Thursday, May 01, 2014

ميثاق تحصيل الديون العمومية بواسطة الاشعار للغير الحائز

دراسة في القانون : اختصاص غرف الاستئناف في الاستئنافات المقدمة ضد أوامر الأداء (2/2)

من المؤكد أن الطعن بالاستئناف، بعد التعديلات المدخلة على قانون المسطرة المدنية وتحديدا بالقانون رقم 35-10، لم يعد يمارس حصريا أمام محكمة الاستئناف فقط كما كان عليه الوضع في السابق، وإنما أضحى أيضا يمارس أمام مرجع استئنافي آخر هو غرفة الاستئنافات المستحدثة ضمن التنظيم الداخلي للمحاكم الابتدائية، وهذا هو أبرز تعديل رام من ورائه المشرع تخفيف الضغط عن محاكم الاستئناف والسرعة في تصريف القضايا التي تصنف ضمن خانة القضايا البسيطة.

أما الحاصل بعد التعديلات الجديدة للمادتين المذكورتين، فهو أن الاختصاص للنظر في الاستئنافات المقدمة ضد الأوامر بالأداء، أضحى منعقدا لمحاكم الاستئناف متى كانت قيمة الدين المطلوب أداؤه تزيد عن مبلغ 20.000 درهم، ومنعقدا في المقابل لغرفة الاستئنافات لدى المحاكم الابتدائية متى كانت قيمة الدين لا تتجاوز هذا المبلغ. وهذا هو الموقف الذي يبدو مؤيدا في الظاهر ومبررا. لكن مقتضيات المادة 24 (ق م م) وفق صياغتها الجديدة قد تطرح موقفا آخر مغايرا وإن كنا لا نرى له من مبرر مسبقا، كيف ذلك؟
أ: مقتضيات الفصل 24 من (ق م م) قد تؤيد الموقف القائل بعدم اختصاص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية للبت في استئناف أوامر الأداء.
عند مطالعة أحكام الفصل 24 من (ق م م) التي تقضي بما يلي: "... تختص محاكم الاستئناف، عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة بالنظر في استئناف أحكام المحاكم الابتدائية وكذا في استئناف الأوامر الصادرة عن رؤسائها.
استثناء من أحكام الفقرة السابقة تختص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية بالنظر في الاستئنافات المرفوعة ضد الأحكام الصادرة ابتدائيا عن المحاكم الابتدائية في إطار البند الأول من الفصل 19 أعلاه».
يتضح بأن التعديل الذي أتى به القانون (10-35) قد طال الفقرة الثانية التي هي استثناء للفقرة الأولى طبعا، بمعنى أن الفصل في الاستئنافات هو من حيث الأصل، من اختصاص محاكم الدرجة الثانية والاستثناء هو أن تختص غرفة الاستئنافات بالبت في الطعون المرفوعة ضد الأحكام الابتدائية، والمعيار الفاصل بين الاختصاصين هو معيار قيمة الدعوى أخذا بما هو منصوص عليه في الفصل 19.
غير أن الالتباس الذي قد يعتري قراءة هذه المقتضيات، يظهر من خلال المقارنة بين الصياغة في كلتا الفقرتين، ذلك أن الفقرة الأولى وهي تحدد مجال اختصاص محكمة الاستئناف، ميزت بين الأحكام وبين الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة، في حين أن الفقرة الثانية تحدثت عن الأحكام دون الأوامر، بما يؤدي إلى التساؤل عن المغزى وراء هذه الصياغة، فهل القصد من ذلك يروم استثناء الأوامر من مجال اختصاص الغرفة المذكورة؟ بحيث أن الطعن في هذه الأوامر يرفع في جميع الأحوال أمام محكمة الاستئناف قياسا على الأوامر الاستعجالية والأوامر المبنية على طلب، أم أن الأمر لا يعدو مجرد سهو سرعان ما تداركه عند تعديل الفقرة الأخيرة من المادة 162 مكرر.
ب) مقتضيات الفصل 162 مكرر تؤيد الموقف القائل باختصاص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية للبت في استئناف اوامر الأداء.
إن الذي يبرر القول بوجوب استئناف أوامر الأداء أمام غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية، هو عبارة الإحالة على الفصل 19 الواردة في الفقرة الأخيرة من الفصل 162 مكرر، وهي الإحالة التي تفضي إلى اعتماد معيار القيمة المالية للطلب في إطار مسطرة الأمر بالأداء.
فمدلول الإحالة في التعديل، يسوي بين غرفة الاستئنافات ومحكمة الاستئناف في صلاحية البت في نظر طلبات وقف التنفيذ الجزئي أو الكلي للأمر بالأداء المبنى على الأوراق التجارية وكذا السندات الرسمية، وهذه الصلاحية بالتأكيد موكولة إلى الجهتين باعتبارهما المرجع الاستئنافي ولا أرى من تفسير آخر.
فمن منطلق هذه الصورة، أي صورة تمييز الفصل بين طلبات الأمر بالأداء المبنية على الأوراق التجارية والسندات الرسمية وبين الأوامر المبنية على مجرد سندات عرفية أو تعهدات مكتوبة، فالأولى تنفذ نفاذا معجلا بغض النظر عن الطعن فيها بالاستئناف، بخلاف الثانية فهي لا تنفذ إلا بعد مرور أجل الاستئناف أو انتهاء مسطرة الطعن، ولا شك في أن إمكانية إيقاف تنفيذ الأوامر الصادرة في الصورة الأولى تبقى قائمة، شريطة تقديم طلب بذلك أمام المرجع الاستئنافي وقبول هذا الطلب. والمرجع الاستئنافي المستفاد من النص يستوي أن يكون محاكم الاستئناف أو غرفة الاستئنافات لدى المحاكم الابتدائية.
وفي المحصلة، نرى ترتيبا على ما ذكر أن مساطر الأمر بالأداء، بما أنها منظمة في المسطرة المدنية بنصوص خاصة، فإن المقتضيات الأخيرة للمادة 162 مكرر، يفهم منها مباشرة على أن معيار الاختصاص القيمي للطلب حاضر في تعيين الجهة المختصة للبت في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر الأداء، بحيث متى كان الدين يتجاوز مبلغ عشرين ألف درهم، فإن محاكم الاستئناف هي المختصة، وفي المقابل ينعقد الاختصاص لغرفة الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية متى كان مبلغ الدين إلى غاية عشرين ألف درهم، ولا يمكن لمقتضيات الفصل 24 أن تشوش على هذا الرأي، ما دام أن هذه المقتضيات وردت في إطار تنظيم المسطرة العادية للطعن، ونرى أن المقصود بالأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية في هذا الفصل، هي فقط الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية في هذا الفصل، هي فقط الأوامر الاستعجالية والأوامر المبنية على طلب، ما دام أن المشرع قد بين صراحة الجهة التي ينبغي رفع الطعن إليها وهي محاكم الاستئناف بدليل الأحكام الواردة في الفصلين 153 و148 (ق م م)، ولا أعتقد أن مدلول الأوامر هنا ينسحب على الأوامر الصادرة بالأداء، تأسيسا على الإطار الخاص والاستثنائي للمسطرة. ولا نستسيغ إمكانية استثناء المعيار القيمي في إطار هذه المسطرة عند ممارسة الطعن وإلا لترك المشرع الأحكام على النحو الذي كانت عليه سابقا، أي تفادي الإحالة على الفصل 19 ما دام أن هذه الإحالة هي مستجدة في الفصل 162 مكرر، لم تكن واردة قبل التعديل على اعتبار أن الأوامر بالأداء قبل التعديل كانت تقبل الاستئناف حتى في الحالة التي يكون فيها الدين يقل عن مبلغ (3000) درهم، ما يؤكد أيضا الطابع الاستثنائي لهذه المسطرة الموكولة لرئيس المحكمة.
ثم لا نرى من حرج في استئناف أوامر رئيس المحكمة الصادرة بالأداء أمام غرفة الاستئنافات داخل المحكمة التي يديرها ويشرف على قضاتها وتتبع مسارهم المهني. فمثل هذا الاعتبار المعنوي لا أثر له على الوظيفة القضائية التي ترتفع عن مثل هذه الاعتبارات قياسا على مقتضيات الفصول 5.6.7.8 من القانون رقم: 64.99 المتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية هذا من جانب ومن جانب آخر لا نعتقد أن المشرع لم يستحضر هذه المسطرة ومميزاتها عند استحداثه لغرفة الاستئنافات.
فنحن نجزم أخذا دائما بالفقرة الأخيرة للمادة 162 مكرر أن المشرع عند استحداثه لغرفة الاستئنافات قد استحضر مساطر الأمر بالأداء ولم يستثنيها من مزية السرعة واختصار الوقت التي تخولها إجراءات الطعن أمام هذه الغرفة وداخل المحكمة نفسها.
بقلم: ذ. نجيب شوقي ,رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالناظور 

دراسة في القانون : قانون تدابير حماية المستهلك ... الحصيلة والآفاق (1/2)

لا شك بأن المتتبع للمراحل التي مر بها قانون حماية المستهلك والمخاض العسير الذي عرفه هذا الأخير، سواء في إعداده أو مناقشته، وذلك قبل صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 07 أبريل 2011، يتأكد بأننا أمام قانون من نوع خاص تتقاطع فيه عدة مصالح متضاربة منها أساسا مصلحة الطرف الضعيف في العلاقات الاستهلاكية وهو المستهلك (المادة2 ق.ح.م.م.)، ثم مصلحة الطرف القوي الذي يمثل ما اصطلح عليه من قبل المشرع المغربي بالمورد ، وأخير مصلحة حماية الاقتصاد الوطني والرفع من مردوديته.

إن تعدد هذه المصالح بالشكل السالف الذكر، ساهم في تعثر صدور هذا القانون خاصة أمام تدخل عدة مؤسسات تجارية بغية عرقلة المصادقة على مجموعة من المقتضيات التي رأت أنها تمس جوهر وأساس وجودها وهو تحقيق الربح.
  ونحن إذ نضع هذه الدراسة بين يدي القارئ في وقت مهم جدا وهو مرور ثلاث سنوات على صدور قانون تدابير حماية المستهلك رقم 08_31 بحلول السابع من أبريل الجاري، فإننا نتوخى من ورائها لفت انتباه الأطراف المتدخلة في هذا القانون من مستهلكين وجمعيات وموردين إلى قانون لم ينل حظه من الاهتمام والدراسة ولم يسلط عليه الضوء من قبل الإعلام بالشكل اللازم مما فوت على المستهلك فرصة الاستفادة من المكتسبات التي جاء بها هذا الأخير.
 إن المتتبع لقانون حماية المستهلك باهتمام منذ صدوره لحدود اللحظة وفي العديد من جوانبه، سواء منها الدراسات الأكاديمية المحتشمة والأحكام القضائية التي عالجته، وكذا المتابعة التي حظي بها من قبل هيآت المجتمع المدني والإعلام أو حتى من قبل المستهلكين في حد ذاتهم،  يمكنه الوقوف عند الواقع المتدني الذي ما زالت تعرفه الحماية المخولة للمستهلك، وذلك من عدة جوانب لعل وهو ما يتضح من عدة زوايا  :
1 - قضاء مدني وتجــــاري شبه مبادر
إن صدور قانون تدابير حماية المستهلك شكل قفزة نوعية في حجم المكتسبات التي وضعها المشرع خدمة لمصلحة الطرف الضعيف، بدءا من إسناد الاختصاص المحلي في النزاعات الاستهلاكية لمحكمة موطن أو إقامة المستهلك (المواد 111و 202 من ق.ح.م.م.) خروجا عن مقتضيات قانون المسطرة المدنية (الفصل 27) التي تسند الاختصاص لمحكمة المدعى عليه، مرورا بقلب عبء الإثبات وجعله على المورد استثناء في نزاعات الشروط التعسفية والعقود عن بعد (المواد 18 و34 ق.ح.م.م.) عكس ما ينص عليه قانون الالتزامات والعقود من جعل عبء الإثبات على المدعى وغيرها من المستجدات التي همت الجانب الإجرائي في قانون تدابير حماية المستهلك، ثم التحولات التي عرفها الجانب الموضوعي في هذه الحماية بدءا من النص صراحة على الحق في الإعلام والحق في التراجع وتأطير مجوعة من الممارسات التجارية المشروعة منها وغير المشروعة وضبط الجوانب المتعلقة بالقروض سواء الاستهلاكية منها أو العقارية .... وغيرها من المستجدات التي يصعب حصرها في هذا المقام والتي سنقف عندها من خلال دراسات لاحقة.
لكن ما يمكن تسجيله بهذا الخصوص هو التجاوب والمرونة التي تعامل به القضاء سواء منه المدني أو التجاري مع متطلبات هذه الحماية في العديد من النزاعات التي عرضت عليه، هذه المرونة برزت أساسا في التطبيق السليم لمقتضيات الاختصاص المحلي من قبل مجموعة من محاكم المملكة (على رأسها الدار البيضاء و الرباط مراكش فاس ومكناس..) من خلال الحكم صراحة وتلقائيا بعدم الاختصاص المحلي كلما كان موطن المستهلك يخرج عن دائرة نفوذ المحكمة المعروض أمامها النزاع تطبيقا لمقتضيات قانون حماية المستهلك الذي يسند الاختصاص المحلي لمحكمة موطن أو إقامة المستهلك ويجعل هذا الاختصاص من النظام العام (المواد 111 و151 و202).
أضف إلى ذلك أن القضاء المغربي (بمكناس والدار البيضاء وفاس)، لم يقف عند هذا الحد وإنما ساهم في إعمال وتطبيق نظرية الإمهال القضائي وفق منظور جديد يراعي متطلبات الحماية التي تقتضيها وضعية الطرف الضعيف- المستهلك، وهو ما يستشف من عدم تردد رئيس المحكمة في منح مهل قضائية للمستهلك خاصة في حالة الفصل عن العمل أو الحالة الاجتماعية غير المتوقعة.
   إن مرونة القضاء سواء منه المدني أو التجاري تجلت كذلك في تحكم القاضي (مراكش وأكادير والدار البيضاء وفاس..) من خلال السلطة التقديرية التي خولها له قانون حماية المستهلك في نسب الفوائد المتضمنة في العقود، بشكل يجعلها تتوافق مع مقتضيات قانون حماية المستهلك التي تتسم أغلبها بطابع النظام العام بغية تجنب المغالاة في الفوائد. التوجه نفسه سلكه القضاء مع بعض المكتسبات الأخرى من قبيل التوقف عن الدفع ومؤخرا الشروط التعسفية. 
لكن رغم ذلك، فإن القاضي المغربي مطالب باستجابة أكبر للأدوار الجديدة المنوطة به من خلال القوانين ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة لـ(ق. 08-31) وذلك من خلال استحضار المصلحة المحمية في (ق. 08-)31 والتعامل بمرونة مع بعض القواعد العامة بشكل يسمح بإعادة التوازن للعلاقات التعاقدية، خاصة ما يتعلق بضرورة توسع القاضي في منح مهلة الميسرة كلما تطلب الأمر ذلك، ما دام يتمتع بسلطة تقديرية تسمح له بذلك، كما يتوجب عليه استحضار بعد النظام العام التي يميز  أغلب قواعد ق. 08-31 (حوالي 105 مادة) أي ما يناهز 50% من مواد القانون، والتفاعل بإيجابية مع بعض الممارسات التعسفية التي تشهدها أغلب العقود المبرمة بين المستهلك والمورد.
مع ضرورة التأكيد على أن القاضي مدعو إلى إعمال قاعدة التأويل الأكثر فائدة للمستهلك المنصوص عليها في المادة 9 من قانون حماية المستهلك والسلطات التقديرية المخولة له، وكذا تجسيد الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه في إعادة التوازن على العلاقات التعاقدية بما يسمح به القانون و تقتضيه النصوص التشريعية.
2_ مستهــــلك غــير واع بحقــــوقه
لا شك بأن الملاحظة الأولية التي يمكن الوقوف عندها في هذا الخصوص، تتمثل أساس في استمرار غياب ثقافة حماية المستهلك في الوسط المغربي حتى بعد صدور قانون حماية المستهلك سنة 2011، ما يطرح التساؤل حول القيمة القانونية للمقتضيات التي جاء بها هذا القانون، إذا لم يتم استثمارها عمليا على مستوى النزاعات في سبيل توفير الحماية المتطلبة للمستهلكين بشكل يضفي الإنصاف على هذه العلاقات ؟
إن غياب ثقافة حماية المستهلك يظهر جليا في غياب المبادرة من قبل هذا الأخير (المستهلك) في حالة حصول نزاع بينه وبين المورد لحماية حقوقه.
بقلم:المهدي العزوزي, محامي متمرن بهيأة فاس    
باحث في دكتوراه منازعات الأعمال

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا