيضا العلاقات المالية وأدوارها.
 لذلك ابرز ما يمكن التكلم عليه في ظل العولمة هو الانفتاح المالي أو بما يسمى بالعولمة المالية، خاصة بعد تصاعد حجم التدفقات المالية في العالم النامي والمتقدم بمعدلات كبيرة، هذا مما قد يخلق فرصا جديدة للمنفعة الاقتصادية على الدول النامية، إلا انه في المقابل قد يحدث مخاطر وتحديات وأثار سلبية على أوضاع اقتصاديات الدول النامية
هذا ما سنحاول التطرق إليه في موضوع بحثنا هذا للتعرف على ما هي العولمة وبالأخص العولمة المالية، وما هي أثار هذه الأخيرة على اقتصاديات الدول النامية.

2- العولمة الاقتصادية

لقد كثر الحديث عن العولمة في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، وأصبحت حديث الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين خاصة في الأوساط الجامعية والإعلامية والتيارات الفكرية. فعلى الصعيد الاقتصادي شهد العالم في تلك الفترة تحولات وتغيرات سريعة فتطورت التجارة الدولية وزاد الاستثمار الأجنبي المباشر، وبرزت التكتلات الاقتصادية الإقليمية وتعددت أشكال العلاقات العابرة للحدود الجغرافية بين مختلف دول المعمورة، والأكثر من ذلك التطور المذهل في المجال التكنولوجي والمعلوماتي من خلال تطور الاتصالات وظهور شبكة الإنترنت.

2-1: مفهوم العولمة

للعولمة عدد كثير من المفاهيم واختلفت هذه الأخيرة باختلاف الأطراف الأكاديمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي تناولت هذه الظاهرة، وكل حسب مرجعيته وفهمه لها. لذلك توجد صعوبة كبيرة للإجماع حول إيجاد مفهوم دقيق لهذه الظاهرة يتمتع بالقبول جماهيري شائع، باعتبارها حديثة البروز ومتغيرة بتغير الظروف التي تحدث في هذا العصر.
فالعولمة مشتقة من » عالم «   وهو ترجمة لكلمة « Globalisation »  الإنجليزية المشتقة   من كلمة « Glob »  بمعنى الكرة، والتي يقصد بها الكرة الأرضية. ويشتق من فعل كوكب الذي يعني جمع أحجار ووضع بعضها على البعض الآخر في شكل محدد، وبذلك ووفقا لهذا الرأي يصبح الاصطلاح الأكثر قبولا في وصف الظاهرة هو الكوكبة . ورأى أحد الباحثين أن العولمة تشير إلى جوهرها وحقيقة أمرها إلى أمركة العالم)  العولمة = الأمركة ( ، أي محاولة الولايات المتحدة الأمريكية إعادة تشكيل العالم وفق مصالحها.
أما »  جان ماري جيهينيو «  ، والذي يترأس مجلس إدارة معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني الفرنسي، قال أن العولمة انتصار طويل الأمد لأمريكا ، ويؤكد في دراسته »  أمركة العالم أم عولمة أمريكا « ، أن العولمة هي أمركة العالم أي نشر الحلم الأمريكي على نطاق العالم .
أطلق آخرون على العولمة مصطلح الكوكبة الذي ينصرف إلى البعد الجغرافي للظاهرة، فهي ليست فكرا إيديولوجيا، أو مذهبا سياسيا جديدا، بقدر ما هي ظاهرة كبيرة نشأت عبر عقود طويلة في ظل النظام الرأسمالي، ولها أوجه وأنماط متعددة جعلها الآن تتوسع باستمرار وتتبع مناهج وأساليب جديدة مدعومة بسرعة تطور الثورتين التقنية والمعلوماتية لإنتاج نظام جديد مهيمن في قيمه وأساليبه على كل القيم والمناهج والأساليب السائدة والتي يعتبرها عرقلة لمسيرته .
وأن اصطلاح العولمة يمكن أن يجمع بين وصف الظاهرة وتحديد بعض من مبادئها فهو يعبر عن اتساع وعمق التدفقات الدولية في مجال التجارة والمال والمعلومات في سوق عالمية متكاملة، وكذلك تحرير الأسواق الوطنية والعالمية انطلاقا من الاعتقاد القائل بأن التدفقات الحرة للتجارة والمال والمعلومات سيكون ذا مردود إيجابي ما دامت العولمة مسألة حتمية ، وتأخذ جوانب عديدة نذكر منها :
1-حرية حركة السلع والخدمات والأفكار وتبادلها الفوري دون حواجز أو حدود بين الدول.
2- تحول العالم غلى قرية كونية بفعل تيار المعلوماتية، أي يصبح كل سكانه في حالة معرفة      وإحاطة فورية بما يحدث لدى الآخرين.
3- ظهور آليات جديدة مستقلة عن الدولة آليات تقوم بوظائف كانت في يوم ما قاصرة على الدول وأصبحت اليوم بحكم العولمة بعيدة عنها.
4- ظهور نفوذ الشركات المتعددة الجنسية كقوة عالمية فائقة النفوذ والقوة تسعى من أجل الهيمنة  وليس لها ولاء أو انتماء لدولة بعينها.

بناء على ما تقدم من تعاريف متعددة ومختلفة للعولمة واختيار الاصطلاح الأنسب لها) الكوكبة، الأمركة، العالمية… ( يتضح أنها غير مكتملة الملامح فهي عملية مستمرة ومتناسبة ذات طابع حركي ديناميكي وتكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة. لذلك فإن العولمة تعني عالما بلا حدود. فإن هذا العالم غير موجود حاليا، والعولمة كاملة لم تتحقق بعد ولا يتوقع عولمة العالم عولمة كاملة خلال المستقبل المنظور. فالعولمة الكاملة للعالم لم تتضمن مجتمع عالمي واحد وبثقافة عالمية واحدة التي تبدو أنها قد بدأت بيد أنها لم تصل إلى نهايتها حتى الآن ، وإذا كانت العولمة بسيطة في الشكل إلا أنها معقدة في المضمون ولها العديد من الجوانب الارتكازية ذات الطابع المميز الذي يجعلها كظاهرة مميزة لها آثار في جوانب كثيرة ) الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي… (. إذا فالعولمة عولمات:عولمة الاتصالات والمعلومات، عولمة الثقافات والأديان والأفكار وعولمة التفاعلات الإيكولوجية وعولمة الإستراتيجية المهيمنة وعولمة المبادلات الاقتصادية والتجارية والمالية . لهذا يمكن فهم العولمة بأنها مفهوما مركبا أي أنها تشتمل على أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية… (، وهي العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز والقيود بين الدول والشعوب وجعلها مجتمع عالمي واحد، وبالتالي تغير الأنماط والنظم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في إطار تدويل النظام الرأسمالي.

2-2: التحليل الاقتصادي لظاهرة العولمة

لقد حظي موضوع العولمة الاقتصادية في نهاية القرن العشرين بجانب هام  من اهتمامات المفكرين الاقتصاديين والسياسيين في جميع أنحاء العالم، والشيء الذي لابد الوقوف عنده هو     أن العولمة هي مفهوم اقتصادي قبل أن تكون مفهوما ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا. كما  أن أكثر ما يتبادر إلى الذهن عن الحديث عن العولمة هي العولمة الاقتصادية .
     فالتطورات الاقتصادية السريعة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة أدت إلى نظام اقتصادي جديد، وبروز منظومة من العلاقات والمصالح الاقتصادية المتشابكة التي ساهمت في بروز العولمة، لهذا يعتبر المجال الاقتصادي من أهم مجالات العولمة وأكثرها وضوحا وأبرزها أثرا  وهدفا، والتركيز في هذا المجال للعولمة، فإنه يجب التنويه في بداية الأمر إلى اتجاه العولمة     إلى تحويل الكرة الأرضية إلى منطقة اقتصادية تختفي فيها الحواجز والقيود ، بمعنى اندماج الاقتصاديات العالمية ضمن نطاق النظام الاقتصادي الواحد.

ومسيرة عولمة الاقتصاد العالمي ليست جديدة، فقد بدأت منذ عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما تضافرت الجهود لتقليص القيود السياسية المفروضة على التجارة الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية . فبعدها حدث نمو كبير في اقتصاديات أوربا الغربية والولايات المتحدة. ثم تسارعت العولمة في الاقتصاد العالمي منذ منتصف الثمانينات بدرجة كبيرة، وتزايدت التدفقات الرأسمالية إلى الكثير من الدول النامية، كما ازدادت التجارة العالمية بسرعة تقارب ضعف سرعة زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي .
كما أن العولمة في جانبها الاقتصادي اتخذت شكل تيار متصاعد من أجل فتح الأسواق وانفتاح كل دول العالم على بعضها البعض، وقد تناما هذا التيار مع تزامن حركة نهضوية من أجل تحديث وتطوير بنية الإنتاج في اقتصاديات السوق المتقدم ، فهي تستند إلى النظام الرأسمالي وتروج الليبرالية الاقتصادية باعتبارها مفتاح لكل خيارات اقتصاد السوق .
ويعتبرها البعض أن العولمة ظاهرة جديدة وليدة التطورات الاقتصادية والتقنية السريعة   التي ظهرت خلال عقد التسعينات، ثم تعمق أثرها من خلال التطورات الكبيرة التي حصلت  في عالم الاتصالات، واليوم نرى بأن العولمة تدعم نفسها بمنظومة جديدة من التشريعات الاقتصادية التي تقر فتح الحدود وتحرير التجارة العالمية، حيث هذه الأخيرة يمكن اعتبارها المحور الاقتصادي للعولمة الاقتصادية، وهو ما يعني ببساطة فتح الأسواق الدولية أمام الانتقال الحر للسلع والخدمات، لذلك أثرت العوامل الاقتصادية في دفع مسيرة العولمة ومن أهم هذه العوامل :
1- الإسراع الكبير في التجارة الدولية قياسا بالناتج المحلي وتنوع قنواته.
2- تعاظم الاندماج بين الأسواق المالية العالمية.
3-  ازدياد تدفق الأموال والاستثمارات المباشرة الخاصة.
4- التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
5- ازدياد تدفق القوى العاملة بين الدول.

2-2-1: تعريف العولمة الاقتصادية
تشكل ظاهرة العولمة الاقتصادية من أهم التحولات والتطورات الاقتصادية على الصعيد العالمي في نهاية القرن العشرين، فنجد أحدهما تناول العولمة الاقتصادية بوصفها مرحلة من مراحل تطور المنظومة الرأسمالية، تتميز بالانتقال التدريجي من الاقتصاد الدولي الذي تتكون خلاياه القاعدية من اقتصاديات متمحورة على الذات ومتنافسة إلى الاقتصاد العالمي القائم على أنظمة جمركية كونية .
وهناك من يرى بأن العولمة الاقتصادية تتمثل في جعل الاقتصاد العالمي مترابطا ومتشابكا وذلك من خلال اندماج الأسواق العالمية في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة  وانتقال الأموال والقوى العاملة والتكنولوجيا ضمن إطار رأسمالية حرية الأسواق، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية والى الانحصار الكبير في سيادة الدولة .
والعولمة في غالباتها الاقتصادية تعني بروز تقسيم عمل جديد للاقتصاد العالمي الذي لم يخضع للرقابة التقليدية ولم يعد يؤمن بتدخل الدولة في نشاطاته وخاصة فيما يتعلق بانتقال السلع والخدمات ورأس المال على الصعيد العالمي .
كما يعرفها البعض بأنها مجموعة ظواهر اقتصادية مترابطة تتضمن تحرير الأسواق وخصخصة الأصول وانسحاب الدولة من أداء بعض وظائفها ونشر التكنولوجيا وتوزيع الإنتاج عبر القارات، والتكامل بين الأسواق الرأسمالية .
انطلاقا مما سبق، يمكن تعريف العولمة الاقتصادية بأنها،"كل المستجدات والتطورات الاقتصادية التي يشهدها العالم الاقتصادي، والمتمثلة في تزايد حجم ونطاق التجارة العالمية والاتجاه نحو تحريرها بالكامل وكذلك بروز الشركات العابرة للحدود الوطنية التي تنظر إلى العالم كله كوحدة واحدة وتعمل من منطلق أن حدودها هي حدود العالم، وزيادة الانتشار المستمر للتكتلات الاقتصادية الإقليمية، وكذلك التطورات المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال وبالتالي ظهور ما يسمى باقتصاد المعرفة".
لذا يمكن حصر أهم العناصر المميزة للعولمة من الناحية الاقتصادية كما يلي:
- 1 تحرير التجارة الدولية تحت لواء المنظمة العالمية للتجارة.
- 2 التحالفات الإستراتيجية للشركات العالمية وزيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
- 3التزايد المستمر لانتشار التكتلات الاقتصادية الإقليمية.
4- التطور المذهل والسريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

3- العولمة المالية
3-1- مفهوم العولمة المالية:
تعرف العولمة المالية بمصطلح الاستثمار المالي، و هي ظاهرة مرتبطة بالنمو و التطور الرأسمالي و التراكم المضطرد في رأس المال،  و تعني أيضا زيادة حركية أو حرية انتقال رؤوس الأموال و بدون قيود بين الدول أو على الصعيد العالمي، فأصبحت مؤشرا مهما لعولمة الاقتصاد العالمي.
ترتكز العولمة المالية على عملية التحويل المالي، لبنود حساب رأس المال"أحد المكونات الرئيسية لميزان المدفوعات "، و تعتمد هذه العملية بدورها على إلغاء الخطر على المعاملات في حساب راس المال و السياسات المالية لميزان المدفوعات، و تتكون هذه المعاملات من مختلف أشكال رأس المال مثل الديون، و أسهم المحافظ المالية، و الاستثمار المباشر و العقاري و الثروات الشخصية.

و تتمثل العولمة المالية في مجموعة من المعاملات هي:
المعاملات المتعلقة بالاستثمار في الأسواق العالمية كالأسهم و السندات.
المعاملات المتعلقة بالائتمان التجاري و المالي و الضمانات...
المعاملات المتعلقة بالبنوك كالودائع و الاقتراض و الودائع الأجنبية.
المعاملات المتعلقة بحركات رؤوس الأموال الشخصية كالقروض و المنح.
المعاملات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي و تحويلات الأرباح.

3-2- تطور العولمة المالية:

      العولمة المالية ليست بالظاهرة الجديدة، و انطلقت خفية في السبعينات مع تقويم أسعار المعاملات فاكتشف عالم المال عندها أن لا رقابة للدول على الحسابات المصرفية في الخارج المودعة لعملتها، خاصة بعدما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق "نكسون" عام 1971 عند التزام الولايات المتحدة الأمريكية بقبول تحويل الدولار إلى ذهب، انهار نظام و اتفاقية "بريتون وودز" و هكذا فقد كان تحرير النقد من سيطرة الدولة قد بدأ مع إلغاء أسعار الصرف الثابتة لعملات الدول الصناعية الكبرى سنة 1973.
     من هنا انتهجت حكومات وبرلمانات الدول الصناعية سياسة دءوبة وقوانين عديدة من أجل الوصول إلى الحرية الكاملة لأسواق النقد و المال التي يقف حيالها. الآن علماء السياسة و الاقتصاد.  تم تفجرت العولمة و التحرر من القيود بفضل الثورة التقنية للاتصالات، فأصبحت رؤوس الأموال وسيلة للمضاربة من أجل مضاعفة الأرباح في أوقات قياسية حتى ولو على حساب مصير الأمم      و حياة الشعوب، أي أصبحت الأسهم تتداول في معظم الأسواق العالمية بدون قيود، فأسهم الشركات الأمريكية و الأوربية واليابانية تتداول في بورصات نيويورك أو لندن أو طوكيو أو سنغافورة        و بالتالي أصبح المدخر يواجه إمكانيات عالمية لتوظيف مدخراته، كما أن الاستشارات المحلية لم تعد محدودة بما يتوافر في السوق المحلي من مدخرات  ،ومما يساعد على هذا التوظيف للمدخرات المالية هو الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات والاتصالات، فأصبحت الأصول المالية تنتقل من مكان إلى مكان لآخر ومن عملة إلى عملة أخرى في لحظات دون أي قيود تعوقها، الأمر الذي جعل من الأسواق المالية أكثر ترابطا و أقدر على إيجاد الفرص الاستثمارية المتنوعة و الجذابة أمام الراغبين في الاستثمار في أرجاء المعمورة، يضاف إلى ذلك أن العولمة التي شهدتها هذه الأسواق فتحت الباب على مصراعيه أمام البنوك التجارية الشاملة والمتخصصة العالمية لتعد الفرص المناسبة لتوظيف أموالها التي تراكمت خلال المدة "1974-1990" نتيجة لتراكم الفوائض "البترو دولاريه" والتطور الذي شهدته أسواق العملات الأوربية.
    كما أن حجم الاقتراض الدولي قد زاد من 12 مليار دولار عام 1972 إلى 120 مليار دولار عام 1980، و قد سجل رقما قياسيا عام 1997، إذ أعدت للمقترضين غير المقيمين 1.2 تريليون دولار في صور سندات متوسطة الأجل ، و يذكر أن العولمة المالية قد ازدادت كثيرا خلال العقد الماضي بسبب تحرير الأسواق المالية الوطنية والبورصات تحديدا، كما سببت عملات الخوصصة التي عمت الكرة الأرضية، كما زادت بفضل الاستثمارات الضخمة العابرة للحدود القومية، و التي تقوم بها صناديق الاستثمار بمختلف أنواعها .
كما ساهمت سياسات تخفيض وإزالة القيود بين الأسواق المالية في ظهور المناخ الملائم الذي في ظله نمت وازدهرت ظاهرة العولمة المالية ، ويوضح الجدول أدناه تدفقات رؤوس الأموال الخاص إلى الدول النامية مقارنة بالتمويل الرسمي للتنمية الذي اخذ بالتضاؤل

الجدول رقم (1): إجمالي صافي تدفقات الموارد إلى بلدان العالم الثالث (1990-1996)  مليار دولار
1996 1995 1994 1993 1992 1991 1990
243,8 183,2 161,3 157,1 90,6 56,9 44,4 تدفقات راس المال الخاص
109,5 95,5 83,7 67,2 43,6 33,5 24,5 الاستثمار الأجنبي المباشر
91,8 60,6 62,0 80,9 20,9 17,3 5,5 تدفقات الحوافظ المالية
34,2 26,5 11,0 -0,3 12,5 2,8 3,0 المصارف التجارية
8,3 1,7 4,6 9,2 13,5 3,3 11,3 غير ذلك
40,8 53,0 45,7 55,0 55,4 65,6 56,5 التمويل الرسمي للتنمية
    المصدر:حسين اللطيف كاضم الزبيدي، العولمة ومستقبل الدور الاقتصادي للدولة في العالم الثالث، دار الكتاب الجامعي،
           الإمارات العربية المتحدة،2002،ص 153

      فمن خلال الجدول نلاحظ تطور تدفقات راس المال الخاص من 44,4 مليار دولار إلى 243,8 مليار دولار سنة 1996. كذلك بالنسبة إلى تدفقات الحوافظ المالية حيث تطورت أيضا من 5,5 الى91,8 مليار دولار لنفس الفترة، هذا ما يؤكد على صعود ما يسمى بالاقتصاد الرمزي وهو الاقتصاد غير المرتبط بالإنتاج والذي نما نموا مطلقا وازداد وزنه في الاقتصاد الرأس مالي، فاصبح يتوسع شيئا فشيئا وصارت المضاربة المالية نشاطا أساسيا لراس المال وطغى الاقتصاد المالي على الاقتصاد الحقيقي
     وتعد فترة التسعينيات من القرن العشرين وهي التي شهدت تكريس العولمة هي الفترة التي شهدت أيضا تراجع القيود على انتقال رؤوس الأموال مما أدى إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال إليها من 80 مليار دولار سنة 1989 إلى 344 مليار دولار سنة 1997 ثم انخفض إلى 280 مليار دولار سنة 1999 .
 لقد بلغ إجمالي تدفقات راس المال في العالم سنة 2002 ما قيمته 7,5 ترليون دولار وهو ما يمثل زيادة تبلغ أربع مرات ما كانت عليه في سنة  1990،  وخلال فترة التسعينات بدأ العالم يعرف مجموعة من الأزمات المالية  التي تجاوزت أوضاع الاقتصاد العيني الوطني، لكن ترتبط بتحركات رؤوس الأموال و انتقالها من مكان إلى أخر أو من منطقة إلى أخري لاسباب سياسية أو نفسية ، فكان أن عرف العالم أزمة أوربية سنة 1992 ثم أزمة المكسيك في سنة 1994 – 1995 ، وأخيرا الأزمة الآسيوية في سنة 1997. وهي جميعها تدور حول حركات الأموال التي أطلقت من عقالها، وهكذا آدت الثورة المالية في أدوات التمويل وأساليبه إلى تجاوز الحدود السياسية للدول و قيدت بالتالي من قدرة السياسة الاقتصادية الوطنية في مواجهة هذه الثروات المالية الهائمة
وكانت التكلفة التي تحملتها الدول المتأثرة بهذه الأزمات شديدة الوطأة بما أدت إليه من تعثر البنوك، وإفلاس الشركات وفقدان الوظائف وزيادة الأعباء على المالية العامة واستنزاف احتياطات النقد الأجنبي، وانكماش النشاط الاقتصادي ، بل وأيضا في حالات قليلة حدوث اضطرابات وقلاقل سياسية واجتماعية

3-3- مظاهر العولمة المالية:

هناك العديد من مظاهر العولمة المالية نذكر أهمها:
- تعاظم دور رأس المال: حيث أن صناعة الخدمات المالية بعناصرها المصرفية و غير المصرفية أصبح الاقتصاد العالمي تديره و تتحكم فيه أهم البورصات العالمية مثل: داو جونز، ناس داك، نيكاي، داكس و غيرها و التي بواسطتها تنقل رؤوس الأموال من مستثمر إلى آخر داخل الدولة أو بين الدول دون أي عوائق أو صعوبات.
- ازدياد فوائض رؤوس الأموال الباحثة عن استثمارات بمعدلات أرباح عالية و هي بطبيعة الأمر مدخرات غير مستثمرة في دولة المنشأ لراس المال الأمر الذي يدفعها للبحث عن استثمارات خارجية على المستوى الدولي أفضل مما لو بقيت في الداخل أو مستثمرة بمعدلات ربحية متدنية في الدول المصدرة لهذه الأموال.
- ظهور وسائل جديدة استقطبت أصحاب رؤوس الأموال، مثل المبادلات و الخيارات          و المستقبليات، إلى جانب الوسائل التقليدية في الأسواق المالية كالسندات و غيرها.
- التقدم التكنولوجي الهائل بحيث يسمح للمستثمر من المتابعة الدقيقة لأمواله و تحركاتها الاستثمارية لحظة بلحظة، حيث جميع الأسواق المالية مرتبطة بعضها ببعض، مما ييسر عملية الفعل و رد الفعل على أية عملية مالية مرغوب بها.



4-آثار العولمة المالية على اقتصاديات الدول النامية:

الانفتاح المالي أو العولمة المالية للدول يجيز لهذه الدول  التنافس في تخفيض الضرائب           و تخفيض الإنفاق الحكومي و التضحية بالعدالة الاجتماعية و ما ينجم عنها في المصلحة النهائية من إعادة توزيع الثروة من الفقراء محدودي الدخل إلى الأغنياء أصحاب رؤوس الأموال، و النتيجة المنطقية هذه هي الحالة التي سببها التخلي عن الرقابة الحدودية على تنقل رؤوس الأموال،   لهذا يمكن القول أن للعولمة مزايا و مخاطر على اقتصاديات الدول النامية يمكن حصرها فيما يلي:

4-1 المزايا:
    من بين المزايا نذكر:
     - تستطيع الدول النامية من خلال الانفتاح المالي الوصول إلى الأسواق المالية الأولية بهدف الحصول على ما تحتاجه من أموال لسد العجز في الموارد المحلية، أي قصور المدخرات عن تمويل الاستثمارات المحلية، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الاستثمار المحلي وبالتالي معدل النمو الاقتصادي، كما يفسح المجال في تحقيق تكلفة التمويل بسبب المنافسة بين الوكلاء الاقتصاديين.
     - تحرير و تحديث النظم المصرفية و المالية و خلق بيئة مشجعة لنشاط القطاع الخاص و كذلك لحد من ظاهرة رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، كما تساهم الاستثمارات الأجنبية على تحويل التكنولوجيا إلى الدول المستثمر فيها.
-تحقيق تكلفة التمويل بسبب المنافسة بين الوكلاء الاقتصاديين.
-تفسح حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة و استثمارات المحافظة المالية بالابتعاد عن القروض المصرفية التجارية و بالتالي الحد من زيادة حجم الديون الخارجية.

4-2- المخاطر:

  أما بالنسبة لمخاطر العولمة المالية على الدول النائية أو المشاكل الناتجة عن عولمة الأسواق المالية هي عديدة نذكر منها:
- مشكلة ظاهرة غسيل الأموال:
يتضمن غسيل تحويل أرباح الجريمة إلى تكتل يمكن استخدامه و إخفاء أصوله غير المشروعة، فبعد إدخال الأموال المحصلة من الجريمة إلى النظام المال يتم إخفاؤها (غسيلها) من خلال تشكيلة متنوعة من المعاملات و الأدوات المالية المختلفة و تستثمر في النهاية أصول مالية وما يتعلق بها و كثيرا ما تتضمن هذه العمليات طبقات فوق بعضها البعض، أي إخفاء مصدر هذه الأموال
فبعد موجة التحرير المالي المحلي و الدولي تعرضت العديد من الدول النامية إلى موجات من دخول الأموال غير مشروعة و حرية دخول و خروج الأموال عبر الحدود الوطنية و انفتاح السوق المحلي أمام المستثمرين الأجانب انفتحت أمام ذلك قنوات أخرى لغسيل الأموال
ومن بين الآثار السلبية لغسيل الأموال على الاقتصاد الكلي و متغيراته نذكر
- انتشار الفساد الإداري في النظام المصرفي.
- إضعاف هيبة الدولة و تشجيع التهرب من تنفيذ القوانين.
- انتشار و توسع الجريمة بكافة أشكالها الاقتصادية و الاجتماعية.
- فقدان الثقة في السوق المحلي
- تحويل اتجاه المستثمرين إلى نشاطات إجرامية بأرباح مرتفعة.
- التهرب الضريبي من دخول الأموال المغسولة و خسارة في الإيرادات العامة للدولة.
لذلك يجب تطبيق تشريع يوفر الإطار القانوني العام و يقرر التزامات التي تقدرها الخدمات المالية    و أن يحرم هذا التشريع غسيل الأموال لعقوبات متدرجة بشكل مناسب لهذا :
- يتعين على المؤسسات المالية أن تبذل جهودا معتبرة لتجنب التعامل مع العناصر الإجرامية، إذ يجب التحقيق من هوية العملاء و الوضع القانوني لهم خاصة العملاء الجدد.
- يجب أن تساند هذا التشريع تدابير لضمان أن لا يتوصل المجرمون للسيطرة على مؤسسات مالية.
- يتعين على المؤسسات المالية أن تنشئ أنظمة تتعرف على المعاملات غير العادية أو المثيرة للشك وتبلغ عنها، و يقتضي الأمر أن تدرك المؤسسات المالية ذاتها مدى خطورة الإبلاغ عن المعاملات غير العادية.
إضافة إلى هذا فقد قام صندوق النقد الدولي بتشكيل فريق خاص عام 1996 لوضع إجراءات مضادة لظاهرة غسيل الأموال و محاربتها، وأكد أن النظام المالي السليم شرط أساسي لاستقرار الاقتصاد الكلي و النمو الاقتصادي المستدام و بدأ صندوق النقد الدولي يدرج موضوعات جهود مكافحة غسيل الأموال في عمله شأن الأنظمة المالية، و في أفريل من عام 2001 وافق المجلس التنفيذي للصندوق على سلسلة من المبادرات في هذا المجال.

خداع الدول الفقيرة بتوفير رؤوس الأموال لها:

  إن الانفتاح على النظام المالي العالمي يعني بالنسبة إلى الدول المحتاجة لرؤوس الأموال الدخول في (خلق خداع) فهو يفتح أمام الحكومات المحتاجة في بادئ الأمر المنافذ لرؤوس الأموال المتاحة في العالم، الأمر الذي يعني أن الاستثمارات الحكومية لن تتوقف على حجم المدخرات الوطنية فقط، بل سيكون بالإمكان تمويلها بالقروض الأجنبية أيضا، و في الحقيقة هذا إغراء يصعب على أي حكومة طموحة الصمود في وجهه، فأصبحت الدول النامية و بفعل الضغوط التي تمارسها المؤسسات المالية عليها تطبق المنهج الذي يمكن وصفه، بتخفيض الضرائب على الثروة و الاستثمارات، خصخصة كل الخدمات و المؤسسات الاجتماعية و تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات و الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى ذلك ومن النتائج الطبيعية للمغالاة في طلب القروض الأجنبية هي أن الطابع الاقتصادي يصبح متميزا بالنتيجة و الاعتماد على المصادر لخارجية للتمويل. لأن هذه القروض تكلف الدول النامية المقترضة فوائد إضافية على القروض قد تصل إلى المليارات عندما تكون الفائدة من    ( 11% الى 18%) سنويا.

- مخاطر هروب رؤوس الأموال الوطنية
إن ظاهرة هروب رؤوس الأموال في الدول النامية تعتبر ظاهرة قديمة و تتعدد أسبابها       و تتنوع أشكالها، بينما مخاطر العولمة المالية على الدول النامية فتكمن في تدويل مدخرات هذه الدول فأصبحت تفضل الاستثمار خارج الحدود الوطنية، و التناقض الملفت للانتباه، انه في الوقت الذي تشجع فيه هذه الدول الاستثمار الأجنبي و تقدم له كل عوامل الجذب من مزايا و إعفاءات و إزالة العقبات، مما سمحت الدول النامية لمدخراتها المحلية بالخروج للاستثمار في الخارج و هذا استنادا للعولمة المالية .
لهذا يمكن القول بان إجراءات التحرير المالي التي انتشرت في الدول النامية في العقد الأخير من القرن العشرين قد أعطى لعمليات هروب رؤوس الأموال مشروعية وحرية مما أدى بالضرورة لاستفحال هذه الظاهرة واستفحال أثارها على ميزان المدفوعات أو على قدرة الدولة على التراكم الرأسمالي و خدمة الدين الخارجي .
   وتأتي في مقدمة المناطق الخاصة لرؤوس الأموال الهاربة من دفع الضريبة (جزر الكيمين الكريبية) الخاضعة للتاج البريطاني ، حيث يوجد بها ما يزيد عن 500مصرف مسجل.
ولكن وضع حواجز أو عوائق لسد منافذ هروب رؤوس الأموال هو بالأمر السهل و لكنه يتنافى مع حرية انتقال رؤوس الأموال .
   كما أن الأموال التي تتوافد على دولة خلال سنوات يمكن أن تخرج خلال أيام أو ساعات مما يؤدي إلى أزمة مالية يصعب السيطرة عليها ، كذلك فانه نظرا إلى هذه الطبيعة الهائلة لحركات الأموال فان انتقالات العدوى تنتقل ليس فقط من مستثمر إلى أخر بل من بلد إلى أخر ، ومن قارة إلى أخرى      و هذا ما حدث في دول جنوب شرق أسيا حيث عمت العدوى معظم هذه الدول خلال فترة قصيرة
إضافة إلى هذه المخاطر قد تؤدي العولمة المالية إلى المخاطر قد تؤدي العولمة المالية إلى مخاطر التعرض لهجمات المضاربة والى إضعاف السيادة الوطنية في مجال السياسة المالية و النقدية.
 ومن أثار العولمة المالية المباشرة و غير المباشرة على النمو الاقتصادي الوطني. أثار تقرير يحث في اثر العولمة المالية على النمو الاقتصادي الوطني . ذكر التقرير في التأثير المباشر زيادة حجم التوفير وانخفاض الفوائد بسبب تنوع و توزع المخاطر و انتقال التكنولوجيا و تطوير أدوات مؤسسات وسيولة القطاع المالي بما فيها المصرفي. أما التأثير غير المباشر زيادة التخصص الاقتصادي في إنتاج السلع و الخدمات و إيجاد حوافز تنافسية طبيعية لتحسين السياسات الاقتصادية   و يجعلها أكثر اجتذابا للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشار التقرير بين سنتي 1980 و 2000 اختلف النمو الاقتصادي كثيرا ضمن مجموعتي الدول المنفتحة ماليا والأخرى المنغلقة ماليا ، في المجموعة الأولى نجد كوريا الجنوبية ( مجموع النمو السنوي في المذكورين %  234 ) سنغافورة ( ( %155.5   تايلندا ( %151.1) و دولة إفريقيا الجنوبية ( انخفاض %13.7) .....، أما في الدول المنغلقة ماليا نسبيا نجد أيضا  ( مجموع نمو يقدر ب %145.8 ) و ( %135.4) و سيريلنكا (% 90.8) ، و هايتي( انخفاض ب  %35.5) .... وهناك دول متأرجحة بين المجموعتين ، أي لا يمكن وصفها بالمنفتحة أو المنغلقة والتي نمت بنسب مختلفة كالصين (نمو يقدر ب %391.6 ) و الهند (%103.2) و فنزويلا ( انخفاض %17.3)
ولتحقيق الاستقرار المالي تحتاج الدول إلى نظم مالية عميقة ومنسقة ومرنة، كما يجب عليها أن تعالج نواحي الضعف التي تؤدي إلى تعريض نظمها لمخاطر الصدمات، فقام صندوق النقد الدولي بتكثيف عمله من اجل تقوية القطاعات المالية و للمحافظة على الاستقرار المالي كجزء من جهد دولي  واتبع نهجا ذا ثلاث شعب :
- مساعدة الدول الأعضاء في القيام بعمليات تقييم شاملة لمدى تعرض القطاع المالي للمخاطر    والاحتياجات اللازمة لتطويره.
- تقوية عمليات الرصد والتحليل للقطاعات المالية ووضع مبادئ توجيهية.
- زيادة الشفافية والنزاهة ومساعدة الدول على بناء مؤسسات قوية .
إن نتائج العولمة المالية من خلال تجربة الدول الصناعية على الانفتاحين التجاري و المالي في تحفيز النمو وتثبيت الاستقرار الاقتصادي يمكن القول الايجابية تظهر على المدى الطويل وليس القصير حيث تكون المخاطر مرتفعة والتضحيات الاجتماعية كبيرة على المدى القصير ويخف تدريجيا مع الوقت كما تؤكد عليه الإحصائيات

5- الخاتمة
         أصبحت العولمة حتمية يفرضها الوضع الاقتصادي العالمي الراهن وهذا بمختلف أنواعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، وهذه الأخيرة ونتيجة التقدم التكنولوجي الذي مكن من تحريك الأموال من داخل الدول والى خارجها بسرعة اكبر لها منافع أساسية للدول النامية ، وذلك عن طريق توجيه الأموال إلى الاستثمار في هذه الدول مما قد ساعد على تحقيق مستويات نمو ومعيشة أعلى وخلق فرص جديدة للتمويل والتشغيل دون زيادة الديون الخارجية، إلا انه في المقابل أن الانعكاسات المفاجئة في اتجاه الأموال قد يهدد الاستقرار المالي الوطني لتلك الدول، وهذا ما حدث للدول النامية من أزمات وصدمات مالية مكلفة


لهذا يجب على الدول النامية:
- التعامل مع العولمة المالية بمرونة وذلك باتخاذ الإجراءات الأزمة و المناسبة حتى تستطيع
   تحقيق مصالحها وتعظيم مكاسبها
-  إنشاء أنظمة مالية قوية وعميقة وزيادة كفاءتها واتباع سياسات اقتصادية سليمة مع إدارة
    الأعمال والمخاطر المالية بشكل جيد
-  إدخال التقنيات الحديثة المساعدة في النشاطات المالية
-  وضع تشريعات وقوانين صارمة تحكم نشاط الأسواق المالية  
وفي الأخير يمكن القول إن الانفتاح المالي ليس كوسيلة للتنمية لاقتصاديات الدول النامية

الهوامش والمراجع
  يسمى هذا المصطلح باللغة الفرنسية Mondialisation، وباللغة الإنجليزية Globalization، ووضعت كلمة ) العولمة (   في اللغة العربية للدلالة على هذا المفهوم الجديد. 
  أحمد عبد الرحمان أحمد، "العولمة، المظاهر والمسببات"، مجلة العلوم الاجتماعية، الكويت، المجلد 26، العدد 2، ديسمبر 1999، ص 52.
  إسماعيل صبري عبد الله، "الكوكبة ، الرأسمالية العالمية ، مرحلة ما بعد الإمبريالية"، مجلة المستقبل العربي، العدد 222، 1997، ص 05.
  حمدي عبد الرحمان، "العولمة وآثارها السياسية في النظام الإقليمي العربي"، مجلة المستقبل العربي، العدد 258، أوت 2000، ص 04.
  يذكر أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون صرح بشأن العولمة قائلا، أننا قمنا بتحليل الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية، ولما شعرنا بأننا لدينا اقتصادا قويا، قررنا تسريع خطوات العولمة مما يعني أن العولمة فعل إيرادي
   إكرام عبد الرحيم، التحديات المستقبلية للتكتل الاقتصادي العربي، مكتبة مدلولي، القاهرة، 2002.، ص 119
   قضايا وتحديات تواجه دولة الإمارات في ظل العولمة، مجلة الرياض. تاريخ الاطلاع 20/10/20  www.alriyadh.com
   حسن لطيف كاظم الزبيدي، "العولمة ومستقبل الدور الاقتصادي للدولة في العالم الثالث"، ط1، دار الكتاب الجامعي، العين، الإمارات العربية 
   محسن أحمد الخضيري، العولمة الاجتياحية"، مجموعة النيل العربية، القاهرة، 2001 ، ص 31.
  عبد الخالق عبد الله، العولمة جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها"، مجلة عالم الفكر، المجلد 28، العدد 01، ربيع 1998، ص 54
  أقاسم حجاج، "العولمة ،النشأة السياسية"، مجلة السياسة الدولية، المجلد 40، العدد 159، جانفي 2005، ص 64.
  نفس المرجع السابق، ص 54.
  سامي عفيفي حاتم، اقتصاديات التجارة الدولية، جامعة حلوان، القاهرة، 2001، ص 312.
  أسامة المجدوب، العولمة والإقليمية ، مستقبل العالم العربي في التجارة الدولية ، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2001.، مرجع سبق ذكره، ص 36.
  العولمة والفرص المتاحة للدول النامية، إصدارات صندوق النقد الدولي، ترجمة أمينة عبد العزيز، أحمد هاشم فاطر، المجلة المصرية للتنمية والتخطيط، العدد 02، ديسمبر 1997، ص 171.
  محسن أحمد الخضري، مرجع سبق ذكره، ص 36.
  لقد انتشرت هذه التوجهات منذ مطلع التسعينيات مع انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع دور الدولة في الاقتصاد.
   سمير المقدسي، "التكتل الاقتصادي العربي والعولمة على مشارف القرن 21"، مجلة شؤون عربية، سبتمبر 2000، العدد 103، ص 113.
   حميد الجميلي، مستقبل الأمن الاقتصادي العربي في ضوء تحولات نهاية القرن 20 "، مجلة شؤون عربية، العدد 100، ديسمبر 1999، ص 102.
    محمد الأطرش، "العرب والعولمة ما العمل"، مجلة المستقبل العربي، العدد 229، مارس 1998، ص 101
  عبد الخالق عبد الله،، مرجع سبق ذكره، ص 54.
  صلاح سالم، "العولمة والطريق الثالث"، بحث للسيد ياسين، مجلة شؤون عربية، العدد 107، سبتمبر 2001، ص 230.

  محمد طيفور، الآثار المالية للعولمة، جامعة حلب، سوريا                          www.alqaly.com/ob7ath?action=contact
  سامي عفيفي حاتم، اقتصاديات التجارة الدولية، جامعة حلوان، القاهرة ص 203
  محمد طيفور، مرجع سبق ذكره.
  عبد الحسين وادي العطية، الاقتصاديات النامية أزمات و حلول، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان الأردن 2001 ص 134
  حازم البيلاوي، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، مركز الأهرام للترجمة و النشر، ط 2، القاهرة 2005 ص 77
  حسين لطيف كاظم الزبيدي، مرجع سبق ذكره، ص 109
  نفس المرجع السابق ص
  حسين اللطيف كاضم الزبيدي، مرجع يبق ذكره،ص 153 
   محمد صفوت قابل ، الدول النامية والعولمة ، مرجع سبق ذكره، ص 151
   جيرد هاوسلر، عولمة التمويل، مجلة التمويل والتنمية، مارس 2002، ص11
   لمزيد من الاطلاع حول هذه الازمات انظر: عبد الحسين وادي العطية، الاقتصاديات النامية ازمات وحلول ، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الاردن 2001، ص ص 153-158
   حازم الببلاوي ، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، مركز الاهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 2005، ص89
   هايزو هوانغ، الاستقرار النالي في اطار التمويل العالمي، مجلة التمويل و التنمية،مارس2002، ص 13
  اخوية، منظمة التجارة العالمية.                                                                         www.aklawia.net/showtheread.php
  عبد الحسين وادي العطية، مرجع سبق ذكره ص 137
  محمد صفوت قابل،الدول النامية و العولمة، الدار الجامعية، القاهرة 2003/2004 ص 147
  ادوارد ابنيات و آخرون، مكافحة غسيل الأموال و تمويل الإرهاب مجلة التمويل و التنمية، سبتمبر 2002 ص 44
  محمد طيفور، مرجع سبق ذكره
  ادوارد انينات و آخرون، مرجع سبق ذكره ص 138
  عبد الحسين وادي العطية، مرجع سبق ذكره ص 138
  محمد طيفور، مرجع سبق ذكره.
  عبد الحسين وادي العطية ، مرجع سبق ذكره ص 140
  حازم البيلاوي ، مرجع سبق ذكره ص 89 
  بسام محمد حسين ، العولمة المالية وأثارها على اقتصاديات الدول النامية               www.kfnl.gov.sa/darat/pplo/kshaf/k10/3 
  لويس حبيقة ، لبنان بين العولمتين التجارية و المالية                          www.al-moharer.net/moh115 /houbika175.htm  
  هايزو هوانغ و سن كال واجيد ، الاستقرار المالي في اطار التمويل العالمي مجلة التمويل والتنمية ، مارس 2002 ص14
  لويس حبيقة ، مرجع سبق ذكره.

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا