Friday, May 31, 2013

كتاب اليوم (1): العولمة والديمقراطية والإرهاب إيريك هوبزباوم

يأتي هذا الكتاب تكميلا لكتب هوبزباوم السابقة وهو صياغة لمجموعة مقالات نشرها إيريك فيما بين 1990 إلى 2006. وموضوع هذا الكتاب سياسي إلا أنه يتوزع إلى خمسة مواضيع تنتظمها عشرة فصول ومواضيع وهي: الحرب والسلم في القرن الحادي والعشرين، ماضي إمبراطوريات العالم ومستقبلها، طبيعة القومية وسياقها المتقلب، آفاق الديمقراطية الليبرالية، مسألة العنف السياسي والإرهاب.
ولا يغفل هوبزباوم عن كون هذه العناصر الخمسة تتفاعل في سياق يتسم بالتسارع المتواصل في المجالين التقني والاقتصادي المستندين إلى عولمة ما فتئت تداعياتها تتحكم في مصائر الشعوب والأمم في سائر قارات العالم.
وأصبحت المفاوضات والحلول لا تأتي بسلام وإنما بغياب مطول لمظاهر القتال وهذا ما يؤكد اختلاط مفهومي الحرب والسلم الذي طبع القرن العشرين حيث يؤكد هوبزباوم أنه لا يوجد إطلاقا أي نزاع مسلح حدث في القرن العشرين وانتهى بتسوية مستقرة.
ويمتاز القرن العشرين بكون مفهومي الحرب والسلم قد شهدا فيه تغيرا جذريا وأحدثا قطيعة مع المفهوم التقليدي لهذين المصطلحين. ولم تعد الحرب تبدأ بإعلان عمل عسكري وتنتهي بتوقيع اتفاقية سلام بل اختلط المفهومان إذ نجد فترات زمنية في هذا القرن لا هي فترات سلم ولا فترات حرب بالمفهوم التقليدي (وضعية العراق قبل حرب الخليج خير مثال على ذلك، وكذلك العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين).
ومما زاد من تعقيد مسألة الحرب والسلم أن القوة أصبحت بيد الدول وليست بيد المؤسسات الدولية. ويقترح هوبزباوم ضرورة التخلص من خطاب الحرب الباردة وفرضياتها الإيديولوجية وسياسية، خصوصا في ظل إخفاق فرض النظام العالمي الجديد بواسطة قوة أحادية، فضلا عن تقوية وظيفة المؤسسات الدولية (الأمم المتحدة وغيرها).
ويرى أن نشر الديمقراطية الليبرالية لن ينجح لأنها تهدد وحدة القيم العالمية. كما تناول ظاهرة الإرهاب السياسية الديني بالتحليل والقراءة.
المؤلف: إيريك هوبزباوم
ترجمة: أكرم حمدان ونزهت الطيب
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات+الدار العربية للعلوم
السنة: 2009
عدد الصفحات: 141

دراسة في القانون: المحاكمة العادلة على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي الدولي (الحلقة الخامسة)

تعتبر المحاكمة العادلة من أهم مواضيع حقوق الإنسان، وهي مؤشر على مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومقياس أصيل
 في بناء دولة القانون.    وقد يعتقد البعض عن خطأ أن المحاكمة العادلة ضماناتها تخص القضاء الجنائي وحده، بيد أن المحاكمة العادلة
 تصورها وضرورتها وتجلياتها تمتد لتشمل القضاء المدني وغيره من شعب القضاء الأخرى. بناء على ذلك، وبما أن أصحاب الدعوى لم يتمتعوا بالدرجة الدنيا من الحماية في ظل سيادة القانون في مجتمع ديمقراطي، فإن انتهاكا قد حدث للمادة 8 في هذه الحالة.
وتبين للمحكمة الأوربية وجود خروقات للمادة 8 في حالات مماثلة مثل قضية كروسلين وقضية مالونوالتي، تبين أن الأحكام الصادرة فيهما شأنها شأن الحكم الصادر في قضية هوفينغ، قامت على أساس أن الممارسات المعينة لا تمتثل للشروط المؤطرة بعبارة « وفقا للقانون» الواردة في المادة 8.
وفي ما يخص الحق في عدم التدخل في شؤون المراسلات، حقا من حقوق الإنسان وإحدى ضمانات المحاكمة العادلة، نجد أن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان قد توصلت بعدة شكاوى في هذا المجال.
ومن أبرز هذه القضايا في هذا المجال قضية فايفر وبلا نكل، اللذين كانا محتجزين احتياطا، وفي إحدى الرسائل عمل القاضي القائم بالتحقيق على حذف بعض الفقرات فأصبحت لا تقرأ، وقد رأى القاضي أن هذه الفقرات تتضمن نكتا ذات طابع مهين لموظفي السجن، ورأت المحكمة أن حذف مقتطفات يشكل تدخلا لا مبرر له في مراسلات صاحب الدعوى.
وقد اتفقت في الرأي مع اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان في أن الرسالة تضمنت بشأن الأوضاع السجنية وبالخصوص سلوك بعض موظفي السجن، ولاحظت أنه بالرغم من أن بعض العبارات التي استخدمت كانت بلا شك عبارات قوية، إلا أن جزءا من رسالة خاصة كان المفروض في إطار التشريع القائم أن يقرأها السيد فايفر وقاضي التحقيق دون سواها.
   وقد أشارت المحكمة الأوربية إلى حكمها الصادر في قضية سيلفر وآخرين، بحيث رأت أنه ليس هناك أي داع في مجتمع ديمقراطي إلى اعتراض سبيل رسائل خاصة محسوبة على أنها تنطوي على إهانة السلطات.
وعلى الرغم من أن حذف المقتطفات في قضية فايفر وبلا نكل، اعتبرت تدخلا أقل خطورة إلا أنه مع ذلك يشكل خرقا للمادة 8 من الاتفاقية .
وفي الإطار نفسه، أطلعتنا المحكمة الأوربية على قضية المحامي شوننيبيرغوالسيد دور ماز، والتي تتعلق بمراسلات بين محام وشخص كان رهن الاعتقال الاحتياطي.
وصاحب الدعوى هو سائق سيارة أجرة أوقف بمدينة جنيف السويسرية، حيث كان مشتبها فيه بالاتجار في المخدرات وقد تم نقله  بعد ذلك إلى مدينة زيريخ. 
وبعد عدة أيام طلبت زوجة السيد دوماز من المحامي شوننبيرغ أن يتولى الدفاع عن زوجها المعتقل، إذ وجه المحامي رسالة إلى مكتب المدعي العام مرفق بها رسالة أخرى طبقا لما تقتضيه التشريعات السويسرية طالبا منه إحالة تلك الرسالة إلى الجهة الموجهة إليها.
وفي هذه الرسالة قال شوننبيرغ لدورماز، إن زوجته كلفته بالدفاع عنه موصيا إياه أن من حقه رفض الإدلاء بأي بيانات وأن أي شيء يقوله يمكن أن يستخدم ضده، فقام المدعي العام بحجز هذه الرسالة ولم يبلغها إلى دورماز، وبموجب أمر صادر قرر مكتب المدعي العام في وقت لاحق تعيين محام من زيوريخ لتمثيله.
وأقرت المحكمة أن الغاية من حجز هذه الرسالة كانت منع الاضطراب أو الإجرام وإمكانية التواطؤ معتمدة في ذلك على سوابقها القضائية.
بيد أن اللجنة انتهت في خاتمة المطاف إلى أن التدخل محل الطعن ليس مبررا بوصفه ضروريا في مجتمع ديمقراطي ورفضت الحجج التي ساقتها الحكومة والقائلة إن الرسالة تزود دورماز بمشورة لها صلة بالإجراءات الجنائية المنتظر إجراؤها وهي ذات طابع قد يعرض للخطر إجراءها على النحو السليم، وبالتالي حدث إخلال بالمادة 8 في هذه الحالة علما أن العلاقة بين الشخص المشتبه فيه أو المتهم ومحاميه هي علاقة متميزة ولو كانت احتمالية ويتعين على السلطات المحلية أن ترعاها بعناية خاصة. 
كان هذا نموذج من عمل قضاء المحكمة الأوربية في التصدي لخرق بعض ضمانات المحاكمة العادلة، علما أن ثمة حقوقا أخرى ذات الصلة بالموضوع كحق الشخص في أن يعامل بإنسانية وعدم استعمال التعذيب لانتزاع اعترافات منه وحقه في أن يتم إعلامه بالتهم الموجهة إليه بلغة يفهمها وحقه في الحصول على مساعدة قانونية إلى غير ذلك من الحقوق التي تسعى المحكمة الأوربية إلى ضمانها.
المطلب الثاني  : قضاء محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان
من أشهر قضايا هذه المحكمة قضية فاليزكير التي تتعلق باختفاء واحتمال وفاة هذا الأخير.
وترى المحكمة أن الالتزام باحترام الحقوق والحريات المتمسك بها في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان يعني أن ممارسة السلطة العامة لها حدود منبثقة عن حقيقة أن حقوق الإنسان هي خاصية متأصلة في الكرامة الإنسانية وبذلك فهي تعلو على سلطة الدول.

بقلم: يونس العياشي , قاض ملحق بوزارة العدل والحريات 
دكتور في الحقوق

في مفهوم الحكامة الحزبية (1)


تستغرق الحكامة الحزبية قضايا الديمقراطية، كما تتجاوز إشكالات الإصلاح، سواء تعلق الأمر بإصلاح التنظيمات الحزبية أو
بإصلاح المنظومة الحزبية، وفي نفس الوقت تتجاوز الظواهر المنتقدة المرتبطة بالممارسة الحزبية من قبيل البلقنة السياسية والترحال السياسي. وإذا كان مفهوم الحكامة بشكل عام يتحدد بالمجال المدروس، كالحكامة الأمنية والحكامة الإدارية، فإن المتواضَع عليه أن الحكامة بنية تتكون، من جهة أولى، من أسلوب التدبير المتبع؛ ومن جهة ثانية، من الإيديولوجيا أو الفلسفة المرتبطة بهذا الأسلوب. وانطلاقا من هذا الاعتبار، سنتناول موضوع الحكامة الحزبية من خلال جانبين: يتعلق أولهما باعتبار الحكامة نمطا للتدبير الديمقراطي للشأن الحزبي، ويرتبط ثانيهما باعتبار الحكامة خيارا لإضفاء الفعالية على الأداء الحزبي.
إن الحكامة الحزبية، باعتبارها نمطا للتدبير الديمقراطي للشأن الحزبي، تعبر عن نفسها من خلال مستويين: مستوى التداول على المسؤوليات الحزبية ومستوى تدبير الاختلاف.
يتحقق مستوى التداول على المسؤوليات الحزبية باعتماد المشروعية الديمقراطية وتجديد النخب الحزبية، فاعتماد المشروعية الديمقراطية داخل التنظيمات الحزبية يفيد بأن هذه التنظيمات تعمل على ترسيخ قيم الديمقراطية لدى مناضليها ونشطائها عبر تمرينهم عليها داخل هياكلها قبل أن تطالب المتحكمين في دواليب اتخاذ القرار السياسي داخل الأنظمة السياسية الحاكمة بدمقرطة المؤسسات والممارسات.
كيف تتجسد المشروعية الديمقراطية داخل التنظيمات الحزبية؟ هناك وسائل تنظيمية ووسائل معيارية ووسائل سياسية، فبالنسبة إلى الوسائل التنظيمية، فالمشروعية الديمقراطية التي تستند إليها القيادة الحزبية تفرزها صناديق الاقتراع، حيث يعتبر «المؤتمر العام» سيد نفسه في اختيار القيادة؛ وعندما يعتبر «المؤتمر العام» سيد نفسه، فإن هذه السيادة مستمدة من كونه مشكلا بطريقة ديمقراطية عبر ضمان تمثيلية حقيقية قائمة على اختيار حر للقواعد الحزبية عن طريق انتخاب مندوبيها في المؤتمرات الجهوية.
لا يمكن اختزال المشروعية الديمقراطية التي تستند إليها القيادة الحزبية في كون هذه الأخيرة منتخبة من قبل المؤتمر العام، بل ينبغي استحضار معطيين أساسيين لإضفاء معنى على هذه المشروعية الديمقراطية: يتمثل المعطى الأول في كيفية تشكيل المؤتمر العام أو، بتعبير آخر، في طريقة اختيار المؤتمرين، فانتخاب القيادة من قبل المؤتمر العام قد يغدو عملية صورية بدون مضمون ديمقراطي إذا ما كانت هناك مصادرة لحق القواعد الحزبية في اختيار ممثليها بشكل حر ونزيه وشفاف؛ ويتجلى المعطى الثاني في فتح باب التنافس على تحمل المسؤوليات القيادية، وبالتالي فلا يوجد معنى للديمقراطية إذا كان هناك اقتصار على مرشح واحد أو لائحة واحدة، فالأمر يصبح هنا أقرب إلى التزكية منه إلى الانتخاب، كما أنه لا يوجد معنى للديمقراطية في هذا الصدد إذا ما تمت الاستعانة بخدمات منافسين صوريين يقدمون ترشيحاتهم لا لشيء إلا لإضفاء المشروعية على المرشح الواحد أو اللائحة الواحدة.
تعبر الوسائل المعيارية للمشروعية الديمقراطية عن نفسها من خلال مقتضيات القوانين الأساسية والأنظمة الداخلية للتنظيمات الحزبية، فمقتضيات هذه القوانين والأنظمة تعكس، بشكل واضح، البعد الديمقراطي للتسيير من خلال تحديد الهياكل وصلاحياتها بشكل دقيق وعبر تحديد الحقوق والالتزامات، سواء على صعيد القيادة أو على صعيد القاعدة، كما تسطر هذه القوانين والأنظمة قواعد التداول على المسؤوليات، فالقوانين الأساسية والأنظمة الداخلية للأحزاب السياسية التي تستند إلى المشروعية الديمقراطية لا تكون مليئة بمساحات بيضاء تمنح القيادة حرية التأويل لممارسة هيمنة على التنظيم الحزبي بمبرر ممارسة سلطة تقديرية قد يساء استخدامها لتصبح متماثلة مع الاستبداد الحزبي.
تكمن الوسائل السياسية للمشروعية الديمقراطية في سلوكات القيادة الحزبية، حيث تسعى هذه الأخيرة إلى تكريس البعد المؤسسي للممارسة الحزبية بدل ترسيخ البعد الشخصي، وهذا ما يفسر انضباط القيادات الحزبية للقوانين والأنظمة وتقييد حرية تأويل مقتضياتها وتقليص السلطة التقديرية المخولة لهذه القيادات، وينتج عن تكريس البعد المؤسسي للممارسة الحزبية ترسيخ مبدأ سمو التنظيم الحزبي بدل سمو الزعامات الحزبية.
يتكامل اعتماد المشروعية الديمقراطية لتحقق مستوى التداول على المسؤوليات بتجديد النخب الحزبية، فلا مشروعية ديمقراطية بدون تجديد للنخب، وعليه فإن الأحزاب السياسية ذات المنزع الديمقراطي هي التي تشهد بشكل طبيعي دورانا للنخب، وهذا الدوران هو الذي يحول دون الوقوع في الاستبداد الحزبي الذي غالبا ما يمارس باسم المشروعية التاريخية أو باسم المشروعية الكارزمية.
إن الحديث عن تجديد النخب في علاقته بمستوى التداول على المسؤوليات الحزبية يقتضي تقديم بعض التوضيحات التي نراها ضرورية لإزالة الالتباس في ما يخص بعض التوظيف السيئ أو المغرض:
يرتبط التوضيح الأول بكون تجديد النخب لا يتنافى مع وجود قيادات كان لها دور وفضل في بناء التنظيم الحزبي، فوجود هذه القيادات ضروري كمصدر لقوة رمزية تلهم القيادات الفعلية التي تمارس صلاحياتها استنادا إلى القرار السياسي للمؤتمر العام، وبالتالي فإن تجديد النخب لا يفيد، بأي حال من الأحوال، القتل الرمزي للقيادات السابقة.
يتعلق التوضيح الثاني بكون تجديد النخب لا يعني إفراغ التنظيم الحزبي من أغلب مناضليه ونشطائه لسبب من الأسباب وتعويضهم بأعضاء جدد، فالتنظيم الحزبي القوي والفعال هو الذي يقوي نزعة الالتزام الحزبي لدى مناضليه للاستمرار في العمل داخل هياكله مع العمل في نفس الآن على اعتماد آليات لاستقطاب العديد من الفعاليات قصد ضخ دماء جديدة من شأنها اكتساب القدرة على التفاعل مع المستجدات ممارسة وخطابا. ويتجسد التوضيح الثالث في كون تجديد النخب أصبح يستوجب تحديدا لمدة ولاية القيادة، حيث أصبحت في الغالب لا تتجاوز ولايتين اثنتين.
إذا كان المستوى الأول للحكامة الحزبية، باعتبارها نمطا للتدبير الديمقراطي للشأن الحزبي، يكمن في التداول على المسؤوليات، فإن المستوى الثاني يرتبط بتدبير الاختلاف. وهذا التدبير الديمقراطي يعبر عن نفسه من خلال امتلاك ثقافة ديمقراطية تجاه غير المنتمين إلى التنظيم الحزبي، من جهة، والاعتراف بالتيارات داخل التنظيمات الحزبية، من جهة أخرى.
إن الأحزاب السياسية ذات المنزع الديمقراطي هي تلك الأحزاب التي تعمل على ترسيخ قيم التعايش والتساكن مع القوى السياسية التي تختلف معها على مستوى مرجعياتها ومستوى مواقفها وتصوراتها، وبالتالي تلقن مناضليها ونشطاءها المبادئ الأولى للاعتراف بالاختلاف وكيفية تدبيره، ويتأسس مدخل ذلك على التخلص من ثقافة الإقصاء أو الاستئصال، والتحرر من الحسابات الضيقة للإيديولوجيات السياسية وإكراهاتها التي تحتم، في حد أدنى، اللجوء إلى آليات بهدف التعبئة والحفاظ على وحدة التنظيم، تكون مسكونة بخطابات التمييز عن المختلف معهم من خلال استهجان الآخر واستحسان الذات.
لا يقتصر تدبير الاختلاف على امتلاك ثقافة ديمقراطية في التعاطي مع الأشخاص والقوى غير المنتمية إلى التنظيم الحزبي، بل يطال الاعتراف بالتيارات داخل نفس التنظيم، ذلك أن الأحزاب السياسية ذات المنزع الديمقراطي تمتلك تصورا لوحدة التنظيم ليس مرتكزا على إلغاء الاختلاف وإقصاء المخالفين، بل تمتلك تصورا يتأسس على السماح للمناضلين والنشطاء بحرية التعبير، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو بمجموعات تؤمن بنفس المواقف داخل نفس التنظيم. وعليه، فقد أضحى الاعتراف بالتيارات سمة جوهرية من سمات نمط التدبير الديمقراطي للشأن الحزبي.


محمد ضريف

Thursday, May 30, 2013

ملاحظات حول إصلاح النظام الجبائي المغربي (3/5)

- وعاء الضريبة على المساكن الفارغة: إن فرض هذه الضريبة لا يجب أن يكون شموليا، ولكن بناء على أهمية الجهات والمناطق التي
تتأثر بظاهرة انتشار المساكن الفارغة؛ فالمشرع الفرنسي يعتبر المساكن الفارغة الموجودة في المدن التي يتجاوز عدد سكانها 200 ألف شخص هي المساكن الخاضعة للضريبة.
وبالنسبة إلى المغرب، فإن مدنا كالدار البيضاء والرباط وطنجة... التي أصبحت تتأثر بشكل كبير بظاهرة المساكن الفارغة التي تعد مجالا مهما لتطبيق هذه الضريبة الجديدة. أما على صعيد المدة الزمنية التي يعتبر فيها السكن فارغا، فيجب اعتماد مدة كافية لصاحب السكن كي يحدد اختياره: إما الاحتفاظ به فارغا أو بيعه. وقد حدد المشرع الفرنسي هذه المدة في سنتين متتاليتين «يكون فيها العقار قابلا للسكن وخاليا من أي مظهر من مظاهر السكنى». وأخيرا، فإن تطبيق هذه الضريبة بشكل مقبول وفعال يقتضي تحديد بعض الشروط: فالمسكن يجب أن يكون قابلا للسكنى، أي يشمل جميع مستلزمات الإقامة (تجهيز، الإيصال بالشبكة الكهربائية،...). ولا تدخل في إطار هذه الضريبة المساكن الفارغة لسبب خارج عن إرادة المكلف، مثلا (المساكن القابلة للسقوط التي ستخضع لأشغال كبرى..)، كما أن المساكن التي تكون محل إقامة لمدة معينة، داخل المدة المحددة لاعتبار السكن فارغا، تعتبر خارج إطار الضريبة. وحدد المشرع الفرنسي هذه المدة في ثلاثين يوما «أي سكن فارغ يكون محل إقامة لمدة لا تقل عن ثلاثين يوما خلال السنتين أو إحداهما، لا يعتبر سكنا معنيا بالضريبة». ولتبرير الإقامة في المسكن الفارغ يؤخذ بالوثائق الإدارية من قبيل (إيصال الماء والكهرباء أو التلفون...).
- سعر الضريبة على المساكن الفارغة: تختلف المدة الزمنية التي قد يحتفظ بها صاحب عقار قابل للسكنى بملكه فارغا، لذلك فتحديد سعر هذه الضريبة سيتصاعد حسب طول مدة الفراغ، فالمشرع الفرنسي حدد سعر الضريبة في 10 في المائة بالنسبة إلى السنة الأولى التي يعتبر فيها المسكن الفارغ خاضعا للضريبة، ثم 12.5 في المائة في السنة الثانية و15 في المائة ابتداء من السنة الثالثة.
وبالنسبة إلى المغرب، فإن الإحصائيات تفيد بأن مدنا كالدار البيضاء والرباط وطنجة تتوفر على مساكن فارغة لمدة تتجاوز الخمس سنوات، وجباية هذه المساكن ستساهم في التقليل من انتشارها. وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد هذه الضريبة لا يعتبر حلا نهائيا لظاهرة انتشار هذه المساكن الفارغة، ولكنه سيؤدي إلى مساهمة صاحب السكن الفارغ في العبء الجبائي، إما ببيعه وتحريك السوق العقاري أو تحمل عبء اختيار الاحتفاظ بالعقار فارغا، وهو اختيار اقتصادي. وعموما، فإن مصاحبة هذه الضريبة بإجراءات أخرى، من قبيل حق الشفعة، سيمكن من التقليل من هذه الظاهرة وتبعاتها السلبية.
3 - 2) ضرورة فرض الجباية على الثروة:
تجد الضريبة على الثروة، التي تهم جميع ممتلكات الشخص، تطبيقها في أغلب الدول المتقدمة وحسب مختلف الأشكال، في حين لازالت دول العالم الثالث في غالبيتها تفتقر إلى هذا النوع من الضريبة. وبالنسبة إلى المغرب، يستند معارضو هذه الضريبة بصفة عامة إلى عدة تبريرات، اقتصادية أو مالية أو إدارية أو سوسيو-سياسية، لإبراز صعوبة تطبيقها؛ وبرز ذلك بقوة عند مناقشة قانون المالية لسنة 2012، حيث تم اقتراحها من طرف أحد الفرق البرلمانية، ولقيت كالعادة معارضة شديدة من طرف الحكومة ومن طرف اتحاد مقاولات المغرب، المؤثر الكبير على القرار الجبائي، الذي حذر رئيسه آنذاك من أي محاولة لتطبيق مثل هذه الضريبة، بل خرجت صورته إعلاميا وهو يهدد ملوحا بيده ومظهرا قوة تأثير اتحاد مقاولات المغرب. ونفس المعارضة لهذه الضريبة كانت قد عبرت عنها الحكومة السابقة سنة 2010. إذن، هناك رفض شديد لهذه الضريبة، وذلك بالاعتماد على تبريرات أصبحت في الحقيقة متجاوزة في الفكر المالي الحديث من قبيل:
- هذه الضريبة، في نظرهم، تهم الرأسمال مباشرة، لذلك ستعرقل مبادرة أصحاب الرأسمال في الادخار والاستثمار، وتؤثر سلبا على النمو الاقتصادي؛
- ثم إن قلة الرأسمال في الدول النامية تجعل إيرادات هذه الضريبة ضعيفة جدا؛
- كما أن عدم توفر إدارات هذه الدول على الكفاءات والوسائل المادية والبشرية سيؤدي إلى تطبيق سلبي لهذه الضريبة؛
- وأخيرا، فإن الضريبة تمس الملكية، وبذلك ستهدد لا محالة الاستقرار الاجتماعي.
عموما، شكل موضوع تطبيق الضريبة على الثروة، مطلبا أساسيا من طرف أغلب الباحثين الذين ناقشوا النظام الجبائي المغربي. وحاليا، فإن أي إصلاح حقيقي هادف للنظام الجبائي الحالي يقتضي تبني هذه الضريبة، وذلك لعدة أسباب:
1 - 3 - 2) الأهمية التي تكتسيها الضريبة على الرأسمال: تبرز الأهمية الكبرى التي تكتسيها الضريبة العامة على الثروة من خلال تأثيرها، سواء على صعيد الفعالية أو المردودية أو العدالة.
- توجيه رؤوس الأموال نحو الأنشطة المنتجة: إذا كان أغلب معارضي الضريبة على الرأسمال ينتقدون تأثيرها السلبي على النشاط الاقتصادي من خلال عرقلتها لمبادرة الاستثمار والادخار، فإن العديد من مناصري هذه الضريبة، وعلى رأسهم الأستاذ Allais، استطاعوا تفنيد هذه الانتقادات وإبراز الأهمية الكبيرة التي تكتسيها الضريبة على الرأسمال من الناحية الاقتصادية.
فهذه الضريبة -في نظرهم- توجه رؤوس الأموال نحو الأنشطة الأكثر فعالية ومردودية لأنها تفرض، بغض النظر عن الدخل الناجم عن هذه الأنشطة، الشيء الذي يضطر معه المكلف صاحب الرأسمال إما إلى استخدامه بصورة أفضل أو إلى التنازل عنه للغير (ادخارات مصرفية...)، وبذلك تقل الأنشطة غير المنتجة ويزداد البحث عن مجالات اقتصادية فعالة وجديدة، تساهم في تحسين استغلال الرساميل الموجودة. إذن، تأثير هذه الضريبة سيكون مهما بالنسبة إلى المغرب، خصوصا وأن رؤوس الأموال تتميز بالانتظارية والجمود، وإن اشتغلت فهي تتوجه غالبا نحو الأنشطة غير المنتجة.
- اللامساواة في توزيع الرساميل بين الأسر تشكل مجالا خصبا للضريبة: رغم أن الضريبة على الثروة لا تشكل سوى نسبة ضعيفة في بنية مداخيل النظم الضريبية التي تطبقها، فإنها استطاعت المساهمة في التقليل من تمركز الدخول في هذه الدول. وبالنسبة إلى المغرب، فإن تفاقم ظاهرة تمركز الثروات عبر السنين في أيدي فئات قليلة من الأسر يمكن أن يشكل مجالا خصبا للضريبة على الثروة؛ فمن الناحية التقنية ستعمل هذه الظاهرة على تبسيط تطبيق الضريبة، ومن ناحية المردودية ستشكل حتما مداخيل إضافية مهمة لخزينة الدولة هي في أشد الحاجة إليها في الوضعية الاقتصادية السلبية التي يعرفها المغرب حاليا، فإسبانيا -مثلا- عادت إلى تطبيق الضريبة على الثروة سنة 2010 كمساهمة في حل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها. كما أن الضريبة على الثروة ستساهم في التخفيف من حدة انتشار ظاهرة التملص الضريبي، لأنها تفترض أن يقدم المكلف بها تصريحا بثروته يصلح استخدامه لمراجعة وتدقيق تصريحه الخاص بالضرائب الأخرى، الشيء الذي سيزيد في مردودية هذه الأخيرة.
- مساهمة الضريبة على الرأسمال في تقليص التفاوت المهول على صعيد ثروات الأسر: لم يعد هناك أدنى شك اليوم في أن السياسة التي انتهجتها السلطات خلال العقود الأخيرة أدت إلى تمركز قوي للثروة في أيدي فئة قليلة من المواطنين، وتبرز بوضوح مساهمة السياسة الجبائية في هذه النتيجة. لذلك فإذا كان مبدأ العدالة الأفقية يقتضي معاملة المكلفين حسب مقدراتهم التكليفية اعتمادا على دخولهم وأيضا على ممتلكاتهم باختلاف أشكالها، فإن خضوع الثروة للضريبة، شأنهن شأن المداخيل، يعد مسألة حتمية ستساهم في تحقيق نوع من العدالة والعقلنة للنظام الجبائي؛ فالملكية توفر لصاحبها، مقارنة بالمداخيل، امتيازات أكثر تتمثل في: الاستقلالية، الأمان، وكذا إمكانية الاستفادة من عدة حاجيات أو، بمعنى آخر، صرف الأموال بحرية. من هنا، فإن الاقتصار حاليا على ضريبة المداخيل لم يعد كافيا حتى وإن كانت أسعار هذه الضريبة مرتفعة على نتاج الرأسمال، وذلك لسببين:
- فالضرائب على المداخيل عكس الضرائب على الرأسمال لا تميز بين من يملك ومن لا يملك؛
- والسبب الثاني هو أن بعض أشكال الرأسمال لا ينجم عنها أي دخل، مع أنها تمكن صاحبها من الاستفادة من امتيازات مهمة، لكن طبيعتها تجعلها خارج نطاق ضريبة الدخل، الشيء الذي يؤدي إلى إثقال الرأسمال المنتج بالضرائب.
كما تجدر الإشارة إلى أن مبدأ «الرأسمال البشري»، والذي يعد عنصرا أساسيا في أية استراتيجية حقيقية للإصلاح، يقضي بضرورة فرض الضريبة على الثروة، لأن ذلك سيؤدي حتما إلى التخفيف من العبء الجبائي الكبير الذي يقع على «مداخيل العمل». وفي هذا الإطار، يتساءل الأستاذ كروس كلود: كيف يمكن التردد في جباية «الرأسمال المادي»؟ خصوصا وأن «الرأسمال البشري» يتعرض منذ مدة طويلة لجباية قوية.
إذن، يمكن اعتبار هذه التبريرات، التي استعرضناها، كافية لإبراز أهمية اعتماد ضريبة على الثروة في المغرب. ولكي يكون تحليلنا عمليا أكثر، سنحاول تحديد تصور تقريبي وعملي لكيفية تطبيق هذه الضريبة في النظام الجبائي المغربي.


  حميد النهري

Wednesday, May 29, 2013

دراسة في القانون: المحاكمة العادلة على ضوء المواثيق والمعاهدات الدولية والعمل القضائي الدولي (الحلقة الثالثة)

تعتبر المحاكمة العادلة من أهم مواضيع حقوق الإنسان، وهي مؤشر على مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومقياس أصيل
 في بناء دولة القانون.    وقد يعتقد البعض عن خطأ أن المحاكمة العادلة ضماناتها تخص القضاء الجنائي وحده، بيد أن المحاكمة العادلة
 تصورها وضرورتها وتجلياتها تمتد لتشمل القضاء المدني وغيره من شعب القضاء الأخرى.

دخلت الاتفاقية الأمريكية  لحقوق الإنسان لسنة 1969 والمعروفة باسم حلف «سان خوسيه كوستاريكا»، لأنها اعتمدت في تلك العاصمة، حيز التنفيذ في يوليو 1978. وبلغ عدد الدول الأطراف فيها 24 دولة، حتى أبريل 2002 بعد انسحاب ترينداد وتوباغو من المعاهدة سنة 1998.
   وفي عام 1988 اعتمدت الجمعية العامة لمنظمة البلدان الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك البرتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و يسمى كذلك برتوكول «سان سالفادور.»
وفي سنة 1990 اعتمدت الجمعية العامة البرتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان القاضي بإلغاء عقوبة الإعدام، الذي بدأ العمل به في غشت 1991، وتتعهد الدول الأطراف في هذا البرتوكول بعدم تطبيق عقوبة الإعدام في إقليمها على أي شخص يخضع لولايتها (المادة1) كما تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان باحترام الحقوق والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية، وأن تكفل لجميع الأشخاص الخاضعين لولايتها حرية الممارسة الكاملة لتلك الحقوق والحريات دون تمييز.
فسرت هذه التعهدات من قبل محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان خاصة في قضية» فاليزكير» التي تتعلق باختفاء واحتمال وفاة هذا الأخير، وترى المحكمة أن الالتزام باحترام الحقوق والحريات المعترف بها في هذه الاتفاقية تعني ممارسة السلطة العامة لها حدودا منبثقة من حقيقة أن حقوق الإنسان خاصية متأصلة في الكرامة الإنسانية، وبذلك فهي تعلو عن سلطة الدولة.
كما أن الالتزام القانوني بتأمين الحقوق والحريات المتضمنة في الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، يعني أنه من واجب الدول الأطراف أن تمنع وتعاقب انتهاكات حقوق الإنسان، وأن عليها إن أمكن أن تعيد الحقوق المنتهكة إلى أصحابها وتوفر التعويض على نحو ما تبرره الأضرار المتكبدة».
ومن الحقوق المعترف بها بمقتضى هذه الاتفاقية والمرتبطة بموضوع الدراسة: 
الحق في المعاملة الإنسانية بما فيها عدم التعرض للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو للا إنسانية أو المهينة ( المادة 8).
الحق في محاكمة عادلة ( المادة 8).
الحق في التعويض في حالة إساءة تصريف شؤون العدالة ( المادة 10).
 الحق في المساواة أمام القانون والحماية المتساوية التي يوفرها (المادة24).
الحق في الحماية القضائية ( المادة 25).
وفضلا عن الاعتراف بالحقوق المدنية والسياسية، تتضمن الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان حقوقا اقتصادية واجتماعية وتربوية...
أما ممارسة قيود على هذه الحقوق، فلا يمكن أن يتم إلا إذا نص القانون عليها صراحة وفي حالات معينة، علما أن هناك بعض الحقوق تخرج من دائرة التقييد كالحق في الشخصية القانونية والحق في الحياة والحق في المعاملة الإنسانية وعدم تطبيق القوانين الجنائية على الشخص بأثر رجعي.
وبخصوص آليات تنفيذ هذه الاتفاقية، فإن نظام البلدان الأمريكية لحماية حقوق الإنسان يتألف من لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، ومن محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان بالنسبة للدول الأطراف التي قبلت ولايتها القضائية.
ومحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان حتى أبريل 2001، بلغ عدد الدول التي قبلت ولايتها الإلزامية 21 دولة، وتتألف من سبعة قضاة ينتخبون بصفتهم الشخصية ولها أمانة موجودة في سان خوسيه بكوستاريكا.
وقبل أن يتسنى للمحكمة النظر في قضية من القضايا، يجب إتمام الدعوى المعروضة على اللجنة والأحكام الصادرة عن المحكمة هي نهائية، وتتعهد الدول الأطراف بالامتثال لتلك الأحكام في أي قضية تكون الدولة طرفا فيها ( المادتان 67-68).
وقد تناولت كل من  اللجنة والمحكمة عددا لابأس به من القضايا التي يمكن الوقوف عليها في التقارير السنوية المتقدمة من كل منهما.
الفقرة الثالثة: الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة لسنة 1987.
اعتمدت الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة، وبدأ العمل بها في 1 فبراير 1989، وحتى أبريل 2002 بلغ عدد الدول المتعاقدة الأطراف فيها 42 دولة.
ورغم أن الاتفاقية الأوروبية تتصل اتصالا وثيقا باتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية  العامة للأمم المتحدة عام 1984، إلا أن لها سمة مميزة من حيث أنها أنشأت لجنة أوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة تتمتع كما سيتبين لاحقا بسلطة زيارة أي مكان للاحتجاز مشمول بالولاية القضائية للدول الأطراف.
وتتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية التي لا تتضمن أي تعريف للفعل غير المشروع أو الممارسة غير الشرعية للتعذيب، ولكنها تشير في ديباجتها وتحيل على المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنص على « وجوب عدم تعريض أي شخص للتعذيب والمعاملة أو العقوبة اللا إنسانية أو المهينة».
وحسب المادة 2 من الاتفاقية تتولى اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب أو العقوبة الإنسانية المهينة من خلال زيارات بدراسة معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم، بغية حمايتهم عند الضرورة.

بقلم: يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات 
دكتور في الحقوق.

Monday, May 27, 2013

حول قانون الزامية التعليم بالمغرب "قراءة لقانونين مهملين" للقاضي محمد نجيب البقاش 2

للقراءة بشكل أفضل وأوضح المرجو النقر على الصورة
المصدر: المغربية عدد يوم الجمعة 24 ماي 2013

حول قانون الزامية التعليم بالمغرب "قراءة لقانونين مهملين" للقاضي محمد نجيب البقاش 1


دراسة قانونية :السيادة والقانون الدولي الجنائي

ملاحظات حول إصلاح النظام الجبائي المغربي (2/5)


ج) سلطة قوية لضمان استمرارية الإصلاحات الهادفة: وأخيرا، تبرز ضرورة دولة ذات سلطة قوية بهدف تقوية الوعي الجبائي لدى المكلفين، والحفاظ على
الإصلاحات الجبائية المحققة؛ فالدولة هنا مطالبة باعتماد مبدأ الصرامة والإخبار عن جميع المخالفات التي تسجل على صعيد تحمل العبء الجبائي. وتأسيس نظام زجري قوي لمواجهة هذه المخالفات هو الذي يساعد على ضمان استمرارية الإصلاحات الهادفة. وفي هذا الإطار، فإن أهم تحدٍّ يبقى هو ضرورة مواجهة إشكالية التهرب والتملص الضريبيين، والتي تعتبر ظاهرة منتشرة جدا في المغرب، وتمثل عائقا حقيقيا أمام أي استراتيجية جبائية هادفة.
2 - توسيع الوعاء الجبائي:
إن إصلاح النظام الجبائي المغربي يقتضي الاهتمام بمسألة توسيع الوعاء الضريبي لأن طبيعة ووضعية هذا الوعاء تعتبران من بين الإشكالات الكبرى التي يعاني منها النظام الجبائي المغربي؛ فعلى صعيد المساحة، لازال هذا الوعاء لا يشمل بعض القطاعات المهمة، بل إن هذه الوضعية تؤثر سلبا على الصعيد الاجتماعي، حيث تجعل العبء الجبائي يقع بشكل كبير على المصادر الأخرى التي تدخل في الوعاء.
فإعادة توازن بنيات النظام الجبائي وجباية الرأسمال والفلاحة وعقلنة جباية العقار، أصبحت أمورا ضرورية لضمان مردودية أفضل وعدالة أكبر وفعالية أهم؛ فهذه القطاعات تعد مؤهلة أكثر من غيرها للمساهمة في إنجاز أي مشروع إصلاحي معقلن، وتستجيب للمبدأ الشهير والموضوعي في الفكر المالي «البحث عن الأموال حيث توجد» وليس -للأسف- ما نقتصر على تطبيقه عادة في بلادنا «البحث عن الأموال السهلة».
1 - 2) حان الوقت لجباية القطاع الفلاحي:
شكلت الضريبة الفلاحية موضوع اهتمام جل الخبراء والمحللين الذين ناقشوا النظام الجبائي المغربي. ويرجع هذا الاهتمام إلى كون هذه الجباية تتسم منذ الستينيات بنوع من الجمود، جعلها تمثل عائقا أمام تطور النظام الجبائي، وكذلك أمام هدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام؛ فضريبة الترتيب التي كانت تهم القطاع الفلاحي سابقا شكلت أهم مصدر للمداخيل الجبائية في مغرب ما قبل الاستقلال وحتى سنة 1960، لكن إصلاحها وتعويضها بالضريبة الفلاحية سنة 1961 أدى إلى نقل العبء الجبائي من البادية إلى المدينة.
وتميزت هذه الضريبة الجديدة خلال مراحل تطبيقها بضعف مردوديتها، حيث لم تتجاوز مساهمتها في المداخيل الجبائية العامة نسبة و1 في المائة، وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة بأهمية القطاع على الصعيد الاقتصادي. وقد أُرْجِعت هذه الوضعية إلى طبيعة الضريبة المتمثلة في ضعف تصاعديتها، وكذا تخفيفها للعبء الجبائي بشكل واضح عن الطبقات العليا حتى أصبح القطاع الفلاحي بذلك يمثل «جنة جبائية» ويستقطب رساميل مهمة من قطاعات أخرى لتتمركز في أنشطته.
وخلال العقود الأخيرة، تضافرت عدة أسباب أهمها ذات طابع سياسي، أفشلت كل المحاولات الإصلاحية للنظام الجبائي الهادفة إلى جعل الضريبة الفلاحية تلعب دورا يوازي حجمها الاقتصادي، عموما فالوضعية الاقتصادية الراهنة أصبحت تفرض، أكثر من أي وقت مضى، استغلال الفائض المهم، المتوفر في القطاع الفلاحي، وذلك عبر نهج ضريبة فلاحية معقلنة تنعكس إيجابيا على التنمية:
أ) أهمية الفائض المتوفر بالقطاع الفلاحي: أثبتت أغلب الدراسات التي اهتمت بالدول النامية بصفة عامة أن ضمان تمويل تنمية اقتصادية واجتماعية في هذه البلدان يقتضي ضرورة الاعتماد على القطاع الفلاحي. كما أكدت التجارب العملية لبعض الدول (الهند، اليابان،...) أهمية الضريبة الفلاحية في تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فالتنمية الكبرى التي عرفتها اليابان -مثلا- ما كانت لتتحقق لولا اعتمادها على تطبيق عملي لنظام الجباية الفلاحية بشكل صارم. وقد أدرك مسؤولو هذا البلد منذ أواسط القرن الـXIX أن أهمية تحصيل الفائض الموجود في القطاع الفلاحي وتوجيهه إلى القطاعات المنتجة يعد الشرط الأساسي للنجاح. ويعود سبب نجاح هذه التجربة أيضا إلى أن إصلاح الجباية الفلاحية جاء ضمن مشروع جبائي شامل همّ جميع الفاعلين الاقتصاديين، وصاحبته إصلاحات جذرية أخرى اعتمدت على إرادة سياسية واضحة.
وبالنسبة إلى وضعية الاقتصاد المغربي الحالية، فرغم صعوبة تحديد الفائض الموجود في القطاع الفلاحي نظرا إلى غياب الدراسات والإحصائيات الرسمية والتي غالبا ما تعمل، إن وجدت، على التقليل من قيمة هذا الفائض وأهميته، فإن العديد من الدراسات والبحوث الأكاديمية أثبتت أهمية فائض هذا القطاع، وإمكانية استغلاله وتوجيهه في مشاريع تنموية بناءة، وذلك عبر اقتطاع ضريبي فعال؛
ب) ضرورة خلق جباية فلاحية فعالة: إن أي مشروع إصلاحي يهدف إلى عقلنة النظام الجبائي المغربي يتطلب القيام بإصلاح حقيقي للضريبة الفلاحية؛ فإذا كان المنطق يقتضي استمرارية إعفاء الفلاحين الصغار، فإن الفلاحين الكبار أو الفلاحة العصرية، يجب أن تساهم في العبء الجبائي بشكل يتلاءم ودورها على الصعيد الاقتصادي؛ فعملية تجاوز «لفظة الفلاح العامة جدا»، حسب تعبير بول باسكون، أصبحت أمرا ضروريا على الصعيد الجبائي، وذلك بتبني ضريبة فلاحية تهدف إلى تحقيق المردودية والعدالة:
- وعاء الضريبة الفلاحية المقترحة: سيعتمد وعاء هذه الضريبة بالأساس على القيمة التجارية للأراضي المستغلة أو غير المستغلة، وكذلك على باقي الأصول المملوكة من طرف المستغلين (أدوات الاستغلال أو الإنتاج) وما يوجد في الاستغلالية (مواشي، أنعام،...). ويعتبر مالك الاستغلالية هو المكلف الحقيقي بالضريبة، إلا إذا كان هناك اتفاق بينه وبين المستغل الفعلي لهذه الاستغلالية يفيد عكس ذلك. كما يجب أن تمنح تخفيضات وتسهيلات ضريبية في حالات الفيضانات أو الجفاف طويل الأمد، بالإضافة إلى ضرورة تمتيع الاستغلاليات التي لا تتجاوز قيمة رأسمالها حدا أدنى (يتم تحديده بناء على معطيات الإحصاءات الفلاحية) بإعفاء شامل من الضريبة. وهذا الإجراء الأخير هو بدافع نقل العبء الضريبي إلى الاستغلاليات الأكثر أهمية، وإعفاء جل المستغلين الزراعيين الذين يتوفرون على أرض ولا يمتلكون إلا مساحات صغيرة.
وانطلاقا من الجدول السابق، فإن ما يناهز 75 من المستغلين الزراعيين يتوفرون على أقل من خمسة هكتارات، ومقسمون إلى: نسبة 4.3 في المائة بدون أرض، و21.1 في المائة أقل من هكتار واحد، و30 في المائة مابين هكتار واحد وثلاثة هكتارات، ثم 15.9 في المائة من مجموع المستغلين تملك ما بين ثلاثة وخمسة هكتارات. وتستغل هذه الفئات، على التوالي حوالي (0، 1.9، 10.4، 11.6) من المساحة الصالحة للزراعة، أي 24 في المجموع. إذن، إعفاء هؤلاء المستغلين حوالي 80 في المائة يعد نوعا من العدالة الجبائية ومساهمة في إصلاح أحد المظاهر السلبية التي يعاني منها القطاع الفلاحي في المغرب.
- معدلات تصاعدية للضريبة الفلاحية: بناء على الوعاء السابق فإن نسبة أقل من 30 في المائة من المستغلين الزراعيين، أي حوالي 432 ألف مستغل هي التي ستعتبر مكلفة بالضريبة. وتتوزع هذه الفئة من المكلفين بشكل متفاوت؛ فحسب الإحصاء الفلاحي لسنة 1998 دائما فإن: نسبة 16.6 في المائة من المستغلين تملك ما بين خمسة وعشرة هكتارات ونسبة 8.4 في المائة تملك ما بين عشرة إلى عشرين هكتارا، و3.2 في المائة تملك ما بين عشرين وخمسين هكتارا، و0.5 في المائة تملك من خمسين إلى مائة هكتار، ثم أخيرا حوالي 0.2 في المائة تملك أكثر من مائة هكتار. كما تستغل هذه الفئات على التوالي حوالي (21.7، 21.5، 6.7و8.7) من مجموع المساحة الصالحة للزراعة.
ومن خلال هذا التوزيع غير المتكافئ، فإن الضريبة الفلاحية يجب أن تعتمد معدلات أكثر تصاعدية بشكل يؤدي إلى توزيع عادل للعبء الجبائي. ويمكن لهذه المعدلات أن تتراوح ما بين نسبة 2 في المائة كسعر أدنى ونسبة 25 في المائة كسعر أقصى، وذلك بعد تحديد القيمة التجارية للاستغلاليات التي تشكل وعاء الضريبة الفلاحية.
إذن، إصلاح شامل للجباية الفلاحية سينعكس إيجابا على السياسة الجبائية، خصوصا إذا كان ضمن مشروع إصلاحي متكامل. وقد استنتج الأستاذ سرغيني، في دراسته سنة 1984، أن إصلاحا من هذا النوع سيحقق ثلاث نتائج مهمة: توزيع عادل للعبء الجبائي، أثر إيجابي على الصعيد الاقتصادي بحيث سيساهم في زيادة الإنتاج الفلاحي وتطويره، ثم مردودية جبائية كبيرة.
2 - 2) فرض ضريبة على المساكن الفارغة:
شكل القطاع العقاري أهم ملجأ للرساميل المستثمرة، لذلك فهو يمثل حقلا خصبا للاستقطاع الضريبي. لكن رغم تعدد الضرائب التي يخضع لها القطاع فإن مردوديته الجبائية لازالت ضعيفة ولا تلعب أي دور، سواء للحد من المضاربة العقارية أو لتعبئة الادخار وتوجيهه. وهكذا، فإن عقلنة وإصلاح النظام الجبائي الحالي تقتضي جعل القطاع العقاري يساهم بشكل أفضل على صعيد تحمل العبء الجبائي، وذلك بفرض ضريبة على المساكن الفارغة. وهذه الضريبة الجديدة لن يكون سنها بدافع الزيادة في جباية القطاع العقاري، ولكن الهدف هو محاولة المساهمة في التقليل من آثار إشكالية عدم ملاءمة العرض للطلب، وانتشار ظاهرة المساكن الفارغة والتي أصبحت تؤثر على القطاع نفسه.
وقد نهجت بعض التشريعات نفس النهج، وعلى رأسها التشريع الفرنسي الذي فرض ضريبة سنوية على المساكن الفارغة، بهدف التقليل من الآثار السلبية لهذه الظاهرة.

كتاب : فلسفة القانون؛ مفهوم القانون ومفهوم سريان القانون- تأليف: روبرت ألكسي .



رابط التحميل 1
رابط التحميل 2
رابط التحميل 3


المصدر: الكتاب تم نشره من صفحة علي مولا بالفيسبوك

Sunday, May 26, 2013

Saturday, May 25, 2013

ملاحظات حول إصلاح النظام الجبائي المغربي (1/5)


إن السياسة الجبائية، اليوم، لم تعد ذات أهداف مالية فقط وإنما باتت تروم تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، أي استعمال السلطات للجباية بمفهومها الحديث كوسيلة للتدخل في
الحياة الاقتصادية والاجتماعية وليس كوسيلة لتأمين تسديد النفقات العمومية فحسب، بمعنى الجباية ذات الوظائف المتعددة، ولذلك «لم يعد مطلوبا، اليوم، فقط البحث عن أحسن وعاء جبائي على صعيد المردودية كما كان الأمر في السابق، ولكن أصبح البحث أكثر عن إلى أي حد يمكن جعل الجباية وسيلة متميزة لتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية»؟
وفي المغرب، فإن حصيلة ونتائج السياسة الجبائية بصفة عامة خلال العقود الأخيرة تبقى محدودة ولا تساير التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي. وقد أكدت ذلك العديد من التقارير التي أنجزها البنك العالمي، وكذلك العديد من الدراسات الأكاديمية، بل إن السلطات المسؤولة نفسها ما فتئت تشير إلى بعض النتائج السلبية لهذه السياسة. وقد حاولت هذه السلطات، خلال العقد الأخير، إدخال عدة إصلاحات على هذه السياسة في سبيل جعلها أكثر فعالية، لكن هذه التعديلات بقيت جزئية ومعزولة فلم تحقق في الغالب الأهداف المنشودة، وبالتالي أصبح من الضروري اليوم تحديد استراتيجية جبائية جديدة تساير التحولات التي يعرفها المغرب على جميع الأصعدة وتساهم في ضمان مستقبل أفضل؛ فهل يمكن ذلك، خصوصا وأننا نتكلم عن السياسة الجبائية حيث تتداخل العديد من العوامل والاعتبارات، مالية وسياسية واقتصادية واجتماعية، والمطلوب خلق توازنات بينها؟
بطبيعة الحال، يمكن هنا الرد بالإيجاب، ولكن في حالة اعتماد مقاربات جديدة في تحديد الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسة الجبائية في سبيل تحقيق ما سماه الأستاذ بيروكس «التنمية الجديدة»، وذلك بإحداث قطيعة مع بعض المقاربات أو المفاهيم القديمة حول هذا الدور. سنحاول من خلال هذا المقال تحديد بعض التوجهات التي يمكن اعتبارها أساسية وأولية لأي استراتيجية جبائية، وذلك من خلال محورين: الأول عقلنة النظام الجبائي، والثاني إعادة تنظيم سياسة التدخل الجبائي.
محاولة إصلاح النظام الجبائي
لا توجد وصفة جاهزة لنظام جبائي معقلن، أو ضريبة «المعجزة» حسب تعبير ريفولي «تكون في نفس الوقت، سهلة التحصيل... غير مؤلمة، وأكثر عدالة، وفعالة اقتصاديا...»، لذلك فإن إصلاح النظام الجبائي المغربي في اتجاه عقلنته يعتبر مهمة صعبة وتتطلب عدة أوراش إصلاحية كبرى وعملية، تأخذ بعين الاعتبار، فشل مجموعة من الإصلاحات السابقة بسبب اقتصارها على الجانب النظري، والتي عادة ما تميزت بكثرة الوعود والحلول غير القابلة للتنفيذ. وسنحاول من خلال هذه الملاحظات مناقشة أهم التوجهات التي يجب أن تحظى بالأهمية والأولوية خلال إعداد توصيات المناظرة الوطنية الثانية، وذلك من زاويتين:
- تفعيل دور الدولة على الصعيد الجبائي، لأن أي إصلاح يقتضي أن يكون مؤسساتيا ويرتبط بالدولة؛
- توسيع الوعاء الجبائي في اتجاه أكثر عدالة، نظرا إلى اعتبار هذه الأخيرة الممر الرئيسي لنجاح أي إصلاح للنظام الجبائي.
1) تفعيل دور الدولة على الصعيد الجبائي:
تعددت الدراسات التي اهتمت بموضوع الدولة في المغرب، والتي حاولت في أغلبها تحديد العلاقة التي تربط الدولة بمحيطها الداخلي والخارجي على صعيد الجباية، هل تتميز ب«الاستقلالية» أم ب»«التبعية»؟
فمن جهة، هناك الفئات الاجتماعية المؤثرة التي تعبر عن إرادتها تأدية أقل ما يمكن من الضرائب حتى تتمكن من توسيع هامش الربح، وفي نفس الوقت هي في حاجة إلى الدولة «المانحة» والتي هي مطالبة، بالإضافة إلى دورها التنظيمي والأمني، بتهييء البنى التحتية وتوزيع المساعدات... أي كل ما له علاقة بضمان الشروط الملائمة لتحقيق أكبر قدر من الربح. ومن جهة أخرى، هناك تأثير المؤسسات المالية الدولية أو البحث عن «الشرعية الخارجية» المتمثلة في كسب ثقة هذه المؤسسات والتي تهدف أغلب توصياتها أساسا إلى ضمان استخلاص المديونية.
ولتجاوز مثل هذا النقاش نشير إلى أن شامبوتر خلص إلى أن الدولة بصفة عامة «تعكس دائما علاقة القوى الاجتماعية بدون أن تكون هي فقط انعكاسا لهذه العلاقة». كما أن فيركوبولوس يرى أن الدولة في المجتمعات النامية «تتمسك باستقلاليتها وتشتغل كجهاز. وفي نظر الفقيه، فإن الجهاز لا يمكن أن يترك مكانه للعلاقات الاجتماعية التي لا يمكنها أن تزيل الدولة كجهاز». ومناقشة السياسة الجبائية للدولة في المغرب من هذا المنظور تبين أن هذه الأخيرة، كجهاز، لازالت تتوفر على استقلال، سواء تجاه بعض الفئات الاجتماعية المؤثرة أو في ما يخص علاقتها بالمؤسسات المالية الأجنبية. وقد اتضح ذلك بجلاء في عدة مناسبات، حيث أصدرت بعض القرارات وضعتها في مواجهة مع هذه الفئات الاجتماعية، كما عمدت إلى عدم تطبيق العديد من المقتضيات التي أوصت بها المؤسسات الدائنة.
إذن، استغلال هذا الاستقلال هو الذي سيساعد على تنفيذ سياسة جبائية فعالة، وذلك من خلال ثلاثة محاور:
1 - 1) ضرورة توفر إرادة سياسية واضحة: خلص الأستاذ نكاوسيفاتن في دراسته إلى أن النسبة القليلة من دول العالم الثالث التي استطاعت إنجاح الإصلاحات الجبائية، بينت أن تطور أو عدم تطور جباية دولة نامية يرجع، بالأساس، إلى قوة أو ضعف إرادتها السياسية.
وهذه الأخيرة تبرز قيمتها كعامل أساسي ومقرر في تحديد مستوى التنمية بالنسبة إلى هذه الدول. لذلك، لا يمكن، اليوم، تحقيق أية سياسة جبائية سوى إذا اعتمدت على هذه الإرادة. وأي إصلاح جبائي هادف لا يتوفر على الشروط القوية لضمان نجاحه، وأهمها طبعا الإرادة السياسية الواضحة، سيكون مآله الفشل لأن التقنيات الجبائية، مهما كانت أهميتها، يبقى أثرها ضعيفا بدون هذه الإرادة.
إذن، تتطلب الاستراتيجية الجبائية الجديدة اليوم، قبل كل شيء، توفر الدولة على إرادة سياسية واضحة، تتم بلورتها في شكل ثقافة جديدة في التعامل الجاد والحقيقي مع كل جوانب هذه الاستراتيجية، وليس التعامل التمييزي أو التعامل بمكيالين الذي أصبح واقعا يعترض أي إصلاح يهم تدبير الشأن العام.
2 - 1) ضرورة توفر دولة ذات سلطة قوية لتجاوز الصعوبات: إن تنفيذ استراتيجية جبائية جديدة، ليس بالمهمة البسيطة، فالأمر يتطلب فرض إصلاحات حقيقية ستواجه عدة صعوبات، إدارية وسوسيو-سياسية وأخرى ترتبط بضمان استمرارية هذه الإصلاحات. لذلك، فإن هذه الاستراتيجية تقتضي دولة ذات سلطة قوية لضمان تجاوز كافة الصعوبات المحتملة وتحقيق الأهداف التنموية. ويرى نفس الأستاذ أن الدولة ذات السلطة القوية هي التي تملك جهازا قادرا على أن يضمن إجبارية وإلزامية القرارات الإصلاحية، وأيضا سلطة تتوفر على إرادة تطبيق كافة هذه القرارات على أرض الواقع:
أ- سلطة قوية لتجاوز الصعوبات الإدارية: إن السياسة الجبائية الفعالة تتطلب إدارة كفأة وناجعة وتتوفر على العدد الكافي من الموظفين المكونين. كما أن الإصلاحات التي تتضمنها هذه السياسة لن تكون مجدية إلا إذا رافقها تغيير عميق في العلاقات بين الجهاز الإداري والمكلفين. وفي هذا الإطار، أكد الأستاذ أردانت أننا «غالبا ما ننسى أن النظام الجبائي الأحسن تصورا لا تكون له قيمة إلا بفضل الإدارة التي تطبقه»، فدولة ذات سلطة قوية هي التي مكنت دولا عديدة (اليابان، الصين، كوريا الجنوبية) من تكوين إدارة جبائية صارمة وشريفة استطاعت تنفيذ الإصلاحات الجبائية الهادفة.
وبالنسبة إلى بلادنا، فالخطوات الإصلاحية الإيجابية التي عرفتها الإدارة الجبائية خلال العقد الأخير تسير في اتجاه دعم هذا التصور، فلا ننفي العديد من المواقف الجريئة والقوية للإدارة الضريبية المغربية والتي استطاعت من خلالها تحسين العلاقة بمختلف المكلفين، سواء على صعيد التبسيط أو الاستقبال أو توفير المعلومة؛
ب- دولة قوية لتجاوز الصعوبات السوسيو-سياسية: إن نهج سياسة جبائية فعالة، في إطار الاستراتيجية الجديدة، سيحدث آثارا إيجابية على صعيد العدالة الاجتماعية، وكذا على صعيد التنمية الاقتصادية. لكن ذلك سيعني الدخول في تحديات كبيرة مع مختلف الفئات الاجتماعية المستفيدة من إجراءات السياسة الجبائية الحالية. لذلك، فإن دولة ذات سلطة قوية هي القادرة على تجاوز مثل هذه المواجهات بنجاح، وإقناع هذه الفئات الاجتماعية بأهمية الإصلاحات، وبالتالي تحقيق سياسة جبائية هادفة. وقد بينت تجارب بعض الدول أن السلطة القوية هي التي مكنتها من تحقيق أهدافها الإصلاحية (اليابان، كوريا، الصين،...) لأن نسبة قوة ردود فعل الفئات المستفيدة ترجع بالأساس إلى الإطار السياسي الذي يأتي داخله أي إصلاح.
لذلك، فإن الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المغرب تتطلب تحمل المسؤولية من طرف الحكومة وضمان انسجام حكومي حقيقي من خلال برامج عملية قادرة على تفعيلها على أرض الواقع وبنهج مقاربة تشاركية حقيقية مع مختلف الفاعلين، معارضة ومجتمعا مدنيا... لأن الأمر يهم مستقبل البلاد.


حميد النهري 
المساء 25 - 05 - 2013

مدخل إلى علم السياسة - موريس دوفرجيه (طبعة المركز الثقافي العربي)



عندما صدر هذا الكتاب, عام 1964, كانت الحرب الباردة على أشدها, وكان العالم منقسماً بين معسكرين: اشتراكي ورأسمالي. 
ولم يحمل دوفرجيه لواء أيّ من المعسكرين وقدّم وجهة نظر أخرى, بل قدّم وجهة نظر أخرى, بل قدّم نقداً لكلا معسكرين منطلقاً من ممارساتها السياسية. 
اليوم يبدو أن النظام الاشتراكي قد انتهى ليس فقط إلى الفشل في تقديم حلول للآلام التي نتجت عن الرأسمالية, بل هو أنتج مزيداً من الفقر والتسلط. 
ولكن هل يعني سقوط "المعسكر الاشتراكي" أن النظام الرأسمالي هو الحلّ؟ 
بعد مضي عقدين من الزمن, سيطرت نظريات تدافع عن تأبيد النظام الرأسمالي, وتدعم الاتجاهات الأكثر تطرفاً في هذا نظام. فماذا كانت النتيجة؟ 
المزيد من الحروب وعمليات النهب, وأزمة اقتصادية أجبرت هذا النظام على الاعتراف بمأزقه. 
ونحن إذ نعيد نشر هذا الكتاب الهام, فليس لأننا نتبنى أو نرفض مقولاته, بل لأنه يعدّ من الكتب الأساسية في علم السياسة وارتباط السياسة بالنظريات الاجتماعية والاقتصادية. إضافة إلى أنه يعدّ مرجعاً لمرحلة مهمة يحتاجه الطلاب الذين يدرسون في هذا المجال.

Wednesday, May 22, 2013

اصدار جديد: قراءات في القوانين العقارية الجديدة

صدر عن مجلة الحقوق في إطار سلسلة "المعارف القانونية والقضائية" عدد أو اصدار خاص بعنوان " قراءات في القوانين العقارية الجديدة"، يهم مجموعة من المستجدات التشريعية في المادة العقارية. وقد جاء في هذا الإصدار:
أولا : قراءات متقاطعة في التشريع العقاري الوطني و المقارن:
التعـرضات على مطلب التحفيظ بين النص القانوني والعمل القضائي
الدكتور إدريس الفاخوري 
المقتضيات القانونية الجديدة للتقييد الاحتياطي المبني على أمر من رئيس المحكمة الابتدائية.
الأستاذ نجيب شوقي
موقف القانون المغربي من إشكالية أصل التملك في العقارات غير المحفظة 
الأستاذ محمد الكويط
دور قواعد وأحكام التحفيظ في حماية الملكية العقارية على ضوء مقتضيات القانون رقم 14.07
الدكتور حنان سعيدي
التعرض على التحفيظ بين البعد الحمائي والاستعمال التعسفي على ضوء القانون رقم 14.07
الأستاذة سعيدة بن عزي
الاشكالية العملية للمادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية وتأثيرها على الاقتناءات العقارية لفائدة الملك العام للدولة 
الأستاذ ميمون خراط
النظام القانوني للمسؤولية في مدونة الأوقاف
الأستاذ حسن بوخرصى 
أثر تسلسل التقييدات على حقوق الغير
الدكتور بوحامد عبد القادر
الإطار التشريعي للحقوق العينية في القانون المدني الجزائري
الدكتور مراد حسيني
إثبات الوقف العام بين مدونة الأوقاف وأحكام الفقه الإسلامي
الأستاذ زكرياء العماري
ثانيا : نصوص ووثائق في المادة العقارية:

مقترح قانون يرمي الى تغيير وتتميم المادة الرابعة من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية،
مشروع مرسوم بتطبيق ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون 14.07،
مذكرة صادرة عن المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية حول شروط قبول ملفات تحيين الرسوم العقارية للبنايات المشيدة والمنجزة قبل 31 دجنبر 2010،
مذكرة المحافظ العام في شأن القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية،
مشروع قانون يقضي بتتميم المادة 174 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية،
مشروع قانون يغير ويتمم بمقتضاه ظهير التحفيظ العقاري.

Monday, May 20, 2013

بحث قانوني: مبادئ الميزانية المحلية



تقديم
المبحث الأول: مبادئ الميزانية المحلية

المطلب الأول: مبدأ السنوية
المطلب الثاني: مبدأ وحدة الميزانية المحلية
المطلب الثالث: مبدأ تخصيص النفقات
المطلب الرابع: مبدأ قاعدة توازن الميزانية المحلية
المطلب الخامس: مبدأ عدم تخصيص الإيرادات

المبحث الثاني : الاستثناءات الواردة على مبادئ الميزانية المحلية

المطلب الأول : الاستثناءات التي ترد على مبدأ السنوية
المطلب الثاني : الاستثناءات التي ترد على مبدأ وحدة الميزانية
المطلب الثالث :الاستثناءات التي ترد على مبدأ تخصيص النفقات
المطلب الرابع :الاستثناءات التي ترد على مبدأ توازن الميزانية المحلية
المطلب الخامس : الاستثناءات التي ترد على مبدأ عدم تخصيص الإيرادات

تقديم:
إن الميزانية بمفهومها الحديث هي من وضع انجلترا ثم جاءت فرنسا و بنتها على أسس علمية واضحة ، و تعتبر الحقبة الزمنية الممتدة من عام 1789 م حتى عام 1914 م مرحلة ظهور و تثبيت قواعد الميزانية .
و لقد عرف القانون الفرنسي ميزانية الدولة بكونها تلك الصيغة التشريعية التي تقدر بموجبها أعباء الدولة ووارداتها ، و يؤذن بها و يقررها البرلمان في قانون الميزانية الذي يعبر عن أهداف الحكومة الاقتصادية و المالية .
وحسب المادة 3 من القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها تعتبر الميزانية المحلية تلك الوثيقة التي يقرر و يؤذن بموجبها بالنسبة لكل سنة مالية في مجموع موارد و تحملات الجماعة المحلية أو المجموعة .
و يراد حسب مدلول المادة 2 من نفس القانون رقم 45.08 أن الآمر بالصرف هو الوالي عامل العمالة أو الإقليم مقر الجهة في ما يخص الجهات و العامل في ما يخص العمالات و الأقاليم و رئيس المجلس الجماعي في ما يخص الجماعات الحضرية و القروية و الوالي عامل عمالة الرباط في ما يخص الجماعة الحضرية للرباط ، و باشوات المشاور في ما يخص جماعات المشاور و رئيس مجلس المجموعة في ما يخص مجموعة الجماعات المحلية و رئيس لجنة التعاون المشتركة بين الجهات في ما يخص لجان التعاون المشتركة بين الجهات و رئيس مجلس المقاطعة في ما يخص المقاطعة .أما فيما يخص المجلس التداولي فيتحدد في المجلس الجهوي و مجلس العمالة و الإقليم و المجلس الجماعي و لجنة التعاون المشتركة بين الجهات و مجلس المجموعة و مجلس المقاطعة .
و مما سبق ذكره سنتناول الموضوع حسب الإشكال التالي:
ما هي مبادئ الميزانية الجماعية ؟ و ما هي الاستثناءات التي ترد عليها ؟
سوف نعتمد في دراستنا لهذا البحث التقسيم التالي:
المبحث الأول: مبادئ الميزانية المحلية
المطلب الأول: مبدأ السنوية
المطلب الثاني: مبدأ وحدة الميزانية المحلية
المطلب الثالث: مبدأ تخصيص النفقات
المطلب الرابع: مبدأ قاعدة توازن الميزانية المحلية
المطلب الخامس: مبدأ عدم تخصيص الإيرادات
المبحث الثاني : الاستثناءات الواردة على مبادئ الميزانية المحلية
المطلب الأول : الاستثناءات التي ترد على مبدأ السنوية
المطلب الثاني : الاستثناءات التي ترد على مبدأ وحدة الميزانية
المطلب الثالث :الاستثناءات التي ترد على مبدأ تخصيص النفقات
المطلب الرابع :الاستثناءات التي ترد على مبدأ توازن الميزانية المحلية
المطلب الخامس : الاستثناءات التي ترد على مبدأ عدم تخصيص الإيرادات

المبحث الأول: مبادئ الميزانية المحلية

تقوم الميزانية المحلية على مجموعة من القواعد تهدف إلى ضبطها و تبسيطها بطريقة عقلانية و تتمثل أهم المبادئ في: مبدأ السنوية – مبدأ الوحدة – مبدأ التوازن –مبدأ تخصيص النفقات – مبدأ عدم تخصيص الإيرادات.

المطلب الأول: مبدأ سنوية الميزانية الجماعية

هذا المبدأ يفيد المدة السنوية التي تغطيها الميزانية ،التي تمتد من اليوم الأول لبدأ تنفيذ الاعتمادات المقررة إلى اليوم الأخير لقفلها. و بناء على الفصل 20 من مرسوم 30 شتنبر 1976 ، و المتعلق بالمحاسبة الخاصة بالجماعات المحلية ، الذي يوضح أن استخلاص الجبايات و المساهمات و مدا خيل الجماعة المحلية هو مرخص سنويا في الميزانية في نفس الصدد بين الفصل 27 من نفس المرسوم يؤكد أن كل المداخيل التي يتم تقسيم استخلاصها عبر عدة سنوات يجب أن يرخص لها كل سنة بأمر خاص.
أما الفصل 44 من نفس المرسوم المذكور يبين أن النفقات تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لميزانية السنة المالية التي يتم من خلالها التأشير على التراخيص من طرف القابض و هذه النفقات يجب أن تصرف من الاعتمادات الخاصة بنفس السنة .

المطلب الثاني : مبدأ وحدة الميزانية

قبل الإصلاح الجماعي لسنة 1976 كان هناك تنظيم مالي مبني على وجود ميزانيتين: ميزانية أصلية تخص التسيير و ميزانية تخص التجهيز، و هو ما جعل أن هذه الأخيرة تعرف مجموعة من العراقيل على مستوى التنفيذ. غير أن الإصلاح الجماعي لسنة 1976 نص على انه تشتمل الميزانية على جزأين : الجزء الأول تدرج فيه عمليات التسيير سواء فيما يتعلق بعملية المداخيل أو النفقات ، و الجزء الثاني الذي يتعلق بعمليات الاستثمار و يمثل جميع الموارد المخصصة للتجهيز و الأغراض المستعملة فيها .

المطلب الثالث: مبدأ تخصيص النفقات

يقضي هذا المبدأ بأن الاعتمادات مقسمة إلى وحدات نسبيا محددة، أي أن هذه الاعتمادات هي إلى حد ما مرتبطة بنفقات ،بمعنى آخر أن إجازة الإنفاق ليس عاما أو إجماليا يسمح بموجبه صرف المبالغ المعتمدة ،بل هو مفصل و موزع إلى اعتمادات مخصصة في شكل وحدات صغيرة يجب التقيد بإنفاقها في الأوجه المخصصة لها.

المطلب الرابع: مبدأ قاعدة توازن الميزانية المحلية

ينص الظهير المتعلق بالتنظيم المالي المحلي لسنة 1976 بأن تكون الميزانية متوازنة في كل جزء من جزئيها ، و في حالة ظهور فائض في تقدير الجزء الأول وجب تخصيصه للجزء الثاني .
كما انه لا يجوز استعمال مداخيل استثمار في مقابل نفقات تسيير ، أما إذا ظهر عجز فيجب تغطيته بإمدادات الدولة و ذلك تطبيقا للمبدأ العام في الميزانية الجماعية و الذي ينص على أن الموارد الجماعية تحكم الإنفاق الجماعي .


المطلب الخامس: مبدأ عدم تخصيص الإيرادات

يقضي الفصل السابع من الظهير المتعلق بالتنظيم المالي المحلي المذكور أعلاه على أن مبدأ عدم تخصيص الإيرادات يقضي بعدم تخصيص مورد ما لنفقة معينة من بين تلك التي تكون مجموع الجزء الأول في الميزانية سواء في إطار ميزانية ملحقة أو حساب خصوصي .
أما بخصوص تخصيص مورد ما لنفقة معينة من بين تلك التي تكون مجموع الجزء الثاني من الميزانية ، فانه يدخل في إطار الميزانية الرئيسية أو الملحقة أو الحساب الخصوصي.
و يهدف هذا المبدأ إلى حث الجماعات إلى عدم تبذير المال العام في المجالات التي تزيد فيها الموارد عن النفقات مما يشجع الإسراف.

المبحث الثاني : الاستثناءات الواردة على مبادئ الميزانية المحلية

ترد على مبادئ الميزانية المحلية عديد الاستثناءات و ذلك لجعل الميزانية المحلية أكثر مرونة.

المطلب الأول : الاستثناءات الواردة على مبدأ السنوية

1- الاتفاقيات المالية: و هي كل عقد سلف بين جماعة محلية و مجموعة مالية، أو عقد كراء موقف للسيارات، و هي عقود يمكن أن تدوم لسنوات.
2- الترخيصات في البرامج : يمثل التكلفة الإجمالية المقدرة لنفقة ضرورية لانجاز برنامج الاستثمار و الذي يستوجب تحقيق أكثر من سنة .
فالآمر بالصرف يمكن له أن يربط الجماعة ماليا بمشروع تجهيز يكون تنفيذه فعليا و ماليا مقسما على عدة سنوات بعد موافقة سلطة الوصاية.
3- الديون العمومية: و هي الديون التي تكون الجماعة ملزمة بإرجاعها و ذلك وفقا لمراحل زمنية تمتد لسنوات.
4- الضمانات الممنوحة

المطلب الثاني : الاستثناءات الواردة على مبدأ وحدة الميزانية

يمكن أن تتضمن الميزانية كلا من الميزانيات الملحقة و الحسابات الخصوصية و هذا التقسيم لا يعني عدم وجود علاقة مع الميزانية بحيث نجد أن الميزانية الملحقة متوحدة مع الميزانية الرئيسية بفضل وجود حسابات الربط المفتوحة بالميزانية الرئيسية لاستقبال الفائض أو العجز المحتمل في الميزانية الملحقة .
أما بالنسبة للحسابات الخصوصية ، فمبدأ الوحدة متوفر سواء في الحسابات المرصودة لأمور خصوصية أو حسابات النفقات من المبالغ المرصودة.
و تجدر الإشارة أن الميزانيات الملحقة و الحسابات الخصوصية تحدت بقرار مشترك يصدره وزير الداخلية ووزير المالية باقتراح من رئيس الجماعة و تحصر و تصرف و تراقب كالميزانية الجماعية.

المطلب الثالث : الاستثناءات الواردة على مبدأ تخصيص النفقات

1- تغيير الاعتمادات أو تحويلها داخل فصول الميزانية و بين الفصول في حالة عدم كفاية الاعتمادات مما يؤدي إلى تغيير في طبيعة الاعتمادات ،و هو تغيير أيضا في التقديرات الأولية مما يمس بتوازن الميزانية.
2- الاستثناء الثاني يتجلى في منح الجماعة مداخيل طارئة و غير مبرمجة و ذلك في إرجاع مبالغ برسم أموال مقبوضة بصفة غير قانونية ، و لا يلجأ إلى هذه المسطرة إلا خلال فترة التسيير التي تحملت النفقة المطابقة . و عندما يكون المبلغ المعاد دفعه يعادل أو يفوق مبلغا يحدد بمرسوم يصدر باقتراح من وزير الداخلية ووزير المالية.

المطلب الرابع : الاستثناءات الواردة على مبدأ توازن الميزانية المحلية

يمكن القول أن الجزء الأول، و إن قدم لموافقة سلطة الوصاية متوازنا فيمكن أن يكون توازنه قائما على طلب إعانة مقدم من طرف الآمر بالصرف. غير أن هذه الإعانة يمكن أن يتم تقليصها تبعا لأهمية النفقات المقترحة و الأسباب المقدمة ، و ذلك حتى لا تعمد الجماعة إلى التقليل من أهمية أعباءها و تضخيم مداخيلها.

المطلب الخامس: مبدأ عدم تخصيص الإيرادات

1- بخصوص الميزانية الملحقة : إذا كان هناك فائض مرتقب أو فعلي يتم تخصيصه بالدرجة الأولى للجزء الثاني من هذه الميزانية من اجل برمجة نفقات الاستثمار و في حالة إذا كان برنامج الاستثمار كاف و لا يستدعي تدعيمه بفائض الجزء الأول يتم عندئذ تسجيل الفائض المرتقب من هذه الميزانية كمورد للجزء الثاني من الميزانية الرئيسية .
2- على مستوى نفقات الاستثمار تفيد الفقرة 2 من الفصل 7 من ظهير 1976 المتعلق بالتنظيم المالي المحلي ، بإمكانية تخصيص مورد من موارد الاستثمار لنفقة تتعلق بالتجهيز بالنسبة للأشغال الكبرى كالطرق و البنايات في إطار ميزانية الاستثمار من غير خلق ميزانية ملحقة أو حساب خصوصي .
3- بخصوص الحسابات الخصوصية من خصائصها استعمال هذه الحسابات لأمور خصوصية بحيث تربط المداخيل بالنفقات مباشرة و تقر بها فيما بينها بحيث نجد :
· حسابات المبالغ المرصودة لأمور خصوصية تبين عملية إدراج في باب المداخيل لمبالغ مخصصة للتمويل التقديري لصنف معين من النفقات كما تبين الأغراض المستعملة فيها هذه المبالغ و يدرج مبلغ التقديرات في الملخص العام للميزانية.
· أما حسابات النفقات من المبالغ المرصودة فحسب الفصل 11 من ظهير 1976 المتعلق بالتنظيم المالي المحلي فيبين النفقات من المبالغ المرصودة أي العمليات التي يتم تمويلها بواسطة موارد معينة مسبقا ، إذ أن تحقيق الموارد يسبق النفقات و بالنسبة لفائض الموارد في حسابات النفقات من المبالغ المرصودة فيتم تأجيله للسنة الموالية و إذا لم يتم استهلاكه في هذه السنة يتم ضمه كمورد للجزء الثاني من الميزانية الموالية .
4- الاستثناء الأخير يتجلى في أموال المساهمة: يتعلق الأمر بمساهمات الإدارات و المؤسسات العمومية مثل أموال المساهمات التي تعطيها وزارة الشبيبة و الرياضة ، مساهمة الخواص المستفيدين من مشاريع بناء الطرق .

لائحة المراجع :

- ظهير 30 شتنبر 1967 الخاص بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و هيأتها الذي حدد أنواع النفقات الجماعية .
- ظهير شريف رقم 1.09.02 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009 ) بتنفيذ القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها .
- عبد الفتاح بلخال ، علم المالية العامة و التشريع المالي المغربي ، الطبعة الأولى 2005.
- ذة/زيدوري ، محاضرات في مادة المالية المحلية ألقيت على طلبة السداسية السادسة شعبة القانون العام بكلية الحقوق بالمحمدية للسنة الدراسية 2009/2010 .

بحث قانوني: أنماط الاقتراع



تقديم
المبحث الأول : الاقتراع الأحادي الاسمي
المطلب الأول : الاقتراع الأحادي الاسمي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة
المطلب الثاني : الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين
المطلب الثالث : ايجابيات و سلبيات الاقتراع الأحادي الاسمي
المبحث الثاني : الاقتراع اللائحي
المطلب الأول : الاقتراع اللائحي بالأغلبية
المطلب الثاني : الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي
المطلب الثالث : ايجابيات و سلبيات الاقتراع اللائحي
خاتمـة

تقديم:

تعتبر الانتخابات لحظة مميزة في النظم السياسية المعاصرة بسبب أنها تجسد أقوى اللحظات المتاحة للمجتمع المدني للتعبير عن إرادته و علاوة على أنها وسيلة عملية لاختيار من ينوب عن الأمة في ممارسة سيادتها.
في الفقه الدستوري تعتبر الانتخابات شكل من أشكال التعبير عن السيادة في الدولة الديمقراطية سواء تعلق الأمر بالحكم التمثيلي أو الحكم المباشر أو الحكم الشبه المباشر، و يشكل الاقتراع المرحلة المهمة و الأساسية للانتخابات.
و يمكن تعريف الاقتراع اصطلاحا بأنه: أن يدلي المواطن (الناخب) بصوته في انتخاب أو تصويت. و يقال اقتراع المرء: أي عبر عن رأيه في استفتاء أو انتخاب أو تصويت، أي أدلى بصوته و بين رأيه كتابة( أو الكترونيا) في من يختاره ممثلا له في مجلس أو لجنة أو غيرها.
تجدر الإشارة أن مدونة الانتخابات بالمغرب تندرج ضمن الإصلاحات التي جاءت بها المراجعة الدستورية بتاريخ 13 سبتمبر 1996 .
و تتميز العلاقة بين النظام السياسي و أسلوب الانتخاب بقدر من الترابط ، لذلك سادت في الثقافة الدستورية و السياسية مقولة مفادها : " اعطني النظام الانتخابي احدد لك طبيعة النظام السياسي المطبق ".
و أسلوب الانتخاب عكس على الدوام الصراع السياسي بشأن السلطة و مداخل الاستحواذ على آليات ممارستها كما أن التجارب على الصعيد العملي أفرزت أسلوبين انتخابيين يشكلان مرجعية الممارسة الانتخابية و هما الاقتراع الفردي و الاقتراع اللائحي .
و عليه ما هو مفهوم هاذين النمطين و ما هي ايجابيات و سلبيات كل نمط منهما ؟
سنحاول التطرق إلى هذا الإشكال من خلال نهج التقسيم التالي:

المبحث الأول : الاقتراع الأحادي الاسمي
المطلب الأول : الاقتراع الأحادي الاسمي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة
المطلب الثاني : الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين
المطلب الثالث : ايجابيات و سلبيات الاقتراع الأحادي الاسمي
المبحث الثاني : الاقتراع اللائحي
المطلب الأول : الاقتراع اللائحي بالأغلبية
المطلب الثاني : الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي
المطلب الثالث : ايجابيات و سلبيات الاقتراع اللائحي





المبحث الأول: الاقتراع الأحادي الاسمي

في هذا الأسلوب من الاقتراع يقوم الناخبون بالتصويت على مجموعة من المرشحين الذين يتنافسون من اجل الفوز بمقعد واحد داخل إطار دائرة انتخابية صغيرة نسبيا، و هو ينقسم إلى قسمين:

المطلب الأول: الاقتراع الأحادي الاسمي بالأغلبية النسبية في دورة واحدة

في هذا النوع من الاقتراع ، في حالة انتخاب عضو واحد في إطار دائرة انتخابية أو هيئة ناخبة ، ينتخب المرشح الذي حصل على اكبر عدد من الأصوات ، إذا أحرز مرشحان أو عدة مرشحين عددا متساويا من الأصوات ، ينتخب أكبرهم سنا ، و في حالة تعادل السن تجري القرعة لتعيين المرشح الفائز .

المطلب الثاني : الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين

و هو الذي يكون فيه الاقتراع أحاديا اسميا في دورتين إذا كان الفوز بالمقعد المتنافس من اجله مستندا إلى الحصول على الأغلبية المطلقة و يمكن أن نعطي مثالا على ذلك.
عدد المقاعد المتنافس عليها في دائرة انتخابية: مقعد واحد
عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية : 5000
عدد الناخبين : 2500
عدد الأصوات الملغاة : 500
عدد الأصوات الصحيحة : 2000
عدد الأصوات المحصل عليها من قبل المرشحين الخمسة :
المرشح الأول : 600
المرشح الثاني : 450
المرشح الثالث : 400
المرشح الرابع : 300
المرشح الخامس : 250

توضيح : الفرق بين الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة من جهة و الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين .
ففي حالة الاقتراع في دورة واحدة فان المرشح الأول الذي حصل على 600 صوت هو الفائز رغم عدم حصوله على الأغلبية المطلقة و هي 50 في المائة زائد 1 و بالتالي يكون حصل على الأغلبية النسبية .
أما في الاقتراع الأحادي في دورتين و أخذا بنتائج المثال السابق و اعتبارا لعدم حصول أي مرشح على الأغلبية المطلقة فانه يتم تنظيم دورة ثانية يتنافس فيها المرشح الأول الذي حصل على 600 صوت ، و المرشح الذي حصل على 450 صوت ، فالفائز بالمقعد الانتخابي المتنافس عليه هو المرشح الذي يحصل على أعلى نسبة من الأصوات .
و في حالة تساوي الأصوات يكون المرشح الأكبر سنا هو الفائز .

المطلب الثالث : ايجابيات و سلبيات الاقتراع الاسمي
أ‌- الايجابيات
يتميز نمط الاقتراع الأحادي الاسمي ببساطته إذ يسهل على الناخب التعرف بدقة على مرشحيه و الوقوف على برنامجه و بالتالي تحديد اختياره النهائي.
و يرى أنصار هذا النظام أن الناخب يقوم باختيار نائب واحد فقط في دائرته الصغيرة، الأمر الذي ينتج عنه تمثيل كل دائرة من دائرة الانتخاب بنائب واحد فقط، كما أن هذا النمط يمكن الناخب من معرفة السيرة الذاتية لكل مرشح.
ب – السلبيات
رغم بساطة هذا النمط من الاقتراع إلا انه تعتريه جملة من السلبيات تتمثل في كونه يركز على الشخص أكثر من تركيزه على البرامج الحزبية، مثلما يشجع على الرشوة الانتخابية.

المبحث الثاني: الاقتراع اللائحي

يفيد الاقتراع اللائحي قيام الناخبين بالتصويت على مجموعة من اللوائح، حيث تضم كل لائحة عدد المقاعد الانتخابية المتنافس عليها في إطار دائرة انتخابية واسعة نسبيا.
بمعنى أن الناخب لا يصوت على مرشح واحد، بل على لائحة أو قائمة تضم عدة مرشحين في دائرة انتخابية موسعة، و بالتالي فورقة التصويت تتركب من قائمة من الأسماء.
و ينقسم الاقتراع اللائحي إلى شكلين اثنين و هما:

المطلب الأول: الاقتراع اللائحي بالأغلبية

يشبه هذا الاقتراع إلى حد ما الاقتراع الأحادي الاسمي، و هذا الأسلوب من الاقتراع له نوعين:
ý الاقتراع اللائحي بالأغلبية في دورة واحدة، حيث الفائز هو المرشح الحاصل على الأغلبية حتى و لو كانت نسبية.
ý الاقتراع اللائحي في دورتين : إذ يعتبر الفائز هو المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة ، أي نصف الأصوات المعبر عنها زائد (1).

المطلب الثاني: الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي

كان الغرض من هذا الأسلوب الانتخابي هو : " تأمين تمثيل نسبي لجميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات ، لأنه يمكن كل لائحة حزبية من مقاعد نيابية تتناسب و عدد الأصوات التي حصلت عليها في الاقتراع ، و من تم فهو يسمح للأقلية بحماية حقوقها و مشاركتها في تمثيل إرادة الأمة ".
تم إن في هذا النوع لا تفوز " اللائحة الحاصلة على أغلبية الأصوات " بجميع المقاعد الانتخابية المتنافس عليها ، سواء كانت هذه الأغلبية نسبية أو مطلقة ، بل يتم توزيع تلك المقاعد انطلاقا من تقنيتين :

التقنية الأولى : تتمثل في الحاصل الانتخابي أو الخارج الانتخابي و هو عدد الأصوات المعبر عنها على عدد المقاعد المتنافس عليها ، و الحاصل قد يكون محليا و قد يكون وطنيا :

· إذ يستخرج الحاصل الانتخابي المحلي: بتقسيم الأصوات المعبر عنها على عدد المقاعد الانتخابية المتنافس عليها داخل دائرة انتخابية معينة.
· و يستخرج الحاصل الانتخابي الوطني : بقسمة الأصوات المعبر عنها وطنيا على المجموع الإجمالي للمقاعد الانتخابية .







التقنية الثانية : تتجلى في العدد المتساوي حيث يحدد القانون مسبقا عدد الأصوات التي ينبغي الحصول عليها للفوز بمقعد انتخابي .
كمثال على ذلك ، لنفترض أننا أمام دائرة انتخابية معينة :

P عدد المقاعد المتنافس عليها في دائرة انتخابية معينة:5 مقاعد
P عدد اللوائح المتنافسة : 5 لوائح
P عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية للدائرة : 30.000 ناخب
P عدد المشاركين : 23.000 مشارك
P عدد الأصوات الملغاة : 3000 صوت
P عدد الأصوات المعبر عنها : 20.000 صوت

الخـارج الانتخابي هو عدد الأصوات المعبر عنها على عدد المقاعد أي 5/20.000 = 4000 صوتا ، و بعد احتساب الخارج نمر إلى عملية توزيع المقاعد ، كل لائحة حصلت على عدد أصوات مساوي للخارج الانتخابي نمنحها مقعدا من اجل ملئ جميع المقاعد .

R اللائحة الأولى : 6000 صوت = مقعد واحد + 2000 صوت بدون تمثيل.
R اللائحة الثانية : 4500 صوت = مقعد واحد + 500 صوت بدون تمثيل .
R اللائحة الثالثة : 4000 صوت = مقعد واحد
R اللائحة الرابعة : 3200 صوت = 0 مقعد + 3200 صوت بدون تمثيل .
R اللائحة الخامسة : 2300 صوت = 0 مقعد + 2300 صوت بدون تمثيل.

إذن فهناك مقعدين شاغرين، و بالتالي لا بد من توزيع المقعدين المتبقين و نعتمد لأجل ذلك الطريقتين التاليتين:

الطريقة الأولى: الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على أساس اكبر البقايا

في هذه الطريقة ، يتم منح المقاعد المحتفظ بها للوائح التي تتوفر على اكبر بقية من حيث عدد الأصوات ، بعد طرح الحاصل الانتخابي .
و نبدأ بأكبر بقية ثم التي تليها لتوزيع و ملئ المقاعد المحتفظ بها .
w اللائحة الأولى : 2000 صوت
w اللائحة الثانية : 500 صوت 
w اللائحة الثالثة : 0 صوت
w اللائحة الرابعة : 3200 صوت ( أول اكبر بقية )
w اللائحة الخامسة : 2300 صوت ( ثاني اكبر بقية )
نلاحظ أن اللائحة التي تتوفر على اكبر بقية هي اللائحة الرابعة ب 3200 صوت فتحصل على مقعد واحد .
يظل هناك مقعد واحد محتفظ به ، فتعاد نفس العملية ، فتستفيد اللائحة الخامسة من المقعد المتبقي على اعتبار أن اللائحة الخامسة تتوفر على ثاني اكبر بقية.





الطريقة الثانية : الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على أساس أقوى المعدلات

في هذه الطريقة ، يتم منح المقاعد المحتفظ بها للوائح التي تتوفر على أقوى المعدلات ، و يتم الحصول على أقوى معدل انطلاقا من عدد الأصوات المحصل عليها مقسومة على عدد المقاعد المحصل عليها اعتمادا على الحاصل الانتخابي مضاف إليها مقعد افتراضي .
نقوم بإضافة المقعد الوهمي و نمنح مقعدا إضافيا حقيقيا للائحة التي حصلت على أقوى معدل .
اللائحة الأولى : 6000 صوت مقسومة على مقعد محصل عليه +مقعد افتراضي = 3000 صوت.
اللائحة الثانية : 4500 صوت مقسومة على مقعد محصل عليه + مقعد افتراضي =2250 صوت.
اللائحة الثالثة : 4000 صوت مقسومة على مقعد محصل عليه + مقعد افتراضي =2000 صوت .
اللائحة الرابعة : 3200 صوت مقسومة على 0 مقعد +مقعد افتراضي = 3200 صوت .
اللائحة الخامسة : 2300 صوت مقسومة على 0 مقعد + مقعد افتراضي = 2300 صوت .

نلاحظ أن اللائحة التي تتوفر على أقوى معدل هي اللائحة الرابعة ب 3200 صوت، فنمنحها مقعدا .
و تعاد نفس العملية لتوزيع المقعد المحتفظ به ، ثم تستفيد اللائحة الأولى ب 3000 صوت التي تتوفر على ثاني أقوى معدل بالمقعد المحتفظ به .
هكذا تكون النتيجة النهائية طبقا لطريقة الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على أساس أقوى المعدلات كالتالي:
v اللائحة الأولى : 6000 صوت = مقعدان (2)
v اللائحة الثانية : 4500 صوت = مقعد (1)
v اللائحة الثالثة : 4000 صوت = مقعد (1)
v اللائحة الرابعة: 3200 صوت = مقعد (1)
v اللائحة الخامسة : 2300 صوت = مقعد (0)
و بالتالي نكون قد وزعنا كل المقاعد، فتكون اللائحة الأولى قد حصلت على مقعدين، أما اللائحة الخامسة فقد حصلت على صفر مقعد.
تأسيسا على ما سبق نستنتج بأن الفرق بين أسلوب اقوى المعدلات و أسلوب اكبر البقايا يتجلى فيما يلي :
فهذا الأخير غالبا ما يكون في صالح الأحزاب السياسية الصغرى ، أما أسلوب أقوى المعدلات فيكون في صالح الأحزاب السياسية الكبرى .

المطلب الثالث : ايجابيات و سلبيات الاقتراع اللائحي

أ‌- الايجابيات : من مميزات هذا النمط أن كبر دائرة الانتخاب المصاحب لنظام الانتخاب بالقائمة يحرر النواب من ناخبيهم ، مما يجعل الانتخاب يقوم على برامج و ليس على العلاقات الشخصية كما أن هذا النوع من الاقتراع يجعل المواطنين أكثر اهتماما بشؤونهم العامة ، مما يضاعف من أعداد الأصوات الانتخابية إلى جانب كون الانتخاب على اللائحة يكون حول الأفكار و البرامج و ليس صراعا بين الأشخاص ، بيد أن أهم من كل هذا ، أن هذا النظام من شأنه أن يحول دون تشويه الانتخابات كالضغط على الناخبين أو المرشحين أو الرشوة أو تدخل الإدارة في الانتخاب .
ب‌- السلبيات : يعرف هذا النمط صعوبة تمييز المواطن بين برامج الأحزاب كما أن هذا النمط يفرض قدرا كبيرا من التأطير الحزبي ، كما انه يقوم بإقصاء أصوات الناخبين نظرا للعدد الكبير للأصوات الملغاة لصعوبة ملأ الورقة الفريدة من طرف الناخبين حيث أن نسبة كبيرة منهم أميين .
صعوبة عملية فرز و إحصاء الأصوات تتطلب مجهود كبير من طرف رئيس مكتب التصويت ، حيث أن هناك عمليتين منفصلتين و مستقلتين و هما : إحصاء الأصوات التي نالتها كل لائحة على صعيد الدائرة الانتخابية المحلية ( العادية ) و إحصاء الأصوات التي نالتها كل لائحة على صعيد الدائرة الانتخابية الوطنية ( الإضافية ).

خاتمـة:

صفوة القول أنه ليس هناك نمط اقتراع جيد و آخر رديء ، فالنقاش حول نمط الاقتراع يجب أن يبحث في إمكانية صياغة معادلة تتعلق بالتقنيات الانتخابية التي تلائم المسلسل السياسي الذي تعيشه الدولـة . و يلاحظ أن الحكم على نمط اقتراع ما غير ممكن بسبب غياب دراسات ميدانية تبين أن هذا النمط أو ذلك يعرقل التطور السياسي.
و الجدل حول التقنيات الاقتراعية يظل بدون مضمون إذا لم يكن مرفوقا بمحاولة فهم المغزى السياسي الذي تريده الدولة من الانتخابات ، مع التشديد على ضرورة استحضار الاعتبارات الجغرافية و الإدارية ( التقطيع الانتخابي) في أي نمط اقتراع .

لائحة المراجع :

v احمد مالكي : الوجيز في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية ، المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش 2001 .
v محمد ضريف : القانون الدستوري " مدخل لدراسة النظرية العامة و الأنظمة السياسية " مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى - الدار البيضاء 1998 .
v نبيلة عبد الحليم كامل :" الوجيز في النظم السياسية و القانون الدستوري المغربي " دار النشر الدار البيضاء.
v موسوعة العلوم السياسية ، الجزء الأول الطبعة الثالثة بيروت.
v احمد بيطام : الاقتراع النسبي و التمثيلية (حالة الجزائر)، رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام تخصص القانون الدستوري ، جامعة الحاج لخضر ، الجزائر 2005 .
v القانون رقم 97-9 المتعلق بمدونة الانتخابات كما تم تغييره و تتميمه إلى غاية 30 ديسمبر 2008 .
v جبران مسعود : رائد الطلاب ، دار العلم للملايين بيروت لبنان 2003.
v عبد الرحيم منار اسليمي ، جريدة الأحداث المغربية ، عدد الجمعة 5 ماي 2006 .




page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا