Thursday, September 26, 2013

دراسة في القانون: ولوج المرأة مهنة التوثيق العدلي (2/2)

لا يجوز تجـــــــاهل الدور الرائد للمرأة في المجتمع، ويجب إنزالها مكانتهــــــــا اللائقة بها، والنساء شقائق الرجال في الأحكام، والمرأة والرجل هما جناحا المجتمع يحلق بهما في أجواء وآفـــــاق الحياة كيف شـاء، في مناخ تسوده الطمأنينة والاستقـــرار، يؤديــــــان معا رسالتهما النبيلة التي تكفل للمجتمع تقدمه، ونمـــــــاءه و ازدهاره.

وتســـــــاءل الدكتور رضوان بنصابر: هل عدم اشتراط الفقهاء لشرط الذكورة جاء من باب أنه لم تكن مطروحة إشكالية ولوج المرأة لمهنة الموثق العدل، وأن الفقهاء اعتبروا شرط الذكورة أمرا بديهيــــــــا لا ضرورة للتنصيص عليه، تبعا للواقع الاجتماعي الذي كان يعيشه المسلمون ؟ أم أن سردهم لدقائق الشروط في العدل الموثق، وإغفــــــالهم لشرط الذكورة أمر مقصود غايته الإباحة ؟ ( من أشغال الندوة العلمية المنظمة من قبل مسلك القانون الخاص بالكلية متعددة التخصصـــــــات بتـــــازة يومي : 24 و25 أبريـــــل 2008 ) .
ومنهم من جعل اقتصـــــار هذه المهنة على الرجال وحدهم مرتبطا بظروف اجتمــــــاعية وذاتية، وبالمحيط الاجتماعي والثقـــــافي الموروث، لأن هذه المهنة وعبر التــاريخ، كانت تمــــــارس من قبل الرجـــال فقط ! ومنهم من حصره في الجــــــانب الفقهــي، وأن شهــــــادة النســـاء لا تقبل إلا فـــي ميـــــــــادين خــــــاصة.
وهذا التوجه الفقهي هو الآخر لم يسلم من كثرة الآراء والتوجهــــات بين الفقهـــــــاء، فمنهم من ذهب إلى قبـــــــــول شهــــــــادة المرأة في الطـــــلاق والزواج والمـــــــال، وعدم قبولهـــــا في الحدود والقصاص( الإمام أبو حنيفة)، ومنهم من اعتبر شهادتهـــــا لا تجوز مع الرجـــــال في غير الأموال (الشــافعية)،
ومنهم من قبل شهادتهـــــــا في كل الحقــــــوق (علمـــــاء الظــاهرية)،
ومنهم من قبل شهادتهـــــــا في المــــــال وما يؤول إليه فقط (المـــالكية).
واختلف كذلك في شهادة المرأة هل تصح مع الرجل، أو منفردات، واختلف في العدد، وهل يشترط في قبول الشهادة العدد أم لا – رجل وامرأتان -، إلى غير ذلك من الخلافات والاجتهادات التي لم يحصل بشأنها إجماع، أو نص صريح كاف وشاف، «....نذكر أن فقهاء الشريعة عامة، وفقهاء المذهب المالكي خاصة، لم يفرقوا في شهادة المرأة بين أن تكون شهادتها مكتوبة في وثيقة مع أدائها، وبين أن تكون مؤداة بلسانهــــــــا أمام القاضي دون كتاب، كما أنهم لم يفرقــــوا في ذلك بين أن تكــون المرأة منتصبة للإشهــــــاد، وبين أن تكون غير ذلك، وجاءت مواقفهم من شهادة المرأة مختلفة على أكثر من صعيــــــــد»، من كتــــاب (الوجيز في شرح القـــــــانون المتعلق بخطة العدالة ص : 20 للدكتـــــــور العلمي الحـــراق).
وعلى كل حال فاختلاف أمتي رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم، والشريعة صـــالحة لكل زمان ومكان، وليس هناك ما يمنع الآن من قبــــــول المرأة المغربية ولوج وممـــارسة التوثيق العدلي، ونطالب بقبول إدماجها في هذه المؤسسة إلى جانب الرجل، وأن تقتحم هذا الميدان، لتساهم فيه بعطائها وجهدها ومهارتها، بالرغم من إشفاقنـــا عليها منه – فالمهنة مهنة المشـــــاق بامتياز – ، إذ أن الســـــــادة العدول يقدمون في عملهم ثلاث وســـائل إثباتية وهي : الشهـــــادة والكتــــــابة واليمين فـــــــي آن واحــــــد، ومـن الأكيد أن يكون وجود المرأة بهذه المؤسسة قيمة مضافة لهــــــا، وأن تســــاهم بقوة في الارتقـــــــاء بها نحو الأفضل وفي الرفع من مستواها، إلى تلك المكــــانة الســـامية المتألقة، التـي نتطلع إليها، ويرتضيهــــــا الجميع، تحقيقـــا للغايات النبيلة المتوخــاة منهـــــا باعتبارهــــــا من المهن الحــرة القضــــــائية، والفـــــاعلة في النسيــــــج القضـــــائي .
وعلينا مواكبة المستجدات وكل تغيير يعــايشه المجتمع، وهو حق من حقوقهــــــا يندرج في إطار النهوض بأوضاعها، والقفز على المنظور التقليدي القديم في حق المــــرأة، الذي لم يبق له مكــــــان ولم يعد يســــــاير الركب الحضـــــاري الحالي وبعض مظاهر التمييز فــــي حق المرأة، كانت سببـــــــــا في إقصائها وتهميشهــــــا .
وعلى هذا الأساس وبما أن المشرع سكت عن تحديـــــــد جنــس المترشح ذكرا أو أنثى لممارسة هذه المهنة، ولم يعرض إلى ذلك لا في الظهير الســـــــابق المؤرخ بتاريخ : 06 ماي 1982 المنظم للمهنة، ولا في المرسوم الصادر بتـــــــاريخ : 18 أبريل 1983 المتعلق بتعيين العدول والمراقبة ولا في القــــــانون الحالي، فليس هنـــــاك ما يمنع من ولـــــوج المـــرأة المغربية المتوفـــــرة على الشــــــروط المطلوبـــــة أن تمـــــــارس مهنة التوثيق العدلـــــــي، اعتمادا في ذلك كمــا سبق القول على تفعيل الفصل 19 من الدستور الذي ينص على أن جميع المغــــــــاربة سواسيـة أمام القــانون، وهو تأكيـد صريح كذلك لمقتضيـات الفصل الخــامس من الدستور الســــابق .
إن الكفـــــــاءة المتميزة للمرأة وتفوقها الواضح في كل المهن التي تمــارسها لا ينكرها أحد، وقد مـــارست مهامهـــــا بمسؤولية كبيرة وكفــــــــاءة واقتــــدار، وأعطت النتـــــائج المرجوة، وأدت رســالتها بنجــــــاح ومهــــــارة ومسؤوليــــة .
وإن فسح المجـــــال لها لولــــوج مؤسسة التوثيق العدلي والممـــــارسة الفعلية لهذه المهنة، هو توجه منطقي وسليم، يمكن اعتباره استكمــــالا للورش الهـــام المتعلق بإصلاح منظومة العدالة،  وفي إطار تحديث المهنة وتطويرها حتى تكون مواكبة لكل التطلعات، مواكبة للعصر، ومسايرة لتحديات المستقبل. وهذا من شأنه كذلك أن يكون إنصافا جوهريا لها، سيما أنها تعد من المهن التي تجسد رمزا حضاريا أساسيا بالبلاد، وينسجم هذا التوجه والانخراط الصريــح والصحيح فـي الميثـــــاق الوطنــي الاجتمـــــاعي الرائــد في المنـــاصفة والمســـاواة وتكريــــــم المرأة، الذي دعـــــــــا إليه الملك محمد السادس، وتجسيــدا لإرادته في العنـاية بالمــرأة والسمو بمكانتهــــــا داخل المجتمع.

بقلم: مـحمد ساسيوي, رئيس المجلس الجهوي لعدول
النـائب الأول لرئيس الهيأة الوطنيـة للعدول
جريدة الصباح  الأربعاء, 18 سبتمبر 2013

Friday, September 20, 2013

دراسة في القانون: الفحص الطبي المضاد في مدونة الشغل (1/3)

إذا كانت الاعتبارات والتوازنات المالية تشكل الوازع الأساسي في سن المراقبة الطبية بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بخصوص المرض غير المهني، 
وبالنسبة إلى شركات التأمين بخصوص المرض المهني، فإنه من دواعي الاستغراب أن يتقرر إخضاع الأجير المريض للفحص الطبي المضاد في إطار المرض 
غير المهني من طرف المشغل لأنه لا يتكفل مباشرة بدفع تعويضات يومية.

قرن المشرع الفرنسي فقد قرن وعلى صواب، حق المشغل في المراقبة

دراسة في القانون: ولوج المرأة مهنة التوثيق العدلي (1/2)

لا يجوز تجـــــــاهل الدور الرائد للمرأة في المجتمع، ويجب إنزالها مكانتهــــــــا اللائقة بها، والنساء شقائق الرجال في الأحكام، والمرأة والرجل هما جناحا المجتمع يحلق بهما في أجواء وآفـــــاق الحياة كيف شـاء، في مناخ تسوده الطمأنينة والاستقـــرار، يؤديــــــان معا رسالتهما النبيلة التي تكفل للمجتمع تقدمه، ونمـــــــاءه و ازدهاره.

كفل الإسلام للمرأة كل الحقوق، وكرمها وشرفها واحتفى بها، وجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبـــــات، تدل على هذا الكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة: «فاطمة بضعة مني، يسوؤني مـــا يسوؤها، ويسرني ما يسرهــــــا»،  من كلام الرســــول صلــــــى الله عليــــه وسلم عـــن ابنته فــــــاطمة رضي الله عنهـــــا، وقولــــه عليه السلام « مــــــا أكرم المرأة

Thursday, September 12, 2013

Charte de La Réforme du Système Judiciaire

النص الكامل لميثاق إصلاح منظومة العدالة

إعلان : لقاء تواصلي لتقديم مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة‎

إعــلان على إثر تفضل جلالة الملك، حفظه الله، بإعطاء موافقته السامية على ميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي كان ثمرة حوار وطني موسع ساهمت فيه جميع الفئات المعنية بمنظومة العدالة، تعلن وزارة العدل والحريات أنها ستعقد لقاءا تواصليا بحضور السيد رئيس الحكومة وكافة المسؤولين والفعاليات المعنية، لتقديم مضامين الميثاق المذكور، وذلك يوم الخميس 12 سبتمبر 2013 على الساعة السادسة مساء بقاعة الندوات بنادي بنك المغرب الكائن قرب الحي الجامعي الدولي بحي الرياض بالرباط.

كما سيعقد وزير العدل والحريات ندوة صحفية عقب اختتام أشغال هذا اللقاء.
المصدر: موقع وزارة العدل


Sunday, September 08, 2013

دراسة في القانون: الإجراءات الجنائية بين السرية والعلنية (1/3)

من المؤكد أن سرية الإجراءات الجنائية بشكل عام ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف تتعلق بالمصلحة العامة، منها على الخصوص ضمان فعالية ما تقوم به الضابطة القضائية من مهام وإجراءات وتحريات أثناء البحث التمهيدي لـ: “التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والبحث عن مرتكبيها – المادة: 18 من ق.م.ج – وكذلك الأمر بالنسبة
 إلى المجهودات التي يبذلها «قاضي التحقيق» في ما يتعلق بتحديد هوية المتهم وجمع أدلة المتابعة... إذا كان الغرض من السرية -كما سبق- هو ضمان الفعالية لما ذكر، فإن العلنية بعكس ذلك – في مرحلتي البحث والتحقيق – يمكن أن تضر  - بل قد تضر فعلا – بالسير العادي للإجراءات في هاتين المرحلتين، وقد تفرغ مجمهودات المكلفين من أي معنى فالعلنية قد تساعد المشبوه فيه على الفرار من وجه العدالة أو قد يعمد – هذا المشتبه فيه – الى العبث بوسائل الإثبات التي قد تكون ضده إما بالتأثير على الشهود أو بإخفاء وتبديد أدلة الجريمة وأدواتها الخ...
ثم إن التناول العلني لقضايا الإجرام بشكل مثير قد يؤثر على عقيدة المحقق، ومبادئه وحتى على شهود القضية وعلى السير الطبيعي للمحاكم منذ البداية، الأمر الذي قد يشكل مسا خطيرا بمبدأ المحاكمة العادلة وبقرينة البراءة على الخصوص. لذلك تبدو السرية هنا في مصلحة المتهم نفسه إذ قد تضمن له وجود محقق محايد وقاض محايد كذلك.
أيضا يمكن لعلنية إجراءات البحث والتحقيق – أن تضر بسمعة المشتبه فيه والمتهم في محيطهما الخاص – الوسط العائلي والمهني – علاوة على الآثار النفسية السلبية لتلك العلنية، السرية في بعض التشريعات: ويستفاد من تاريخ فكرة «سرية إجراءات الجنائية» إنها لم تكن تلقي بالا لحقوق المتهم في الدفاع عن حقه: فلا يحق له حضور الإجراءات أو الاطلاع على أوراق القضية هو ودفاعه التي تظل مطبوعة بالسرية إلى أن يتم فصل مسطرة البحث والتحقيق عن مسطرة المحاكمة التي تطبعها العلنية،
وإذا كانت بعض التشريعات قد أخذت بهذا الاختيار الأخير – المغربي، المصري، الفرنسي – سرية إجراءات البحث والتحقيق وعلنية المحاكمة – فإن القانون الأمريكي على العكس من ذلك قد أجاز للمحقق عقد جلسات علنية للتحقيق كما هو الشأن بالنسبة إلى الرقابة على أعمال القضاة في الجلسات العمومية التي تكون عادة علنية، بل للمحقق في هذا النظام أن ينجز تقريرا حول الموضوع يوزعه على الصحافة، خاصة في قضايا الموظفين العموميين نظرا لأهميتها بالنسبة للرأي العام بشرط توفر أدلة كافية على المتابعة وذلك لوضع حد لما قد يتولد عن السرية من شائعات تختلف في إخراجها وانتقائيتها والتي من شأنها -بالتأكيد – الأضرار بحياة المشتبه فيه – الخاصة والعامة – كما يمكن لها أن تربك سير العدالة في بحثها عن حقيقة الأمور.
وربما لذلك شكل اختراق مبدأ سرية اجراءات البحث والتحقيق جنحة يعاقب عليها القانون، علاوة على المسؤولية التأديبية التي مكن أن تثار في مواجهة مأمور الضابطة القضائية والمحقق وكذا المحامي وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم في حالة الإفشاء الثابت.
نطاق السرية: والسرية إما أن تكون في مواجهة الغير، وهي السرية الخارجية وإما أن تكون إزاء الأطراف وهي في هذه الحالة سرية داخلية لا يجود في إطارها الاطلاع على الإجراءات حتى بالنسبة إلى أطراف المسطرة.
وتنتهي السرية – بطبيعة الحال – بانتهاء البحث والتحقيق إما بقرار حفظ المسطرة أو بصدور قرارب عدم المتابعة لكن فقط في ما يتعلق بما ورد في المحاضر وله علاقة بموضوع البحث والتحقيق.
ونعتقد، أنه لا يمكن لا للوكيل العام ولا لغيره ولا لقاضي التحقيق أن يتحدث بشكل علني عن قضايا مازالت في طور البحث والتحقيق.
هذا، وقد لا تنتهي السرية بما ذكر من قرارات بل قد تبقى مستمرة خاصة متى تعلق الأمر بمعلومات لا علاقة لها بموضوع البحث والتحقيق ولا تدون بالمحاضر بطبيعة الحال، كما إذا اكتشف الضابط أو المحقق وجود علاقة غير شرعية بين المتشتبه فيه وبين زوجة شخص آخر.
إن مثل هذه المعلومات تبقى سرية ولو بعد انتهاء البحث والتحقيق بصدور قرار بحفظ القضية أو بعدم المتابعة أو حتى بإحالة القضية على المحكمة حيث يسود مبدأ العلنية بل إن هذه السرية تبقى مستمرة إلى ما لا نهاية.
وحتى في مصر التي يسمح نظامها للنائب العام بعقد ندوة صحافية في بعض القضايا بعد انتهاء التحقيق فيها، فإنه هذه الإباحة لا تخالف مبدأ السرية طالما أن عقد تلك الندوة لا يتم إلا بعد صدور قرار إحالة المتهمين على المحاكمة العلنية ما لم ينص القانون على استمرار الالتزام بالسرية ولو بعد تلك الاحالة.
وإذا كان قرار الحفظ وقرار عدم المتابعة لا يطالهما مبدأ السرية باعتبارهما من الأعمال القضائية بشكل عام فإن نتائج البحث والتحقيق وما تم كشفه في هاتين المرحلتين من وقائع وإمكان نسبة وقائع أخرى الى المشتبه فيهم يبقى مشمولا بالسرية بصدور القرارين المذكورين.
السرية إما داخلية أو خارجية:
إن السرية بشكل عام إما أن تكون داخلية تطول حق الأطراف أنفسهم وإما أن تكون خارجية لا يسمح فيها لأي كان بالاطلاع على الأوراق والمستندات أو بالحضور لإجراءات البحث.
مما لا شك فيه أن البحث والتحقيق الذي تقوم به الضابطة القضائي يبقى مشمولا بالسرية الى حين احالة القضية على المحكمة في جلستها العلنية،
ونرى أن هذه السرية في القانون المغربي هي سرية داخلية أي أن الاطلاع على محاضر البحث قبل عرض القضية على المحكمة غير مسموح به للمشتبه فيه  وكذلك الأمر بالنسبة لمحاميه مادام أنه غير مسموح به للمشتبه فيه وكذلك الأمر بالنسبة لمحاميه مادام أنه غير مسموح له بالحضور الى جانب موكله في تلك المرحلة – البحث التمهيدي_.
إن الاتصال بين المحامي وموكله الموضوع تحت الحراسة النظرية ممكن أن يتم بترخيص من النيابة العامة ابتداء من الساعة الأولى من فترة تحديد الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل بسرية المقابلة، وعليه على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية حسبما تنص عليه المادة: 80 من م. ج – الباب الثاني تحت عنوان البحث التمهيدي من القسم الثاني تحت عنوان: «اجراءات البحث»، ويتأكد هذا المقتضى في القانون المغربي من خلال مقتضيات المادة: 15 التي تنص على ما يلي: “تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية، كل شخص يساهم في اجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي»، ذلك أن هذا النص لا يسمح للمشتبه فيه بالاطلاع على محاضر البحث باستثناء تصريحاته، كما لا يسمح لمحاميه بحضور اجراءات البحث التمهيدي إلا في حدود ما تنص عليه المادتان: 80 و66 من ق.م.ج.

بقلم:محمد بولمان, محام بهيأة مراكش
جريدة الصباح الخميس, 29 أغسطس 2013

دراسة في القانون: رقابة القضاء على أعمال هيآت النوظمة (الحلقة الأولى)

تعرف هيآت النوظمة أو هيآت الحكامة الجيدة والتقنين بأنها هيآت إدارية تعمل أو تتصرف باسم الدولة
 وتتمتع بسلطات حقيقية بدون خضوعها لسلطة الحكومة.

تختص هذه الهيآت بتنظيم وضبط قطاعات إستراتيجية اقتصادية ومالية. وبحكم ممارستها لسلطات ضبطية وتنظيمية،فهي تسعى للوساطة والتحكيم، والفصل بين المصالح المتنازعة، وكذا وضع إطار قانوني وأخلاقي ملزم مؤطر للعمل المهني والتجاري والحقوقي، لكافة المدارين في مجالات المنافسة والقيم المنقولة ،والإعلام والاتصال. ويعرف التشريع المغربي عدة هيآت ناظمة أساسية ومهمة من بينها مجلس المنافسة، الهيئة المغربية لسوق الرساميل، المجلس الأعلى للاتصال السمعي – البصري ،لوكالة الوطنية لتقنين المواصلات..
ويرجع الفضل في اختيار مصطلح هيآت النوظمة للفقيه المقتدر محمد علمي مشيشي بمناسبة إحداث منتدى النوظمة بكلية الحقوق بفاس والذي اعتبر أن المصطلح قادرا على استيعاب أدوار واختصاصات الهيآت المختلفة والتي تجمع بين التنظيم والضبط والرقابة والتحكيم والفصل في المنازعات ،هذا رغم أن الدستور المغربي انتصر في الأخير لمصطلح «هيآت الحكامة الجيدة والتقنين» ،لكن هذا الاختلاف لا يؤثر في طبيعة الهيآت وسلطاتها.
إن تنوع مجالات عمل هذه الهيآت، يبين بشكل جلي ملامح الاتجاه نحو  إعادة صياغة وظيفة الدولة ،وإعادة تحديد أدوارها ووسائل تدخلها، في عدد من القطاعات الاقتصادية والمالية، لتخفيف عبء تدخلها الاقتصادي المباشر، ولتكريس سياسة الانفتاح الليبرالي، والعزوف عن سياسة الاحتكار، واستبدال أسلوب الإدارة المباشرة للمرافق والخدمات العمومية، بأساليب جديدة تقوم على تفويض مهام الضبط والتقنين والتأطير لهيآت ناظمة جديدة، مما يعكس وجود نهضة حقوقية تشريعية قوية ورائدة، هي نتاج التحرر الاقتصادي والقانوني، تراعي تبني النظم الحديثة شبه القضائية  كفضاء لتسوية بعض المنازعات، ومساعدة الأطراف المهتمة في عملها كشرط ضروري لصحة وفعالية النظام.
فالتطور الكمي والنوعي لهيآت النوظمة،يعني وجود ربط جديد بين الاقتصاد والقانون،ويفسر الاتجاه الحديث نحو نوظمة الدولة وأفول الوزارات ذات الصلة بنشاط الهيآت الحالة محلها والممارسة لجميع صلاحياتها،بحيث دخلت الهيآت الناظمة قطاعات الاقتصاد والمال والأعمال والتأمين والبنوك وحتى المجال الجنائي الشديد الحساسية والمعتبر من النظام العام لم يسلم من هذا التوجه من خلال وحدة معالجة المعلومات المالية .
وقد قارن مقرر مشروع قانون  Jean Foyer الفرنسي،هذه الهيآت بشبيهاتها الأنجلوساكسونية،من حيث كونها تأخذ بعض أشكالها أو مظاهرها من ناحية التنظيم ،من المحاكم وتتمتع بنظام يضمن لها استقلالا حقيقيا.
ولاشك أن الأمر يتعلق بمؤسسات تنتفي عنها الصبغة القضائية، تساهم في حماية حقوق المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمدارين بشكل عام، وتسهر على قانونية سير المؤسسات العامة والخاصة.
وبالنظر لتخصص هذه الهيآت واستقلاليتها، فهي تبدو كإطار قانوني وتنظيمي فعال، قادر على ضمان تنظيم جيد ،وضبط اجتماعي واقتصادي ومالي محكم ،يكفل التنظيم والتأطير لقطاعات كثيرة، بما يسمح باحترام التوازن بين المصالح، وإيجاد صيغ التوافق بين حقوق المواطنين والمصلحة العامة.
ومما لا مراء فيه أن هيآت النوظمة ، خلقت من رحم معاناة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والماليين، من البيروقراطية الإدارية والانتظارية، وتمركز القرار، وغياب الشفافية وقوة المبادرة، لتعلن نفسها كبديل للإدارة أو المحاكم،أو على الأقل كمنافس حقيقي لهما، اقتطعت جزءا كبيرا من صلاحياتهما الإدارية والتنظيمية،والضبطية والزجرية، لكن هذا الإقصاء أو الإبعاد، المرافق لنظرية الحلول، فرض نوعا من المواءمات التشريعية، التي تتلاءم مع طبيعتها المزدوجة الإدارية، وشبه القضائية، سواء على مستوى بنيتها وتشكيلها وهياكلها ،وضمانات الاستقلالية والحياد أو على مستوى مهامها واختصاصاتها، وضمانات الفعالية، وحجية الشيء المقضي به .
وهكذا تم تمكين هذه الهيآت،من سلطات وصلاحيات واسعة، تأخذ مظاهر وأشكال متعددة، تقتسم بموجبها مع الإدارة والقضاء ،فضاء التنظيم والتشريع،والزجر والعقاب، متسلحة بدعم ومؤازرة الفاعلين في الميدان، لأنها ليست نتاج القانون الدولتي فقط، بل نتاج قانون رضائي اتفاقي من صنع أصحاب القرار حاكمين ومحكومين، والمؤطرين بضوابط أخلاقية وتنظيمية، أسهموا جميعا في صياغتها، وتوافقوا عليها، بإجماع بينهم، لأنها تشكل محصلة قواعد المهنة وأصولها.
وللإحاطة بالأسئلة التي فرضها النسق الجديد،الذي أدخلته هيآت النوظمة على الأنساق الإدارية والقضائية على التشريع المغربي، نستعرض في هذا التقديم لمحة مختصرة ودقيقة،عن ماهية النوظمة، وعلاقة القضاء بهيآت النوظمة، وأهمية موضوع البحث ،ودواعي اختياره، وإشكاليات الموضوع، وأخيرا خطة البحث.
أولا:ماهية النوظمة
اعتبر جون جاك شوفاليي هيآت النوظمة، بكونها هيآت تملك سلطات، ووسائل للعمل القانوني من أجل أداء المهام المنوطة بها، وظيفتها يطلق عليها «النوظمة»، تهدف إلى ضبط تطوير مجالات الحياة الاجتماعية، من خلال الحرص على تأسيس قواعد لعب معينة، والحفاظ على بعض التوازنات. هذه الوظيفة تبرر الجمع بين الاختصاصات القانونية،»سلطة وضع قواعد عامة، أو المشاركة في إعدادها، وسلطة إصدار قرارات فردية ، وسلطة المراقبة والرقابة»، تتمتع بالشخصية المعنوية، وتدخل في بنية الدولة التي تتصرف باسمها.
هذه الهيآت تتمركز خارج الهرم البرلماني، وليست لها الصفة القضائية، يجب أن تعتبر كأنها نابعة من شكل قاعدي للسلطات الإدارية، خاضعة لرقابة القاضي الإداري، لكن ضمانات الاستقلالية العضوية والوظيفية التي تستفيد منها، تجعلها تحتل مكانا داخل فضاء الإدارة، تنفلت من أي تبعية رئاسية أو وصاية، فهي تشكل سلطات معزولة، تتمركز خارج المشهد، وتتمتع بسلطات رسمية للتصرف أو اتخاذ القرار المستقل «.
فالنوظمة في المعنى الاصطلاحي  تجمع بين مفاهيم تشكل في الحقيقة ترجمة للأدوار المكلفة بها هذه الهيآت، وهي التنظيم والتقنين والرقابة والضبط، بحيث أن كل مصطلح من المصطلحات الأخيرة ظل عاجزا، وقاصرا عن تبيان الدور الوظيفي للهيآت الناظمة، ولعل هذا ما جعل القانون رقم 24-96 المتعلق بالبريد والمواصلات يفضل مصطلح «تقنين»مع شعوره بصعوبة هذا الاختيار ودقته، حينما اعتبر أن وظيفة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات،هي التقنين والمراقبة والتحكيم، وهو ما حصل بعده للدستور الجديد الذي أطلق عليها وصف «هيآت الحكامة الجيدة والتقنين»( الفصل 165 وما بعده).

بقلم:    محمد الهيني, مستشار  بالمحكمة الإدارية بالرباط
جريدة الصباح الأربعاء, 04 سبتمبر 2013

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا