Monday, December 30, 2013

مسار الجهة والجهوية بالمغرب -الجزء الاول


مسار الجهة والجهوية بالمغرب -الجزء الاول

· أهم المسارت التي مرت بها الجهوية.
· المعايير المعتمدة في رسم الخريطة الجهوية.
· الهياكل المؤسساتية المسيرة.
· الموارد المالية.
بقلم عمر العياشي
مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بتطوان
/////////


تعد الجهوية أحد مداخل الإصلاح الأساسية التي يراهن عليها المغرب لتحقيق تنمية قائمة على مرتكزات الوحدة والتوازن والتضامن بين مختلف الجهات،نظرا للتفاوتات التي تعرفها هذه الأخيرة على الصعيدين السوسيو اقتصادي والمجالي،فالمغرب وكما هو معلوم عرف مسلسلا جهويا طويلا ومتدرجا حاول من خلال كل محطة فيه القضاء على عناصر الاختلال التي واجهت بناء نموذج جهوي للتنمية، وهو لازال في بحث دائم ومستمر
لإيجاد التصور الجهوي الذي سيمكنه من ذلك، فتحقيق هذه المعادلة أمرا ليس باليسير خاصة في بلد يتميز يتنوع تضاريسه ومناخه وغناه الثقافي، إلى جانب المشاكل السياسية (قضية الصحراء المغربية) ،كل هذا شكل دافعا أساسيا وراء تبني مشروع الجهوية المتقدمة ذي البعدين السوسيو اقتصادي والسياسي.

فما هي أبرز محطات المسار التي مرت بها الجهوية بالمغرب؟

وإذا كان مشروع الجهوية يعد أحد المداخل المركزية للأوراش الكبرى التي فتحها المغرب في أفق بناء مشروعه الديمقراطي التنموي الحديث، فما هي المعايير التي تم اعتمادها في مختلف مراحله؟

وهل تم تدعيم هذا المشروع بهياكل مؤسساتية تسهر على تسييره؟

وهل تم اعتماد موارد مالية جديرة بتحقيق التنمية المنشودة ؟

أبان المغرب منذ العشرية الأخيرة من خلال مختلف الأوراش التي فتحها،عن إرادة حقيقية وسعي حثيث نحو تحقيق تنمية شاملة ومتكاملة،ومن بين هذه الأوراش نجد مشروع الجهوية الذي تبناه المغرب منذ فجر الاستقلال، حيث حاول التقليل من التمايز المجالي الذي كرسته الحقبة الاستعمارية، والتي قسمت البلاد إلى مناطق نفوذ أجنبية من الشمال إلى الجنوب ، ومملا شك فيه أن طبيعة الاستعمارين الاسباني والفرنسي قد ساهما في تكريس مبدأ التفاضل والتمايز بين الجهات المغربية،انطلاقا مما توفره هذه الجهات من حاجيات البلد المهيمن،مما أثر هذا أو ذاك بشكل كبير على بنية المجال الذي خضع لهذا المحتل.

فبينما كانت منطقتي الشمال والجنوب الخاضعتين للوصاية الاسبانية تعاني من ويلات التخلف والتدهور،في بنياتها الطرقية وطريقة تدبير إدارتها،ومستوى مدنها وارتباطها ببعضها البعض أو بباقي المدن،كانت المنطقة التي خضعت للهيمنة الفرنسية تعرف تمايز بين مجال نافع وآخر غير نافع،وهو تقسيم مؤسس على معيار قدرة المجال في إنتاج وتلبية حاجيات المعمر فلاحيا،ومعدنيا وتجاريا وخدماتيا،أو على عدم قدرتة تحقيق مايطمح إليه المستعمر من نفس ماسبقت الإشارة إليه، لدرجة أصبح الحديث عن قيام تنمية متوازنة ومتكافئة لكل ربوع التراب الوطني مهمة صعبة المنال.

وبغية التقليل من هيمنة المركز ومحاولة تحقيق تنمية سوسيو اقتصادية تروم تقليص الفوارق الجهوية، وتحقيق نوع من التكامل فيما بينها،فقد مرت بلادنا بمجموعة من المراحل المتباعدة غير أن التجسيد الفعلي لفكرة الجهوية تم بصدور ظهير 16 يونيو 1971 المتعلق بإحداث الجهات الاقتصادية السبع،مرورا بدستور 1992 الذي ارتقى بالجهة إلى جماعة محلية،وصولا إلى قانون 47/ 96 الذي عمل على تنظيمها بإحداث مجموعة من الهياكل، وتمتيعها بالشخصية المعنوية، والذي بموجبه أصبح المغرب مقسما إلى 16 جهة.

وقوفا عند الإعلان الملكي ل 4 يناير 2010 عن التوجه الجديد للجهوية المتقدمة التي أحدثت لها لجنة وطنية لتدارس إطارها ومضامينها وآلياتها،والتي وضعت تصورا جديدا للخريطة الجهوية واقترحت 12 جهة تأوي عددا أكبر من السكان وتغطي قسطا أوفر من التراب،وتضم من المقاطعات الإدارية (أقاليم وعمالات وأقاليم) ماهو أكثر.

كل هذا سنتعرض له من خلال مختلف هذه المحطات الرئيسية الثلاث

يتبع

Sunday, December 29, 2013

مصطلحات قانونية: اتحاد تعاهدي confédération d'état


اتحاد تعاهدي confédération d'état
اتفاق دولتين أو أكثر على انشاء اتحاد سياسي بينهما يقوم على أساس كل دولة عضو بشخصيتها القانونية خارجيا وداخليا بكل مايترثب على ذلك من اثار مع انشاء مجلس أو هيئة مشتركة،تمارس الاختصاصات المقررة في الاتفاقية المنشئة لاتحاد،كمجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي.

التعويض عن فقدان الشغل : شروط الإستفادة من التعويض


رفعا للإلتباس نُشير بداية أن التعويض عن فقدان الشغل المقصود بهذا المقال التعويض عن الشغل لأي سبب من الأسباب، بصرف النظر عن التعويض عن فقدان الشغل لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية

يُرتقب الإستفادة من هذا النظام الجديد إبتدا ء من يناير 2014 حيث سيستفيد الأجير الذي فقد عمله من تعويض يساوي 70 في المائة من الأجر المرجعي دون أن يفوق مبلغه الحد الأدنى للأجر لمدة ستة أشهر. كما يضمن له استمرارية الإستفادة من التغطية الصحية والتعويضات العائلية طيلة مدة التعويض

شروط الإستفادة من التعويض

1-أن يُراكم الأجير 270 يوم من العمل داخل فترة 12 شهرا الأخيرة ، أي مايعادل 10 أشهر المُصرح بها لدى صندوق الضمان الإجتماعي داخل 12 شهرا من فقدانه لعمله بالإضافة إلى 780 يوم من العمل خلال الثلاث سنوات الماضية

2-أن يكون الأجير قد فقد عمله بصفة لا إرادية ، مما يجب أن يُفهم أن إستقالة الأجير تحول وإستفادته من هذا النظام الجديد
من الأكيد أن مبدأ فقدان الشغل بطريقة لا إرادية سيطرح من الناحية العملية إستفهامات من قبيل هل يكون من حق الأجير الذي فقد عمله جراء غياب مستمر وغير مُبرر الحق في الإستفادة من التعويض عن الشغل

3-أن يكون الأجير نشِطاً في البحث عن عمل لذلك سيتعين على الأجير الذي فقد عمله للإستفادة من التعويض المذكور التسجيل بالوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاء ات لإقامة الدليل فيما يخص بحثة عن عمل

 نشير أن التسجيل بالوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاء ات  يروم مصاحبة الأجير الذي فقد عمله ببرامج للتكوين وإعادة تأهيله وتقوية فرص إعادة إدماجه في سوق الشغل

  مساهمة الأجير والمؤاجر المالية
على غرار إقتطاعات صندوق الضمان الإجتماعي يتأسس نظام التعويض عن فقدان الشغل على مساهمة مُزدوجة للأجير والمُؤاجر، وعليه تتحدد مساهمة الأجير في 0.19 بالمائة من الأجر المصرح به و 0.38 بالمائة كمساهمة من المُؤاجر

مجد رشيد
مدونة القانون المغربي
بتاريخ 25 دجنبر 2013

Wednesday, December 25, 2013

دراسة في القانون: دستورية الحكومة الحالية (1/2)


بعد انتظار طويل خرجت النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران إلى الوجود بعد استقبال ملكي يوم الخميس 10 أكتوبر 2013، وإصدار الظهير الشريف رقم 105-13-1 في 8 ذي الحجة 1434 ( 14 أكتوبر 2013) ، بتغيير الظهير الشريف رقم 01-12-1 الصادر في 9 صفر 1433 ( 3 يناير 2012) بتعيين أعضاء الحكومة ( جريدة رسمية عدد 6195). ولم تترك المعارضة البرلمانية فرصة افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية الحالية تمر، دون أن تحاول خلق وإثارة الحدث السياسي واهتمام الصحافة
 والمحللين الدستوريين، وذلك عن طريق إشهار ورقة «عدم دستورية» هذه الحكومة.

يتذكر الجميع أن «عدم الدستورية .....» من المطايا التي اعتادت المعارضة البرلمانية أن تركبها بدءا بالجلسة الساخنة التي عاشها مجلس النواب يوم انتخاب كريم غلاب رئيسا للغرفة الأولى، ومرورا بجلسات الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور وكيفية توزيع الوقت المخصص لها. ولما أعادت المعارضة الكرة الثلاثاء 15 أكتوبر2013 خلال جلسة  الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، وأثارت عدم دستورية الحكومة لعدم تنصيبها وفق المسطرة المنصوص عليها في الفصل 88 من الدستور، قبل أن تشارك بصفة طبيعية في وضع ومناقشة الأسئلة الموجهة إلى أعضاء الحكومة، اعتبر البعض أن الأمر مجرد مناورة سياسية جديدة تسعى من خلالها المعارضة إلى التذكير بوجودها، وأنه سيقف عند هذا الحد. 
إلا أن المعارضة بالغرفة الثانية التي لا تملك سلطة تنصيب الحكومة، اتخذت موقفا أكثر تشددا بانسحاب فرقها من حصة الأسئلة الشفوية لليوم نفسه.
ولم يشفع لهذه الحكومة ترؤس الملك لمجلس وزاري، مباشرة بعد خرجة المعارضة بالغرفتين. 
فالملك هو الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، والساهر على احترام الدستور، وهو بهذه الصفة في حياد تام تجاه الفاعلين السياسيين، وترؤسه لمجلس وزاري يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، فيه دلالة دستورية قاطعة إعمالا للفصل 42 من الدستور.  فقد شاهد الجميع كيف أن المعارضة في الغرفتين، المجتمعتين الأربعاء 23 أكتوبر بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014، قد أثارت مجددا الانتباه بشهر أعضائها ورقة  للتذكير بالفصل 88 من الدستور قبل أن تواصل الاستماع إلى عرض وزير المالية، وتلتحق في ما بعد بالقاعة المغربية لتتبع عرض الميزانية من لدن الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وكأن شيئا لم يكن.
إن موقف المعارضة من الحكومة، وما تولد عنه من نقاش، يثير الاهتمام السياسي والقانوني، ويقتضي المعالجة المسؤولة والصريحة من المنظورين معا.
والمساءلة السياسية موجهة إلى كل مكونات الأغلبية الجديدة، وبالخصوص حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرى البعض أنه في موقف غير مريح تجاه برنامج حكومي سبق له أن صوت ضده، وأصبح مطالبا بالدفاع عنه بعد دخوله إلى الحكومة. وبالتالي فإن الرد السياسي يجب في نظرنا أن تتولاه قيادات الأغلبية بخطاب موحد لا يترك المجال لأي لبس أو تباين في المواقف. وإن كان الحزب الوحيد الذي عبر عن موقف رسمي من تكوين الحكومة هو التقدم والاشتراكية الذي أصدر ديوانه السياسي المنعقد الاثنين 21 أكتوبر 2013 بلاغا اعتبر فيه أنه ثم احترام الدستور في ما يخص موضوع استكمال الشكليات المطلوبة لتنصيب الحكومة، ودعا إلى تقديم تصريح حكومي أمام البرلمان، يعقبه نقاش ولا يتلوه أي تصويت، فإن قيادات الأغلبية مطالبة بالاجتماع العاجل للرد بلسان واحد على موقف المعارضة من  « شرعية الحكومة، الدستورية».
وفي انتظار أن يتم ذلك خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن المناقشة الدستورية مفتوحة أمام الجميع، وهذه بادرة صحية، بغض النظر عن النوايا الدفينة، ستساهم لا محالة في التنزيل الديمقراطي للدستور الذي يقتضي مشاركة الجميع في ابتكار آليات هذا التنزيل. 
وتهدف هذه الورقة، المهيكلة حول أربعة محاور،  إلى تقديم  وجهة نظر شخصية من الميكانيزمات التي وضعها الدستور لمعالجة الموضوع، ونتمنى أن يتسع هذا النقاش القانوني ويشمل كل الآراء المساندة وغير المساندة لموقف المعارضة من الحكومة.
موقع رئيس الحكومة الدستوري
أول ملاحظة تثير الانتباه، أن جل المحللين تخطوا بسهولة الموقع الدستوري المتميز لرئيس الحكومة والذي من دون استحضاره لا يمكن الإلمام بكل معطيات الموضوع.
 فالفصل 47 من الدستور يستحق التمعن والتركيز، لأنه المؤسس  لموقع رئيس الحكومة، إذ بعد إعلان نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر تلك الانتخابات.
فالدستور إذن، يفرض تولية رئاسة الحكومة للحزب الذي يحتل الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
وبعد تعيين رئيس الحكومة، لا يمكن إعفاؤه شخصيا من مهامه، بل إن حالات الإعفاء تشمل الحكومة ككل وهي كالتالي:
- إذا لم تصوت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي الذي يقدمه رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، حسب مقتضيات الفصل 88 من الدستور، الذي سنعود إليه بالتفصيل، وفي هذه الحالة لا تعتبر الحكومة منصبة.
- إذا طلب رئيس الحكومة الثقة من مجلس النواب، ورفضها الأخير بالأغلبية المطلقة لأعضائه. ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية حسب مقتضيات الفصل 103 من الدستور.
- معارضة مجلس النواب في أن تواصل الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس للرقابة، يوقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وتصوت عليه الأغلبية المطلقة لأعضائه ( الفصل 105 من الدستور). هذا في ما يخص سلطة مجلس النواب في الإطاحة بالحكومة، والتي تقابلها الإمكانية التي يخولها الفصل 104 من الدستور لرئيس الحكومة بحل هذا المجلس، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، ولا يتم الحل إلا بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، مما يفيد أن سلطة الحل المخولة لرئيس الحكومة ليست مطلقة في هذا الباب، بل هي مقيدة بالحصول على موافقة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، والذي يتداول في الموضوع حسب ما يقتضيه الفصل 49 من الدستور.
أما إعفاء الملك لرئيس الحكومة، فإنه غير منصوص عليه في الدستور، ما عدا في حالتين نكتشفهما في الفصلين 47 و 59 وتؤديان معا إلى إعفاء الحكومة بكاملها:
- حالة الفصل 49 التي تقتضي أن يقدم رئيس الحكومة استقالة ويؤدي ذلك إلى إعفاء الحكومة بكاملها. 
- أما حالة الفصل 59 فإنها تندرج في إطار حالة الاستثناء التي يمكن للملك أن يعلنهـــــــا بظهير، إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث  ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، إذ في  كلتا الحالتين يُخَوَّلُ الملك صلاحيات اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. 
ولا يمكن للملك أن يمارس صلاحيات الفصل 59 لمواجهة ظروف استثنائية جدا، إلا بسلطة مطلقة للتقدير، كأن يعين رئيسا للحكومة من خارج الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية، إلا أن إعفاء رئيس الحكومة يؤدي حتى في هذه الحالة إلى إعفاء الحكومة بكاملها احتراما لروح الدستور.
وخلاصة القول إن الحكومة مرتبطة وجودا وعدما بوجود رئيسها.

بقلم:  ذ/ محمد بن عبد الصادق,  محام برلماني عن حزب العدالة والتنمية

Tuesday, December 17, 2013

دراسة في القانون: نظام بيع العقار في طور الإنجاز عديم الفعالية (1/3)


بقلم:  الدكتور محمد الباكير, أستاذ بكلية الحقوق بالدارالبيضاء
جريدة الصباح الأربعاء, 13 نوفمبر
عندما صدر القانون رقم 00-44 المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز، استبشر المهنيون، و في مقدمتهم رجال القانون، خيرا بما جاء فيه من مستجدات. ذلك أن المشرع قد سعى فيه، على ما بدا للجميع، إلى وضع إطار قانوني هام للمعاملات والعقود المبرمة بشأن العقارات التي مازالت في طور الإنجاز، قادر على توفير الحماية اللازمة لمصالح المستهلكين، سواء من خلال تجاوز سلبيات العقود المعروفة بتسمية «الوعد بالبيع»، أو من خلال تمكين المشترين من ضمانات معقولة مقابل ما يدفعونه من أموال.

Sunday, December 15, 2013

Saturday, December 14, 2013

دراسة في القانون: إعفاء النسخ العادية للأحكام القضائية من واجبات التمبر (1/3)

هذه الدراسة، وجهة نظر حول مدى إعفاء النسخ العادية للأحكام والقرارات القضائية من الرسوم القضائية على ضوء القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش – الغرفة الثانية –  بتاريخ 02/02/2012 تحت عدد 122 في الملف عـدد 642-5-2010 المضموم له الملف عدد 643-5-2010، الذي قضى بتأييد
 الحكم الابتدائي الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عدد 169 بتاريخ 22/ 6 / 2010 في ملف الإلغاء عدد 212/2009
القاضي بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك قانونا.

Saturday, October 26, 2013

قراءة في قرار المجلس الدستوري:حق المحامي في الحصول على نسخ من محاضر واجراءات التحقيق(1)

قراءة في قرار المجلس الدستوري:حق المحامي في الحصول على نسخ من محاضر واجراءات التحقيق(1)
بقلم د: عبد الرحمان اللمتوني
جريدة الصحراء المغربية 23 أكتوبر  2013 عدد 8608
انقر على الصورة للتكبير

صندوق المقاصة، حاجز أمام التشغيل

Challenge N° 437du 27 septembre 3 octobre 2013

مذكرة مرجعية حول المقايسة لمواجهة الاثار السلبية لتقلبات أسعار المواد البترولية

مشروع قانون المالية لسنة 2014

Thursday, October 17, 2013

التقطيع الانتخابي بالمغرب بين المنظور القانوني.. والفعل السياسي

يشكل التقطيع الانتخابي أهمية مركزية في رسم السياسات الانتخابية في إطار الآنظمة الانتخابية الديمقراطية والتنافسية حيث يتحول إلى أداة لمنح مختلف المرشحين حظوظا متساوية للفوز بمقاعد البرلمان أو المؤسسات المحلية المنتخبة. فالأمر هنا لا يتعلق بمسألة شكلية ؛ بل بعامل أساسي في توجيه الانتخابات؛ فهو آلية سياسية قبل أن يكون آلية تقنية لذلك يعد من العوامل الأساسية ا

Sunday, October 13, 2013

دراسة في القانون: المحاماة ما بين نتائج الحوار والتجاذبات التفاعلية

شكل إصلاح منظومة العدالة عبر زمن التدبير الحكومي في الماضي، أولوية صعبة المناولة أو الاقتراب الكامل والشامل على مر مشاريع واهتمامات الحكومات المتعاقبة بالمغرب، نظرا لتداخل واجب ومصلحة المواطن باعتباره متقاضيا واقعيا أو احتماليا، وهو المنسوب إليه التشكي الدائم ورفع شعار انعدام ثقته في العدالة وجزمه القاطع باهتزازها مرة تلو الأخرى، مع متطلبات الحقوقي والسياسي وحقوق وطلبات القاضي بتحسين وضعيته والاهتمام بظروف عمله وبمناخ إنتاجه القضائي، والعنصر البشري بالمحاكم، والقوانين المتحكمة في مسار النزاعات والحقوق، بالإضافة إلى مطالبات الممتهنين للمهن القضائية وعلى رأسهم المحامين.



سجل في المغرب، ولأول مرة في تاريخه توفقه في بلورة خريطة طريق متعلقة بإصلاح منظومة العدالة، جاءت نتيجة حوار وطني كلل بالميثاق المعلن عن مضمونه وتوصياته وآليات تنفيذها من قبل وزير العدل والحريات، الخميس 12 شتنبر الماضي وذلك بعد 41 اجتماعا على  مستوى الهيأة العليا للحوار و11 ندوة جهوية خطت الخريطة القضائية للمملكة واستشارة كتابية همت 111 هيأة مهنية ومنظمة بالإضافة إلى 104 ندوات مواكبة على صعيد محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وخلال مدة زمنية قاربت السنة.
ومن أهم ما أبرزه الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة والميثاق المتصل به،  والذي جاء نتيجة لعدة جولات استماع والبوح الجماعي بكل حرية، ودون رقابة أو شرط لكل الفاعلين في القطاع و المسؤولين القضائيين وبعد التركيز على الانتقادات الموجهة إلى العدالة المغربية، سواء التي تخص البطء في البت أو جودة الأحكام أو البعد عن المتقاضين أو تكلفة التقاضي أو ضعف البنايات والتجهيز وتراكم الملفات غير المنفذة وآفة التبليغ وتجهيز الملفات ومطالبة المواطنين بالأمن القضائي  وتسهيل ولوجهم للعدالة، فإن مهنة المحاماة باعتبارها الفاعل الأساسي في منظومة العدالة شملها مشروع الإصلاح بشكل مباشر وواضح سواء في التشخيص العام للوضع القضائي بالمغرب ولم يستثنها ميثاق إصلاح منظومة العدالة من توصياته، التي وضعتها موضع الجد في الأولويات بشكل خلف ردود فعل إيجابية من جهة بخصوص البعض منها ومن جهة أخرى ردودا منتقدة للميثاق برمته ورافضة له.  وحسب وجهة نظرنا، فإن هذا التجاذب يرجع أساسه إلى الغيرة على قطاع العدالة أولا، وحبا في مهنة المحاماة التي نشأت حرة وقدمت للإنسانية عبر التاريخ أدوارا، يصعب جمعها أو حصرها بشكل كلي، ولكن يمكن إجمالها في أنها أسعدت الإنسان المظلوم، وأنصفته وثبتت حقه في العدل والمساواة والاحتكام للقانون.
وبالرغم من الانتقادات الموجهة للمحامي، سواء فردا أو لإطاره الهيكلي كهيأة، فإن كل هذا جاء نتيجة طبيعية لعطائه الميداني طيلة سنين من الممارسة، وجاء نتيجة لأهمية دوره في العدالة والرهان المعمول عليه بشكل أساسي لرفع قاطرة الإصلاح وتنزيل مضامين الميثاق وتوصياته، سواء كانت هذه الانتقادات مبنية على وقائع وحقائق أو كانت ادعاءات وتحاملات، لا تخلو من استفزاز ايجابي له ومفيد للمهنة والعدالة والمواطن.
لذا وانطلاقا من أن المحامي الناجح هو الحامل هبة الشجاعة وهي صفة جميلة من صفات الشهامة ومن مميزات الشخصية الاستثنائية التي ينفرد بها المحامي دون باقي المهن الحرة الأخرى، شخصا غير عاد يتحدى الواقع والصعاب من أجل نصرة الحق.
فمهنة المحاماة تربي في شخص المحامي كيف يتخذ قراراته في الدفاع بكل اطمئنان وشجاعة في الحسم والقول والفعل انطلاقا من وضعية المهمة الموكولة إليه، فالمحامي ليس بالخصم الحقيقي لأي نزاع وليس بطرف من أطرافه، وإنما هو وكيل يتولى مهمة محددة غايته هي الدفاع عن مصالح وحقوق موكله بكل أدب ووفق الأعراف والتقاليد المهنية التي ترعرع ونشأ فيها، ولعمري هي قيم وقواعد أخلاقية متكاملة وشامخة الجلالة والقدر بما يكفي للدفع به معنويا لتحقيق نبل رسالته الإنسانية والاجتماعية وكفيلة بنصرته لحقوقه البسيطة والعادلة تحمي مركزه في منظومة العدالة وتقر بعطاءاته وضمانات استقلاليته التي لا تقبل كالطير الحر أي قيد أو عقل.
وانطلاقا من أن أي عمل بشري لا يخلو من نواقص ولا يستثنى من الانتقادات، كيفما كانت نتائجه وأفكاره وإبداعات مقترحاته وتوصياته، مما يجعل ميثاق منظومة العدالة باعتباره نتاج عقل بشري من زمرة العمل القابل للنقد والانتقاد وفي الآن نفسه، لا يستقيم منطق الواقع أن تتنكر لمكتسباته إن لم تكن في الكل، فلا يمكن أن تحرمه ولو من جزء منه ولعله الاتفاق الكامل والشامل من جميع المشاركين والمعارضين لمسار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة وهو: " أن العدالة من حيث الواقع المغربي ليست بخير".
لذا فإن مهنة المحامي، المهنة النبيلة، الجميلة، الإنسانية المنشأ والهدف، بحاجة إلى من يحيطها بعناية الحب والغيرة والوفاء ويبعدها عن أي حسابات ضيقة سياسية أو ذاتية أو غير مفهومة من أي طرف كان، مع العلم أن كل من يتجاذب حولها اليوم هم أبناء الدار وأمل القواعد والشباب من المحامين في فجر يوم جديد لمهنتهم، يكون كفيلا يشحن هممهم ويقوي عزيمتهم في الاستمرارية و العطاء.
و نظرا لصعوبة ومغامرة تناول هذا الموضوع في ظل هذا الجو المشحون، ما بين طرفي موكول إليهما إلى حد كبير، ضبط معادلة مهنة المحاماة انطلاقا من إيماننا بالمؤسسات ودورها في التأطير والتدبير والدفاع والحفاظ على المكتسبات، فإننا لم نجد سوى طرح بعض الأسئلة الإنكارية كتمهيد لفتح النقاش حول مهنة المحاماة وواقع التجاذبات على ضوء توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة وبشكل مجرد ونابع من رأي ذاتي وشخصي مستمد من قيم المهنة وضريبة اختيار الانتماء إليها وقسمها.
- هل المحامون ضد إصلاح منظومة العدالة؟
- هل المحامي لا يريد مصلحة بلاده و وطنه و يفضل عليها مصلحته الذاتية؟
- هل المحامون بالمغرب لم يقدموا مقترحات و مطالب طوال جولات الحوار؟
- هل الدولة وفية بالتزاماتها تجاه المحامين المزاولين للمساعدة القضائية بالمجان لمدة عقود من الزمن؟
- هل جمعية هيآت المحامين بالمغرب لم تشارك ولم تقدم أي مقترحات تخص إصلاح منظومة العدالة؟
- هل المحاماة بخير وفي رتبة مشرفة مجتمعيا وقطاعيا؟
- هل وزير العدل والحريات قدم بصفتيه الحكومية والمهنية لزملائه ما يطمئنهم على حالة مهنتهم؟
- هل تمثيلية المحامي على مستوى الهيآت الوطنية نزيهة ومقنعة وقادرة على خلخلة الواقع المهني المتناقض والجامد التفاعل مع ما هو منتظر من دوره أخلاقيا ووطنيا واجتماعيا وقطاعيا ؟
- هل المواطن يمكن له أو يستطيع الاستغناء على خدمات المحامي؟
- هل مواقف المحامين مهنية محضة أم تزينها أهداف سياسية من الباطن؟
- هل السيد وزير العدل والحريات يؤمن بالرأي المخالف، ويقبل بالحوار الهادئ وبدون شروط لإصلاح الواقع المهني هرما وقواعد؟
- هل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة لا تحمل أي أفكار تساهم في الرقي  بمهنة المحاماة؟
- هل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة حد أقصى لا يمكن التفكير في ما هو أفضل وأحسن منها و بلورته فيما تبقى من مناقشات مجتمعية؟

بقلم:  مصطفى يخلف, محام بهيأة أكادير ورئيس جمعية حوار

دراسة في القانون: المحاماة وميثاق إصلاح منظومة العدالة (الحلقة الأولى)

كثر الحديث عن ميثاق إصلاح منظومة العدالة وحظ مهنة المحاماة منه، وتباينت آراء أهل الشأن حول الموضوع، وباستثناء
مهندس الميثاق ونقيب سابق بهيأة المحامين بالجديدة وبعض المنتمين إلى حزب "المصباح"، فإن الكل أجمع على
أن الميثاق وما تضمنه من توصيات لم تقدم للمهنة إلا الفتات مقابل سيل من التراجعات.

اختزلت عقلية مهندس الميثاق إصلاح المحاماة خلافا لباقي مكونات العدالة في مقاربة تخليقية، مع إغفال أهمية الربط بين التخليق كهدف وغاية مع باقي المداخل الأخرى لإصلاح وتم تغييب تهم رؤى الإصلاح والتي تنبني على المقاربة التأهيلية والتطويرية مهنة المحاماة كباقي مكونات منظومة العدالة وتم تسجيل تراجعات خطيرة عن ثوابت ومكتسبات لطالما ناضل من أجلها المحامون.
فبعد أن جعل الميثاق من استقلال السلطة القضائية هدفا رئيسيا أولا له، جعل من توطيد خضوع مهنة المحاماة والتطاول على استقلالها هدفا رئيسيا له كذلك كما سيأتي بيانه.
في الجزء الثاني المعنون بالرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة، فإن أعضاء الهيأة العليا للحوار الوطني يقترحون على وجه الخصوص التوجهات الجوهرية التالية :
" مراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها، وكذا توطيد خضوعها، ولوجا وتنظيما وتيسيرا لمبادئ المنافسة والمسؤولية والمساواة أمام القانون، بما يخدم المصلحة العامة".
إن جملة (توطيد خضوعها) تحمل الكثير وتبين ما يضمره واضعو الميثاق للمهن القضائية والقانونية خاصة مهنة المحاماة، وخضوع المهنة ولوجا لمبادئ المنافسة يحمل بصمة عبد العالي بنعمور، رئيس مجلس المنافسة وتقريره حول المهنة والذي عجز عن طرحه ونشره، وهو المنظور الذي اقترح فيه فتح ولوج مهنة المحاماة على مصراعيه أمام من هب ودب، بغض النظر عن سنه، وطبيعة تكوينه، لإغراق المهنة مع ما سينتج عن ذلك من مشاكل جمة تناقض الإصلاح الذي تم تعينه عضوا في هيأته العليا.
وفي الوقت الذي أوصى المؤتمر العام الثامن والعشرون لجمعية هيآت المحامين بالمغرب بالتأكيد على ضرورة تقنين احتكار مهنة الدفاع، وتمثيل الأطراف أمام المحاكم، مع دعوة مكتب الجمعية ووزارة العدل والحريات للقيام بكل الإجراءات الضرورية لمراقبة وضبط ممارسات مكاتب الاستشارة وشركات التحصيل وإعمال المقتضيـــات القانونية بشأنها، وفي الوقت الذي أوصت المذكرة المقدمة من قبل  جمعية هيآت المحامين بالمغرب في إطار إصلاح منظومة العدالة، بتوسيع دائرة احتكار المهنة بما يساعد المحامي في الخروج من المحاكم إلى فضاءات الأعمال والخدمات وإلزام الدولة والإدارات العمومية وشبه العمومية والشركات بتوفرها على محام مستشار، نجد أن الميثاق لم يستجب لأي من هذه المطالب، بل على العكس من ذلك سعى إلى تقليص مجالات عمل وتدخل المحامي من خلال ما يلي :
- التنصيص في التوصية 105 على توسيع اختصاصات قضاء القرب بالرفع من اختصاصه القيمي وتمكينه من البت في بعض الجنح، وبداهة فإن كل توسيع لاختصاص قاضي القرب يقابله تقليص لمجال احتكار المهنة لأن المسطرة أمام أقسام قضاء القرب شفوية ومجانية بموجب المادة السادسة من القانون رقم 42.10 المنظم لقضاء القرب، كما أن الدعوى ترفع إلى قاضي القرب إما بمقال مكتوب أو بتصريح شفوي يتلقاه كاتب الضبط ويدونه في محضر وفق نموذج معد لهذه الغاية ويوقعه مع الطالب عملا بالمادة 11 من القانون المذكور، وبالتالي فهذه التوصية عند إقرارها ستفوت على معشر المحاميات والمحامين فرصة تمثيل الأطراف في سيل من القضايا والنزاعات وفي المقابل ستستفيد منه الشركات والمؤسسات الكبرى.
-إفراد الميثاق حيزا مهما لتشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات وأوصى بتشجيع اللجوء إلى الوساطة والصلح والتحكيم، لحل المنازعات وجعل الوساطة إلزامية في بعض القضايا وتعزيز دور القضاء بشأن تشجيع اللجوء إلى الوساطة، وأسهب في تفصيل الإجراءات الكفيلة بتفعيل هذه التوصيات، إذ نص على وضع مقتضيات قانونية كفيلة بتشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات، وتنظيم ندوات للتكوين في مجالات الوسائل البديلة لحل النزاعات، وتنظيم لقاءات ومنتديات لتحسيس الفاعلين الاقتصاديين، سيما غرف الصناعة والتجارة والمقاولات الصغرى والمتوسطة بأهمية اعتماد بدائل فض المنازعات، وأوصى بدعم مراكز الوساطة والتحكيم، ومراجعة قانون المسطرة المدنية بشأن أحكام الوساطة الاتفاقية، وذلك بما يفرض إلزامية الوساطة قبل عرض النزاع على القضاء.
-أوصى الميثاق بمأسسة الوساطة الأسرية بقضاء الأسرة، مؤكدا على ضرورة تفعيل آليات الصلح والوساطة الأسرية في المنازعات المرتبطة بالأسرة وتوفير الفضاءات اللازمة لإجراء الصلح والوساطة بأقسام قضاء الأسرة وتكوين أطر المساعدة الاجتماعية على مهارات الصلح، هذا غيض من فيض ولا أدري ما الذي بقي لكم معشر المحاميات والمحامين عندما يسلب منكم من القضايا ما هو من اختصاص قاضي القرب، وعندما يبقى لكم ما استعصى على الوسائل البديلة لحل النزاعات في مادتي الأسرة والأعمال ؟؟؟.
- مهندس الميثاق أشار في ديباجته إلى أن أعضاء الهيأة لاحظوا وجود ضعف في الوضعية المادية للعديد من العاملين في الحقل القضائي وغياب وسائل حقيقية لتحفيزهم وتم اقتراح آليات لتحسين وضعية العاملين في الحقل المذكور إلا المنتسبين إلى مهنــــة المحاماة، رغم أن المادة الأولى من القانون المنظم لها تنص على أن المحاماة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء ويكون بذلك مهندس الميثاق أدار ظهره لمطالب المحاميات والمحامين بخصوص احتكار المهنة وتوسيع مجال الاحتكار المذكور، خاصة أن ذلك هو المدخل الحقيقي لإصلاح مهنة المحاماة وتحسين وضعية المنتسبين إليها غير أن تأهيل مهنة المحاماة وتحسين وضعية المنتسبين إليها ليست من اهتمامات مهندس الميثاق.

بقلم:  الأستاذ محمد صباري,  هيأة المحامين بمراكش

Thursday, September 26, 2013

دراسة في القانون: ولوج المرأة مهنة التوثيق العدلي (2/2)

لا يجوز تجـــــــاهل الدور الرائد للمرأة في المجتمع، ويجب إنزالها مكانتهــــــــا اللائقة بها، والنساء شقائق الرجال في الأحكام، والمرأة والرجل هما جناحا المجتمع يحلق بهما في أجواء وآفـــــاق الحياة كيف شـاء، في مناخ تسوده الطمأنينة والاستقـــرار، يؤديــــــان معا رسالتهما النبيلة التي تكفل للمجتمع تقدمه، ونمـــــــاءه و ازدهاره.

وتســـــــاءل الدكتور رضوان بنصابر: هل عدم اشتراط الفقهاء لشرط الذكورة جاء من باب أنه لم تكن مطروحة إشكالية ولوج المرأة لمهنة الموثق العدل، وأن الفقهاء اعتبروا شرط الذكورة أمرا بديهيــــــــا لا ضرورة للتنصيص عليه، تبعا للواقع الاجتماعي الذي كان يعيشه المسلمون ؟ أم أن سردهم لدقائق الشروط في العدل الموثق، وإغفــــــالهم لشرط الذكورة أمر مقصود غايته الإباحة ؟ ( من أشغال الندوة العلمية المنظمة من قبل مسلك القانون الخاص بالكلية متعددة التخصصـــــــات بتـــــازة يومي : 24 و25 أبريـــــل 2008 ) .
ومنهم من جعل اقتصـــــار هذه المهنة على الرجال وحدهم مرتبطا بظروف اجتمــــــاعية وذاتية، وبالمحيط الاجتماعي والثقـــــافي الموروث، لأن هذه المهنة وعبر التــاريخ، كانت تمــــــارس من قبل الرجـــال فقط ! ومنهم من حصره في الجــــــانب الفقهــي، وأن شهــــــادة النســـاء لا تقبل إلا فـــي ميـــــــــادين خــــــاصة.
وهذا التوجه الفقهي هو الآخر لم يسلم من كثرة الآراء والتوجهــــات بين الفقهـــــــاء، فمنهم من ذهب إلى قبـــــــــول شهــــــــادة المرأة في الطـــــلاق والزواج والمـــــــال، وعدم قبولهـــــا في الحدود والقصاص( الإمام أبو حنيفة)، ومنهم من اعتبر شهادتهـــــا لا تجوز مع الرجـــــال في غير الأموال (الشــافعية)،
ومنهم من قبل شهادتهـــــــا في كل الحقــــــوق (علمـــــاء الظــاهرية)،
ومنهم من قبل شهادتهـــــــا في المــــــال وما يؤول إليه فقط (المـــالكية).
واختلف كذلك في شهادة المرأة هل تصح مع الرجل، أو منفردات، واختلف في العدد، وهل يشترط في قبول الشهادة العدد أم لا – رجل وامرأتان -، إلى غير ذلك من الخلافات والاجتهادات التي لم يحصل بشأنها إجماع، أو نص صريح كاف وشاف، «....نذكر أن فقهاء الشريعة عامة، وفقهاء المذهب المالكي خاصة، لم يفرقوا في شهادة المرأة بين أن تكون شهادتها مكتوبة في وثيقة مع أدائها، وبين أن تكون مؤداة بلسانهــــــــا أمام القاضي دون كتاب، كما أنهم لم يفرقــــوا في ذلك بين أن تكــون المرأة منتصبة للإشهــــــاد، وبين أن تكون غير ذلك، وجاءت مواقفهم من شهادة المرأة مختلفة على أكثر من صعيــــــــد»، من كتــــاب (الوجيز في شرح القـــــــانون المتعلق بخطة العدالة ص : 20 للدكتـــــــور العلمي الحـــراق).
وعلى كل حال فاختلاف أمتي رحمة كما قال صلى الله عليه وسلم، والشريعة صـــالحة لكل زمان ومكان، وليس هناك ما يمنع الآن من قبــــــول المرأة المغربية ولوج وممـــارسة التوثيق العدلي، ونطالب بقبول إدماجها في هذه المؤسسة إلى جانب الرجل، وأن تقتحم هذا الميدان، لتساهم فيه بعطائها وجهدها ومهارتها، بالرغم من إشفاقنـــا عليها منه – فالمهنة مهنة المشـــــاق بامتياز – ، إذ أن الســـــــادة العدول يقدمون في عملهم ثلاث وســـائل إثباتية وهي : الشهـــــادة والكتــــــابة واليمين فـــــــي آن واحــــــد، ومـن الأكيد أن يكون وجود المرأة بهذه المؤسسة قيمة مضافة لهــــــا، وأن تســــاهم بقوة في الارتقـــــــاء بها نحو الأفضل وفي الرفع من مستواها، إلى تلك المكــــانة الســـامية المتألقة، التـي نتطلع إليها، ويرتضيهــــــا الجميع، تحقيقـــا للغايات النبيلة المتوخــاة منهـــــا باعتبارهــــــا من المهن الحــرة القضــــــائية، والفـــــاعلة في النسيــــــج القضـــــائي .
وعلينا مواكبة المستجدات وكل تغيير يعــايشه المجتمع، وهو حق من حقوقهــــــا يندرج في إطار النهوض بأوضاعها، والقفز على المنظور التقليدي القديم في حق المــــرأة، الذي لم يبق له مكــــــان ولم يعد يســــــاير الركب الحضـــــاري الحالي وبعض مظاهر التمييز فــــي حق المرأة، كانت سببـــــــــا في إقصائها وتهميشهــــــا .
وعلى هذا الأساس وبما أن المشرع سكت عن تحديـــــــد جنــس المترشح ذكرا أو أنثى لممارسة هذه المهنة، ولم يعرض إلى ذلك لا في الظهير الســـــــابق المؤرخ بتاريخ : 06 ماي 1982 المنظم للمهنة، ولا في المرسوم الصادر بتـــــــاريخ : 18 أبريل 1983 المتعلق بتعيين العدول والمراقبة ولا في القــــــانون الحالي، فليس هنـــــاك ما يمنع من ولـــــوج المـــرأة المغربية المتوفـــــرة على الشــــــروط المطلوبـــــة أن تمـــــــارس مهنة التوثيق العدلـــــــي، اعتمادا في ذلك كمــا سبق القول على تفعيل الفصل 19 من الدستور الذي ينص على أن جميع المغــــــــاربة سواسيـة أمام القــانون، وهو تأكيـد صريح كذلك لمقتضيـات الفصل الخــامس من الدستور الســــابق .
إن الكفـــــــاءة المتميزة للمرأة وتفوقها الواضح في كل المهن التي تمــارسها لا ينكرها أحد، وقد مـــارست مهامهـــــا بمسؤولية كبيرة وكفــــــــاءة واقتــــدار، وأعطت النتـــــائج المرجوة، وأدت رســالتها بنجــــــاح ومهــــــارة ومسؤوليــــة .
وإن فسح المجـــــال لها لولــــوج مؤسسة التوثيق العدلي والممـــــارسة الفعلية لهذه المهنة، هو توجه منطقي وسليم، يمكن اعتباره استكمــــالا للورش الهـــام المتعلق بإصلاح منظومة العدالة،  وفي إطار تحديث المهنة وتطويرها حتى تكون مواكبة لكل التطلعات، مواكبة للعصر، ومسايرة لتحديات المستقبل. وهذا من شأنه كذلك أن يكون إنصافا جوهريا لها، سيما أنها تعد من المهن التي تجسد رمزا حضاريا أساسيا بالبلاد، وينسجم هذا التوجه والانخراط الصريــح والصحيح فـي الميثـــــاق الوطنــي الاجتمـــــاعي الرائــد في المنـــاصفة والمســـاواة وتكريــــــم المرأة، الذي دعـــــــــا إليه الملك محمد السادس، وتجسيــدا لإرادته في العنـاية بالمــرأة والسمو بمكانتهــــــا داخل المجتمع.

بقلم: مـحمد ساسيوي, رئيس المجلس الجهوي لعدول
النـائب الأول لرئيس الهيأة الوطنيـة للعدول
جريدة الصباح  الأربعاء, 18 سبتمبر 2013

Friday, September 20, 2013

دراسة في القانون: الفحص الطبي المضاد في مدونة الشغل (1/3)

إذا كانت الاعتبارات والتوازنات المالية تشكل الوازع الأساسي في سن المراقبة الطبية بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بخصوص المرض غير المهني، 
وبالنسبة إلى شركات التأمين بخصوص المرض المهني، فإنه من دواعي الاستغراب أن يتقرر إخضاع الأجير المريض للفحص الطبي المضاد في إطار المرض 
غير المهني من طرف المشغل لأنه لا يتكفل مباشرة بدفع تعويضات يومية.

قرن المشرع الفرنسي فقد قرن وعلى صواب، حق المشغل في المراقبة

دراسة في القانون: ولوج المرأة مهنة التوثيق العدلي (1/2)

لا يجوز تجـــــــاهل الدور الرائد للمرأة في المجتمع، ويجب إنزالها مكانتهــــــــا اللائقة بها، والنساء شقائق الرجال في الأحكام، والمرأة والرجل هما جناحا المجتمع يحلق بهما في أجواء وآفـــــاق الحياة كيف شـاء، في مناخ تسوده الطمأنينة والاستقـــرار، يؤديــــــان معا رسالتهما النبيلة التي تكفل للمجتمع تقدمه، ونمـــــــاءه و ازدهاره.

كفل الإسلام للمرأة كل الحقوق، وكرمها وشرفها واحتفى بها، وجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبـــــات، تدل على هذا الكثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة: «فاطمة بضعة مني، يسوؤني مـــا يسوؤها، ويسرني ما يسرهــــــا»،  من كلام الرســــول صلــــــى الله عليــــه وسلم عـــن ابنته فــــــاطمة رضي الله عنهـــــا، وقولــــه عليه السلام « مــــــا أكرم المرأة

Thursday, September 12, 2013

Charte de La Réforme du Système Judiciaire

النص الكامل لميثاق إصلاح منظومة العدالة

إعلان : لقاء تواصلي لتقديم مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة‎

إعــلان على إثر تفضل جلالة الملك، حفظه الله، بإعطاء موافقته السامية على ميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي كان ثمرة حوار وطني موسع ساهمت فيه جميع الفئات المعنية بمنظومة العدالة، تعلن وزارة العدل والحريات أنها ستعقد لقاءا تواصليا بحضور السيد رئيس الحكومة وكافة المسؤولين والفعاليات المعنية، لتقديم مضامين الميثاق المذكور، وذلك يوم الخميس 12 سبتمبر 2013 على الساعة السادسة مساء بقاعة الندوات بنادي بنك المغرب الكائن قرب الحي الجامعي الدولي بحي الرياض بالرباط.

كما سيعقد وزير العدل والحريات ندوة صحفية عقب اختتام أشغال هذا اللقاء.
المصدر: موقع وزارة العدل


Sunday, September 08, 2013

دراسة في القانون: الإجراءات الجنائية بين السرية والعلنية (1/3)

من المؤكد أن سرية الإجراءات الجنائية بشكل عام ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف تتعلق بالمصلحة العامة، منها على الخصوص ضمان فعالية ما تقوم به الضابطة القضائية من مهام وإجراءات وتحريات أثناء البحث التمهيدي لـ: “التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والبحث عن مرتكبيها – المادة: 18 من ق.م.ج – وكذلك الأمر بالنسبة
 إلى المجهودات التي يبذلها «قاضي التحقيق» في ما يتعلق بتحديد هوية المتهم وجمع أدلة المتابعة... إذا كان الغرض من السرية -كما سبق- هو ضمان الفعالية لما ذكر، فإن العلنية بعكس ذلك – في مرحلتي البحث والتحقيق – يمكن أن تضر  - بل قد تضر فعلا – بالسير العادي للإجراءات في هاتين المرحلتين، وقد تفرغ مجمهودات المكلفين من أي معنى فالعلنية قد تساعد المشبوه فيه على الفرار من وجه العدالة أو قد يعمد – هذا المشتبه فيه – الى العبث بوسائل الإثبات التي قد تكون ضده إما بالتأثير على الشهود أو بإخفاء وتبديد أدلة الجريمة وأدواتها الخ...
ثم إن التناول العلني لقضايا الإجرام بشكل مثير قد يؤثر على عقيدة المحقق، ومبادئه وحتى على شهود القضية وعلى السير الطبيعي للمحاكم منذ البداية، الأمر الذي قد يشكل مسا خطيرا بمبدأ المحاكمة العادلة وبقرينة البراءة على الخصوص. لذلك تبدو السرية هنا في مصلحة المتهم نفسه إذ قد تضمن له وجود محقق محايد وقاض محايد كذلك.
أيضا يمكن لعلنية إجراءات البحث والتحقيق – أن تضر بسمعة المشتبه فيه والمتهم في محيطهما الخاص – الوسط العائلي والمهني – علاوة على الآثار النفسية السلبية لتلك العلنية، السرية في بعض التشريعات: ويستفاد من تاريخ فكرة «سرية إجراءات الجنائية» إنها لم تكن تلقي بالا لحقوق المتهم في الدفاع عن حقه: فلا يحق له حضور الإجراءات أو الاطلاع على أوراق القضية هو ودفاعه التي تظل مطبوعة بالسرية إلى أن يتم فصل مسطرة البحث والتحقيق عن مسطرة المحاكمة التي تطبعها العلنية،
وإذا كانت بعض التشريعات قد أخذت بهذا الاختيار الأخير – المغربي، المصري، الفرنسي – سرية إجراءات البحث والتحقيق وعلنية المحاكمة – فإن القانون الأمريكي على العكس من ذلك قد أجاز للمحقق عقد جلسات علنية للتحقيق كما هو الشأن بالنسبة إلى الرقابة على أعمال القضاة في الجلسات العمومية التي تكون عادة علنية، بل للمحقق في هذا النظام أن ينجز تقريرا حول الموضوع يوزعه على الصحافة، خاصة في قضايا الموظفين العموميين نظرا لأهميتها بالنسبة للرأي العام بشرط توفر أدلة كافية على المتابعة وذلك لوضع حد لما قد يتولد عن السرية من شائعات تختلف في إخراجها وانتقائيتها والتي من شأنها -بالتأكيد – الأضرار بحياة المشتبه فيه – الخاصة والعامة – كما يمكن لها أن تربك سير العدالة في بحثها عن حقيقة الأمور.
وربما لذلك شكل اختراق مبدأ سرية اجراءات البحث والتحقيق جنحة يعاقب عليها القانون، علاوة على المسؤولية التأديبية التي مكن أن تثار في مواجهة مأمور الضابطة القضائية والمحقق وكذا المحامي وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم في حالة الإفشاء الثابت.
نطاق السرية: والسرية إما أن تكون في مواجهة الغير، وهي السرية الخارجية وإما أن تكون إزاء الأطراف وهي في هذه الحالة سرية داخلية لا يجود في إطارها الاطلاع على الإجراءات حتى بالنسبة إلى أطراف المسطرة.
وتنتهي السرية – بطبيعة الحال – بانتهاء البحث والتحقيق إما بقرار حفظ المسطرة أو بصدور قرارب عدم المتابعة لكن فقط في ما يتعلق بما ورد في المحاضر وله علاقة بموضوع البحث والتحقيق.
ونعتقد، أنه لا يمكن لا للوكيل العام ولا لغيره ولا لقاضي التحقيق أن يتحدث بشكل علني عن قضايا مازالت في طور البحث والتحقيق.
هذا، وقد لا تنتهي السرية بما ذكر من قرارات بل قد تبقى مستمرة خاصة متى تعلق الأمر بمعلومات لا علاقة لها بموضوع البحث والتحقيق ولا تدون بالمحاضر بطبيعة الحال، كما إذا اكتشف الضابط أو المحقق وجود علاقة غير شرعية بين المتشتبه فيه وبين زوجة شخص آخر.
إن مثل هذه المعلومات تبقى سرية ولو بعد انتهاء البحث والتحقيق بصدور قرار بحفظ القضية أو بعدم المتابعة أو حتى بإحالة القضية على المحكمة حيث يسود مبدأ العلنية بل إن هذه السرية تبقى مستمرة إلى ما لا نهاية.
وحتى في مصر التي يسمح نظامها للنائب العام بعقد ندوة صحافية في بعض القضايا بعد انتهاء التحقيق فيها، فإنه هذه الإباحة لا تخالف مبدأ السرية طالما أن عقد تلك الندوة لا يتم إلا بعد صدور قرار إحالة المتهمين على المحاكمة العلنية ما لم ينص القانون على استمرار الالتزام بالسرية ولو بعد تلك الاحالة.
وإذا كان قرار الحفظ وقرار عدم المتابعة لا يطالهما مبدأ السرية باعتبارهما من الأعمال القضائية بشكل عام فإن نتائج البحث والتحقيق وما تم كشفه في هاتين المرحلتين من وقائع وإمكان نسبة وقائع أخرى الى المشتبه فيهم يبقى مشمولا بالسرية بصدور القرارين المذكورين.
السرية إما داخلية أو خارجية:
إن السرية بشكل عام إما أن تكون داخلية تطول حق الأطراف أنفسهم وإما أن تكون خارجية لا يسمح فيها لأي كان بالاطلاع على الأوراق والمستندات أو بالحضور لإجراءات البحث.
مما لا شك فيه أن البحث والتحقيق الذي تقوم به الضابطة القضائي يبقى مشمولا بالسرية الى حين احالة القضية على المحكمة في جلستها العلنية،
ونرى أن هذه السرية في القانون المغربي هي سرية داخلية أي أن الاطلاع على محاضر البحث قبل عرض القضية على المحكمة غير مسموح به للمشتبه فيه  وكذلك الأمر بالنسبة لمحاميه مادام أنه غير مسموح به للمشتبه فيه وكذلك الأمر بالنسبة لمحاميه مادام أنه غير مسموح له بالحضور الى جانب موكله في تلك المرحلة – البحث التمهيدي_.
إن الاتصال بين المحامي وموكله الموضوع تحت الحراسة النظرية ممكن أن يتم بترخيص من النيابة العامة ابتداء من الساعة الأولى من فترة تحديد الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل بسرية المقابلة، وعليه على المحامي إخبار أي كان بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية حسبما تنص عليه المادة: 80 من م. ج – الباب الثاني تحت عنوان البحث التمهيدي من القسم الثاني تحت عنوان: «اجراءات البحث»، ويتأكد هذا المقتضى في القانون المغربي من خلال مقتضيات المادة: 15 التي تنص على ما يلي: “تكون المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق سرية، كل شخص يساهم في اجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي»، ذلك أن هذا النص لا يسمح للمشتبه فيه بالاطلاع على محاضر البحث باستثناء تصريحاته، كما لا يسمح لمحاميه بحضور اجراءات البحث التمهيدي إلا في حدود ما تنص عليه المادتان: 80 و66 من ق.م.ج.

بقلم:محمد بولمان, محام بهيأة مراكش
جريدة الصباح الخميس, 29 أغسطس 2013

دراسة في القانون: رقابة القضاء على أعمال هيآت النوظمة (الحلقة الأولى)

تعرف هيآت النوظمة أو هيآت الحكامة الجيدة والتقنين بأنها هيآت إدارية تعمل أو تتصرف باسم الدولة
 وتتمتع بسلطات حقيقية بدون خضوعها لسلطة الحكومة.

تختص هذه الهيآت بتنظيم وضبط قطاعات إستراتيجية اقتصادية ومالية. وبحكم ممارستها لسلطات ضبطية وتنظيمية،فهي تسعى للوساطة والتحكيم، والفصل بين المصالح المتنازعة، وكذا وضع إطار قانوني وأخلاقي ملزم مؤطر للعمل المهني والتجاري والحقوقي، لكافة المدارين في مجالات المنافسة والقيم المنقولة ،والإعلام والاتصال. ويعرف التشريع المغربي عدة هيآت ناظمة أساسية ومهمة من بينها مجلس المنافسة، الهيئة المغربية لسوق الرساميل، المجلس الأعلى للاتصال السمعي – البصري ،لوكالة الوطنية لتقنين المواصلات..
ويرجع الفضل في اختيار مصطلح هيآت النوظمة للفقيه المقتدر محمد علمي مشيشي بمناسبة إحداث منتدى النوظمة بكلية الحقوق بفاس والذي اعتبر أن المصطلح قادرا على استيعاب أدوار واختصاصات الهيآت المختلفة والتي تجمع بين التنظيم والضبط والرقابة والتحكيم والفصل في المنازعات ،هذا رغم أن الدستور المغربي انتصر في الأخير لمصطلح «هيآت الحكامة الجيدة والتقنين» ،لكن هذا الاختلاف لا يؤثر في طبيعة الهيآت وسلطاتها.
إن تنوع مجالات عمل هذه الهيآت، يبين بشكل جلي ملامح الاتجاه نحو  إعادة صياغة وظيفة الدولة ،وإعادة تحديد أدوارها ووسائل تدخلها، في عدد من القطاعات الاقتصادية والمالية، لتخفيف عبء تدخلها الاقتصادي المباشر، ولتكريس سياسة الانفتاح الليبرالي، والعزوف عن سياسة الاحتكار، واستبدال أسلوب الإدارة المباشرة للمرافق والخدمات العمومية، بأساليب جديدة تقوم على تفويض مهام الضبط والتقنين والتأطير لهيآت ناظمة جديدة، مما يعكس وجود نهضة حقوقية تشريعية قوية ورائدة، هي نتاج التحرر الاقتصادي والقانوني، تراعي تبني النظم الحديثة شبه القضائية  كفضاء لتسوية بعض المنازعات، ومساعدة الأطراف المهتمة في عملها كشرط ضروري لصحة وفعالية النظام.
فالتطور الكمي والنوعي لهيآت النوظمة،يعني وجود ربط جديد بين الاقتصاد والقانون،ويفسر الاتجاه الحديث نحو نوظمة الدولة وأفول الوزارات ذات الصلة بنشاط الهيآت الحالة محلها والممارسة لجميع صلاحياتها،بحيث دخلت الهيآت الناظمة قطاعات الاقتصاد والمال والأعمال والتأمين والبنوك وحتى المجال الجنائي الشديد الحساسية والمعتبر من النظام العام لم يسلم من هذا التوجه من خلال وحدة معالجة المعلومات المالية .
وقد قارن مقرر مشروع قانون  Jean Foyer الفرنسي،هذه الهيآت بشبيهاتها الأنجلوساكسونية،من حيث كونها تأخذ بعض أشكالها أو مظاهرها من ناحية التنظيم ،من المحاكم وتتمتع بنظام يضمن لها استقلالا حقيقيا.
ولاشك أن الأمر يتعلق بمؤسسات تنتفي عنها الصبغة القضائية، تساهم في حماية حقوق المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمدارين بشكل عام، وتسهر على قانونية سير المؤسسات العامة والخاصة.
وبالنظر لتخصص هذه الهيآت واستقلاليتها، فهي تبدو كإطار قانوني وتنظيمي فعال، قادر على ضمان تنظيم جيد ،وضبط اجتماعي واقتصادي ومالي محكم ،يكفل التنظيم والتأطير لقطاعات كثيرة، بما يسمح باحترام التوازن بين المصالح، وإيجاد صيغ التوافق بين حقوق المواطنين والمصلحة العامة.
ومما لا مراء فيه أن هيآت النوظمة ، خلقت من رحم معاناة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والماليين، من البيروقراطية الإدارية والانتظارية، وتمركز القرار، وغياب الشفافية وقوة المبادرة، لتعلن نفسها كبديل للإدارة أو المحاكم،أو على الأقل كمنافس حقيقي لهما، اقتطعت جزءا كبيرا من صلاحياتهما الإدارية والتنظيمية،والضبطية والزجرية، لكن هذا الإقصاء أو الإبعاد، المرافق لنظرية الحلول، فرض نوعا من المواءمات التشريعية، التي تتلاءم مع طبيعتها المزدوجة الإدارية، وشبه القضائية، سواء على مستوى بنيتها وتشكيلها وهياكلها ،وضمانات الاستقلالية والحياد أو على مستوى مهامها واختصاصاتها، وضمانات الفعالية، وحجية الشيء المقضي به .
وهكذا تم تمكين هذه الهيآت،من سلطات وصلاحيات واسعة، تأخذ مظاهر وأشكال متعددة، تقتسم بموجبها مع الإدارة والقضاء ،فضاء التنظيم والتشريع،والزجر والعقاب، متسلحة بدعم ومؤازرة الفاعلين في الميدان، لأنها ليست نتاج القانون الدولتي فقط، بل نتاج قانون رضائي اتفاقي من صنع أصحاب القرار حاكمين ومحكومين، والمؤطرين بضوابط أخلاقية وتنظيمية، أسهموا جميعا في صياغتها، وتوافقوا عليها، بإجماع بينهم، لأنها تشكل محصلة قواعد المهنة وأصولها.
وللإحاطة بالأسئلة التي فرضها النسق الجديد،الذي أدخلته هيآت النوظمة على الأنساق الإدارية والقضائية على التشريع المغربي، نستعرض في هذا التقديم لمحة مختصرة ودقيقة،عن ماهية النوظمة، وعلاقة القضاء بهيآت النوظمة، وأهمية موضوع البحث ،ودواعي اختياره، وإشكاليات الموضوع، وأخيرا خطة البحث.
أولا:ماهية النوظمة
اعتبر جون جاك شوفاليي هيآت النوظمة، بكونها هيآت تملك سلطات، ووسائل للعمل القانوني من أجل أداء المهام المنوطة بها، وظيفتها يطلق عليها «النوظمة»، تهدف إلى ضبط تطوير مجالات الحياة الاجتماعية، من خلال الحرص على تأسيس قواعد لعب معينة، والحفاظ على بعض التوازنات. هذه الوظيفة تبرر الجمع بين الاختصاصات القانونية،»سلطة وضع قواعد عامة، أو المشاركة في إعدادها، وسلطة إصدار قرارات فردية ، وسلطة المراقبة والرقابة»، تتمتع بالشخصية المعنوية، وتدخل في بنية الدولة التي تتصرف باسمها.
هذه الهيآت تتمركز خارج الهرم البرلماني، وليست لها الصفة القضائية، يجب أن تعتبر كأنها نابعة من شكل قاعدي للسلطات الإدارية، خاضعة لرقابة القاضي الإداري، لكن ضمانات الاستقلالية العضوية والوظيفية التي تستفيد منها، تجعلها تحتل مكانا داخل فضاء الإدارة، تنفلت من أي تبعية رئاسية أو وصاية، فهي تشكل سلطات معزولة، تتمركز خارج المشهد، وتتمتع بسلطات رسمية للتصرف أو اتخاذ القرار المستقل «.
فالنوظمة في المعنى الاصطلاحي  تجمع بين مفاهيم تشكل في الحقيقة ترجمة للأدوار المكلفة بها هذه الهيآت، وهي التنظيم والتقنين والرقابة والضبط، بحيث أن كل مصطلح من المصطلحات الأخيرة ظل عاجزا، وقاصرا عن تبيان الدور الوظيفي للهيآت الناظمة، ولعل هذا ما جعل القانون رقم 24-96 المتعلق بالبريد والمواصلات يفضل مصطلح «تقنين»مع شعوره بصعوبة هذا الاختيار ودقته، حينما اعتبر أن وظيفة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات،هي التقنين والمراقبة والتحكيم، وهو ما حصل بعده للدستور الجديد الذي أطلق عليها وصف «هيآت الحكامة الجيدة والتقنين»( الفصل 165 وما بعده).

بقلم:    محمد الهيني, مستشار  بالمحكمة الإدارية بالرباط
جريدة الصباح الأربعاء, 04 سبتمبر 2013

Tuesday, August 06, 2013

دراسة في القانون: انفصال النيابة العامة (3/3)

إذا كان لا بد من تعزيز النظام القضائي المغربي بمؤسسة جديدة هي مؤسسة «النائب العام»، يبقى مع ذلك التساؤل قائما حول كيفية اختيار النائب العام المغربي، هل نعتمد في اختياره أسلوب التعيين أم نسلك في ذلك أسلوب الانتخاب؟
كيفية اختيار النائب العام
الحقيقة أننا لا نهتم لأسلوب اختيار النائب العام بقدر ما نهتم للمنظومة التي ستؤطر عمله. فسواء تم تعيينه أو انتخابه، مع ما للأسلوبين من أهمية بالغة، في تحديد درجة استقلاله في القيام بالمهام المسندة إليه، فإننا نرى أن من الضروري وضع مجموعة من الآليات التي تحصن النائب العام، وتحمي مؤسسة النيابة العامة في الوقت نفسه. ومن بين هذه الآليات يمكن أن نذكر:
1 - مدة تولي المهام
مما لا شك فيه أننا نعيش في عالم خاصيته الأساسية التحول والتغير السريعان، مما لم يعد يستقيم مع بقاء الأشخاص لمدد طويلة في مناصب المسؤولية. فهذا المدعي العام الأعلى الكوري الجنوبي ينتخب لمدة عامين اثنين دون أي إمكانية لتجديد انتخابه يتفرغ بعدها للتدريس أو لمزاولة العمل السياسي. وتقدم هذه الطريقة في التعيين ميزة استمرارية مد جهاز النيابة العامة بدماء جديدة وتحصينه من التحكم والمحاباة. غير أن مدة السنتين تبقى مدة قصيرة كما يرى البعض، وربما كان من الأجدى رفعها إلى ثلاث سنوات.
2 - مدى اتساع صلاحيات النائب العام وسلطاته
وهذه مسألة تحدثنا عنها أعلاه.
3 - نوعية وسائل العمل
هل يمكن للنيابة العامة أن تقوم بواجبها في حماية المجتمع والمواطن في غياب ما يلزم من الإمكانيات البشرية الكفؤة والوسائل المادية الكافية؟ الجواب لا يمكن بطبيعة الحال أن يكون إلا بالنفي.  فالنائب العام في حاجة إلى طاقم فني رفيع المستوى يساعده في تصريف شؤون النيابة العامة الداخلية والخارجية، كما يحتاج إلى إمكانيات مادية تسمح له بهامش واسع من الاستقلال في تدبير القضايا دون حاجة إلى المرور بالضرورة عبر مصالح الضابطة القضائية التي تتبع كما نعرف جميعا، على الأقل على المستوى الإداري، لجهات غير قضائية.
بالرجوع إلى التجربة الكورية، سوف نلاحظ أن المدعي العام الأعلى يتوفر في وسط العاصمة سيول على بناية خاصة من سبعة عشر طابقا تحتضن، إلى جانب مكاتب المدعي العام، مختبرات الشرطة العلمية بجميع تخصصاتها يشرف عليها نواب المدعي العام مباشرة، كما تحتضن مكاتب مفتشي النيابة العامة، وهم أعوان يتبعون للنيابة العامة يساعدونها في إجراء التفتيشات والحجوز، وغيرها من الإجراءات المفيدة للأبحاث المفتوحة.
ومن قوة النيابة العامة بدولة كوريا الجنوبية التي تستمدها أساسا من استقلالها ومن ثقة المواطن فيها، أن خرجت علينا وسائل الإعلام الدولية في الآونة الأخيرة بخبر إجرائها، معززة بمفتشيها، لتفتيش بمكاتب الاستعلامات العامة التابعة لوزارة الداخلية على خلفية الأبحاث المفتوحة في تورط هذه المؤسسة في التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة لفائدة أحد المرشحين.
4 - الاستقلال المالي
هل يمكن تصور استقلال مؤسسة ما في غياب استقلالها المالي؟ سؤال لعمري صعب الجواب. فالمؤسسة التي لا تتمتع باستقلال مالي لا تكون مستقلة، من حيث المبدأ، لا في اتخاذ قراراتها ولا في تنفيذ برامجها. والمسألة تأخذ بعدا أكبر في بلادنا التي تواجه صعوبات كبيرة بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها العالم في الآونة الأخيرة، إذ بات من الضروري، وأكثر من أي وقت مضى، ترشيد الإنفاق العمومي.
إن الفكرة هنا هي أنه قد يكون من الأجدى تمكين رئيس النيابة العامة من سلطة رصد حجم الموارد المالية التي سيحتاجها برسم كل سنة لتمويل البرامج وتحقيق الأهداف التي يرسمها لجهاز النيابة العامة تنفيذا للسياسة الجنائية العامة.
5 - المساءلة
لأن المسؤولية هي مرادف الاستقلال، فإنه سيتعين أن يكون النائب العام  مسؤولا عن اختياراته، وعن قراراته، ومدى توفيقه في تنفيذ سياسته في إدارة جهاز النيابة العامة من جهة، وفي توظيف الإمكانيات المالية وغيرها التي رصدت لجهازه في تنفيذ البرنامج الذي خطه لمؤسسته من جهة ثانية. وبعبارة أخرى سيكون على النائب العام إقناع الجهة التي سيكون مسؤولا أمامها بجدوى ومقومات السياسة التي يعتزم تنفيذها في بداية كل سنة من ناحية، وبالحاجة إلى تمكينه من الإمكانيات المادية الضرورية التي يحددها لتنفيذ برامجه من ناحية أخرى، على أن يساءل من جديد عند نهاية السنة لتحديد مدى توفيقه في انجاز الوعود التي قطعها على نفسه، وفي صرف الاعتمادات التي خصصت له. ومن شأن هذه الطريقة في تدبير أسلوب اشتغال جهاز النيابة العامة أن تفيد في تحقيق الأهداف التالية:
- فهي بداية ستساعد في خلق أعضاء النيابة العامة الرواد الذين يتوفرون على تصور حقيقي لما ينبغي أن يكون عليه دور النيابة العامة داخل المجتمع من جهة، وعلى قدرة حقيقية على الإقناع بجدوى ذلك التصور من جهة ثانية، كما يتوفرون على تصور حقيقي لما ينبغي فعله  لترجمة ذلك التصور إلى حقيقة يعيشها المواطن على أرض الواقع من جهة ثالثة.
- وهي إلى جانب ذلك تساعد في ترشيد الإنفاق العمومي على مستوى قطاع العدل. فإذا كانت الإدارات جميعها ملزمة بإتباع أسلوب التدبير بواسطة الأهداف الذي دعا إليه الوزير الأول بواسطة المنشور عدد 2001/12 الصادر بتاريخ 25 دجنبر 2001. وهو أسلوب يقوم على فكرة التعاقد بين الجهة الممولة والجهة المنفذة تتوفر بموجبه الجهة المنفذة على هامش واسع من الحرية في تحديد احتياجاتها وفي تنفيذ برامجها، وتحتفظ في إطاره الجهة الممولة بسلطة مراقبة حسن تنفيذ الجهة المنفذة لالتزاماتها، وبسلطة التدخل لتصحيح الاختلالات فور وقوعها، فإن النيابة العامة تكون ملزمة هي الأخرى بإتباع الأسلوب نفسه، أسوة بما يجري به العمل لدى نظيراتها عبر العالم، ومنها النيابة العامة الفرنسية التي يلزمها القانون التنظيمي حول قانون المالية المعروف ب" LOLF" بسلوك الأسلوب نفسه في ترشيد نفقاتها.
- وهي فوق هذا وذاك، سترفع النيابة العامة المغربية إلى مصاف النيابات العامة الدولية.
يبقى مع ذلك التساؤل مطروحا حول الجهة التي سيكون النائب العام المنتظر مسؤولا أمامها.
القاعدة أن المؤسسات وطنية كانت أو دولية تكون مسؤولة أمام الجهات الممولة. وبالرجوع إلى التجارب الدولية في الموضوع سنجد أن النائب العام البريطاني مسؤول أمام البرلمان. وهو نظام لا تنفرد به بريطانيا وإنما تأخذ به أنظمة قضائية عديدة عبر العالم ذات الأصول الأنجلسكسونية منها على وجه الخصوص. يبقى لنا نحن كذلك أن نحدد الإطار الذي سينظم مسؤولية النائب العام المرتقب وفق النموذج الذي سيجسد فكرة «الاستقلال مرادف المسؤولية».

بقلم: رشيد صادوق, دكتور في الحقوق
جريدة الصباح الجمعة, 26 يوليو 2013

Sunday, August 04, 2013

دراسة في القانون: انفصال النيابة العامة (2/3)

كما أشرنا إلى أن وضع الآليات الكفيلة لحماية استقلال النيابة العامة، تتمثل كما يطالب بذلك الكثيرون في استقلال النيابة العامة العضوي عن وزارة العدل أو ما نسميه بانفصال النيابة العامة، يبقى السؤال ما هي تبعات القول بانفصال النيابة العامة عن وزارة العدل؟ إستراتيجية انفصال النيابة العامة 
عن وزارة العدل
إلى جانب أن الاستقلال بصفة عامة هو مسألة نفسية، فإنه يبقى في كثير من الأحيان قاصرا عن تحقيق الغاية المرجوة منه والمتمثلة في نقل السلطات المتنازع بشأنها من الجهة المستقل عنها إلى الجهة المستقلة. فالتاريخ يقدم الدليل على أن الكثير من الدول ممن أعلن عن استقلالها ليست كذلك، وأن الدول المستعمرة بقيت واضعة يدها على سياسات تلك الدول وعلى مقدراتها الاقتصادية. وفي المقابل يقدم مفهوم الانفصال ميزة انتقال جميع السلطات التي تتمتع بها الجهة المنفصل عنها إلى الجهة المنفصلة. وفي مجالنا هذا فإن النتيجة الطبيعية لانفصال النيابة العامة عن وزارة العدل أو عن استقلالها ينبغي أن تكون هي انتقال جميع الصلاحيات، وما أكثرها، التي كان وزير العدل يتمتع بها إلى الجهة التي ستخلفه في رئاسة النيابة العامة، وذلك إن لم نقل بتوسيع هذه الصلاحيات تماشيا مع التوجه الدولي الحالي الرامي إلى تعزيز سلطات النيابة العامة لمواجهة الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات الإنسانية مثل جرائم الإرهاب والفساد والتهريب بجميع أشكاله. 
إن الخطر كل الخطر يكمن في عدم نقل سلطات وزير العدل في مجال الرقابة على المال العام وغيره من المجالات الحيوية الأخرى إلى رئيس النيابة العامة المنتظر، ذلك أن من شأن إضعاف رئاسة النيابة العامة إضعاف للمؤسسة كلها، وتقزيم لدورها، وتقويض لضمانة من أهم الضمانات التي تقوم عليها  الديمقراطية في بلادنا فكرا وممارسة. تكفي الإشارة هنا إلى ما تلعبه النيابة العامة من دور أساسي في محاربة جميع أشكال التعسف في استعمال السلطة سياسية كانت بين أيدي أعضاء الحكومة والبرلمان وغيرهما من مؤسسات الدولة، أو اقتصادية بين أيدي رجال المال والأعمال. فما هي عناصر هذه الإستراتيجية التي من شأنها أن تيسر الانتقال السلس لسلطات وزير العدل إلى رئيس النيابة العامة؟ 
عناصر إستراتيجية انفصال النيابة العامة
يمكن تلمس عناصر الجواب على هذا التساؤل على أكثر من مستوى، فعلى مستوى التسلسل الهرمي، سوف يتعين تحديد الجهة التي ستنتقل إليها صلاحيات وزير العدل الإدارية منها والقضائية، ثم تحديد علاقة هذه الجهة مع باقي الجهات المتدخلة في الشأن القضائي. 
لعل أهم حسنة قد يأتي بها انفصال النيابة العامة زوال حالة التشرذم التي تعيش عليها هذه المؤسسة. فواقع الحال أبان على أن التوزيع الجامد، وفي أحسن الأحوال، المبهم للسلطات والاختصاصات بين ممثلي النيابة العامة  بالمحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف ومحكمة النقض مع ما يترتب على كل ذلك أحيانا من تشنج في العلاقات بين هؤلاء جميعا، إنما يؤدي إلى إضعاف سلطة النيابة العامة ويحد من فعالية تدخلها. ولعل في توحيد النيابة العامة تحت سلطة واحدة تقوية لعملها وتدعيم لسلطتها.
لأنه لا يكفي في القاضي سواء كان منتسبا للقضاء الجالس أو للقضاء الواقف أن يكون مستقلا على ما استقرت عليه المعايير الدولية، وإنما ينبغي له أن يظهر كذلك بمظهر المستقل، وما دام أن واقع الحال في المحاكم يثبت أن النيابة العامة تعيش عادة، فيما يرجع لتسيير شؤون المحكمة، في ظل الرئاسة، فإن نجاح استقلال النيابة العامة يتوقف من ضمن ما يتوقف عليه، على تأمين بنايات لأعضاء النيابة العامة تكون مستقلة عن البنايات التي تؤوي رئاسة المحكمة. وهذا ينطبق بطبيعة الحال على الجهة التي ستسند إليها رئاسة النيابة العامة، إذ ينبغي هنا كذلك توفير بناية خاصة تليق بهذه الجهة وتكفي لإيواء طاقمها وتلبية احتياجات الأجهزة التي ستعتمد عليها في تدبير شؤون النيابة العامة. فمن عساها تكون هذه الجهة؟
إذا ما تركنا جانبا مسألة التسمية، وإن كنا نحبذ تسمية "النائب العام" تمييزا لها عن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف أو بمحكمة النقض من جهة، وباعتبارها مشتقة من التسمية الأصل وهي "النيابة العامة" من جهة أخرى، فإن في نقل صلاحيات وزير العدل إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، كما يشيعه البعض، بعض الحرج الناتج أساسا عن الاعتبارات التالية:
تعتبر النيابة العامة بمحكمة النقض استثناء من الأصل في النيابة العامة والمتمثل في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها. هذا الاستثناء نابع أساسا من طبيعة الفضاء الذي تشتغل فيه. فمحكمة النقض هي محكمة قانون، ولذلك سمي أعضاء النيابة العامة بها محامين عامين يحضرون مداولات المحكمة، ويشاركون فيها تمييزا لهم عن نواب وكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية، وعن نواب الوكلاء العامين للملك بمحاكم الاستئناف الذين يتمتعون بالصفة الضبطية، ولا يشاركون في مداولات محاكمهم. ويترتب عن هذا الاختلاف في الوظائف أنه على خلاف نواب وكلاء الملك ونواب الوكلاء العامين للملك، فإن المحامين العامين بمحكمة النقض لا يتلقون تعليمات من الوكيل العام للملك في القضايا التي يشاركون فيها. فهم أحرار في تقديم المستنتجات الكتابية التي يرونها صالحة للعدالة. صحيح أن الوكيل العام للملك هو ممثل النيابة العامة لدى محكمة النقض، غير أنه لا يمكنه، في ظل سكوت المشرع المغربي عن المقصود بالسلطة التي يعترف له بها على المحامين العامين، أن يرغمهم على تقديم مستنتجات لا يشاطرونه الرأي بخصوصها، فغاية ما يستطيع فعله هو تحويل ملف القضية إلى محام عام آخر أو مخاطبة المحكمة مباشرة باعتباره الممثل الأصلي للنيابة العامة. ذلك على الأقل ما نص عليه قانون التنظيم القضائي الفرنسي.    
ومن ناحية أخرى، فخصوصية النيابة العامة بمحكمة النقض تحول دون نقل صلاحيات وزير العدل_ ومنها صلاحية توجيه تعليمات بالمتابعة أو بنقل رأي الوزير إلى المحكمة، إلى الوكلاء العامين للملك بمحاكم الاستئناف_ إلى الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، والذي قد يتحول، فيما لو تم ذلك، إلى خصم وحكم في الوقت ذاته. يتابع أو يأمر بالمتابعة، ويشارك في إصدار الأحكام. كما أن نقل سلطة رئاسة النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بمعزل عن الصلاحيات المرتبطة بها هو بمثابة إجهاز على جهاز النيابة العامة. الحاصل إذن أنه ينبغي استحداث منصب جديد في السلك القضائي المغربي هو منصب "النائب العام" تسند له رئاسة جهاز النيابة العامة في سائر البلاد، وتنقل إليه جميع صلاحيات وزير العدل فيما تعلق منها بتنفيذ السياسة الجنائية وبالرقابة والإشراف على عمل النيابة العامة. ولعل في تجربة دولة كوريا الجنوبية التي باتت تعرف بالمعجزة الكورية بحكم النجاح السريع والباهر الذي حققته على الصعيدين الاقتصادي والديمقراطي أسوة حسنة.  

بقلم: رشيد صادوق, دكتور في الحقوق
جريدة الصباح الأربعاء, 24 يوليو 2013

دراسة في القانون: في أفق وضع قانون مغربي خاص بالاتجار في البشر (1/3)


لقد أصبح الاتجار في البشر من أعقد وأكثر جرائم العصر الحديث  مساسا وتعديا على الكرامة الإنسانية ، وهو ما يعكسه بجلاء التقرير الدولي الأول حول الاتجار في البشر الذي أصدره مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة UNODOCفي العالم لسنة 2006، والذي توصل إلى نتيجة مفادها أنه  «لا يوجد تقريبا
 بلد محصن ضد هذه الظاهرة ، وأن هناك 127 بلدا تعتبر مصدرا لضحايا الاتجار بالبشر مقابل 137 بلدا كوجهة لهم». تبدل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني جهودا حثيثة لمعالجة هذه الظاهرة، وذلك بهدف منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، وإيلائهم العناية الخاصة، وتقديم الرعاية المناسبة لهم واحترام كامل حقوقهم الإنسانية المتأصلة والمتجذرة ليس  فقط في  المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولكن أيضا في الشرائع السماوية، سيما الإسلام من خلال مصدرين أساسيين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وتعتبر جريمة الاتجار في البشر بمفهومها القانوني الحديث وبصورها المتعددة جريمة حديثة في معظم الدول فقيرها وغنيها، وأن العديد من الجناة أفلتوا من العقاب لغياب الأساس القانوني أو على الأقل لعدم تغطيته سائر صور الاتجار في البشر، والتي عرفت في السنين الأخيرة تطورا مضطردا كان من نتائجه  ظهور أفعال جرمية عبر وطنية من قبيل الاتجار في الأعضاء البشرية، الهجرة غير الشرعية، السياحة الجنسية....
وسنحاول مقاربة هذه الظاهرة الحاضرة واقعا في المجتمع المغربي من خلال التعريف بها وبيان بعض صورها، ومعرفة موقف الشريعة الإسلامية منها، وكيف يتعامل المشرع المغربي مع الظاهرة؟ سيما في غياب نص خاص يزجر الاتجار في البشر على غرار بعض الأنظمة القانونية العربية المقارنة مثل مصر ولبنان والجزائر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والعربية السعودية....، علما أن عددا لا يستهان به من ممثلي الأمة بالبرلمان المغربي، عبروا عن رغبتهم في سن قانون خاص يرمي إلى زجر ومعاقبة ظاهرة الاتجار في البشر.
تعريف الاتجار في البشر وأهم صوره في الواقع العملي
لما كان التعريف بالشيء فرع من تصوره، فإن بعض التشريعات العربية  حاولت تعريف الظاهرة باعتبارها جريمة في حق الإنسانية .
وفي هذا الإطار عرف المشرع المصري الاتجار بالأشخاص أو البشر من خلال المادة 2 من القانون رقم 64 لسنة 2010 بالقول :» يعد مرتكبا لجريمة الاتجار في البشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية – إذا تم ذلك باستعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص له سيطرة عليه – وذلك كله – إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أيا كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، أو التسول ،أو استئصال الأعضاء أو الأنسجة البشرية، أو جزء منها.
و من جانبه عرف المشرع الجزائري الاتجار في البشر من خلال المادة 303 مكرر4 من القانون الجنائي الجزائري بالقول: «يعد اتجارا بالأشخاص، تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال شخص أو أكثر بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على شخص آخر بقصد الاستغلال.
ويشمل الاستغلال استغلال دعارة الغير أو سائر إشكال الاستغلال الجنسي أو استغلال الغير في التسول أو السخرة أو الخدمة كرها أو استرقاقا أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء .
وقد حذا المشرع الجزائري حذو نظيره المصري عندما لم يأخذ برضى الضحية في جرائم الاتجار بالبشر، وهو ما نصت عليه المادة 33 مكرر 12 من القانون الجنائي الجزائري التي تقابلها المادة2 من القانون المصري.
والملاحظ أن المشرع المصري لئن أفرد لجرائم الاتجار بالبشر قانونا مستقلا هو القانون 64 لسنة 2010  الذي يتضمن 27 مادة، فإن نظيره الجزائري قد عمد إلى إدخال فقرات  في شكل مواد مكررة  للمادة 303 بلغت حوالي 37  مادة تنظم الظاهرة في صلب القانون الجنائي الجزائري وتحديدا في الكتاب الثالث الخاص بالجنايات والجنح وعقوباتها.
ومعلوم أن ظاهرة الاتجار في البشر والتي تستهدف النساء والأطفال بالأساس، سبق أن كانت موضوع اهتمام مجموعة من الفاعلين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني وطنيا ودوليا .....، بحيث عقدت عدة ورشات وأيام دراسية في هذا المجال منها على سبيل المثال لا الحصر ورشة عمل تدريبية حول التحقيق في قضايا المهاجرين وملاحقتهم قضائيا بمدينة الرباط منتصف أكتوبر 2011، منظمة من قبل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة   بشراكة مع المعهد العالي للقضاء، وورشة عمل تدريبية إقليمية للبرلمانيين وصائغي التشريعات في مجال مكافحة جرائم الاتجار في البشر  المنظمة من قبل  نفس الجهة، والتي احتضنتها القاهرة في أكتوبر من سنة 2011 وهما الورشتان التي تشرفنا بالمشاركة في أشغالهما .
 وقد توج اهتمام مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة  بهذه الظاهرة بإصدار مجموعة من التوصيات لمحاربة الظاهرة،وبإصدار كتيب إرشادي للبرلمانيين ،وهو مجهود مشترك بين المكتب المذكور والاتحاد البرلماني الدولي أنتج في إطار مبادرة الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الاتجار في البشر، هذا فضلا عن إصدار قانون نموذجي لمكافحة الاتجار بالأشخاص يمكن الاهتداء به في وضع قوانين خاصة في هذا المجال.

بقلم:    يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات - دكتور في الحقوق
جريدة الصباح الخميس, 01 أغسطس 2013

Thursday, July 25, 2013

دراسة في القانون: انفصال النيابة العامة (1/3)

كثر الحديث مؤخرا عن استقلال النيابة العامة وكأن هذه المؤسسة لم تكن يوما كذلك. والحقيقة أن النيابة العامة كانت دوما وأبدا مستقلة لا يحد من استقلالها
 إلا درجة إيمان وتكوين أعضائها. فجميع المعطيات المتوفرة إن دوليا أو وطنيا تناضل في سبيل القول باستقلال النيابة العامة.

هناك معطيات عديدة تتماشى مع طرح أن النيابة العامة كانت دوما مستقلة:
1 - فمن جهة قررت التوصية 10 من إعلان المبادئ التوجيهية الخاصة بقضاة النيابة العامة بأنه يجب التفريق بكيفية قاطعة بين وظائف النيابة العامة ووظائف القضاء الجالس.
2 - ومن جهة أخرى تعتبر النيابة العامة طرفا في الدعوى العمومية التي يتعين أن توفر للمتهم و للضحية شروط المحاكمة العادلة. وقد أناط المشرع بها مجموعة من الواجبات التي لا يمكن لها بطبيعة الحال أن تضطلع بها، بما يضمن استيفاء شروط المحاكمة العادلة، إلا إذا كانت مستقلة عن باقي الأطراف في الدعوى، ونقصد بذلك الضحية و المسؤول المدني و المتهم وكذا القاضي.
3 - ومن جهة ثالثة، خلافا لبعض التشريعات التي لا تعترف لممثل النيابة العامة بالصفة القضائية مما أثار جدلا كبيرا في الأوساط الحقوقية والقانونية الأوربية منها على وجه الخصوص، نجد المشرع المغربي يعترف بالصفة القضائية لممثل النيابة العامة . والاستقلال بطبيعة الحال صفة ملازمة للقاضي.
4 - إن تبعية النيابة العامة من حيث السلطة الرئاسية لوزير العدل لا تتناقض ومبدأ استقلالها، وذلك لعدة اعتبارات نذكر من أهمها:
أ) تقرر القاعدة المتأصلة في فقه القضاء على أنه « إذا كان القلم أسيرا، فاللسان حر « وعليه فإذا كان ممثل النيابة العامة يتقيد مبدئيا بالتعليمات الموجهة إليه، فإنه يسترجع حريته داخل الجلسة كاملة، وله أن يبسط أمام المحكمة من الملتمسات الشفوية ما يراه مفيدا لمصلحة العدالة. لا يقيده في ذلك إلا ضميره و حكم القانون .
ب) إن التبعية لوزير العدل ليست تبعية مطلقة. فتعليمات وزير العدل ينبغي أن تكون مشروعة غير مخالفة للقانون إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما قال صلى الله عليه وسلم. ثم إن الدفع بتنفيذ أمر القانون لا يعفي من المسؤولية الجنائية. كما أن تلك التعليمات يجب أن تكون مكتوبة و أن توضع في ملف القضية حتى يتمكن الجميع من الاطلاع عليها تحقيقا للشفافية، وحتى يتمكن الجميع من المساهمة في الرقابة على مشروعيتها. و في ذلك ضمانة إضافية تعزز استقلال النيابة العامة. لكن بأي التعليمات يتعلق الأمر ؟
بالرجوع إلى مقتضيات قانون المسطرة الجنائية التي تنظم الصلاحيات التي يتمتع بها وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة نسجل الملاحظات التالية:
1 -  إذا كان بإمكان وزير العدل إعطاء تعليمات بتحريك الدعوى العمومية أو بالمتابعة، فإنه لا يستطيع إعطاء تعليمات بالحفظ أو بعدم المتابعة و ذلك لعدم وجود مقتضى في القانون يسمح له بذلك.
2 -  إن تعليمات وزير العدل يجب أن تكون مكتوبة سواء تعلقت بأمر بالمتابعة أو بوجهة نظر يرغب الوزير في عرضها على المحكمة لتنوير جانب من جوانب القضية من شأنه أن يساعدها على الوصول إلى الحقيقة. وهذه التعليمات الكتابية يجب أن تودع بملف القضية وتشهد المحكمة على النيابة العامة بتقديمها لملتمساتها الكتابية المتضمنة لرأي الوزير، وذلك بالرغم من سكوت النص القانوني عن ذلك.
3 - إن سلطة توجيه تعليمات للنيابة العامة بمتابعة مرتكبي الجرائم أو برفع ما يراه وزير العدل ملائما إلى المحكمة والتي أقرتها المادة 51 في فقرتها الثانية من قانون المسطرة الجنائية لفائدة هذا الأخير، تعطيه الحق في التدخل في الملفات الفردية. وهذه مسألة أثارت جدلا كبيرا في الأوساط القانونية والحقوقية الفرنسية بالنظر إلى أن النص القانوني الفرنسي كان يعطي لوزير العدل الصلاحية نفسها.
4 -  تنص المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية في معرض تعدادها لصلاحيات وكيل الملك على أنه :».. يطالب بتطبيق العقوبات المقررة في القانون، ويقدم باسم القانون جميع المطالب التي يراها صالحة، وعلى المحكمة أن تشهد بها عليه بتضمينها في محضرها و أن تبت في شأنها ....»
 إن هذه الفقرة، في اعتقادي، تجسد روح استقلال النيابة العامة. فوفاء قاضي النيابة العامة هو أولا وأخيرا لحكم القانون وليس لجهة إدارية معينة، والتزامه هذا يجد أساسه في اليمين العظيمة التي يؤديها عند تعيينه لأول مرة في سلك القضاء حين يقول : « أقسم بالله العظيم أن أقوم بمهامي بوفاء..» . وفي ذلك تجسيد مادي لفكرة أن الاستقلال هو بالدرجة الأولى مسألة نفسية لا يدرك كنهها إلا من جبل عليها، ولا يحد من مداها إلا قيد فرض قانونا أو عرف كان بين الناس مشهورا، مما لا تبقى معه للحديث عن استقلال النيابة العامة عن وزير العدل من عدمه إلا فائدة قليلة.
ومع ذلك فقد علمتنا التجربة أن ميزان القوى بين وزير العدل والهيأة القضائية لم يكن دائما في مصلحة هذه الأخيرة، وأن السلطة قد يساء استعمالها، وأن استقلال النيابة العامة يظل مع ذلك استقلالا محدودا وغير مقنع ما دام أنه يفسح المجال لتدخل السلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير العدل في شؤون القضاء، مما يتعارض مع مبدأ فصل السلط الذي تقوم عليه فكرة الديمقراطية من جهة ويتعارض مع روح الدستور المغربي الجديد الذي رفع القضاء من درجة السلطة Autorité  إلى درجة Pouvoir إمعانا في ترسيخ هذا المبدأ من جهة ثانية، وهو ما يفرض وضع الآليات الكفيلة بحماية هذا الاستقلال، والتي تتمثل كما يطالب بذلك الكثيرون في استقلال النيابة العامة العضوي عن وزارة العدل أو ما نسميه بانفصال النيابة العامة.

بقلم: رشيد صادوق, دكتور في الحقوق
جريدة الصباح الأربعاء, 24 يوليو 2013

Tuesday, July 23, 2013

دراسة في القانون: قرينة البراءة بين "الفكر الحقوقي" و"التعسف السياسي"

يعتبر مبدأ «قرينة البراءة»، في ظل الأنظمة الديمقراطية المعاصرة، من أهم المبادئ التي تؤصل لفكر حقوق الإنسان
بمفهومه الكوني والدولي، فضلا عن أنها بمثابة القطب من رحى المحاكمة العادلة.

يتأدى مبدأ «قرينة البراءة»، أساسا، في ضرورة تعامل القضاء، وبقوة القانون، مع المتهم باعتباره بريئا في كل مراحل المحاكمة إلا إذا قام الدليل على نسبة ارتكاب الجريمة إليه، وذلك بمقتضى حكم قضائي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن، أو ما يصطلح عليه قانونا بـ»حيازته لقوة الشيء المقضي به». وترتد بعض إرهاصات هذا المبدأ إلى عصور قديمة خلت، إلى أن أخذت به الشريعة الإسلامية تحقيقا للعدالة وضمانا لمصلحة المتهمين، وقد جسده الرسول الكريم (ص) في قوله: «ادْرَؤُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِينَ مَخْرَجًا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» (رواه البيهقي في السنن الكبرى)، أو كما روي في شرح المختصر لابن حجر:»ادرؤوا الحدود بالشبهات».
وقد تكرس هذا المبدأ في الفكر القانوني والحقوقي الحديث استجابة لصيحات المفكر الإيطاليCesare Beccaria في القرن الثامن عشر، بعد أن تلقفه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1789 (الفصل 9)، فميثاق الأمم المتحدة لسنة 1948 (الفصل 11)، ثم العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 (المادة 14).
 ولما كان مبدأ «قرينة البراءة» ذا حمولة حقوقية كونية، فإن مشرع قانون المسطرة الجنائية الملغى لسنة 1959، كان قد أحجم عن تكريسه صراحة دونما أي اعتبار للمرجعيات المشار إليها أعلاه، مما دبت معه روح النضال في شرايين الحركات الحقوقية المغربية مطالبة بتكريسه قانونا، الأمر الذي استجيب له بمقتضى قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003.
ولعل أجل ما تمظهر به نضال تلك الحركات، هو إقرار هيأة الإنصاف والمصالحة بضرورة التنصيص عليه دستوريا، وذلك بتوصيتها التالية: «دعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وذلك عبر ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي على القانون الوطني، وقرينة البراءة، والحق في محاكمة عادلة». وهو ما انتصر له الفصل 119 من الدستور الجديد، الذي جاء فيه: «يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به». 
غير أن ما حَيَّر الرأي العام القضائي والحقوقي، وما زال، هو ما قد يتعرض له هذا المبدأ، بين الفينة والأخرى، من ضربات إعلامية وسياسية تكاد تعدمه بالمرة، لاسيما إذا ما صدرت ممن يفترض فيهم احترامه وتوقيره. ولا يخرج عن هذا الإطار، ما صرح به رئيس الحكومة خلال جلسة مساءلته الشهرية أمام مجلس النواب، يوم 26 أبريل، عندما قال: «إنه تألم لضبط شخص متلبس بالرشوة، ولكن عندما متعه القضاء بالسراح المؤقت استقبله رفاقه في المهنة استقبال الأبطال»، وهو ما ارتأينا إبداء بعض الملاحظات حوله علنا ندفع بعضا مما طال مبدأ «قرينة البراءة» وقيمة العدالة المؤسسة عليه من جور وتعسف، وذلك كالتالي:
الملاحظة الأولى: إن رئيس الحكومة غير مؤهل من الناحية الدستورية والقانونية لتحديد عناصر حالة التلبس من عدمها في ملف معروض على السلطة القضائية، إذ تختص هذه الأخيرة بذلك، أصالة وحصرا، دون غيرها، مما يكون معه قد تجاوز حدود عمل سلطته ليمتد إلى عمل سلطة أخرى، خلاف ما يقتضيه الفصل 107 من الدستور.
الملاحظة الثانية: إن السيد رئيس الحكومة، وبمجرد تقريره –تجاوزا- لحالة التلبس في التصريح المذكور، يكون قد أدان مسبقا المتهم المعني بالأمر، وهو ما لم يتقرر بعد من قبل القضاء باعتباره الجهة المختصة؛ مما يكون معه قد هدم مبدأ «قرينة البراءة» بكل حمولته الحقوقية والكونية، فضلا عما قد يسفر عن ذلك من ارتدادات حقوقية لا تتواءم ومتطلبات مرحلة ما بعد الخطاب السامي لـ 9 مارس والدستور الجديد. ناهيك عن مخالفته للمذكرة التي تقدم بها حزبه أثناء صياغة الدستور الجديد، مقترحا من خلالها ضرورة:»حماية الحريات العامة والأساسية في العمل القضائي، وخاصة بالتأكيد الدستوري على تعزيز ضمانات احترام قرينة البراءة».
الملاحظة الثالثة: غير خاف على ذي حس حقوقي في هذا الصدد، أن أي تعليق على قضية موضوعة بيد السلطة القضائية من لدن إحدى السلطتين الأخريين بما فيهم رئيس الحكومة، والتلميح بإدانة متهم ما قبل القول القضائي الفصل، إنما هو، وبتعبير الدستور الجديد، محاولة «للتأثير على القضاء بكيفية غير مشروعة» (الفصل 109 من الدستور المغربي الجديد)، الأمر الذي ينبئ لا محالة باقتراب ساعة «الفوضى المؤسساتية»، نظرا لغياب يكاد يكون تاما لثقافة «احترام سلطة القضاء».
وتأسيسا على ما كل ما سلف، يمكن القول إن أكثر ما يهدد «قرينة البراءة» وقيمة العدالة المؤسسة عليها، هي السياسة: فالسياسة والعدالة ضدان لا يجتمعان، وأن العدالة تتلمس الحق، والسياسية تبغي المصلحة، سواء كانت حقا أم باطلا.

بقلم:  عبد الرزاق الجباري, عضو بنادي قضاة المغرب
الأربعاء, 17 يو ليو 2013 جريدة الصباح المغربية

Saturday, July 13, 2013

دراسة في القانون: دور النيابة العامة في القانون المنظم لمهنة التوثيق

تعرف المجتمعات باختلافها تطورا مستمرا، نتيجة تطور الإعلاميات والتكنولوجيا بصفة عامة، الشيء الذي جعل المسافة بين الأفراد والمجتمعات صغيرة جدا، مما أصبح معه إمكانية تصادم المصالح تزداد سواء بين الأفراد أو المجتمعات. وهكذا، فكل دولة تسعى إلى ضمان السلم الاجتماعي الداخلي، عبر تعاقد الدولة مع أفراد المجتمع من جهة وإعطاء حجية وضمانة للعقود التي يبرمها الأفراد في ما بينهم داخل المجتمع
 من جهة ثانية وكذا على الصعيد الإقليمي والدولي، عبر  الاتفاقيات والمواثيق الدولية. يمكن القول بأن المشرع أعطى للنيابة العامة تحريك المتابعات التأديبية للموثقين من خلال المادة 70 التي تنص على أنه: «يمكن أن تخضع مكاتب الموثقين لعمليات تفتيش تتعلق إما بموضوع معين أو بمجموع النشاط المهني للموثق». وما يزكي هذا الطرح، ما جاءت به المادة 71 التي تنص على أنه:» يجب عند نهاية كل عملية رفع تقرير إلى الوكيل العام للملك ما لم يكن هو الذي قام بالعملية...» ونعتقد أن اعتماد المشرع مصطلح العملية فيه دليل على اختلاف المراقبة عن البحث والتفتيش والإطلاع الواسع والمراجعة، وهكذا يتم رفع تقرير إلى الوكيل العام للملك كيف ما كانت نتيجة العملية، بمعنى سواء ارتكب مخالفة أم لا، أما المجالس الجهوية في شخص رئيسها ورئيس المجلس الوطني عند الاقتضاء فلا يتم إشعارهما إلا إذا تبين من التفتيش وجود مخالفات خطيرة أو وضعيات من شأنها المس بأمن المحفوظات والودائع. على اعتبار أن التفتيش لا يحضره رئيس المجلس الجهوي حسب مقتضيات المادة 69 في فقرتها الثانية، على عكس المراقبة التي يمكنه حضورها كما يمكنه القيام بها بمفرده أي بدون حضور النيابة العامة، حسب مقتضيات المادة 65.
ومن خلال ما سبق، يمكن القول إن النيابة العامة ممثلة في الوكيل العام للملك أو من ينوب عنه تكون حاضرة في أي مراقبة يخضع لها مكتب الموثق، فإن لم تكن حاضرة حضورا ماديا، فإنها تكون كذلك معنويا عبر التقارير التي ترفع إليها. على اعتبار أنها الجهة التي منحها المشرع سلطة الملاءمة لاتخاذ ما تراه مناسبا على ضوء هذه التقارير.
ثانيا: دور النيابة العامة في تأديب الموثقين.
ليس من المنطقي دراسة دور النيابة العامة في الشق المتعلق بتأديب الموثقين، على اعتبار أن مسألة إصدار المقررات التأديبية تبقى من اختصاص المجالس التأديبية بالنسبة للمخالفات التأديبية وللمحكمة بالنسبة للمتابعات الزجرية، في حين يكون للنيابة العامة الدور الأساسي في تحريك الدعوى العمومية، ولا تحول المتابعات التأديبية دون ذلك، كما أنها تكون حاضرة في المجلس التأديبي المتمثل في اللجنة المشار إليها في المادة 11 بواسطة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف أو نائبه. كما أن النيابة العامة هي المحرك للمتابعات التأديبية بواسطة الوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف المعين بدائرتها الموثق، وهو يقوم بذلك إما بشكل تلقائي حسب ما يبلغ إلى عمله من مخالفات، أو بناء على ملتمس مقدم من قبل رئيس المجلس الجهوي. وإن كانت هذه المقتضيات لا تثير إشكالا، فإن ما يثير بعض النقاش ما جاءت به المادة 78 التي تنص على أنه يمكن للوكيل العام للملك كلما فتحت متابعة تأديبية أو جنحية أو جنائية ضد موثق، إما لأسباب مهنية أو عند اعتقاله بسبب يمس الشرف أن يوقفه مؤقتا من عمله بإذن من وزير العدل. في هذه الفقرة تحتاج النيابة العامة لإذن الإدارة المركزية، غير أنه يمكن الاستغناء عن الأخير بتطبيق الفقرة الثانية التي تنص على أنه يمكن وفق الكيفية نفسها الأمر بالإيقاف المؤقت ولو قبل إجراء المتابعات الجنائية أو التأديبية، إذا ثبت من أي مراقبة أو تفتيش وجود خطورة على أصول العقود والمحفوظات والأموال والسندات والقيم المؤتمن عليها. وفي هذه الحالة يقوم الوكيل العام للملك بتبليغ الأمر بالإيقاف المؤقت إلى المعني بالأمر وإلى المجلس الجهوي للموثقين ويسهر على تنفيذه. وهو الإجراء المنتقد من قبل الفقه،
على اعتبار أن النيابة العامة تجمع بين صفة الخصم والحكم في آن واحد، وإن كان الأمر يتعلق بتدبير احترازي ومؤقت. كما أن الموثق المعني بالأمر يمكنه الطعن في ذلك القرار أمام اللجنة المشار إليها في المادة 11 التي يتعين عليها البحث في أقرب أجل ممكن قصد تسوية وضعيته، وما يزيد من حدة الانتقاد هو أن مدة التوقيف يمكن أن تصل إلى ثلاثة أشهر إذا لم يصدر قرار بالمتابعة وفي هذه الحالة يستأنف الموثق مهامه تلقائيا وبقوة القانون، بعد الإدلاء بشهادة من رئيس اللجنة المشار إليها في المادة 11 وهي مدة طويلة جدا بالنسبة لمهنة حرة رأسمال صاحبها هو سمعته وسط زبنائه، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر كثيرا على مساره المهني، ودليل ذلك هو أن العقوبة التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها الموثق بعد ثبوت إدانته المتعلقة بالإيقاف عن ممارسة المهنة فإنها لا تتجاوز سنة، وهي أخطر عقوبة يمكن أن تصدر في حقه بعد عقوبة العزل، وبالتالي يتضح أن المشرع يعي جيدا مدى خطورة الإيقاف المؤقت عن ممارسة الموثق لمهامه، وبالتالي كان عليه ومراعاة للفلسفة نفسها، أن يقلل من هذه المدة أو بالأحرى أن يمنح حق الإيقاف المؤقت لجهة أخرى غير النيابة العامة مؤسسة رئيس محكمة الاستئناف أو المجلس الجهوي، وذلك بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك وبذلك يحقق الأهداف الاحترازية من الإيقاف المؤقت، ويتفادى كثرة الانتقادات الموجهة في هذا الإطار، وإن كان هذا الدور ليس حكرا على مهنة التوثيق بل إن النيابة العامة تمارسه في إطار بعض المهن القضائية الأخرى.
 ختام هذه القراءة المتواضعة لهذا القانون٬ على ضوء الدور المنوط بالنيابة العامة هذه الأخيرة التي يحددها المشرع في  الوكيل العام للملك أو من ينوب عنه وفي بعض المواد في الوكيل العام للملك٬ دون الإشارة إلى من ينوب عنه كأن الإجراء يقتصر على شخصه فقط٬ غير أن هذا الأمر لا يمكننا أن نستصيغه على اعتبار أن من شأن هذه القراءة، أن تأخر تفعيل الإجراءات نظرا للمسؤوليات الملقاة على عاتقه٬ ونظرا لكثرة التزاماته٬ مما سيكون معه ذلك عائقا في خدمة مؤسسة التوثيق أكثر من كونه تشريف لها، ومادام هذا القانون لا يزال في المراحل الأولى من تفعيله فإننا لن نمد أيدينا إلى المشرع لمطالبته بالتدخل لإعادة صياغة النصوص القانونية التي يبدو لنا أنها تثير بعض اللبس٬ ولكن بالمقابل سنمدها إلى الجهات المعنية بتطبيقها وأخص بالذكر مؤسسة النيابة العامة والمجالس الجهوية للموثقين٬
ومطالبتها بتوحيد الرؤى والاجتهاد في تطبيق النصوص القانونية، عبر البحث المشترك عن فلسفة المشرع وأهدافه الحقيقية والأخذ بعين الاعتبار أن الأمن التعاقدي، يعتبر رقم أساسي في معادلة السلم الاجتماعي، كما أن النجاعة في تطبيق النصوص القانونية لا تعود لجودة النصوص القانونية من حيث صياغتها٬ بل لجودة تطبيقها فالتطبيق السليم والمرن للنصوص القانونية هو الكفيل بسد النقائص والثغرات الموجودة بها.

بقلم:  يوسف أقصبي : باحث في العلوم القانونية
جريدة الصباح لثلاثاء, 09 يوليو 2013

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا