Friday, March 29, 2013

دراسة في القانون: المحاماة والعولمة (3/3)


مثلما تأثر القانون بالعولمة ، فإن المهن القضائية والقانونية لم تنج من تأثير العولمة الاقتصادية، ذلك أن الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على الأسواق العذراء بالدول النامية تحتاج لا محالة إلى موثقين ومحامين ملمين بأحكام عقود التجارة الدولية وعقود الاستثمار، عارفين بقواعد القانون الدولي الخاص وبقواعد التحكيم التجاري الدولي وغيره من بدائل حل المنازعات خارج مؤسسة القضاء ، مطلعين على اللغات الحية وعلى أهم ما وصلت إليه تقنيات الاتصال والتواصل؛ من هنا جاءت الإشكالية المحورية التي يعالجها الموضوع والمتمثلة في مدى تأثير العولمة الاقتصادية على المهن القضائية
والقانونية عموما ومهنة المحاماة على وجه الخصوص، على اعتبار أن مهنة المحاماة هي خدمة قانونية يقدمها المحامي للغير، سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، وطنيا أو أجنبيا.

شكك كثير من رجال القانون في قدرة المحامي المغربي بالنظر إلى واقعه الحالي – سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا – على الصمود أمام تيار العولمة الجارف، ويرجعون ذلك إلى عدة عوامل نذكر منها:
ضعف مركز المحامي المغربي
إن حرية تنقل الخدمات – المحاماة خدمة قانونية – سيستفيد منها لا محالة المحامون الأجانب دون المغاربة، إذ يكون من العسير على المحامي المغربي أن ينتقل لمزاولة المهمة بالخارج، والعلة في ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى المنتجات الاقتصادية المغربية، هو عجز المحامي المغربي على منافسة المحامي الأجنبي لعدة أسباب منها :
1 - أن المحامي المغربي ألف التعامل مع النظام القانوني المغربي أكثر من غيره.
2 - نقصان التكوين والصعوبة في الوصول إلى المعلومة القانونية في المغرب فبالأحرى خارج المغرب.
3 - عدم التوفر على الإمكانيات المادية الكافية التي تسمح له بفتح مكتب بالخارج.
4 - عدم توفر المحامي المغربي على الكفاءة اللازمة لقبوله بالمكاتب الأجنبية.
5 - عائق اللغة التي يعانيها المحامي المغربي باستثناء القلة القليلة التي درست بالأقسام الفرنسية، ما تجعل المحامين المغاربة المعربين لا يجرؤون على التفكير في الممارسة في البلدان التي تعتمد غير اللغة العربية لغة رسمية قانونية، ذلك أن الاشتغال باللغة القانونية المتخصصة يفترض إتقانها وليس مجرد استعمالها عرضا واعتباريا.    
امتياز المحامين الأجانب
لقد أصبحت الشركات الأجنبية المستثمرة في المغرب تشترط اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي، وتحدد سلفا الاختصاص القانوني والقضائي حال وجود منازعة بدل اللجوء إلى القضاء المغربي، والبحث عن محامي قد لا يرقى إلى مستوى طموحاتها في الدفاع عن مصالحها، بل إن المقاولات الأجنبية المستقرة في المغرب لها مستشارون قانونيون من بينهم محامون أجانب لا يجدون عناء في التعرف على القانون المغربي، طالما أن هذا القانون في غالبيته منسوخ عن القوانين تنتمي لى العائلة اللاتينية الجرمانية كالقانون الفرنسي الذي يعتبر مرجعا للقانون المغربي بفضل العلاقة التاريخية بين البلدين.
ومعنى هذا، أن نطاق ممارسة المهني المغربي ستتقلص، فشرط التحكيم يمنع عرض النزاع على القضاء ويجعله أمام هيآت لا يحتكر المحامون حق الدفاع عن حقوق المتقاضين أمامها، علما أن ليس هناك ما يمنع المحامي من أن يكون محكما على غرار ما يقوم به بعض كبار المحامين بمدينة الدار البيضاء .
الطبقية المهنية
من الآثار السلبية للعولمة كذلك، تكريس نوع من الطبقية المهنية، فقليلون هم المحامون المتخصصون في قانون الأعمال، وأغلبيتهم متمركز بالدار البيضاء وهؤلاء هم من يحضون بالتعامل مع المستثمر الأجنبي، بل ويعملون محكمين في بعض الأحيان وهذا من شأنه أن يثير موضوع المحامي والعولمة والربح المادي.
  لا غرابة في أن تكون للعولمة آثارها الإيجابية والسلبية على اقتصاديات الدول النامية، ولا غـرابة في أن تتأثر المهن القانونية والقضائية لهذه الدول بهذا التيار الجارف، لذلك كان لزاما علــى الدول أن تحصن نفسها قدر الإمكان خاصة على المستوى القانوني.
فالمحامي الأجنبي أصبح يهدد المحامي المغربي في مصدر رزقه، إذ من السهل عليه العمل بالمغرب وبالمقابل يجد المحامي المغربي صعوبة في الانخراط في سلك المحاماة بالخارج حتى بالنسبة إلى الدول التي تربطها بالمغرب اتفاقية ثنائية أي أن مبدأ التعامل بالمثل كان وسيظل مغيبا.
وأحسن المشرع المغربي صنعا، عندما أكد على هذا المبدأ في المادة 5 من القانون الجديد للمحاماة، ونعتقد أنه يتعين على من يرغب في الانضمام إلى هيأة من هيآت  المحامين بالمغرب أن يخضــع لاختبار في المعلومات في القانون المغربي وباللغة العربية على اعتبار أن قانون المغربة والتوحيد والتعريب لسنة 1965 قد جعل من اللغة العربية اللغة الرسمية أمام القضاء المغربي مع الاستعانة بترجمان عند الاقتضاء .
كما أن السماح للمحامي الأجنبي بالعمل في المغرب كأثر من آثار العولمة، يستلزم بالضرورة أن يتخلى عن مكتبه بالخارج أي عدم اعتبار المكتب الموجود بالمغرب مجرد مكتب ثانوي.
إنها مجرد متمنيات نعلم مسبقا عدم القدرة على تحقيقها، فمركز المحامي الوطني في مواجهة سيل العولمة الجارف مركز ضعيف لسبب بسيط هو خضوع التشريع المغربي لمنطق القوة المفروض عليه من قبل سلطات الدولة الأجنبية أثاء الأعمال التحضيرية للاتفاقيات الثنائية، هذه الأخيرة التي قد تلغي ما أقره التشريع على اعتبار أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها ترجح على القانون الداخلي حالة تعارضهما.
نخلص إلى القول إن التكيف مع العولمة مع الحفاظ على الهوية الوطنية هو أمر ضروري لا محيد عنه، فالعولمة تيار جارف لا مفر للمحامين المغاربة من ركوبه والسير معه، لأنه سيقتحم مجال عملهم عاجلا أم آجلا، لذلك أصبح التضامن بين المحامين المغاربة وتكتلهم في مجموعات أمرا ملحا من أجل التصدي لزحف المحامين الأجانب، فهم أكثر تنظيما وأحسن تكوينا من نظرائهم المغاربة، وهذا واقع يجب الاعتراف به بكل موضوعية.
وأملنا في التكوين فهو الكفيل بجعل محاميينا قادرين على منافسة نظرائهم الغربيين، صحيح أن المحاماة لئن كانت مهنة حرة، إلا أنها كذلك خدمة قانونية يجب القيام بها بالجودة اللازمة كأهم معيار في التنافسية التي تعتبر أهم  مظهر من مظاهر العولمة الاقتصادية الحديثة.

بقلم : ذ/ يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق

دراسة في القانون: المحاماة والعولمة (1/3)


مثلما تأثر القانون بالعولمة ، فإن المهن القضائية والقانونية لم تنج من تأثير العولمة الاقتصادية، ذلك أن الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على الأسواق العذراء بالدول النامية تحتاج لا محالة إلى موثقين ومحامين ملمين بأحكام عقود التجارة الدولية وعقود الاستثمار، عارفين بقواعد القانون الدولي الخاص وبقواعد التحكيم التجاري الدولي وغيره من بدائل حل المنازعات خارج مؤسسة القضاء ، مطلعين على اللغات الحية وعلى أهم ما وصلت إليه تقنيات الاتصال والتواصل؛ من هنا جاءت الإشكالية المحورية التي يعالجها

الموضوع والمتمثلة في مدى تأثير العولمة الاقتصادية على المهن القضائية
والقانونية عموما ومهنة المحاماة على وجه الخصوص، على اعتبار أن مهنة المحاماة هي خدمة قانونية يقدمها المحامي للغير، سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، وطنيا أو أجنبيا.



عرف العالم في نهاية القرن الماضي تحولات مهمة في مراكز القوى أبرزها على الإطلاق الانتقال من الثنائية القطبية الولايات المتحدة الأمريكية – التحاد السوفياتي  إلى أحادية قطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية رائدة النظام الليبرالي.
وأصبحت قوة الدولة تقاس ليس بما لديها من قوة عسكرية ولوجيستيكية، وإنمـا بمــا لها من نظام اقتصادي قوي وفاعل في خلق الثروات وتحقيق الرفاه لشعوبها.
ومؤدى هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها،  أطلت علينا اليوم بمفاهيم اقتصادية جديدة لم تكن مألوفة من قبيل الخوصصة  اقتصاد السوق، العولمة ....
وقد كان من نتائج الليبرالية الاقتصادية التي أصبح يعيشها العالم اليوم أن تم تجاوز السيادة الوطنية للدولة، سيما مع الضغط الاقتصادي  للدول القوية، بحيث أصبحت الدول النامية مرغمة على أن تكون شريكة وأن تركب قطار العولمة وإلا أصبحت متجاوزة.
وقد غذت هذا  الشعور المصادقة على اتفاقية «الكات» بمراكش والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية من قبل العديد من الدول وفتح الأسواق في وجه السلع والبضائع والخدمات والرساميل، كل ذلك من أجل خلق اقتصاد حر لا يؤمن إلا بالجودة وقلة التكلفة كمعيارين أصيلين في تحقيق التنافسية الاقتصادية بين المقاولات الوطنية والدولية.
ومن الطبيعي أن يلهث القانون وراء الاقتصاد، ذلك أن العولمة الاقتصادية أدت إلـى عولمة الفكر القانوني، بحيث أصبحت الدول تلجأ إلى مؤسسة الاتفاقيات الدولية من أجل تقريب المسافة بين القوانين الوضعية عبر العالم، فضلا عن الدور الذي تلعبه بعض المنظمات والمعاهد الدولية من قبيل لجنة الأمم المتحدة لتوحيد قانون التجارة الدولية1UNISTRAL – CNUDCCI  والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة ، وكذا المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص UNI-DROIT  دون أن ننسى غرفة التجارة بباريس CCI.
وهكذا بدأ يظهر نوع من التقارب بين العائلات القانونية خاصة بين العائلة اللاتينية الجرمانية والعائلة الأنكلوسكسونية، فيما دخلت العائلة الاشتراكية متحف التاريخ القانوني بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
العولمة الاقتصادية وأثرها في عولمة القانون
سنتناول هذا المطلب من خلال فقرتين نتناول في أولهما و بإيجاز تحديد مفهوم العولمة وبعض مظاهرها،  ثم أثرها في عولمة الفكر القانوني.
ماهية العولمة وبعض مظاهرها
العولمة ومعناها جعل العالم يتكلم لغة واحدة في مختلف مناحي الحياة، وهو نتاج فكري خالص للفكر الليبرالي الرأسمالي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية التي سطع نجمها عقب انهيار الإتحاد السوفياتي رائدة النظام الاشتراكي البائد.
وتقوم العولمة على مبدأين إثنين :
+ جعل العالم قرية صغيرة مفتوحة أمام الجميع بحيث تصير العزلة عن باقي العالم أمرا شبه مستحيل؛
+ حرية تنقل السلع والبضائع والخدمات والرساميل والأشخاص بكـل انسياب وحرية.
وتحقيق هذين المبدأين يستلزم بداهة توفير آليات قانونية كفيلة بالتأقلم مع هذا المفهوم الاقتصادي الجديد، وهو ما أقدمت عليه العديد من الدول خاصة النامية منها، والتي تعاني آثار العولمة بسبب تواضع اقتصادياتها وعدم قدرتها على التنافس كأهم أثر من آثار العولمة الاقتصادية.
أثر العولمة الاقتصادية على عولمة القانون
   يعرف عالم الأعمال حاليا تدخلا متزايدا للقانون وإقبالا مضطردا على القضاء، بحيث أصبحت الحياة الاقتصادية مطبوعة بهذه السمة، وما ذلك إلا نتيجة للعلاقة الجدلية بين الاقتصاد والقانون بارتباط مع الجهاز القضائي المعهود إليه الحسم فيما قد يطرأ من نزاعات بين الفاعلين الاقتصاديين.
وأثر العولمة الاقتصادية على القانون ظاهرة لا تحتاج إلى بيان، ذلك أن الدول النامية ومن بينها المغرب عمدت إلى إدخال تعديلات على ترسانتها القانونية التي لها علاقة بقانون الأعمال، وذلك بهدف تأهيل اقتصادياتها وجعلها قادرة على التنافسية في ظل عولمة متوحشة لا مكان فيها إلا للأقوى.
والعولمة القانونية كإحدى نتائج العولمة الاقتصادية تتم بطريقتين إما المصادقة على الاتفاقيات الدولية وترجيحها على القانون الداخلي في حالة تعارضهما، أو إدخال تعديل على النص القانوني رأسا.
والمغرب قد عمل بالطريقتين معا، ففضلا على المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية وترجيحها على القانون الداخلي في حالة التعارض، نجده قد أدخل تعديلات على ترسانته القانونية المرتبطة بعالم الأعمال، وذلك انطلاقا من العقد الثامن من القرن الماضي أي مباشرة بعد نهجه سياسة التقويم الهيكلي التي فرضت عليه من قبل المؤسسات المالية الدولية من قبيل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والتي أنجزت تقارير- أنذرت وقتها بالسكتة القلبية على حد قول المغفور له الحسن الثاني-  تفيد أن المغرب لئن كان يعاني من صعوبات بشأن تدفق الاستثمار باعتباره المعول عليه الأول لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك يرجع بالأساس للانعدام الأمن القانوني والقضائي الناتج عن شيخوخة الترسانة القانونية وانعدام التخصص على مستوى الممارسة القضائية.
وهكذا أدخلت تعديلات على مجموعة من القوانين كقانون الشركات، مدونة التجارة، قانون حرية الأسعار والمنافسة، قانون مؤسسات الائتمان، مدونة التأمينات، ميثاق المقاولات الصغرى والمتوسطة، مدونة الشغل، قانون الاستثمار أو ما يعرف بالقانون الإطار، التحكيم التجاري الدولي والوساطة الاتفاقية، قانون إحداث المحاكم التجارية، قانون إحداث المحاكم الإدارية ومحاكم الاستيناف الإدارية، قانون المحاماة، قانون المفوضين القضائيين، خطة العدالة إلخ .....
وتجدر الإشارة أن هذه التعديلات كان القصد منها تأهيل الاقتصاد الوطني وجعله قادرا على التنافسية خاصة على المستوى الدولي كأهم أثر من آثار العولمة الاقتصادية

بقلم : ذ/ يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق

دراسة في القانون: تخليق منظومة العدالة (الحلقة الأولى)


إن التخليق باعتباره رهانا إستراتيجيا عاما يجب أن يكون موضوع تفكير مجتمعي عميق، قائم على فكرة التشاركية بغاية الوصول إلى بلورة خطة وطنية شاملة ومتكاملة من أجل وضع اللبنات الأساسية لمحاربة كافة مظاهر الانحراف في السلوك الإداري والمهني للأفراد الموكول لهم القيام بمجموعة من المهام، سواء منها ما يدخل في إطار مفهوم المرفق العام،
أو ما يمكن نسبته للمهن الحرة، ومن تم يمكن القول، بأن تخليق منظومة العدالة يدخل في إطار الخطة الوطنية الشاملة للتخليق و تعزيز قيم النزاهة و الشفافية.

الحديث عن تخليق منظومة العدالة من أساسيات الرهان الاستراتيجي الوطني الرامي إلى إصلاح هذه المنظومة، ذلك أن الحديث عن التخليق إنما يعني الحديث عن الرفع من نجاعة ومستوى مردودية قطاع العدل بمفهومه العام، وليس القضاء إلا جزءا منه. و يـأتي التفكير في كل ذلك في سياق سياسي واجتماعي يعرف مجموعة من التحولات المؤسساتية التي يشهدها المغرب، ويعمل على تنزيلها على أرض الواقع في ظل مناخ سوسيو سياسي متسم بإقرار دستور جديد، اعتبر أنه وثيقة متطورة لبناء دولة الحق والقانون .
ومن أجل ذلك، فإن الحديث عن تخليق منظومة العدالة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المسائل ذات البعد الحقوقي والمهني، من أجل الوصول إلى إقرار رؤية واضحة ومتسمة بنوع من النضج الذي يمكن اعتباره ترجمة لإرادة سياسية حقيقية في تنزيل قيم الشفافية والنزاهة.
وإذا كان المغرب شأنه شأن باقي الدول التي انخرطت في المنظومة الدولية بإرادتها الحرة والطوعية، فإن هذا الانخراط يجب أن يترجم على أرض الواقع من خلال الالتزام الحقيقي بالإرادة الجماعية الدولية التي تعبر عنها المنظمات الدولية المختصة سواء منها التابعة لهيأة الأمم المتحدة أو غير الحكومية.
وانطلاقا من كل ذلك، يمكن القول بأن الارتكاز على ازدواجية المنظومة القيمية بما يحقق الاستجابة لمتطلبات المبادئ الكونية وما يحافظ على الخصوصية الوطنية، يمكن أن يجعل من التفكير المغربي في مسألة تخليق منظومة العدالة جزءا من ظاهرة الاستثناء المغربي القائم على التفرد في اختيار مناهج العمل ومأسسة القيم المغربية الأصيلة.
واستنادا إلى كل ذلك، يمكن الإقرار بأن الهدف الرئيسي والدافع الأساسي لجعل مسألة تخليق منظومة العدالة مركز اهتمام كل التوجهات الاجتماعية من شركاء سياسيين وفعاليات مجتمع مدني، ومتدخلين مهنيين، هو الرفع من دور العدالة في تحقيق الإصلاح المنشود في ظل الاستقرار، وجعلها قاطرة للتنمية المستدامة بمفهومها الشامل.
إن الحديث عن تخليق منظومة العدالة، يجب أن يرتكز على  مجموعة من المحددات البنيوية، منها ما هو مرتبط بالجهاز المفاهيمي، ومنها ما هو مؤسساتي تشريعي. وهو ما يمكن الوصول إليه من خلال الفصل المطلق بين طرق التفكير النمطية التي كانت سائدة ما قبل إقرار الدستور الجديد، وتلك المطلوب العمل بها بعد إقراره.
المحددات المفاهيمية للتخليق
من المعلوم أن الحديث عن أي مؤسسة كيفما كانت طبيعتها، يجب أن يكون مستندا على مجموعة من المفاهيم المنتظمة انتظاما يساعد على فهم الإطار العام الذي يتعين الاشتغال فيه. ومن تم فإن تخليق منظومة العدالة يجب أن يحدد نطاقه وكذا المؤسسات التي يجب أن تخضع له، مع اعتبار درجة مساهمة كل مؤسسة في صياغة قرار العدل حتى تأخذ النصيب الموازي لمركزها في المنظومة.
وفي هذا الإطار، يجب القول بأن فكرة منظومة العدالة، يجب ألا تختزل في القضاء بمفرده، وإنما تمتد إلى باقي المتدخلين في صياغة القرار القضائي، وفي هذا السياق يجب وبالضرورة إدخال مجموع المهن والوظائف التي ترتبط ارتباطا عضويا بالقضاء باعتباره المركز .
فمهنة المحاماة وكل مساعدي القضاء من مفوضين قضائيين وخبراء وموثقين وعدول ونساخ وغيرهم، بالإضافة إلى الشرطة القضائية والأطباء والمهندسين وكل الجهات التي يمكن أن تساهم في صياغة القرار القضائي يجب أن تكون معنية عند الحديث عن التخليق الذي يتعين أن يشمل منظومة العدالة.
فقيم النزاهة والشفافية، لا يمكن أن تستند إلا على مجموعة من المؤشرات المعتمدة من طرف الجهات المعنية برصد الاختلالات ودرجات الفساد في الأوساط الإدارية والمهنية، ولذلك فإن كل مؤشر من مؤشرات التقييم يعتبر في حد ذاته خلاصة لمجموعة من التداخلات البينية التي تظهر قوة الترابط بين المكونات المذكورة أعلاه .
واستنادا إلى ذلك، يمكن تصنيف اختزال الحديث عن تخليق منظومة العدالة في تخليق القضاء، نأيا عن المنطق الرصين القائم على الشمولية بدل التجزيئية، وعنوانا للتناول السياسي لفكرة التخليق بعيدا عن التناول المهني.
إن التخليق المنتظر لمنظومة العدالة، يجب أن يكون قائما على فكرة التفكير المندمج والمؤسس على شبكة التداخلات القائمة بين مختلف الفاعلين في حقل العدالة، وما يمكن أن ينتجه هذا التداخل من تشابك المصالح وبالتالي تداخل الأدوار، إذ أن كل ذلك يمكن أن يكون سببا في ظهور مجموعة من مؤشرات الفساد التي تنخر بعض المرافق من جهة وتميز بعض السلوكات التي يأتيها بعض الأفراد والمؤسسات من جهة أخرى.
و في هذا السياق، يجب عند وضع إستراتيجية شاملة للتخليق، التفكير في مضامين مجموعة من القيم و المفاهيم، وعلى رأسها أيهما الذي يعنى بالتخليق مثلا هل الرشوة أم الفساد، أم هما معا ؟ وما هي أوجه التمييز بينهما سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى التشريعي والمؤسساتي؟ كما يتعين الحديث عن الدور الأخلاقي وما المقصود به في إطار فكرة التخليق، وهل يمكن الارتكاز فقط على قيم محايدة كالتكوين والمستوى في مفهومه العام، أم يتعين الأخذ بعين الاعتبار ما يتوفر للأفراد من قيم ذاتية ومؤهلات مبدئية ؟
إن تخليق منظومة العدالة باعتبارها فكرة مجردة تسعى إلى تطويع المؤسسات والأفراد على سلوك نهج قويم عند أداء مهامهم، يتعين أن ينطلق من منطلقات واضحة، أهمها التعبير الصريح عن الإرادة السياسية القوية والعزيمة الإرادية الراسخة في محاربة كافة أشكال الفساد والانحراف بعيدا عن النظرة التجزيئية أو التعامل الانتقائي مع الحالات والمظاهر .
 وفي هذا السياق، يجب أن تتمثل الجهات المكلفة برصد مظاهر الفساد وتلك الراجع إليها أمر الزجر وتقويم ما انحرف من سلوك كل الآثار الممكنة من جراء ترسخ القيم الشاذة وغير المقبولة. كما لا يمكن اختزال فكرة التخليق في كل ما هو مؤسساتي وسلوكي وإنما يجب أن يمتد إلى التركيز على ما هو حقوقي من قبيل التمييز القائم على الجنس أو العرق أو اللغة أو المركز أو الجنسية و ما إلى ذلك .

بقلم : عبد السلام العيماني, عضو المجلس الأعلى للقضاء
وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط

Friday, March 22, 2013

وثيقة مرجعية حول تدبير الاعتقال الاحتياطي‎:إشكالية الاعتقال الاحتياطي الواقع و آفاق الحل


أولا) ما هو الاعتقال الاحتياطي ؟
1)   يقصد بالاعتقال الاحتياطي في معناه الواسع فترة الاعتقال التي يقضيها المتهم على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة منسوبة إليه أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به؛
يتم الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي بقرار للنيابة العامة )وكيل الملك أو الوكيل العام للملك(في حالة الإحالة المباشرة على المحكمة، أو من طرف قاضي التحقيق.
لم يحدد القانون أجلا للاعتقال الاحتياطي خلال مرحلة المحاكمة على خلاف فترة التحقيق التي حددت فيها مدة الاعتقال الاحتياطي في ثلاثة أشهر كحد أقصى في الجنح و سنة كحد أقصى في الجنايات؛
يعد الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا لا يتم اللجوء إليه إلا بصفة استثنائية وبشروط خاصة(المادة159)
2)   إن المشرع المغربي حدد أربعة مداخل للاعتقال الاحتياطي وهي:
المدخل الأول: المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية أعطت لوكيل الملك في غير حالة التلبس بجنحة أن يصدر أمرا بالإيداع في السجن في حق المشتبه فيه الذي اعترف بالأفعال المكونة لجريمة يعاقب عليها القانون بالحبس أو ظهرت معالم أو أدلة قوية على ارتكابه لها والذي لا تتوفر فيه ضمانات الحضور أو ظهر أنه خطير على النظام العام أو على سلامة الأشخاص أو الأموال.
 المدخل الثاني : المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية التي أعطت الحق لوكيل الملك بأن يصدر أمرا بإيداع المتهم السجن إذا تعلق الأمر بالتلبس بجنحة معاقب عليها بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور.
المدخل الثالث: المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية التي أعطت الحق للوكيل العام للملك إذا ظهر له أن القضية جاهزة للحكم إصدار أمر بوضع المتهم رهن الاعتقال وإحالته على غرفة الجنايات داخل أجل 15 يوما على الأكثر.
 المدخل الرابع: المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية التي أعطت لقاضي التحقيق إمكانية اعتقال المتهم احتياطيا إذا تطلبت ذلك ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو على النظام العام.
3)   تختلف نسب الاعتقال الاحتياطي في العالم حسب ثلاث مستويات:
المستوى الأول منخفض بحيث لا تتجاوز فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين 20 % ونجد في هذه الخانة اليابان 11% و روسيا 15.2 % و اسبانيا 15.7 % و البحرين 16% وألمانيا 16.5 % و البرتغال 19.7%.
المستوى الثاني متوسط بحيث تتراوح فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين بين 20 % و 40 % و نجد في هذه الخانة الولايات المتحدة الأمريكية 21.5%وماليزيا 22.4% وفرنسا 25.4% وإيران 25.7 % و البرازيل 36.9 % وكندا 37%.
المستوى الثالث مرتفع بحيث تتراوح فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين بين 40% و60 % و نجد في هذه الخانة إيطاليا 40.2% و هولندا 40.6 % و السنغال41 % والأردن 47.2% و تونس 50 % والأرجنتين 52.6%.
المستوى الرابع جد مرتفع بحيث تتجاوز فيه نسبة المعتقلين الاحتياطيين 60 % ونجد في هذه الخانة الأورغواي 64.6%والهند 65.1% وفنزويلا 66 %.
إن اختلاف النسب المذكورة تعود إلى عدة أسباب منها النظام القضائي الذي لا يأخذ بمؤسسة قضاء التحقيق في بعض الدول ، ومستوى النجاعة القضائية الذي يؤثر على عمر ملفات المعتقلين الاحتياطيين فضلا عن ترشيد قرار الاعتقال و غيرها.  
وبالنسبة للمغرب نجده يتمركز في خانة المستوى المرتفع بحيث بلغت خلال نهاية شهر دجنبر من سنة 2011  نسبة الاعتقال الاحتياطي 42.37% بينما بلغت في نهاية سنة 2012 ما قدره 43%؛ ويرجع ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي في بعض المحاكم إلى نوعية القضايا المعروضة عليها، فلو أخذنا على سبيل المثال المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء لوجدنا أن جرائم المخدرات والسرقات والشيكات خلال الفترة الممتدة من 01/01/2012 إلى غاية 13/12/2012 احتكرت نسبة 86.36% من مجموع المعتقلين الاحتياطيين اعتبارا لكون هذا النوع من الجرائم يصعب متابعة مرتكبيها في حالة سراح نظرا لخطورتها.
  ثانيا) أسباب ارتفاع نسبة الإعتقال الاحتياطي:
إن الأسباب الكامنة وراء تنامي ظاهرة الاعتقال الاحتياطي عديدة بحيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع منها أسباب قانونية مسطرية وأسباب موضوعية وأخرى اجتماعية؛
الأسباب القانونية المسطرية: 
1- إن المشرع رغم حصره لمداخل الاعتقال الاحتياطي إلا أنه استعمل مصطلحات فضفاضة بحيث يتسع مفهومها لدرجة لا تجد معها النيابة العامة وقضاء التحقيق أي عناء في تبرير لجوئهما إليه وفق ما تقتضيه العبارات التي تمت بها صياغة النص مما يؤدي إلى تضخيم نسبة الاعتقال الاحتياطي.
2- إن التحقيق في الجنح يؤدي إلى إطالة مدة الاعتقال الاحتياطي قبل المحاكمة، و إن التجربة أثبتت عدم جدواه في العديد من القضايا حيث يقتصر دوره فقط على إعادة صياغة ما سبق عرضه عند البحث التمهيدي ؛
3- إن الأخذ بإلزامية  التحقيق في بعض الجنايات واعتماده اختياريا في باقي الجنايات رغم وجود غرفتين للبت فيها واحدة ابتدائية وأخرى استئنافية يطيل أمد البت في هذه القضايا؛
4- إن الإحالة المباشرة من طرف الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات قيدتها المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال؛
5- ضعف النجاعة القضائية المتجسد في البطء في تصريف ملفات المعتقلين وتأخر البت فيها يؤدي حتما إلى ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي؛
6- إن عدم تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الدعوى العمومية وبدائل الاعتقال الاحتياطي وبدائل العقوبات السالبة للحرية ساهم بشكل كبير في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي.
7- إن عدم ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة يؤدي إلى  إطالة مسطرة المحاكمة، ويساهم في ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين.
الأسباب القانونية الموضوعية:
بالإضافة إلى الأسباب القانونية المسطرية نجد الأسباب القانونية الموضوعية والتي يمكن حصرها في أمرين أساسيين :
الأول يكمن في عدم ملاءمة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لمفهوم  السياسية الجنائية الحالية مثل ذلك جرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك والتي تشكل نسبة هامة من حالات الاعتقال الاحتياطي؛
الثاني يهم بعض الجرائم ذات العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة والتي لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها.
الأسباب الاجتماعية:
إن الأسباب الاجتماعية تساهم في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بشكل مهم؛ حيث نجد المجتمع المغربي يرى أن لا عدالة بدون اعتقال فوري، الشيء الذي يشكل ضغطا معنويا على النيابة العامة وقضاة التحقيق في اللجوء إلى الاعتقال؛ كما أن ضعف التخليق داخل منظومة العدالة يدفع قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق إلى استخدام الاعتقال الاحتياطي كوسيلة لإبعاد الشبهات عنهم.
ثالثا) كيفية معالجة ظاهرة ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي:
إن المستوى المرتفع من الاعتقال الاحتياطي دفع وزارة العدل و الحريات إلى إصدار ما يقارب أحد عشر منشورا في هذا الموضوع بهدف التقليص من نسبته، لكن يبدو أن الغاية المنشودة منها لم تتحقق؛ الشيء الذي يدفعنا إلى إعادة قراءة الأسباب المبينة أعلاه التي تساهم بشكل مباشر في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بغية وضع جملة من الأفكار و التصورات التي من شأنها إيجاد حلول ناجعة لمعالجة هذه الظاهرة من بينها:
1-    حصر الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى الاعتقال الاحتياطي من خلال ضبط مداخله القانونية و تدقيق مصطلحاتها؛
2-   حذف التحقيق في الجنح لما يتسبب فيه من إطالة فترة الاعتقال الاحتياطي دون جدوى؛
3-               مراجعة الموقف من إلزامية  التحقيق في بعض الجنايات مادامت المحاكمة أضحت تمر عبر غرفتين ابتدائية وأخرى استئنافية؛
4-   معالجة أو حذف المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية حتى لا يبقى الوكيل العام للملك مقيدا بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال عند إحالته على غرفة الجنايات.
5-    تحديد آجال للبت في قضايا المعتقلين بالنسبة للمحكمة لتفادي البطء في تصريف ملفاتهم وتأخر البت فيها.
6-   إخضاع قرارات الاعتقال الاحتياطي التي تصدرها النيابة العامة للطعن أمام هيئة قضائية (غرفة الحريات)؛
7-   تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الاعتقال وبدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل الدعوى العمومية؛
8-   ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة في قضايا المعتقلين الاحتياطيين.
9-   مراجعة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لتساير مفهوم  السياسية الجنائية الحالية خاصة فيما يتعلق بجرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك...
10-          مراجعة العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة نظرا لكونها لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها.
11-          نشر الوعي القانوني لدى المواطنين لتغيير نظرتهم للاعتقال الاحتياطي   تخفيفا للضغط على القضاء بسبب عدمالاعتقال؛
12-          تخليق منظومة العدالة بشكل يزرع الاطمئنان لدى قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق في قراراتهم التي يتخذونها من دون اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي.
إن معالجة إشكالية الاعتقال الاحتياطي و إن كانت بالضرورة من أولويات وزارة العدل والحريات فإنه أضحى على المجتمع المدني و من ضمنه الجمعيات التي تهتم بهذا المجال أن تساهم برأيها في ذلك من خلال ورش الحوار الوطني المفتوح من أجل الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة؛ والذي جعل موضوع ترشيد الاعتقال الاحتياطي من بين أهم المواضيع التي اشتغل عليها، حيث طرحت ندوة تحديث السياسة الجنائية بفاس  يومي 9و10 نونبر 2012 ونظيرتها بمراكش يومي 23و24 نونبر 2012 على طاولة الحوار إشكالية ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي والسبل القانونية الكفيلة بالتقليص منها؛ و سيظل الموضوع مفتوحا لمزيد من النقاش و بلورة الحلول في أفق سياسة جنائية راشدة.

Sunday, March 17, 2013

مآل المحاكم التجارية بعد انتهاء الحوار الشامل والعميق لإصلاح منظومة العدالة في المغرب


لقد أنبأتنا جريدة «أخبار اليوم» في عددها 977 الصادر يوم الاثنين 04 فبراير الجاري بأن الإصلاح في المجال القضائي قريب وسيتحقق إلى حد بعيد، معلنة فشل تجربة القضاء التجاري حاليا. وللأسف
الشديد، كان الدافع إلى إنشاء المحاكم التجارية في ما قبل استثماريا ذا بعد سياسي، بعدما اقتنع الجميع بضرورتها.
وهو ما يدفعنا إلى أن نطرح السؤال التالي: أين مكمن الخلل، إذن؟
وقبل الجواب، تطلعنا الندوة التاسعة، التي انعقدت في طنجة حول موضوع تأهيل قضاء الأعمال، حسب نفس الجريدة، على أن المحاكم التجارية المغربية بعد الحوار الوطني حول إصلاح العدالة حتما لن تبقى كما كانت قبله؛ مؤكدة، على لسان مبعوثها بطنجة، أنه قد حصل الإجماع على فشل تجربة القضاء التجاري، وأن الجميع أقر بضرورة الانتقال إلى وضع جديد لأسباب تعود إلى ضعف وتعقد وغموض ونقص النصوص القانونية.
ونحن نقول، بكل تواضع، إن ما وصلت إليه الندوة اليوم هو ما خلصنا إليه منذ نهاية التسعينيات وعبر سنوات متتالية في ما يفوق 20 مؤلفا ومقالات ومداخلات حاصلة على الحماية الفكرية والأدبية في المغرب والخارج. وطرحنا للمشاكل آنذاك كان مستندا إلى مبدأين: المبدأ الأول هو تقريب القضاء من المتقاضين، والمبدأ الثاني هو مبدأ تخصص القضاء التجاري. وقلنا إن ظهير 55 من اختصاص المحاكم التجارية لأسباب متعددة شرحناها بتفصيل في كتاب خاص، وعالجنا مشاكل الاختصاص في كتاب عنوناه «مجموعة القوانين المنظمة للمحاكم التجارية المغربية»، وأشرنا إلى ضرورة الرجوع إلى القضاء الفردي مع النهوض بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاحتفاظ في المحاكم التجارية وزيادة محكمة استئناف تجارية في طنجة وإحداث غرف متخصصة بالمحاكم العادية في المناطق التي لا توجد فيها محاكم تجارية، لأننا نرى أن حذف المحاكم الآن هو حل سيحدث ضجة سياسية إن لم نقل مشاكل كثيرة ومتنوعة؛ كما طرحنا كل المشاكل التشريعية والتنظيمية والتقنية ونادينا بالتكوين والتأهيل في كل ما يتعلق بقوانين المال والأعمال، بدءا بالتقنيات البنكية، مرورا بالمحاسبة وتراكيبها المعقدة وقواعدها الدقيقة ووصولا إلى فهم أسرار المجال الجوي والبحري ومقتضيات صعوبات المقاولات التي تعتبر من النظام العام، وسلطنا الضوء على دور «السنديك» كجهاز متحكم في هذه المساطر الجماعية ووصفناه بـ«رأس الحربة والمحرك الأساسي» لمختلف هذه المساطر تحت إشراف ومراقبة القاضي المنتدب، هذا الأخير الذي أكدنا أنه قاض يجمع بين السياسة والاقتصاد والقانون وإلا فكيف يمكنه أن يضبط الاختصاصات المتعددة لـ»السنديك» والمتعلقة أساسا بالدراسة المدققة للمقاولة ومحيطها وإنجاز التقرير المتضمن لاقتراحاته داخل الأجل المحددة قانونيا، بناء على موازنة مالية واقتصادية واجتماعية حقيقية ومسؤوليته في المسطرة وتنفيذ مخططاتها ومتابعته لوضعية المقاولة بواسطة تقارير منتظمة تهم الجانب المحاسباتي والإداري والاقتصادي والجبائي والاجتماعي والمالي بمساعدة مراقب الحسابات قاضي الأرقام؛ ونبهنا إلى أن موضوع صعوبات المقاولات ذو حساسية، وكل خطأ في التقدير والحساب أو تعديل جزئي إلا ويعرض القانون -كمنظومة- للخلل والاقتصاد للخطر ويمس بأمن المعاملة التجارية وبمصالح الغير ويزعزع الثقة في الائتمان الذي يعتبر المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والاستثمار ومراقبة سير دواليبه؛ ونادينا بصوت مرتفع بإصدار قوانين تنظيمية وتطبيقية مكملة، لها تصميم دقيق ومصطلحات واضحة ومحددة، لا تثير أي مشكل في التفسير أو التأويل، ومتضمنة لمعايير وعناصر تحدد واقعة التوقف عن الأداء، وبإعداد قانون ينظم مؤسسة «السنديك» لتفادي المشاكل التي ستطرح على المحاكم التجارية بسبب سوء الفهم وتطبيق مساطر الصعوبات نظرا إلى انعدام وضعف تكوين القضاة في ميدان الاقتصاد والمالية والتدبير والمحاسبة، فهم مدعوون إلى أن يحللوا التراكيب المحاسبية المعقدة وقواعدها الدقيقة ويبنوا أحكامهم على أسس سليمة من حيث الواقع والقانون؛ وأيضا تكوين وتأهيل السنادكة في المجال القانوني مع ضبط وتحديد حقوقهم والتزاماتهم وإحداث جمعية تنظم عملهم وإعداد قسم للتسوية والتصفية القضائية مستقل عن كتابة الضبط في كل محكمة تجارية. وفي ما يتعلق بدور النيابة العامة في المحاكم التجارية، طرحنا كل المشاكل والحلول المتعلقة بهذا الجهاز، وقلنا إن المشكل لا يكمن في النصوص القانونية في هذا الباب وإنما في الجهاز نفسه والساهرين عليه، فمشكلتهم هي التكوين الجنائي الذي تلقوه بالممارسة، لذلك كانوا ولا يزالون متمسكين بممارسة الدعوى العمومية ومتابعتها وتكوين مكتب للبت في طلبات المساعدة القضائية ومتابعة الإجراءات في طلبات أخرى وممارسة سلطة تسخير القوة العمومية لتنفيذ أحكام وأوامر المحاكم التجارية، مع أنهم غير معنيين قانونيا، وبالنص الواضح، بمباشرة كل هذه التخصصات لأنهم يعملون في مؤسسة تعتبر من مكونات المحاكم التجارية ودورهم يرتبط بالمفهوم الجديد للسلطة وباختصاص المحاكم التجارية، وهدفهم الأساسي هو أن يكونوا فاعلين أساسيين في الأمن والتنمية بكل متطلباتها السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والمالية عن طريق ضمان الحقوق والحريات وتشجيع الاستثمار وإشاعة الطمأنينة في نفوس المستثمرين والمقاولين وكل الفاعلين الاقتصاديين وترسيخ كلمة القانون في الأذهان والحفاظ على النظام الاقتصادي من المقاولين أنفسهم والأغيار الذين قد يسيئون إلى المقاولة منذ نشأتها وفي سائر مراحل نشاطها وتمديد المسطرة الجماعية أو تحريك الدعوى العمومية في حقهم دون متابعتها كلما استدعى الأمر واقتضت المصلحة العامة ذلك، اعتمادا على نتائج المراقبة المستمرة للقانون الأساسي للشركات وتتبع نشاط المقاولة عبر البيانات المدونة في السجل التجاري وفي مكتب الملكية ومصالح الخزينة العامة.
ولا يخفى على الجميع أن القانون التجاري يقوم على دعامتين أساسيتين، أولاهما السرعة وتبسيط الإجراءات، وثانيتهما تكريس الثقة والشفافية، وأن تنوير المحكمة بالبيانات والمعطيات المحاسبية والإلمام بالتنظيمات وقوانين الأبناك والمؤسسات المالية والبورصة والشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي وقانون المستهلك والتأمينات بمختلف أنوعها، وحرية المنافسة والأسعار وقانون الملكية الصناعية وربط الاتصال معلوماتيا أو بطريقة مباشرة بكل المصالح المختصة والجهات الخصوصية والعمومية ومتابعة الملفات التجارية والاستعجالية والمساطر الجماعية ومراقبة السجل التجاري وممارسة الطعن بالاستئناف أو النقض إذا كانت طرفا رئيسيا (مدعية أو مدعى عليها)، كلها أعمال تتطلب من النيابة العامة بالمحاكم التجارية العناية والاهتمام البالغين، والهندسة في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العامة بأكثر قدر من الجدية والمصداقية والعدالة القانونية والواقعية.
وتدعيما لدور غرفة المشورة في المساطر الجماعية، حددنا المهام التي يتعين القيام بها في الجلسة التي تعقدها وتوفر لها العناصر الكافية لمعرفة الوضعية الحقيقة لكل مقاولة ووضع حد لكل من يريد استعمال هذه المسطرة الإنقاذية والتصحيحية استعمالا لا يحقق غاية المشرع في المحافظة على بقاء المقاولة وتحقيق التوازن المنشود والمصلحة العامةّ. ولم نكتف بهذا بل ألفنا كتابا لأول مرة في المغرب تحت عنوان «المسؤولية المدنية والمهنية والجنائية لمسيري ومتصرفي المقاولات في حالة تعرضها للصعوبات»، وأعددنا دليلا تطبيقيا للقضاء الاستعجالي المغربي في المادة التجارية سنة 2001 و2007، وكان هدفنا من كل هذا هو وضع منهجية دقيقة ومعقلنة من أجل توحيد الإجراءات ورصد المشاكل لينخرط الجميع بكثافة في صلب معركة التنمية ويقتنعوا بضرورة المخاطرة، وخاصة الدائنين البنكيين والممولين، والانصهار في فلك التطور السريع والهادف وملاءمة العقلانية مع متطلبات العصر وتأسيس رؤساء المقاولات لمقاولاتهم على دعائم وأسس لا تقل أهمية عن مقاولات الدول المتقدمة، واعية بحقوقهم وواجباتهم، منضبطين في حضرة زمن القانون وسيادة العدل والمحاسبة، فالظرفية الاقتصادية العالمية الحالية قد يكون لها تأثير سلبي على الميزانيات العامة وعلى اقتصاديات الدول ومعدل النمو، وتساهم في تزايد عدد القضايا وتنوعها وتعقدها، وهو ما يجعل وعينا اليوم عميقا بأهمية العدالة كقاطرة تنموية على أكثر من صعيد وبنبل الرسالة وجسامة المسؤولية عن استتباب الأمن وتحقيق الإصلاح الذي هو توطيد الثقة والمصداقية في قضاء تجاري محترف وفعال يفهم جيدا ميكانيزمات العمل التجاري والتقنيات البنكية والمالية والتقنيات المرتبطة بها وأسرار وخصوصيات المجال الجوي والبحري والنقل والملكية الصناعية والمنافسة وقوانين الشركات، قضاء منصف بمثابة حصن منيع لدولة الحق وعماد للأمن القضائي والحكامة الجيدة، كما أكد ذلك النطق السامي لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله وأيده.
وبخصوص التبليغ والتنفيذ، أوضحنا منهجية تسريع مسطرة القيم وعدم اعتبار هذا التعيين بمثابة توصل وترتيب للآثار القانونية على المعني به. واليوم نؤكد أن التبليغ عموما وتطوير آلياته والحد من معوقاته، التي تحول دون تنفيذه، مطلب أساسي أمام حكماء الهيئة العليا للحوار الوطني، ولا تقل أهمية عن أهمية التنفيذ باعتباره غاية إصدار الحكم للطرف المحكوم له، فإنجازه في الوقت المناسب هو الذي يحفظ لهذا الحكم قدسيته وقوته. واقترحنا تبني مؤسسة المنتدب القضائي المثمن بشروط تضمن الحلول المناسبة لكل الإشكاليات المطروحة وتنظيم سوق رسمي دائم يحقق منفعة مالية للدولة وتعزز الثقة لكل من يريد الاستثمار في هذا البلد.

< < عبد العالي العضراوي > >
 النائب الاول للوكيل العام للملك
 لدى محكمة الاستئناف التجارية بفاس
الرأي

دعوة إلى التعجيل بالقانون التنظيمي للإضراب


أثار المشاركون في ندوة بمراكش نهاية الأسبوع الماضي بعنوان " الحق في الإضراب،كيف نمارسه؟ كيف نحميه؟" إشكالية غياب قانون تنظيمي للإضراب بالمغرب، بالرغم من مرور خمسين سنة من الانتظار، إذ يعد دستور1962 أول من اعترف بهذا الحق، وأحال على القانون التنظيمي بيان كيفية ممارسته. كما كرست الدساتير اللاحقة الصيغة نفسها، ومنها دستور فاتح يوليوز2011.
و أوضحت لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان بمراكش في ورقة تقديمية للندوة أن " ممارسة الحق في الإضراب يعد من المكاسب التي تحققت بفضل نضالات الطبقة العاملة،  والمثقفين،  والقوى الديمقراطية، والمجتمع المدني، والجميع ملتزم على الأقل أدبيا وأخلاقيا بإخضاع ممارسة حق الإضراب لضوابط قانونية ومسطرية، وفي غيابها يتدخل القضاء الذي يبقى له دور التحكيم في جميع الأحوال ".
ودعا الأستاذ ميلود لغدش، محامي بمراكش في مداخلة بعنوان " رقابة القضاء على مشروعية الإضراب"، إلى عدم التعسف في استعمال حق الإضراب خاصة في القطاعات الحيوية، وإبعاده عن أي مساومات سياسية، مقترحا " اللجوء إلى وسائل بديلة للإضراب من قبيل التحكيم أي الوساطة وفض النزاعات ".
في حين أكد الأستاذ عبد الله لفناتسة، أن النقابات تلجأ للإضراب من باب أبغض الحلال، وأن هذا الحق اليوم مستهدف لخلفيات سياسية،  لأن المتحكمين في الثروة غير مستعدين للتنازل عنها، وإلا كيف نفهم تهافت الباطرونا للإسراع بإصدار قانون الإضراب دون التفكير في تطبيق مدونة الشغل.
وأضاف في مداخلة بعنوان:" الإضراب حق مكتسب وأفقه المنظور" ، أنه يجب أن يخضع قانون الإضراب لنقاش مجتمعي،  ولا يبقى حكرا على وزارة التشغيل.
كما قدم الأستاذ لفناتسة ملاحظاته حول المشروع الجديد لقانون الإضراب (مارس2011) مشيرا إلى استهدافه في الصميم لما هو نقابي، إذ يراد حصر مفهوم الإضراب في أنه حق جماعي، وفي ما هو مهني صرف، بينما هو ليس بالضرورة " توقف جماعي" بل حق للأفراد أيضا، وليس "من أجل مطالب مهنية "فقط ، وإنما يمكن أن تكون هناك إضرابات ضد السياسة الضريبية، أو ضد نهب المال العام، أو في مواجهة الحرب.
وتساءل عبد المجيد أبوغازي  أستاذ بكلية الحقوق بمراكش،  في مداخلة بعنوان " تنظيم الإضراب في القانون المقارن" من خلال مقارنة دساتير المغرب مع القوانين الفرنسية في اعترافها بهذا الحق، لماذا منحت الدولة حق الإضراب، ولم تصدر قانونا تنظيميا له منذ سنة 1962 ؟،  وعزا ذلك إلى  خلفية سياسية في العمق. وانتقد انتهاج الحكومة أسلوب الاقتطاع في ظل غياب سند قانون تنظيمي يبين الشروط والإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق الدستوري.
وأشار الأستاذ أحمد أبادرين محام وعضو سكرتارية لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، إلى " أدبيات منظمة العمل الدولية والمواثيق الدولية في شأن ممارسة الإضراب ".
من جهته، تحدث الأستاذ الهادي أبوبكر القاسم محام بالدار البيضاء، عن  " السند القانوني لتطبيقات مبدأ الأجر مقابل العمل" .
وانصب النقاش على أن الإضراب في القطاع العام يستأثر بالاهتمام أكثر منه في القطاع الخاص لارتباط خدماته بالمرفق العام، ولإضفاء الصبغة السياسية عليه لمساندته من قوى المعارضة، في حين أصر البعض عن عدم التفريق بين الإضراب في القطاعين الاقتصادي والإداري، بينما دعا آخرون إلى تجاوز معضلة الموقع السياسي الذي أصبح يملي الموقف من الإضراب، حتى غدت الأغلبية لاتجرؤ على عرض مشروع القانون التنظيمي مخافة تأثير ذلك على شعبيتها الانتخابية.
وأجمع الحاضرون على التنويه بمبادرة لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان وجرأتها في طرق هذا الموضوع، في غفلة من الهيآت النقابية والسياسية، مؤكدين على ضرورة تحمل الجميع مسؤوليته من أجل اتخاذ القرار وسد الفراغ التشريعي لتحقيق أكبر قدر من التوازن في علاقة الشغل من خلال تحديد شروط وشكليات ممارسة حق الإضراب وحمايته، بما يضمن حق الأجير المضرب، وحرية العمل بالنسبة إلى الأجير غير المضرب، ويحافظ على المصلحة العامة، وسلامة المؤسسات وممتلكاتها.

محمد السريدي (مراكش)

دراسة في القانون: أي مآل للسياسة الجنائية بعد التعديل الدستوري؟


إن بناء صرح الدولة الأصيلة والعصرية يقتضي بالضرورة تحديث المنظومة التشريعية وتكريس استقلالية القضاء، وإبعاده مبدئيا عن اللعبة السياسية لإرساء التوازنات على أسس قانونية تحترم في إطارها الحقوق والحريات وضمان ممارستها، أخذا بعين الاعتبار أن هذه الاستقلالية لا تعني الاستقلال المطلق
عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

 لأننا نعلم بأن فصل السلط في العصر الحالي يكون على أساس التوازن والتعاون، وربط المسؤولية بالمحاسبة ولا سيادة إلا للقانون والمساواة أمامه تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة، القاضي الأول ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومن هنا نقول إن النيابة العامة تعتبر جزءا أساسيا في السلطة القضائية لذلك، فالقائمون على الإصلاح بكل موضوعية سيبرزون بشكل واضح استقلالية هذا الجهاز عن السلطات الإدارية والسياسية، مع الاحتفاظ بخصائصها من تبعية تدرجية ووحدة، مع التذكير بأن تحديث السياسة الجنائية، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة يستوجب البحث بجدية ومهارة متناهية.
أولا : عن بدائل للعقوبات السالبة للحرية والاعتقال الاحتياطي والدعوى العمومية، والنهوض بالأوضاع التعليمية والتربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية عموما.
فالمقاربة الأمنية المعتمدة أساسا في تطبيق السياسة العقابية الحبسية قد فشلت في الحد من تصاعد الجريمة، وساهمت في اكتظاظ السجون ولم تفلح في تحقيق نفعية العقوبة واستفادة الدولة ماديا ومعنويا والمجتمع والسجين معا من هذه المؤسسة.
لذلك، إذا أردنا إرساء مجتمع ديمقراطي حداثي فعلا، وحماية سلامة مواطنيه وقيمه من الانتهاكات، فلا بد إذن من البحث كما سبقت الإشارة عن البدائل وإدخال إصلاحات تنظيمية بشأن منظومة القانون والمسطرة الجنائية وتكوين وتأهيل الضابطة القضائية والقضاة على صعيد النيابة العامة وقضاة التحقيق والموضوع لفائدة حسن وضبط سير العدالة والمساواة أمام القانون.
ثـانيا: إحداث ضابطة قضائية مستقلة عن باقي الفرق الامنية ومتخصصة تعمل تحت سلطة واشراف النيابة العامة في كل ما يتعلق بالأبحاث الدقيقة والمعمقة والشاملة.
ثالثا: إحداث مؤسسة قاضي الحريات الذي يبت في إمكانية استمرار قرار الاعتقال المأمور به كتدبير استثنائي سواء من طرف النيابة العامة أو قضاة التحقيق وينظر إلى الضمانات التي يتوفر عليها المتابع لحضوره لجلسة المحاكمة والسهر على حسن سير العدالة وهنا أؤكد على أن قاضي الحريات فرد وليس هيأة، لأن مهمته هو التحقق من إبراز النيابة العامة أو قاضي التحقيق لخطورة الفعل وتوافر الضمانات من عدمها وعناصر وقرائن تفيد ظاهريا ثبوت الاجرام في حق المشتبه فيه المأمور باعتقاله، مع التذكير بأن هذه المراقبة للتعليل لاتصل إلى حد المناقشة الكاملة والمعمقة لعناصر الجريمة ووسائل الإثبات المستعملة ومراقبة قانونيتها، بل إن مهمته إقرار الاعتقال من عدمه وتخفيف العبء على المحكمة والسجون.
رابعا: التفكير مليا في تفريد الاعتقال وجعل العقوبات الاقتصادية في شكل فدية والصلح والوساطة كبديل للدعوى العمومية.
خامسا: الحكم والأمر القضائي في الجنح وإيقاف البت في الدعوى العمومية، وإقرار العقوبة بالأشغال في شق الطرق وبناء السدود وصيانتها والبنية التحتية وتمديد القنوات لوقاية الأراضي الفلاحية من الفيضانات والمنشآت العمومية والمساهمة في تهيأة التقدم العمراني
والصناعي، والنظافة التي أعلنت عن فشل التدبير المفوض للخواص، فالأمين العام للحكومة الدكتور الضحاك، رجل القانون بامتياز، الذي نكن له كل التقدير والاحترام يوم كان مديرا للمعهد العالي للقضاء وقد استعمل سجناء قنيطرة واستعان بهم في بناء مقر هذا المعهد.
إذن المقاربة الأمنية لم تعد لوحدها كافية من الحد من الإجرام، فالجريمة مرتبطة بعوامل كثيرة ثقافية وتربوية واجتماعية واقتصادية كالفقر والبطالة، وتعد هي الأخرى من أسباب الانزلاقات نحو حمل السلاح بكل اشكاله والسرقات والعنف الجسدي والجنسي والفساد والتعاطي للمخدرات والعقاقير المهلوسة والسكر الطافح التي أصبحت كلها افعال تعرف تصاعدا مخيفا وكلها أفعال تهدد المجتمع وتمس بالأمن الروحي له في غياب تفكير جدي في اشاعة وتكريس ثقافة الإنتاج والإبداع والاختراع والوقاية والتصدي للجريمة، وتقويم المجرم وإعادة النظر في القانون المنظم للسجون، وفي المنظومة التعليمية
والتربوية وتوفير الموارد البشرية الخبيرة والمتخصصة في معالجة الإدمان والإمكانات اللوجيستيكية المتطورة، وتحسين وضعية الموظفين الأمنين والقضائيين.
إن المسؤولية، إذن، تشريعية تقتضي محو بعض الأفعال لم يعد المجتمع يعتبرها تشكل خطورة وتفعيل الضمانات بالنسبة إلى الشيك مثلا، مع إعادة النظر في العقوبات وملاءمة القوانين مع الدستور وتنويع وتوسيع اليات النظام العقابي، مع الإشارة بأن السجون ليست مؤسسة للأمراض العقلية أو النفسية والأكل والراحة الشاملة، كما أنها ليست قضية مندوب أو أطر أو مستخدمين، بل هي قضية مجتمع، فاكتظاظ السجون لا يساعد اليوم بتاتا على عودة السجين الى المجتمع بشكل سوي وقويم، بقدر ما يكرس ثقافة الإجرام وتفشي الأمراض وممارسة أفعال غير شرعية وغير اخلاقية في صفوف السجناء داخل كواليس مختلف السجون، بل استطيع القول إن وضعية السجون الحالية يمكن أن تساهم في صقل مواهب المجرم وتعطيه فرصة للتزود بأساليب تجعل منه اكثر احترافية من عالم الاجرام وتشوقا للعودة للدراسة، والتمدرس لذلك فاني الح إلحاحا على الاعتناء بالطفولة والشباب، والتشجيع على الابتكار والاعتناء بالذات رياضيا وفكريا وبتربية النشئ، وتهذيبهم عبر البرامج التلفزيونية والمراقبة والزيادة في عدد السجون، وفق معايير نموذجية تراعي الجانب الحقوقي والقانوني والرعاية والعمل.
وأكرر العمل الذي يصلح السجين، ويجعله ينضبط مع القيم التي تؤسس نظامه المجتمعي، بدل الكسل الذي يفسده ويوسع هامش تمرده على أمن واستقرار مجتمعه.

بقلم: عبد العالي العضراوي,  باحث (فاس)

دراسة في القانون: المقاربة السوسيولوجية في منهجية إصلاح العدالة (الحلقة الأولى)


إن منظومة العدالة، عبارة عن مؤسسات وتنظيمات اجتماعية، تلعب أدوارا اجتماعية وتحكمها علاقات اجتماعية وتشتغل على المشاكل الاجتماعية ...وعليه فإن أي عملية إصلاحية حقيقية، لابد أن تستند إلى مقاربة سوسيولوجية  وسوسيوثقافية تطرح سؤال أي قضاء لأي مجتمع، وتبلور رؤيتها التشخيصية لواقع العدالة ببلادنا
على ضوء التحولات الاجتماعية والمجتمعية وفي إطار البنية الثقافية للمجتمع وتمثلها لدور المؤسسات القضائية يتميز التراكم المعرفي المرتبط بالشأن القضائي المغربي بطغيان مقاربتين رئيسيتين : أولاهما المقاربة النصية القانونية التي تنكب على الأسئلة المدرسية للنصوص القانونية والتنظيم القضائي والمساطر القضائية وتصنيفها وإشكالاتها القانونية والتطبيقية وتناقش الاجتهادات القضائية...، وثانيهما المقاربة الحقوقية التي تشتغل على الموضوع  القضائي من زاوية مبادئ حقوق الإنسان وأهمها مبادئ استقلال القضاء والمحاكمة العادلة والحق في الولوج للقضاء والمساواة والنزاهة...كل ذلك على ضوء مرجعية المعايير الكونية لحقوق الإنسان.
 تستفيد المقاربة الأولى من هيبة المناهج العلمية الأكاديمية وهو ما تفتقده المقاربة الثانية التي تبقى – في الكثير من الأحيان - في مهب المواقف السياسية واللغط الإعلامي...
لعل ما يمكن أن يثير أي متتبع للنقاشات والخطابات والمؤلفات المتعلقة بقضايا العدالة ببلادنا، هو غياب  أي إسهام لعلم الاجتماع في هذا الموضوع . ورغم أن الشأن القضائي صار اليوم حديث الكل، فإن الطرف الوحيد الذي لا يتكلم في الموضوع هو عالم الاجتماع أو الباحث السوسيولوجي، حيث لا تحظى قضايا العدالة في المغرب بأي اهتمام من طرف المختصين في علم الاجتماع، رغم أنه في مجتمعات أخرى يوجد هناك فرع مستقل من فروع علم الاجتماع، يسمى علم الاجتماع القضائي ( SOCIOLOGIE JUDICIARE) يشتغل على المواضيع والمؤسسات القضائية وفق مناهج ومفاهيم علم الاجتماع.
إن منظومة العدالة هي عبارة عن مؤسسات وتنظيمات اجتماعية، تلعب أدوارا اجتماعية وتحكمها علاقات اجتماعية وتشتغل على المشاكل الاجتماعية ...وعليه فإن أي عملية إصلاحية حقيقية، لابد تستند إلى مقاربة سوسيولوجية  وسوسيوثقافية تطرح سؤال أي قضاء لأي مجتمع، وتبلور رؤيتها التشخيصية لواقع العدالة ببلادنا على ضوء التحولات الاجتماعية والمجتمعية وفي إطار البنية الثقافية للمجتمع وتمثلها لدور المؤسسات القضائية. ذلك أن دمج العوامل الاجتماعية الثقافية والسلوكية في منهجية الإصلاح من شأنه أن يسعف بشكل كبير في تشخيص الكثير من اختلالات جهاز العدالة وعلى رأسها أزمة الثقة في النظام القضائي،  وهذه الأزمة التي تعبر عن خلل في شرعية المساطر القضائية لا يمكن تجاوزها إلا عبر جعل هذه المساطر أكثر مرونة وانفتاحا على الآليات التي تتيحها المؤسسات الاجتماعية، كبدائل لحل المنازعات بشكل يؤسس لمعنى جديد وحقيقي لمفهوم القرب القضائي.
القضاء المغربي بين ضغط تسارع التحولات الاجتماعية
وجمود ثقافة التقاضي
باعتباره مؤسسة اجتماعية، فإن القضاء المغربي مطالب سواء من حيث التنظيم والمساطر أو من حيث التكوين والاجتهاد  بمواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع على جميع الأصعدة. لكن وبقدرما تضع هذه المواكبة على عاتق القضاء مهام جسيمة تتعلق بالإسهام في التنمية الاجتماعية وضمان الحقوق وحفظ الأمن الاجتماعي والاقتصادي في سياق معولم، بقدر ما تضعه في مواجهة ثقافة مجتمعية نافرة ومنفرة من عملية التقاضي.
مسؤولية القضاء في سياق التحولات الاجتماعية
مع تسارع التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، تلقى على القضاء أعباء أكثر جسامة سواء لجهة تأمين حماية الحقوق والحريات في سياق الانتقال الديمقراطي أو لجهة حماية الأمن الاجتماعي أو الإسهام في التنمية الاقتصادية وحماية الثروة الوطنية .
القضاء ومسؤولية حماية الحقوق والحريات
 في سياق الانتقال الديمقراطي
في المجتمعات الديمقراطية التي تضمن فصل السلط وتتوفر على سلطة قضائية مستقلة، يعتبر القضاء الضامن الأساسي للحقوق والحريات،  كما يعتبر اللجوء إلى القضاء سلوكا حضاريا ومؤشرا على تقدم المجتمع على درب الحداثة والحرية وإرساء قيم المواطنة والديمقراطية، لذلك نجد أن نسبة التقاضي في الدول المتقدمة ديمقراطيا أكثر منها في غيرها. ففي المجتمعات الأبوية مثلا حيث سلطة الأب ورب العائلة أو القبيلة، تكون نسبة اللجوء إلى القضاء ضعيفة، لأن المشاكل والنزاعات الاجتماعية يتم احتواؤها وفق الميكانيزمات التقليدية للمجتمعات المغلقة. والشيء نفسه بالنسبة إلى الدكتاتوريات الشمولية حيث يكون مؤشر التقاضي منخفضا نظرا إلى غياب الضمانات من جهة وإلى تراجع مكانة القانون في هرمية الضوابط الاجتماعية لصالح المكانزمات السلطوية والبوليسية من جهة ثانية.
إن تأمين الحق في الولوج إلى العدالة هو الضمانة الأساسية لتفعيل منظومة الحقوق والحريات بكاملها، وبديهي أنه كلما حصل تقدم في ضمان الحقوق والحريات كلما لقيت على القضاء أعباء إضافية ومسؤوليات أكبر واتسعت مساحة تدخله في العلاقات الاجتماعية ، ودليل ذلك أن الإجراءات الأولى لحماية حقوق الإنسان بالمغرب ابتدأت مطلع تسعينات القرن الماضي بإحداث القضاء الإداري كآلية للحد من تجاوزات السلطة، وكل التقدم الذي حصل بعد ذلك كان في اتجاه نقل الكثير من السلط والاختصاصات التي كانت بيد السلطة التنفيذية ووضعها بين يدي القضاء، خصوصا في مادة الحريات العامة، كاختصاص منع الصحف والمطبوعات وحجزها وحل الجمعيات والأحزاب، كما أنه حينما أرادت الدولة إعطاء ضمانة أكبر لنزاهة الانتخابات، قامت بإشراك القضاء في الإشراف عليها، وعندما أراد المشرع الدستوري إعطاء إشارة قوية في مسألة توسيع حماية الحقوق والحريات، نص في صلب الدستور الجديد على أن القضاء يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي( الفصل 117 ) وأن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه (الفصل 118)، كما وسع من دائرة الرقابة القضائية لتشمل أحيانا حتى القرارات الصادرة عن الملك، كما هو شأن القرارات المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة (ف 114). وعلى المستوى الأفقي يكون اللجوء إلى القضاء في كثير من الأحيان تعبيرا عن سلوك تحرري ناتج عن نفض بعض القيود القانونية والاجتماعية، كما هو شأن مقتضيات قانون الأسرة، التي أعطت للمرأة حق طلب التطليق للشقاق ووضعت الروابط الأسرية تحت رعاية ومراقبة القضاء ابتداء من الزواج إلى الطلاق فالتعدد فحماية حقوق الأطفال.
وبالمحصلة، فإن توسيع الأدوار القضائية في المادة الحقوقية وارتفاع مؤشر التقاضي المرتبط بها وإن كان يثقل كاهل القضاء ويسبب تراكم الملفات والقضايا، إلا أنه يعتبر مؤشرا إيجابيا على حيوية المجتمع وتشبعه بقيم المواطنة والتمسك بالحقوق، مع التشديد على أن الأسئلة الكلاسيكية المرتبطة باستقلال القضاء ونزاهته وفعاليته لها دور محدد في طبيعة وفعالية تلك الأدوار.

بقلم: عبد الرحمان السحمودي, عضو المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل

Sunday, March 10, 2013

دراسة : ملائمة مشروع القانون الجنائي مع المبادئ و القواعد المعتمدة في منظومة حقوق الإنسان




دراسة من إنجاز الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي

تـقديـم

يسعدنا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن نقدم هذه الدراسة الهامة ذات الطابع الأكاديمي التي قام بها خبراء لفائدة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمساهمة أعضاء من المجلس في خلية تكونت من مختلف مجموعاته.

لقد سبق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن اعتبر أن مراجعة القانون الجنائي تعد من الأولويات وأنه من اللازم دراسة التعديلات والإضافات التي يجب أن تدخل عليه حتى يتلاءم مع مقتضيات المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب. ويكون بحق ضمانا للمحاكمة العادلة، وفي هذا الصدد يمكن مراجعة الرأي الاستشاري الصادر عن المجلس في 18 دجنبر 1992 وما تلا ذلك من مذكرات.

كما تجدر الإشارة إلى أن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ساهم بالعديد من المداخلات في المناظرة الوطنية الكبرى التي نظمتها وزارة العدل أيام 9-10-11 دجنبر 2004 بمكناس في موضوع السياسة الجنائية بالمغرب، هذه المناظرة التي أسفرت عن توصيات في موضوع مراجعة القانون الجنائي، تكونت على إثرها لجنة عمل تحت إشراف وزارة العدل كلفت بوضع صيغة مشروع جديد للقانون الجنائي، وقد كان المجلس عضوا في هذه اللجنة التي أعدت مشروع القانون الجنائي، الذي عرض على أنظار المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، هذا الأخير كون الخلية المشار إليها أعلاه التي قامت بإعداد التقارير والدراسات والملاحظات، والتي انتهت بتقديم دراسة وافية شاملة صادق عليها المجلس في دورته الثالثة والثلاثين.

إن نشر هذه الدراسة الآن، يرمي إلى إطلاع الجميع على مراحل العمل الذي قام به المجلس في موضوع تحديث القانون الجنائي، ويجب هنا أن نشير إلى ملاحظات أساسية وهي:

أولا: أن هذه الدراسة تمت سنة 2009 وصودق عليها في دورة يوليوز 2009 أي أنها تمت قبل صدور الدستور الجديد للمملكة المغربية المصادق عليه في استفتاء فاتح يوليوز 2011.

وسيجد الملاحظ أن كثيرا من مقترحات المجلس الاستشاري في هذه الدراسة قد تم الأخذ بها، كدسترة مبدأ قرينة البراءة، وسمو الاتفاقيات الدولية على القانون الوطني، وحق الدفع بعدم شرعية القانون.

ثانيا: لقد اعتمدت هذه الدراسة مبادئ أساسية في منهجية عملها وهي:

أ- مبدأ المساواة.

ب- مبدأ الشرعية.

ج- مبدأ شخصية المسؤولية.

د- مبدأ الملاءمة.

ه- مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

و- مبدأ مقاربة النوع.

وسيكون لهذه المبادئ الأثر الواضح في المقترحات والصيغ التي تضمنتها الدراسة عموما.

ثالثا: اقترح المجلس مشاركة جميع المهتمين في مناقشة مشروع القانون الجنائي وذلك توخيا منه لمبدأ المشاركة التي يعتمدها الفاعل الحقوقي في كل المجالات وفق مقتضيات المواثيق والعهود الدولية.

وأخيرا يجب أن نستذكر دائما الرأي الاستشاري الذي قدمه المجلس بشأن ملاءمة القانون الجنائي المغربي لمكافحة الكراهية والميز والعنف (الاجتماع الثاني والعشرون للمجلس المنعقد يوم 02 جمادى الثانية 1425 ه موافق 02 يوليوز 2004 م) هذا الرأي الذي تضمن دعوة صريحة إلى وجوب مراجعة بعض مقتضيات القانون الجنائي.

ولا يخفى أن بعض مقتضيات هذا القانون قد تم تعديلها بمقتضى مشاريع قوانين صادق عليها البرلمان وتعلقت إما بتعديل بعض الفصول أو تجريم بعض الأفعال، كما حصل مؤخرا بمقتضى القانون رقم 09.09 المتعلق بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها، أو ما حصل بمقتضى القانون رقم 11-10 المتعلق بتعديل وتتميم مقتضيات الفصل 517 من مجموعة القانون الجنائي.

لقد كانت رغبة المجلس ولازالت هي القيام بمراجعة شاملة لمجموعة القانون الجنائي تسير نحو ملاءمة هذا القانون لمبادئ المحاكمة العادلة وللمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب على أغلبها إن لم يكن جميعها، وأملنا أن تكون هذه الدراسة التي يشرفنا العمل على نشرها اليوم بادرة أولية في هذا المسار.


المجلس الوطني لحقوق الإنسانCCDH:مذكرة بشأن القانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين

المجلس الوطني لحقوق الإنسانCCDH:مذكرة بشأن القانون التنظيمي المحكمة الدستورية

المجلس الوطني لحقوق الإنسانCCDH:مذكرة بشأن قانون القضاء العسكري


قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان ببلورة مذكرة حول الظهير الشريف رقم قم 1.56.270 الصادر بتاريخ 6 ربيع الثاني 1376 الموافق ل 10 نونبر 1956 المعتبر بمثابة قانون القضاء العسكري كما وقع تغييره و تتميمه. وذلك طبقا للاختصاصات الموكولة إليه بموجب الدستور والظهير المحدث له.

Saturday, March 09, 2013

اجتهاد قضائي: - التنفيذ على الأصل التجاري لا يعني ضرورة مباشرة الحجز التنفيذي على الأصل برمته قبل طلب بيعه .


حكم المحكمة التجارية بطنجة
الصادر بتاريخ 06/10/2009
ملف عدد 1403/9/2008

المنطوق :القاضي بايقاف إجراءات الحجز التنفيذي التي تباشر على الأصل التجاري  الكائن ………………… والمقيد بالسجل التجاري عدد 1421 بالمحكمة الابتدائية بتطوان وبإمهال المدينة لمدة ثلاثة أشهر لأداء مبلغ الدين العالق بذمتها والمحدد في مبلغ 25.615,00 درهم وفي حالة عدم الأداء ببيع الأصل التجاري المذكور بجميع عناصره المادية والمعنوية عن طريق المزاد العلني وبواسطة قسم التنفيذ لكتابة ضبط هذه المحكمة مع الإذن للمدعية باستخلاص مبلغ دينها من ثمن البيع وذلك على وجه الأولوية المقررة لها قانونا مع مراعاة حقوق باقي الدائنين إن وجدوا، وبقيام كتابة الضبط بالإجراءات المنصوص عليها في المواد من 115 الى 117 من م.ت وبشمول الحكم بالتنفيذ المعجل وتحميل المدعى عليها الصائر.

قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس
رقم " 1409" الصادر بتاريخ 20/10/2011
ملف عدد 1193/2010

الصادر عن السادة :
 ………………………..…….                     رئيسـا
………………………..                    مستـشارا مقررا
 ………………..………….                     مستـشـارا
وبمساعدة السيـد…………………………….  كاتب الضبط

المنطوق :القاضي بتأييد الحكم المستأنف وتحميل المستأنفة الصائر.

القاعدة :
- إجراءات التنفيذ المباشرة على المحكوم عليها و التي أدت على إيقاع حجز تنفيذي على أصلها التجاري تمنع من سماع أي دفع ببطلان محضر الحجز لعدم وضعه العناصر المادية والمعنوية التي تم حجزها و بطلان محضر الحجز.
- من المعلوم قانونا أن ما دون بالسجل التجاري تبقى حجيته قائمة في مواجهة الأغيار و كذا المسجل به.
الحكم الذي راعى ما ذكر يعد في محله و يتعين تأييده.


التعليل :
حيث أثارت المستأنفة في وسائلها أنه لا علاقة لها بالنزاع القائم بين طالبة التنفيذ والمحكوم عليها، وأن إجراءات الحجز غير قانونية لعدم إشارة محضر الحجز إلى المعدات والآليات الموجودة بالمحل ولعدم تحرير محضر تحويل الحجز إلى حجز تنفيذي ، كما وأن الأصل المحجوز مثقل برهون لفائدة الغير.
لكن حيث طالما أن إجراءات التنفيذ التي باشرتها المستأنف عليها لتنفيذ مقتضيات الحكم الاجتماعي الصادر بتاريخ 18/4/2000 في الملف عدد 262/2000/15 والقاضي على شركة ………… بأدائها لفائدة المحكوم لها مجموعة تعويضات عن سابق الاعلام وعن الاعفاء وعن الطرد التعسفي ... الخ ، أسفرت على إيقاع حجز تنفيذي على الأصل التجاري للشركة المنفذ عليها الكائن ……………….. والمسجل بالسجل التجاري للمحكمة الابتدائية بتطوان تحت عدد 1421 .
وحيث مادام من المعلوم قانونا أن ما دون بالسجل التجاري تبقى حجيته قائمة في مواجهة الأغيار فإن الحجز المذكور في مواجهة المحكوم عليها على الأصل التجاري الذي لا زال مسجلا في اسمها يعتبر إجراءا سليما ومنتجا لكافة آثاره القانونية ،ومن تم فالمستأنفة –وإن كانت هي المتواجدة فعليا في المحل الواقع عليه الحجز- تبقى أجنبية قانونا عن الأصل المذكور ولا يمكنها أن تواجه طالبة التنفيذ بكونها هي مالكة الأصل المذكور . ومن جهة أخرى تنعدم صفتها في إثارة بطلان الحجز وعدم قانونيته للعلل المحددة في الوسائل المثارة من طرفها مما يتعين معه ردها ، ويبقى الحكم المطعون فيه فيما قضى به مصادف للصواب ويستدعي التصريح بتأييده .
حيث ان من خسر الدعوى يتحمل صائرها .

Friday, March 08, 2013

تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة خلال مرحلتي: البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي


الضمانات الممنوحة للمتهم خلال مرحلة البحث التمهيدي
جمال الزنوري (*)
إن تحقيق العدالة لصالح المجتمع هدف سام وبالغ الأهمية ولكن الأهم منه معاينة المجتمع لتحققها، والنص على قرينة البراءة وحقوق الدفاع بشتى أنواعها. والأهم من هذا وذاك الشعور والاعتقاد فيها وترتيب نتائجها كلبنة لبناء وإرساء مجتمع العدالة والمساواة. والهدف من المحاكمة العادلة هو الوصول إلى الحقيقة بسرعة وفعالية لتحقيق المصلحة العامة. أما ضماناتها هي أن يتحقق هذا الهدف على يد قضاء محايد ومستقل في إطار الشرعية الإجرائية المؤسسة على قرينة البراءة وعلى احترام الحرية والكرامة وحقوق الدفاع وبالمراعاة للمساواة وتكافؤ الوسائل بين الأطراف وفي كل ذلك حماية للحقوق والحريات الفردية.
إن أهم ضمانات العدالة الجناية هي احترام حقوق الدفاع في كل صورها وتجلياتها خلال مرحلة ما قبل المحاكمة أي أثناء البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي.
ذلك أن هذه المرحلة تتميز بقربها من الوقائع وكونها حاسمة في جمع الأدلة كما تعتبر مؤشرا على السياسة الجنائية المتبعة وعلى نوع العدالة القائمة ومرآة تعكس طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة ونوع التوازن القائم بين الحقوق والحريات الفردية من جهة والنظام العام من جهة أخرى .
ويعتبر البحث التمهيدي سواء اتسم بالتلبس أم لا في جميع الأنظمة الجنائية من أخطر المراحل، ذلك أنه هو المرحلة التي يتم خلالها تجميع العناصر الأولية لإثبات الجريمة والبحث عن المتورطين فيها وهي تساهم في توجيه سير العدالة الجنائية. فإذا التزم القائمون بالبحث بالشرعية والإحتكام إلى القانون، فإنهم سيساعدون القضاء من أجل الوصول إلى الحقيقة. ولكن إذا ما تجاهلوا أحكام القانون فإن ذلك سيؤثر سلبا على مصير المشتبه فيه، ذلك أن المشرع مكن الشرطة القضائية من سلطات واسعة ولم يقيدها بشكليات دقيقة عند مباشرتها لتلك السلطات. وعلى سبيل المثال أجاز لضابط الشرطة القضائية استجواب المشتبه فيه ولم يتطلب لصحة محضر الإستجواب إمضاء هذا الأخير عليه، بل اعتبر كل التصريحات الواردة بالمحضر ثابتة بمجرد شهادة الضابط على أنها فعلا صدرت عن المشتبه فيه. وقد كرس القضاء ذلك بقوله إن عدم إمضاء المشتبه فيه على محضر استماعه لا يعيب هذا الأخير ولا يؤثر على قوته الإثباتية.
وهو ما يعطي مصداقية للتحريات والخلاصات والنتائج التي تقوم بها الضابطة القضائية، وبالتالي مصداقية لقرارات النيابة العامة كسلطة تشرف على تسيير البحث التمهيدي، وذلك تنفيذا لمقتضيات المادة 17 من قانون المسطرة الجنائية التي تقول: «توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك …».  إن مقتضيات هذه المادة تبين بوضوح أن الشرطة القضائية تخضع لسلطة النيابة العامة، وهو ما يكرسه الفصل 128 من الدستور الذي جاء فيه «تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة»، وعليه فإن الشرطة القضائية يجب أن تعمل داخل المحيط الذي رسمه المشرع وأن تتفادى كل الضغوطات الخارجية المحتملة على سلطة القضاء، مع العمل كذلك على تمكينها من الوسائل للقيام بمهمتها على أحسن وجه خلال مرحلة البحث التمهيدي .
وتعتبر الخاصية الأساسية للبحث التمهيدي هي السرية وعدم الحضورية والكتابة. فالسرية كما نصت على ذلك المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية «المسطرة التي تجري أثناء البحث أو التحقيق تكون سرية ..» تفرضها الفعالية وضرورة السرعة في جمع المعلومات والمحافظة على الأدلة. وهذه السرية إن كانت بلا شك ضرورية في هذه المرحلة الدقيقة فهناك من يقول إنها تضع المشتبه فيه في وضع محرج يلفه الغموض والتكتم بكل ما يمكن أن يخلقه هذا الوضع من ارتباك قد يكون له أثر وخيم على مصيره ، لا يمكن أن يخفف من وطأته سوى حضور محام إلى جانبه يسانده ولو معنويا على الأقل. لكنها تعتبر من الضمانات التي منحها المشرع للمشتبه فيه خلال مرحلة ما قبل المحاكمة وبالأخص مرحلة البحث التمهيدي، إذ أن المشرع كرس في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية عدة مبادئ  دستورية أتاه هذا الأخير في الفصـول 6، 19، 20، 21 ، 22 و 23 و 117 و 118 و 119 و 120 و 109 من الدستور.
وقد جاء في المادة المذكورة أي المادة 66: إذا تطلبت ضرورة البحث أن يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بشخص أو عدة أشخاص ممن أشير إليهم في المادة 65 أعلاه ليكونوا رهن إشارته، فله أن يضعهم تحت الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة تحسب ابتداء من ساعة توقيفهم، وتشعر النيابة العامة بذلك .
يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت.
يمكن بإذن كتابي من النيابة العامة لضرورة البحث، تمديد مدة الحراسة النظرية لمرة واحدة أربعا وعشرين ساعة.
إذا تعلق الأمر بالمس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، فإن مدة الحراسة النظرية تكون ستا وتسعين ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.
إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، فإن مدة الحراسة النظرية تكون ستا وتسعين ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة ست وتسعين ساعة في كل مرة، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.
يحق للشخص الذي ألقي القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية الإستفادة من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الإتصال بأحد أقربائه، وله الحق في تعيين محام وكذا الحق في طلب تعيينه في إطار المساعدة القضائية.
تقوم الشرطة القضائية فورا بإشعار المحامي المعين مع إخبار النقيب بذلك، وإذا طلب المعني بالأمر تعيين محام في إطار المساعدة القضائية تقوم الشرطة القضائية فورا بإشعار النقيب الذي يتولى تعيين هذا المحامي.
يتم الإتصال بالمحامي قبل انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية، ويمكن لممثل النيابة العامة، كلما تعلق الأمر بوقائع تكون جناية واقتضت ضرورة البحث ذلك، أن يؤخر بصفة استثنائية، اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية على ألا تتجاوز مدة التأخير اثنتي عشرة ساعة ابتداء من انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية.
غير أنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من هذا القانون فإن الإتصال بالمحامي يتم قبل انصرام المدة الأصلية للحراسة النظرية.
يتم الإتصال بمحام بترخيص من النيابة العامة، لمدة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل سرية المقابلة.
غير أنه إذا تعذر الحصول على ترخيص النيابة العامة خاصة لبعد المسافة، فإن ضابط الشرطة القضائية يأذن بصفة استثنائية للمحامي بالإتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، على أن يرفع فورا تقريرا في هذا الشأن إلى النيابة العامة.
يمنع على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الإتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية.
يمكن لممثل النيابة العامة تأخير اتصال المحامي بموكله، بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية، إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث، كلما تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من هذا القانون على أن لا يتجاوز ذلك التأخير مدة 48 ساعة ابتداء من انصرام المدة الأصلية للحراسة النظرية.
(*) نائب الوكيل العام للملك باستئنافية الدارالبيضاء
عن الأحداث المغربية

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا