Thursday, February 28, 2013

المخطط التشريعي برسم الولاية التشريعية التاسعة


المخطط التشريعي برسم الولاية التشريعية التاسعة كما وافق عليه مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 22 نونبر 2012

Tuesday, February 26, 2013

الرميد: التوفيق بين حرية الصحافة واحترام القضاء معادلة صعبة


على بعد أسابيع من اختتام مسلسل إصلاح العدالة، الذي انطلق قبل أشهر، اختارت وزارة العدل والحريات المشرفة على تنظيم الندوات الخاصة بهذا الحوار أنْ تجمع الصحافيين ورؤساء تحرير الجرائد الوطنية، جنبا إلى جنب مع مكونات
جسم العدالة، من قضاة ووكلاء الملك ومحامين، في يوم دراسيّ خُصّص لمناقشة العلاقة المتوترة بين صاحبة الجلالة والجسم القضائيّ.
وكان مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، أولَ المتدخلين في افتتاح اليوم الدراسي، حيث أكد أن «القضاء والإعلام هما عمودان أساسيان لبناء دولة الحق والقانون، لارتباطهما بقيميتين ثمينتين هما العدالة وحرية التعبير، لكن التحدي المطروح أمامنا اليوم هو كيفية حلّ المعادلة الصعبة، بالتوفيق بين هذين المرتكزين بما يحترم في الآن نفسِه الحق في الإخبار للجمهور، وأيضا احترام قرينة البراءة والحياة الخاصة للأفراد».
وأضاف الرميد أن العلاقة المتوترة بين الطرفين ترجع إلى محاولة كل طرف ممارسة وظيفته المجتمعية، «حيث قد تترافق التغطية الإعلامية للشأن القضائيّ ببعض التجاوزات التي تحد من التداول القانونيّ للمعلومات، مما قد يمسّ بسير العدالة وقرينة العدالة لأفراد، وكذا ما قد تطرحه المعالجة القضائية للقضايا الإعلامية من تساؤلات بشأن مقومات المحاكمة العادلة للإعلاميين واحترام خصوصيتها وفق ما يقرّه القانون الوطني».
من جهته، قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن عمل هيأة إصلاح العدالة يتكامل بشكل كبير مع عمل الهيأة المشرفة على وضع مدونة جديدة للنشر والصحافة، «حيث لا يمكن لحرية الصحافة أن تتطور بدون منظومة قضائية متكاملة، تكرّس للمسؤولية الصحافية وتواكب المستجدات والاجتهادات القضائية وتحمي الحقوق الفردية والجماعية دون أن تمسّ بحرية الرأي والتعبير التي كرّسها الدستور».
وأكد الخلفي أن «سنة 2012 شهدت نزوعا واضحا من طرف القضاة نحو استخدام قانون الصحافة بدل القانون الجنائيّ، مع العمل ما أمكن على تشجيع الصلح بين الأطراف، وهو ما يستدعي مستقبلا بلورة نظام للتعويضات لا يهدد بنية المقاولة الصحافية، علما أن العديد من القضايا التي عُرضت على القضاء في هذه السنة تم إبطال المتابعة فيها لفائدة الصحافيين لمجرد وجود عيوب شكلية»..
وأكد نور الدين مفتاح، رئيس فدرالية الناشرين، من جهته، أنّ «المشكل القائم بين القضاء والصحافة في المغرب كان مشكلا سياسيا منذ الاستقلال، والصحافة كانت دائما هي الضحية، بحكم أن السلطة، وخاصة ما يعرف بالدولة العميقة، كانت تستعمل في غالب الأحيان القضاءَ من أجل «قمع» الصحافة، رغم أن كلا من الصحافة والقضاء يحملان مسؤوليات جساما تجاه المجتمع».
وأضاف مفتاح أن «هناك مشكلا في الضمير المهنيّ، سواء بالنسبة إلى القضاة أو الصحافيين، وهو ما يعززه غياب التواصل بين الجانبين، ولذلك فأنا أقترح إنشاء هيأة مشترَكة يُمثَّل فيها كل من مهنيي الصحافة والقضاء، لتفادي سوء التفاهم الذي يخلقه في غالب الأحيان غياب التواصل بين الطرفين».
يشار إلى أنّ اليوم الدراسي عرف، في كثير من أطواره، شنآنا بين بعض القضاة والصحافيين الحاضرين، بسبب الاختلاف حول تقدير ما يجب أن يشهده مجال القضاء المختصّ في الصحافة من تحولات، حيث اتهم مدير إحدى الجرائد القضاة ووكلاء الملك الحاضرين بأنهم «لم يستطيعوا التخلي عن أدوارهم ك»مغرّقين»، وعن عقلياتهم التي تكره الصحافيين حتى أثناء أشغال اليوم الدراسي».. في حين اعتبر المتدخلون من القضاة أنّ «بعض الصحافيين «دكتاتوريون» ويعتبرون أنفسَهم فوق القانون»..

دراسة في القانون: تصورات حول نجاعة العدالة الجنائية (الحلقة الثالثة)


رغم أن العدالة هي قيمة إنسانية تختلف عن كل التصورات الاقتصادية التي تعتمد وسائل العمل والإنتاج والكلفة والجودة، فإن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية التي عرفها العالم، وحاجة المواطن إلى عدالة ناجعة وجيدة،كلها وغيرها أسباب دفعت إلى تفكير الفقه والمسؤولين
الحكوميين والقضائيين، بالمغرب وخارجه  في إعمال تلك التصورات على العدالة الجنائية. أما من حيث تأثير التشريع المسطري الحالي على نجاعة العدالة الجنائية، فيمكن القول بأن قانون المسطرة الجنائية لم يعد يساير في وضعه الحالي مقتضيات الدستور، بصرف النظر عن تخلفه عن مواكبة التطور التكنولوجي الذي يمكن للعدالة أن تستفيد منه، وعن التحولات الوطنية والإقليمية والدولية في مجال حقوق الإنسان، وحق الدفاع جزء لا يتجزأ منه، ومنه حق المشتبه فيه في التبصير، فورا، بحقوقه أمام الضابطة القضائية، كالحق في الصمت والحق في حضور المحامي، وكالحق الكامل والفعلي في الدفاع أمام قضاء النيابة العامة وقضاء التحقيق، والحق في المحاكمة العادلة،  إضافة إلى غموض بعض مقتضيات ذلك القانون وتعقيد بعضها،  فبات بالتالي لزاما تغييره وتعديله لهذه الأسباب ولغيرها.
 أما تأثير الوضع المسطري الحالي على النجاعة، وتحقيق المحاكمة العادلة،  فيمكن رصده على عدة مستويات من أهمها، مرحلة البحث التمهيدي، والنيابة العامة وقضاء التحقيق، والحاجة الى قاضي الحريات والاعتقال، على النحو التالي:
 مرحلة البحث التمهيدي:
  اعتبارا لكون "مرحلة البحث التمهيدي مرحلة ذات حساسية كبيرة وخطيرة في مسار المحاكمة باعتبارها تمهد بنسبة كبيرة لمصير المعني بها ومصير حريته وحقوقه، الأمر الذي أضحى يفرض تمتيع  الشخص موضوع البحث التمهيدي بحقوق الدفاع كاملة بكل مضامينها وشموليتها كالحق في تبصيره بكافة حقوقه، بما فيها حقه في الصمت وحقه في حضور المحامي منذ بدء الوضع تحت الحراسة النظرية وأثناء الاستنطاقات. 
 وهكذا أتى الفصل 23 من الدستور بمقتضيات جديدة تنص على أنه " يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت، ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون."
  ومعلوم أن هذا المقتضى الدستوري قد تم استلهامه من اتفاقيات وصكوك دولية، لا شك أن منها " الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الناصة في المادة السادسة منها، وتحت عنوان " الحق في محاكمة عادلة"، على أن" لكل متهم الحق في أن يبلغ في أقصى مهلة وبلغة يفهمها وبالتفصيل بطبيعة التهمة الموجهة إليه وبسببها، وأن يمنح الوقت الكافي والتسهيلات لتحضير دفاعه".
 وإعمالا للاتفاقية المذكورة، فقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مبدأ ضرورة الاستعانة بمحام من بداية الوضع تحت الحراسة النظرية إلى نهايتها وخلال الاستجواب، مع إمكانية الاطلاع على وثائق الملف.
  ومسايرة للمواثيق المشار إليها، فقد أعطى القانون رقم 392.2011 الصادر بفرنسا بتاريخ 14/4/2011 حول تعديل موضوع الحراسة النظرية، الحق للمحامي بأن يحضر كل فترة الحراسة النظرية منذ بدايتها، كما عزز في الحق في السكوت الذي كان قد ادخل بموجب القانون الصادر بتاريخ 15/6/2000.
 ومن أجل محاولة الرفع من نجاعة مسطرة العدالة الجنائية عند مرحلة البحث التمهيدي، يمكن التذكير، إضافة إلى ما سبق بيانه من حقوق، بما يلي:
 - إن الشرطة القضائية تعمل، بمقتضى الفصل 128 من الدستور تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، في كل ما يتعلق بالأبحاث والتحريات الضرورية في شأن الجرائم، وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة، وهي بذلك يجب أن تخضع لرقابة قضائية حقيقية وفعلية حول ظروف الوضع تحت الحراسة النظرية، وللتعرف أكثر على إشكالية موقع الشرطة القضائية بين ازدواجية التبعية الإدارية والقضائية، يمكن الرجوع الى العرض المقدم من طرف الدكتور مصطفي حلمي عضو الهيأة العليا.
 - إذا كان مطلوبا عدم استعمال أي أسلوب للعنف أوالتعذيب أو الإهانة ولو بالإشارة، وعدم الاعتداد بأي شهادة للشخص على نفسه أو باتهام نفسه، فلا بد من وضع جزاءات جنائية وتأديبية لزجر ذلك وردعه، مع النص على بطلان المحاضر عند خرق القاعدة الآمرة المطلوب سنها.
 -  ينبغي أن لا تمتنع الضابطة القضائية عن تلقي الشكايات مباشرة من أصحابها، سيما في حالة التلبس، وأن لا تكتفي بتوجيههم إلى النيابة العامة، والمادتان 57 و78 من قانون المسطرة الجنائية لا تمنعانها من ذلك، بل العكس هو الصحيح.
-   لتلافي البطء والتعقيد، ينبغي إيجاد مقتضى قانوني يتم معه تفادي البحث من طرف أكثر من جهة ضبطية، لأن في الاستماع للمشتكي بالدائرة حيث يسكن، وإرجاع الملف إلى الإدارة المركزية المحلية لإرساله إلى حيث يسكن المشتكى به، مضيعة كبيرة للوقت وللجهد، والفقرتان الثانية من المادة 22 والأولى من المادة 22/1 يمكن اتخاذهما منطلقا لتأسيس ذلك المقتضى لمحاولة الحد من حالة التعقيد والبطء المشار اليها.
- اعادة النظر في الحجية التي تكتسيها المحاضر المنجزة بخصوص القضايا الجنحية، وقصرها على ما عاينه الضابط، دون ما تلقاه من تصريحات .
- إن مطالبة الضابطة بمجهودات إضافية لما تقوم به في إطار التصدي للإجرام، يقتضي بالضرورة اعادة النظر في امكانياتها المادية والبشرية، مع تحفيز رجالها وتحصينهم بمنحهم رواتب محترمة، والاهتمام بوضعهم الاجتماعي والسكني، وبأيتامهم وأراملهم، دون إهمال ربط المسؤولية بالمحاسبة.
- إن مكافحة الأشكال الجديدة للجرائم ذات الخطور الخاصة كالجريمة المنظمة  وغيرها أضحى يفرض إدخال وسائل خاصة للبحث والتحري، مع ضرورة احترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
على مستوى النيابة العامة، يلاحظ أن:
- نشاطها مثقل بتراكم المهام وتعددها، واختلاط المهام الإدارية والتدبيرية بالمهام القضائية، مع نقص كبير في عدد قضاة النيابة العامة، وكتاب الضبط التابعين لهم، ونقص، أحيانا، في التكوين بتجلياته المختلفة، وهو ما يقتضي إعادة النظر في طريقة عملها عن طريق فصل ما هو تدبيري وتسييري عما هو قضائي محض، وتوظيف العنصر البشري اللازم، والزيادة في عدد قضاة النيابة العامة مع تحصينهم بالتكوين الأساسي والمستمر والتخصصي، إذ لا ضير في أن يقضي القاضي حياته المهنية في النيابة العامة،كاختيار، يمكنه من التفرغ لمجالات عمل محددة سيتقنها بلا شك، وسينعكس ذلك على الجودة والتبسيط وتقديم الخدمات للمرتفق، ومن ثمة على الرفع من نجاعة العدالة الجنائية والقول نفسه يصدق على غيره، فالوضع الحالي أضحى غير مقبول، حيث يقضي رجل القضاء في النيابة العامة خمس أو عشر سنوات، ثم يولى أمر البت في نزاعات الشغل أو يسند أمر اليه امر البت في القضايا الجنحية نفسها، لكن ليس لمؤهلاته العلمية والمهنية، بل لما كان قد عرف عنه من تشدد في الاعتقال عند ممارسته مهام النيابة، فتختل آنئذ الموازين كلها.
- هناك مطالبات بتوسيع صلاحيات النيابة العامة، في إطار النجاعة وخلق البدائل،  عن طريق  "منح السيد الوكيل العام للملك صلاحية الإحالة على المحكمة في حالة سراح" بحذف الفقرة الخامسة من المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة بوجوب إصدار أمر بالاعتقال من طرف الوكيل العام للملك، إذا ظهر له أن القضية جاهزة للحكم عند الإحالة مباشرة على غرفة الجنايات.
 ودون أن تغيب في هذا المقام النداءات الحقوقية التي كانت مطروحة وقت صدور ظهير الإجراءات الانتقالية سنة 1974 والذي عيب عليه، وقتها، توسيعه لصلاحيات النيابة العامة على حساب قضاء التحقيق، مع ما ينطوي عليه اللجوء إلى هذا القضاء – مبدئيا – من ضمانات، فإن الفقه مازال يتوجس خيفة من ذلك التوسع، ويقول " إذا كان القانون يخول للنيابة العامة صلاحيات كبيرة في مجال تجسيد سياسة التجريم، من خلال سلطتها في تقرير ملاءمة المتابعة وإقامة الدعوى العمومية وممارستها في تعاون مع قضاء التحقيق وقضاء الحكم "... " فإن مركزها يوحي في هذا الجانب بالهيمنة على القضاء الجنائي ".

بقلم: طيب محمد عمر, المحامي بهيأة الدار البيضاء

Sunday, February 24, 2013

COURS D'INITIATION A LA METHODOLOGIE DE RECHERCHE

خبير مغربي: يؤكد مخالفة قانون المالية 2013 لمقتضيات الدستور


أكد الخبير الدستوري الدكتور مصطفى قلوش، في دراسة جديدة توصلت بها هسبريس، بأن قانون المالية الحالي مخالف لمقتضيات الدستور المغربي، وبأنه غير سوي التكوين، ويتعارض مع الفصل 84 من الدستور الذي يحتاج بدوره إلى ترميم بسبب الصياغة السقيمة لمحتواه" بحسب تعبير الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق أكدال بالرباط.

وفي ما يلي نص الدراسة المطولة كما توصلت بها جريدة هسبريس الإلكترونية من الدكتور مصطفى قلوش:

قانون المالية لسنة 2013 مخالف لمقتضيات الدستور

تنص الفقرة الأولى من الفصل 78 من الدستور على أن : "لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين". بيد أنه في مجال قانون المالية، فإن الحكومة بمفردها هي التي تنفرد بحق الاقتراح، عن طريق تقديم مشروع قانون إلى البرلمان للتداول بشأنه والبت فيه، وفق الضوابط المنصوص عليها في الفصل 75 و77 و78 و84 من الوثيقة الدستورية لسنة 2011.

واحتسابا لعدم تمكن البرلمان من التصويت على قانون المالية مع نهاية السنة المالية؛ بسبب اختلاف مجلسي البرلمان على إقراره بصيغة موحدة، أو نتيجة عدم إصداره جراء إحالته إلى المحكمة الدستورية؛ فإن الدستور أجاز للحكومة أن تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها وفق ما هو مبين في الفقرة الثالثة والرابعة من الفصل 75 من الدستور.

والقانون المالي الحالي لسنة 2013 مر بالمحطات الرئيسية التالية :

• قدمت الحكومة مشروع قانون المالية في جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان بتاريخ 24 أكتوبر 2012.

• عُرض على مجلس النواب ثم تمت الموافقة عليه بتاريخ 24 نوفمبر 2012.

• أحيل على مجلس المستشارين وتم التصويت عليه بالموافقة بتاريخ 25 ديسمبر 2012 بعد أن أُدخلت بعض التعديلات على مشروع قانون المالية كما صوت عليه مجلس النواب.

• عُرض مشروع قانون المالية من جديد على مجلس النواب، بسبب ما أحدثه مجلس المستشارين من تغيير في بعض مقتضياته. وتم تصويت مجلس النواب على المشروع في قراءته الثانية يوم الجمعة 28 ديسمبر 2012، بعد أن أَدخل عليه بعض التغييرات التي جعلت صيغة المشروع مخالفة لتلك التي صوت عليها مجلس المستشارين.

• في نفس اليوم الذي تم فيه إقرار قانون المالية من طرف مجلس النواب، صدر الأمر بتنفيذه بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.12.57 وفق أحكام الفصل 50 من الدستور؛ مما يعني أن تصويت مجلس النواب على القانون في قراءته الثانية، تم يوم الجمعة 28 ديسمبر 2012. وفي ذات اليوم والتاريخ صدر الأمر بتنفيذه؛ دون اعتداد بدور مجلس المستشارين في مجال التشريع، ومن غير اكتراث بما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور التي تنص على وجوب التداول بين المجلسين إلى أن يتم التوصل إلى المصادقة على نص واحد.

• في يوم الاثنين 31 ديسمبر 2012، وهو اليوم الذي تم فيه نشر قانون المالية في الجريدة الرسمية، تقدم 107 عضوا من أعضاء مجلس النواب بطعن أمام المجلس الدستوري، بدعوى مخالفة بعض مقتضيات قانون المالية للدستور.

• رغم أن يوم الثلاثاء الموافق لفاتح يناير من سنة 2013، يعتبر يوم عطلة رسمية (المادة 42 و512 و513 من قانون المسطرة المدنية)؛ فإن أعضاء المجلس الدستوري أصدروا قرارهم رقم 912-13، يصرحون فيه : "بعدم قبول الإحالة الرامية إلى التصريح بعدم مطابقة بعض مقتضيات قانون المالية للسنة المالية 2013 للدستور". وقد علل الموقعون على القرار لمنطوق حكمهم بالحيثية التالية : "وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، تكون إحالة قانون المالية للسنة المالية 2013 على المجلس الدستوري، بعد صدور الأمر بتنفيذه، قصد البت في مطابقة بعض مقتضياته للدستور، غير مقبولة".

وبعد هذا السرد التسلسلي لأهم الأحداث البارزة المتعلقة بالمراحل التي مر بها قانون المالية؛ ننتقل إلى الكشف عن القصور الذي اكتنفه والعوار الذي لازمه، ابتداء من التصويت النهائي على القانون من طرف مجلس النواب، وانتهاء بالقرار الصادر عن فقهاء المجلس الدستوري، القاضي بعدم قبول عريضة الطعن.

ومعالجتنا للموضوع ستكون وفق العرض التالي :

أولا : المسطرة التشريعية الواجب التقيد بها

تنص الفقرة الأولى من الفصل 75 من الدستور على التالي : "يصدر قانون المالية، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان، وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي...". كما ينص المقطع الأول من الفقرة الثانية من الفصل 78 على ما يلي : "تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب...". ومن هذين النصين يتبين بكل وضوح أن مشروع قانون المالية، يودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، حيث يعتبر المجلس صاحب الأولوية والأسبقية في التداول بشأنه والتصويت عليه؛ ثم يحال بعد ذلك إلى مجلس المستشارين للبت فيه، تبعا للمقطع الأول والرابع من الفقرة الأولى من الفصل 84 اللذان يقرران التالي : "يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد... ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها إليه".

وفي إطار ما ورد في الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور، يتوجب إحالة مشروع قانون المالية إلى مجلس المستشارين، بعد أن يكون القانون قد تم البت فيه من لدن مجلس النواب. فإذا أقر مجلس المستشارين مشروع القانون، كما أحيل عليه من طرف مجلس النواب؛ فإن البرلمان يكون بذلك قد أنهى عمله التشريعي، وانتهت صلاحيته بخصوص هذا القانون؛ لينتقل مسار القانون إلى مرحلة أخرى، تتوج إما بالإصدار (الفصل 50) أو طلب القراءة الجديدة (الفصل 95) أو الطعن فيه بعدم الدستورية (الفقرة الثالثة من الفصل 132). ليتوقف الأمر في نهاية المطاف عند وضعية في نطاقها يتحدد مصير القانون؛ إما بعدم الاعتداد به واعتباره منعدما لا وجود له، وإما بإقراره ونشره في الجريدة الرسمية، وبذلك يسري القانون على كافة المخاطبين بأحكامه ومقتضياته.

وبحصر مقالتنا في الإطار الفقهي المتعلق بالمسطرة التشريعية الخاصة بقانون المالية لسنة 2013، فإننا نقول إن هذا القانون الذي دخل حيز النفاذ والتطبيق بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.12.57 الصادر بتاريخ 28 ديسمبر 2012، وصدر بشأنه قرار من المجلس الدستوري يحصنه من كل مثلبة أو نقيصة دستورية، يبقى بالرغم من ذلك، ناقص الخلقة، غير سوي التكوين، ومتعارضا كل التعارض مع الفصل 84 من الدستور الذي يحتاج بدوره إلى ترميم، بسبب الصياغة السقيمة لمحتواه. وليس ببعيد أن تكون هذه الصياغة للنص الدستوري، هي التي ورطت مجلس النواب في الانفراد بإقرار القانون على وجه مخالف لما تنص عليه الوثيقة الدستورية.

ذلك أنه في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور، ووقت حدوث الخلاف بين المجلسين، فإن مجلس النواب لا يملك الحق في التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، لأن هذا الامتياز مقرر لمجلس النواب حينما يكون الأمر متعلقا بإحدى الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من ذات النص الدستوري، وعلى الوجه المبين أيضا في المقطع الثاني من الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور.

ومادام مجلس النواب لا يتمتع بامتياز بخصوص إقرار قانون المالية، فإنه كان من الواجب وقت تصويت مجلس النواب على قانون المالية في قراءته الثانية، أن يحيل رئيس مجلس النواب القانون على مجلس المستشارين ليتداول فيه، بحيث يظل القانون بين ذهاب وإياب في إطار ما يسمى بالجولات المكوكية، إلى أن يتم التوصل إلى المصادقة على القانون بصيغة واحدة. ذلك أنه في إطار الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور، يقف مجلس المستشارين على قدم المساواة مع مجلس النواب، على خلاف الوضع الذي كان مقررا في نطاق الفصل 58 من دستور 1996.

وعطفا على ما سلف، فإن الذي حدث هو أن رئيس مجلس النواب أنهى الإجراءات التشريعية عند محطة تصويت مجلس النواب على القانون في قراءته الثانية، وأحاله مباشرة إلى رئيس الحكومة، اعتقادا منه أن المسطرة التشريعية للبرلمان قد نفدت، بما ينجر عن ذلك من وجوب تدخل السلطة التنفيذية لاستكمال باقي الإجراءات اللازمة لإخراج القانون إلى حيز الوجود في إطار ما يقرره الفصل 50 من الدستور.

ومما هو جدير بالإشارة إليه هو أن مجلس النواب ومجلس المستشارين يتحملان المسؤولية بشأن عدم الامتثال لمحتوى الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور، كما أن أعضاء المجلس الدستوري ليسوا بمنأى عن تحمل تبعات تطبيق قانون لم يستكمل مقومات وجوده.

ولهذا فإن الذي يلاحظ على البرلمان في المجال الذي نحن بصدده هو التالي :

1 – اعتقاد نواب الأمة أن مجلس النواب يملك الحق في التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، بدليل أن رئيس الجلسة أحال مباشرة قانون المالية إلى رئيس الحكومة، عوض إرجاعه إلى مجلس المستشارين.

2 – إن الذين وقعوا على عرضة الطعن (107 عضوا) لم يثيروا عدم دستورية المسطرة التشريعية، غَهبا منهم من وجود مخالفة شكلية جسيمة للدستور. بدليل أن الطاعنين اقتصروا في عريضة الطعن على إبراز وإظهار ما اعتبروه مخالفا للدستور من ناحية الفحوى والجوهر، دون إثارة عيب المخالفة الشكلية للدستور.

3 – أعضاء مجلس المستشارين لم يتخذوا من الناحية الرسمية موقفا ضد المخالفة الدستورية التي اقترفت، ربما لعدم علمهم بما يستوجبه الدستور بخصوص المسطرة التشريعية، أو جراء إدراكهم أن وجودهم في البرلمان لاسند له في الدستور الذي ينص على أن مجلس المستشارين يتكون من 120 عضوا (القانون التنظيمي رقم 28-11)، وأن انتخابهم يكون لمدة ست سنوات، وأن المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في الفصل 176 من الدستور انتهت منذ أمد ليس بالقصير.

4 – إن التصويت على قانون المالية، لكي يستقيم وضعه من الناحية الدستورية، يتعين أن تتم مناقشته والتداول فيه والتصويت عليه، بناء على القانون التنظيمي المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 75 من دستور 2011. وكما يعلم الجميع، فإن هذا القانون التنظيمي لم يصدر بعد؛ وهذا يجعل قانون المالية لسنة 2013 موشوما بعدم الدستورية، جراء إقراره في إطار قانون تنظيمي (7-98 المعدل بالقانون التنظيمي 14-00) وضع في ظل دستور 1996، وهذا غير جائز من الناحية الدستورية لاختلاف المسطرة التشريعية في كل من دستور 1996 و2011.

أما عن مسؤولية أعضاء المجلس الدستوري، فإن مسؤوليتهم تتحدد على الوجه الوارد في البند التالي.

ثانيا : رقابة المجلس الدستوري على القانون المطعون فيه بعدم الدستورية

في ظل الدساتير الجامدة تتبوأ النصوص الدستورية المرتبة الأولى، لكونها تأتي دائما محتلة لقمة البنيان القانوني للدولة؛ بما يتولد عن ذلك من وجوب صدور القانون الأدنى منزلة بما لا يخالف أحكام الوثيقة الدستورية. وإذا حدثت المخالفة ووقع التعارض بين نصين متفاوتين في المنزلة والدرجة، تعين عدم الاعتداد بالقانون الأقل مكانة، والالتزام بإعلاء مقتضيات النص الدستوري، الذي يحتل منزلة سامقة في السلم الهرمي لتدرج القواعد القانونية لنظام الدولة.

والدستور المغربي أسند إلى المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) مهمة إعمال الرقابة على دستورية القوانين التي يصوت عليها البرلمان ويصدرها رئيس الدولة؛ وحدد أيضا الأطراف الذين لهم الحق في الطعن ضد أي قانون مشكوك في دستوريته؛ كما جعل من قرار هيئة الرقابة ملزما للكافة ومحصنا ضد أي طريق من طرق الطعن.

والرقابة التي يمارسها المجلس الدستوري تشمل الرقابة على دستورية القانون من الناحية الشكلية، كما تنصب على رقابة القانون من الناحية الموضوعية. والدستور جعل حق الطعن مكفولا لأصحاب الصفة، شريطة أن يقدم في الفترة الواقعة بعد التصويت على القانون وقبل إصداره. فإذا قدم الطعن قبل التصويت النهائي على القانون، فإن عريضة الطعن تكون مرفوضة. كما أن الطعن الذي يقدم بعد إصدار الأمر بتنفيذ القانون، يكون بدوره مرفوضا وغير منتج لأي أثر قانوني. والجدير بالإشارة إليه هو أن الرقابة الموضوعية تأتي دائما لاحقة للرقابة الشكلية. فإذا كان القانون مستوفيا لشرائطه الشكلية وكذلك عريضة الطعن، فإنه بعد ذلك ينفتح المجال وجوبا لإعمال الرقابة الموضوعية، للتحقق من مدى تطابق مضمون القانون مع فحوى ما تنص عليه الوثيقة الدستورية من مقتضيات وأحكام.

وفي سياق موضوعنا المتعلق بقانون المالية لسنة 2013، نجد أن المجلس الدستوري، بناء على رسالة إحالة (عريضة الطعن) موقعة من 107 عضوا ينتمون إلى المعارضة داخل مجلس النواب؛ قضى في قراره رقم 912-13 بعدم قبول عريضة الطعن؛ بحجة أن رسالة الإحالة قدمت إلى المجلس الدستوري بتاريخ 31 ديسمبر 2012 والحال أن الأمر الصادر بتنفيذ القانون تم في 28 ديسمبر 2012؛ بما يعني أن عريضة الطعن قدمت بعد إصدار القانون. وهذا الأخير – كما يقول أعضاء المجلس الدستوري – يكتسب وجوده القانوني ابتداء من تاريخ صدور الأمر بتنفيذه، ولا يجوز بعد ذلك الطعن فيه بعدم الدستورية، ما عدا إذا كان الأمر متعلقا بما ورد في الفصل 133 من الدستور.

وما انتهى إليه أعضاء المجلس الدستوري يفتقر إلى الحجة والبرهان، وينم عن قصور في التحليل القانوني والتأصيل الفقهي، جراء جهلهم بما تستوجبه الرقابة الشكلية من التأكد من كون الإصدار قد انصب على قانون مستجمع لجميع شرائطه الشكلية التي ينص عليها الدستور. ذلك أن الموقعين على القرار رقم 912-13، اقتصروا وقت ممارستهم للرقابة الشكلية على مجرد التأكد من مدى دستورية المسألتين التاليين :

1 – هل قدمت عريضة الطعن من أصحاب الصفة على الوجه المحدد في الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور؟

2 – هل عريضة الطعن قدمت داخل الأمد المنصوص عليه في ذات الفقرة من نفس النص الدستوري؟

وحينما تبين لأعضاء المجلس الدستوري أن عريضة الطعن أحيلت من أصحاب الصفة، ولكن بعد أن تم إصدار الأمر بتنفيذ القانون، فقد صرحوا بعدم قبول عريضة الطعن بسبب تقديمها خارج الأجل المحدد في الوثيقة الدستورية.

والواجب قوله في هذا الخصوص، هو أن أعضاء المجلس الدستوري بسبب الغبش في الرؤية الدستورية، قد غَهِبَ عنهم أن الإصدار الذي يعتد به، هو ذلك الذي يتحدد فقط في الإصدار المنصب على قانون مستوف لجميع شرائطه الشكلية والموضوعية. أما الإصدار المتعلق بقانون غير مكتمل التكوين من الناحية الإجرائية نتيجة تخلف مرحلة من المراحل التي يجب أن يجتازها وفق الإجراءات التي نص عليها الدستور؛ فإنه لا يمكن لمثل هذا الإصدار أن يضفي الشرعية على ما لا يمكن اعتباره قانونا؛ لأن العدم لا يولد إلا العدم وذلك من الناحية القانونية والدستورية.

وترتيبا على ما سلف، فإننا نتساءل : هل الإصدار الذي تم يوم الجمعة 28 ديسمبر 2012 عقب التصويت من طرف مجلس النواب على قانون المالية لسنة 2013، يعتبر إصدارا انصب على قانون مستوف لجميع إجراءاته المتعلقة بالمسطرة التشريعية، أم أن الأمر ليس كذلك؟

إن الإصدار الذي جعله أعضاء المجلس الدستوري سببا كافيا ىلرفض عريضة الطعن؛ ومكن لقانون المالية من الدخول حيز التطبيق، نتيجة إصدار الأمر بتنفيذه؛ هو في حقيقته إصدار انصب على قانون غير مكتمل البنيان، لعدم استيفائه لجميع عناصره وشرائطه الشكلية التي نص عليها الدستور، مما ينجر عن الخلل والاضطراب في المسطرة التشريعية، بطلان الإصدار. لأن هذا الأخير لا يكون منتجا لآثاره إلا إذا كان بدوره متسقا مع أحكام الوثيقة الدستورية. والفقرة الأولى من الفصل 50 من الدستور تقرر بجلاء ووضوح :

"يصدر الملك الأمر بتنفيذ القانون خلال الثلاثين يوما التالية لإحالته إلى الحكومة بعد تمام الموافقة عليه". فهل قانون المالية لسنة 2013 تمت الموافقة عليه من طرف مجلسي البرلمان على الوجه المحدد في الفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور؟؟

وتأسيسا على كل ما سبق، كان من الواجب على أعضاء المجلس الدستوري، وهم بصدد ممارسة مراقبتهم للقانون من الناحية الشكلية، التصريح بالأمرين التاليين :

1 – عدم قبول عريضة الطعن لتقديمها خارج اّلأجل المحدد في الدستور.

2 – عدم دستورية قانون المالية لسنة 2013 جراء :

أ – التصويت عليه من طرف مجلس النواب بمفرده، بما يشكل مخالفة صريحة للفقرة الأولى من الفصل 84 من الدستور.

ب – إصدار الأمر بتنفيذه بما لا يتطابق مع منطوق الفقرة الأولى من الفصل 50 من الدستور التي تنص على أن الملك يصدر الأمر بتنفيذ القانون بعد تمام الموافقة عليه.
عن هسبريس

دراسة لمجلس المنافسة: المغرب من بين أكثر الدول تقييدا للمنافسة في المحاماة والطب والهندسة


كشفت دراسة أنجزها مجلس المنافسة كونَ المغرب من أكثر البلدان تقييدا على المنافسة في المهن الحرة المقننة في المجالات القانونية والطبية والهندسة المعمارية، التي ركز عليها البحث.
وأظهرت الدراسة، التي جرى تقديمها صباح أمس في
مقر المجلس في الرباط، أنّ «المغرب احتل المرتبة الأولى في مجال القيود المفروضة على المنافسة في مهن المحاماة والخبراء المحاسبين مقارنة مع دول أخرى»، في حين جاءت مهنة التوثيق في المرتبة الثالثة، بعد إيطاليا وفرنسا، حيث تتمثل أبرز القيود في شروط الولوج إلى المهنة وممارستها.
وأوضح عرض جرى تقديمه حول الدراسة أنّ هناك عراقيل على مستوى الإشهار، حيث يتم منع المهنيين من القيام بالإشهار لدوافع «أخلاقيات المهنة»، مع تسجيل انخفاض نسبة النجاح في الولوج إلى مهنة المحامين والمحاسبين، حيث لم تتجاوز 10% بين سنتي 1994 و2009 بالنسبة إلى مهنة المحاماة، و%18 في سنة 2010 بالنسبة إلى المحاسبين.
وسجلت الدراسة أنه مقارنة مع مجموعة من الدول فإنّ شروط الدراسة والتكوين لعدد من المهن الحرة، موضوع البحث، مُبالَغ فيها على مستوى سنوات الدراسة والتكوين، والتي تصل إلى أربع سنوات في الجامعة و3 سنوات من التدريب بالنسبة إلى مهنة المحاماة، و7 سنوات من الدراسة و3 سنوات من الممارسة بالنسبة إلى مهنة الطب.
وأشارت الدراسة إلى أن 73% من المحامين يتمركزون في محور الرباط -الدار البيضاء، حيث سجل البحث وجود 330 عملية قانونية لكل محام. أما عدد الممارسين في مهنة التوثيق فقد وصل في سنة 2011 إلى 905 ممارسين، يتمركز 61% منهم في محور الرباط -الدار البيضاء -مراكش.
وقد انتقد عدد من المهنيين، الذين تابعوا ندوة تقديم الدراسة، المعطيات الواردة فيها، حيث حذر جمال بوخناتي، رئيس الهية الوطنية للمهندسين المعماريين، من «المسّ بمجموعة من المكتسبات»، حيث كشف أن 15% من المهندسين فقط يستفيدون من 90% من الصفقات العمومية.
وسجل بوخناتي أنّ «على الدولة أن توضح موقفها الصريح تجاه الهيئات، إن كانت تريد لها البقاء أم لا»، حيث استنكر إقصاء أبناء الفقراء من ولوج الهندسة المعمارية رغم توفرهم على مؤهلات كبيرة. كما سجل وجود «إقصاء» لبعض المرشحين للمناصب العليا التي تكون في بعض الأحيان مُوجَّهة»، مشيرا في الوقت ذاته إلى إمكانية تحوّل نتائج الدراسة إلى قرارات سياسية. 

Saturday, February 23, 2013

عرض :الإثبات في العقد الإلكتروني في ظل القانون المغربي



الإثبات في العقد الإلكتروني

تقــــــــديـــــــم
في خضم الثورة الرقمية، والصحوة المعلوماتية التي يعرفها العالم اليوم، حيث تكنولوجيا المعلومات أصبحت تشكل الجهاز العصبي للمجتمعات الحديثة، عرفت العمليات التعاقدية مجموعة من التغيرات مست نظامها وبينتها القانونية، فأصبح إبرام العقود الذي يتم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة يثير اهتمام رجل القانون والقاضي على السواء.
وبمناسبة الحديث عن العقود المبرمة بوسائل الاتصال الحديثة، فقد أدى الانتشار المتنامي لهذه الظاهرة إلى شيوع ما يسمى بالعقود الإلكترونية، هذه الأخيرة باتت اليوم تطرح مجموعة من الإشكالات القانونية، لا سيما الشق المتعلق بالإثبات، وذلك بالنظر لتعقد العلاقات الناجمة عن مثل هذا النوع من العقود، واختلاف الوسيط المادي الذي يتم من خلاله تحرير العقد وتدوين بنوده. ففي مثل هذا النوع من التعاقد تثور مجموعة من الأسئلة الهامشية والمحورية في نفس الوقت من قبيل مدى اعتبار ما يتم تدوينه على الدعامات غير الورقية، هو من قبيل الكتابة المعتد بها في الإثبات، ومدى حجية هذه الكتابة، ويزداد الوضع تعقيدا فيما لو أراد أطراف العقد التمسك بالمحرر الالكتروني كدليل كتابي كامل، كما يطرح التوقيع الإلكتروني باعتباره وليد مثل هذا النوع من المعاملات بدوره مجموعة من المشكلات.
وفي ظل غياب تشريع ينظم المعاملات الإلكترونية وسبل إثباتها، فليس للباحث يد من ضرورة التنقيب والبحث في طلب القواعد العامة المضمنة في قانون الالتزامات والعقود للإجابة على التساؤلات المشار إليها.
وسنعمل بإذن الله من خلال هذا الموضوع، ملامسة أهم الإشكالات التي يطرحها الإثبات في العقود الإلكترونية، وذلك في ضوء القواعد العامة، لإدراك مدى استيعاب هذه القواعد للتعاقد بواسطة ورسائل الاتصال الحديثة، مع الوقوف بين الفينة والأخرى عند بعض التجارب المقارنة، وخاصة التجارب ذات السبق في الموضوع.
فسنبحث أولا، مسألة إثبات العقد الإلكتروني بالنظر للشروط المتعلقة بالدليل الكتابي، والاستثناءات الواردة عليه، ومدى صحة الاتفاقات (المبحث الأول)، قبل أن تقوم برصد لتطور التشريع المغربي والتشريعات المقارنة نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة، ومركز الإثبات من ذلك (المبحث الثاني).

المبحث الأول: إثبات العقد الالكتروني 
بالنظر للشروط المتعلقة بالسند الكتابي والاستثناءات الواردة عليه ومدى صحة الاتفاقات
اتبع المشرع المغربي نظام الإثبات المختلط، هذا النظام لا يتعارض مع تقييد وسائل الإثبات، حيث قام المشرع المغربي من خلال الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود1 بحل وسائل الإثبات التي يقررها القانون، وعليه فإن الأطراف لا يمكنهم أن يثبتوا إدعائهم إلا عن طريق الوسائل المضمنة في هذا الفصل، كما أن القاضي ملزم بها في يناء حكمه، حيث لا يمكن له أن يحكم بناء على علمه الشخصي.
أما بخصوص المادة التجارية فإن المشرع المغربي أخذ بمبدأ حرية الإثبات وهو ما تنص عليه المادة 335 من مدونة التجارة.2
ويلاحظ أن الدليل الكتابي يعتبر من أهم أدلة الإثبات في القانون المغربي، إنه يمتاز على غيره من الأدلة بإمكانية إعداده منذ نشوء الحق أي قبل قيام النزاع، كما أنه يوفر عدة ضمانات للأطراف من أهمها ضبط الحقوق القائمة والمتراضى عليها سواء قبل النزاع أو بعده، إضافة لكون الكتابة أقل تعرضا لتأثير عوامل الزمن.
وقد وضع القانون عدة شروط يجب توافرها في الدليل الكتابي للاعتداد به في الإثبات إن أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد على الكتابة بمفهومها التقليدي في الإثبات سواء بنصوص صريحة في القانون المدني، أو ضمن مبادئ قانونية كمبدأ حرية الإثبات التجاري.
المطلب الأول: الشروط المتعلقة بالسند الكتابي حتى تم قبوله في الإثبات ومعنى توافرها في المحرر الالكتروني
يعطي نظام الإثبات في القانون المدني أفضلية للكتابة على باقي طرق الإثبات الأخرى، وبالتالي فإن ما يشترطه القانون لقيام سند كتابي حتى يتم قبوله في الإثبات يتمثل في أن يكون السند مكتوبا، وأن يكون موقعا.

الفقرة الأولى: وجوب أن يكون الدليل مكتوبا
هذا الشرط الأساسي ينص على ضرورة أن يكون الدليل مدونا كتابة، وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال الإحاطة بمفهوم الكتابة، وارتباطها بالمحرر، وما يشكله من عائق للإقرار بحجية المحرر الالكتروني، مع قراءة جديدة لمفهوم الكتابة وارتباطها بهذا المحرر.
يقصد بالكتابة اللازمة للإثبات حسب الفقه، المستند الأصلي. فهذا المستند قد يكون ورقة رسمية، وقد يكون ورقة عرفية، وينحصر الفارق الرئيسي – من حيث الشكل- بين الورقة الرسمية والورقة العرفية في أن الأولى تصدر عن موظف عام وشخص مكلف بخدمة عامة. وأن يكون مختصا في إنشاءها من حيث الموضوع والمكان، أما الأوراق العرفية فهي التي لا تتوافر فيها مقومات الورقة الرسمية من حيث أنها لا تصدر عن موظف عام.
أما فيما عدا هذا الفارق الشكلي، فإن الدليل الكتابي رسميا كان أو عرفيا يجب – حتى يعتد به قانونا- أن يتضمن كتابة مثبتة لتصرف قانوني، أو أن يكون موقعا من الشخص المنسوب إليه الدليل، فعنصرا الدليل الكتابي إذن هما: الكتابة من جهة والتوقيع من جهة أخرى.
وعليه، وحتى يمكن اعتبار الوثيقة الناتجة عن معاملة إلكترونية دليلا كتابيا فإن ذلك يستلزم مبدئيا تركيبة للعناصر السالفة، يظهر من الواقع الحالي للقانون أن تلك الوثيقة لا تستجيب لها1، لذا فإننا سنعرض للمفاهيم الموضوعية للكتابة والتوقيع لنرى مدى استيفاء الوثيقة المعلوماتية لها.

لقد جرى العرف واستقر العمل على تدوين المحررات الرسمية والعرفية على الأوراق وبالحروف الخاصة بلغة المتعاقدين أو اللغة التي يعتمدانها لتحرير العقد، فإن اللجوء إلى تدوين المحررات على وسائط إلكترونية من خلال ومضات كهربائية وتحويلها على اللغة التي يفهمها الحاسب الآلي يثير التساؤل عن مدى اعتبار المحرر الإلكتروني من قبيل الكتابة.
فمن الجدير بالتأكيد أنه ليس هناك في القانون أو في اللغة ما يلزم بالاعتقاد في أن الكتابة لا تكون إلا على الورق، وتأكد هذا المعنى في مرجع LAMY في قانون المعلوماتية حيث أشار إلى أن المشرع لم يشر إلى دعامة من نوعية معينة، هذا وتأكيدا لما سبق فإن الكثير من الاتفاقيات الدولية تتبنى هذا الرأي ومنها على سبيل المثال، اتفاقية الأمم المتحدة الموقعة فيها بشأن النقل الدولي للبضائع لسنة 1981 التي تنص المادة 13 منها على أنه فيما يخص أغراض هذه الاتفاقية ينصرف مصطلح الكتابة أيضا على المراسلات الموجهة في شكل برقية أو تلكس1، لذلك يتضح أن الكتابة لا ينظر إليها من حيث ارتباطها بالدعامة أو الوسيط المستخدم في التدوين على دعامة مادية محددة، بل بوظيفتها في إعداد الدليل على وجود التصرف القانوني وتحديد مضمونها بما يمكن الأطراف من ا لرجوع إليه في حالة نشوب خلاف وقد اتفق الفقه أنه وحتى تقوم الكتابة بهذا الدور فلابد أن يكون الوسيط مقروءا وأن تتصف الكتابة المدونة عليه بالاستمرارية والثبات.
لذلك وحتى يمكن الاحتجاج بمضمون المحرر المكتوب في مواجهة الآخرين فإن المحرر يجب أن يكون مقروءا، وبالتالي يجب أن يكون مدونا بحروفا أو رموز معروفة ومفهومة للشخص الذي يراد الاحتجاج عليه بهذا المحرر، فإذا ما رجعنا إلى المحررات الالكترونية نجد أنه يتم تدوينها على الوسائط بلغة الآلة لا يمكن أن يراها الإنسان بشكل مباشر وإنما لابد من إيصال المعلومات في الحاسب الآلي الذي يتم دعمه ببرامج لها القدرة على ترجمة لغة الآلة إلى اللغة المقروءة للإنسان، وعلى الرغم من ذلك، وبالنظر إلى أنه يضمن قراءة هذه المحررات في جميع الأحوال باستخدام الحاسب الآلي وهو ما يعني استيفاءها للشرط المتعلق بإمكان القراءة والفهم طالما أن اللغة التي تظهر على الشاشة هي لغة مفهومة ومقروءة لأطراف العقد.2
ورغم ذلك فإن بعض مخرجات الحاسب الآلي لا تثير أية صعوبة من هذه الناحية فالبطاقة والشرطة المثقبة، والدعامات الورقية المتصلة، تتضمن دون شك "كتابة" بالمعنى التقليدي في قواعد الإثبات إلا أن هناك في المقابل بعض المضرجات التي تبدو محل شك كالأشرطة الممغنطة، والأسطوانات الممغنطة، والميكرو فيلم.
فبالنسبة للميكرو فيلم يمكن القول أنه يأخذ قانونا حكم الكتابة التقليدية، فالفارق الوحيد بينهما كما يرى البعض، يكمن في مادة وركيزة الدليل فهي من الورق بالنسبة لكتابة العادية ومن مادة بلاستيكية للميكرو فيلم، أما بالنسبة للأشرطة الممغنطة وما في حكمها، فالأمر لا يبدو بهذه البساطة، فهي تحتوي على معلومات تم تخزينها مباشرة على ذاكرة الحاسب الالكتروني دون أن يكون لها أصل مكتوب ولا يمكن والأمر هكذا الإطلاع عليها إلا من خلال عرضها على شاشة الحاسب، وقد يقال لذلك أنها لا تتضمن كتابة على الإطلاق بل هي أقرب على التسجيلات الصوتية.1
ورغم ذلك، وتأكيدا لما سبق ذكره فإن منظمة المواصفات العالمية ISO، وبخصوص المواصفات الخاصة بالمحررات أكدت أن المحرر هو: " مجموعة المعلومات والبيانات المدونة على دعامة مادية... يسهل قراءتها عن طريق الإنسان أو باستخدام آلة مخصصة لذلك".
وكذلك من أجل حسم هذه المسألة فقد أضاف المشرع الفرنسي في شأن الإثبات عن طريق الوسائل الالكترونية نص المادة 1316 من القانون المدني والذي تم تعريف المحرر المستخدم في الإثبات بأنه: " كل تتابع للحروف أو الرموز أو الأرقام أو أي إشارات أخرى تدل على المقصود منها ويستطيع المغير أن يفهمها..."
بالإضافة على اشتراط كون المحرر الكتابي مقروءا، يشترط أيضا للاعتداء بالكتابة في الإثبات أن يتم التدوين على وسيط يسمح بثبات الكتابة عليه واستمرارها بحيث يمكن الرجوع إلى المحرر كلما كان ذلك لازما لمراجعة بنود العقد أو لعرضه على القضاء عند حدوث خلاف بين أطرافه.
فإذا كانت الوسائط الورقية بحكم تكوينها المادي تسمح بتحقيق هذه الشروط فإن استخدام الوسائط الالكترونية يثير التساؤل عن مدة تحقق هذا الشرط فيها حتى يمكن اعتبارها من قبيل المحررات الكتابية، وفي هذا الصدد فإن الخصائص المادية للوسيط الالكتروني قد تمثل عقبة في سبيل تحقق هذا الشرط. ذلك أن التكوين المادي والميكانيكي للشرائح الممغنطة وأقراص التسجيل المستخدمة في التعاقد عن طريق الانترنت تتميز بقدر من الحساسية بما يعرضها للتلف السريع عند اختلاف قوة التيار الكهربائي أو الاختلاف الشديد في درجة حرارة تزين هذه الوسائط، وهي بذلك تعد أقل قدرة من الأوراق على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة.
ومع ذلك فإن هذه الصعوبة الفنية قد أمكن التغلب عليها باستخدام أجهزة ووسائط أكثر قدرة وبالتالي يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة ربما تفوق قدرة الأوراق العادية التي تتأثر هي الأخرى بعوامل الزمن وقد تتآكل بفعل الرطوبة نتيجة لسوء التخزين.
ويعني ذلك أن عقبة الاحتفاظ بالمحرر المكتوب لفترة طويلة من الزمن تسمح بالرجوع إليه كلما كان ذلك لازما أمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تتغلب عليها مما يعني أن المحرر المعرفي يستوفي بذاته ومتى استخدمت هذه التكنولوجيات شرط استمرارية الكتابة على الوسيط.
ويجب أيضا حتى يعتد بالدليل الكتابي في الإثبات بالإضافة إلى كونه مقروءا، ومتميزا بالثبات والاستمرارية، يجب كذلك أن لا تكون هذه الكتابة قابلة للتعديل إلا بإتلاف المحرر أو ترك أثر مادي عليه، فبخصوص المحررات المدونة على الورق فإنه لا يمكن تعديلها إلا بإتلافها أو إحداث تغييرات مادية يسهل التعرف عليها سواء بواسطة القراءة العادية أو من خلال الرجوع على الخبرة الفنية.
على أنه وبخلاف الأوراق التي تتحقق فيها هذه المواصفات، فإن الكتابة على الوسائط الالكترونية من أقراص وشرائط ممغنطة تفتقد بحسب الأصل لهذه القدرة، بل إن افتقادها هو سبب تفوقها على الوراق من ناحية الاستخدام العملي لها، فالأصل في التدوين على الوسائط الالكترونية هو قدرة كل طرف من الأطراف على تعديل مضمون المحرر وإعادة تنسيقه بالإضافة أو الإلغاء أو المحو بدون أن يظهر لهذا التعديل أي أثر مادي يمكن ملاحظته أو اكتشافه.
ويترتب على هذا الاختلاف المادي بين الأوراق والوسائط الالكترونية أن المحرر الالكتروني يفتقر بحسب الأصل على شرط من أهم الشروط التي تتصل بوظيفة المحرر الكتابي في الإثبات والتي تهدف إلى تحقيق الثقة في البيانات المدونة في المحرر.
ومع ذلك فإن التطور التكنولوجي قد أدى إلى حل هذه المشكلة أيضا عن طريق استخدام برامج حاسب آلي بتحويل النص الذي يمكن التعديل فيه إلى صورة ثابتة لا يمكن التدخل فيها أو تعديلها ويعرف هذا النظام باسم (Document image processing).
كذلك فقد أمكن حفظ المحررات الالكترونية في صيغتها النهائية وبشكل لا يقبل التبديل من خلال حفظها في صناديق الكترونية لا يمكن فتحها إلا بمفتاح خاص يهيمن عليه جهات معتمدة من قبل الدولة، بحيث تؤدي محاولة أطراف التعامل تعديل الوثيقة الالكترونية إلى إتلافها أو محوها تماما.
ومما لا شك فيه أن ترك تقييم مدى إمعان قبول المحرر الالكتروني الذي يتم تأمين بياناته بواسطة نوع معين من المحررات في الإثبات بالمقارنة بالمحررات المدونة على الأوراق والتي يلتزم القاضي بقبولها كدليل كامل متى كانت موقعة من أطرافها وحيث أن ذلك من شأنه إضعاف الثقة في المحررات الالكترونية، فإننا نعتقد في وجوب تدخل المشرع بالنص صراحة على التكنولوجيا المعتمدة في تأمين بيانات لمحررات بما يجعلها تستوفي شرط "عدم القابلية للتعليل" وبدون حاجة إلى تدخل القاضي في تقدير مدى توفر هذا الشرط.1

الفقرة الثانية: الشروط الواجب توفرها في التوقيع ومدى تحققها في التوقيع الإلكتروني
يشكل التوقيع العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي المتطلب قانون لمصلحة الورقة العرفية وكذلك بالنسبة للورقة الرسمية، وهو ما يؤكده الفصل 426 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه: << يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد الشخص الملتزم بها بشرط أن تكون موقعة منه، ويلزم أن يكون التوقيع بيد الملتزم وأن يرد في أسفل الورقة، ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع، ويعتبر وجوده كعدمه>>.
يذهب الأستاذ Gerve Croze إلى أن اصطلاح التوقيع يستعمل بمعنيين: الأول أنه عبارة عن علامة أو إشارة تسمح بتمييز شخص الموقع، والثاني هو فعل أو عملية التوقيع ذاتها، بمعنى وضعه على مستند يحتوي معلومات معينة، ويعتبر المعنى الأول هو المعنى المقصود بالتوقيع في نطاق الإثبات ومن هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر التوقيع الجوهرية وهي أن يكون علامة خطية وشخصية لمن ينسب إليه المحرر، ثم أن يترك أثرا متميزا يبقى ولا يزول.1
والتوقيع إما أن يكون خطيا، وإما أن يكون بالبصمة ختما أو إصبعا، فالتوقيع الخطي يكون بيد من ينسب إليه المحرر بحيث يقوم محدد لشخصية الموقع حتى ولو لم يكتب المحرر بخط يده، وتجدر الإشارة على أن المشرع المغربي قد حصرا التوقيع في الإمضاء باليد على خلاف بعض التشريعات الأخرى التي أتاحت إمكانية التوقيع باليد أو بالختم أو ببصمة الأصبع كالمشرع المصري.
أما التوقيع الإلكتروني أو الرقمي فهو إجراء معين يقوم به الشخص المراد توقيعه على المحرر سواء في الأمر بأن يحتفظ بالرقم أو الشفرة بشكل آمن ويسري بمنع استعماله من قبل الغير، ويعطي الثقة في أن صدوره يفيد أنه بالفعل صدر من صاحبه.
وتكمن وظيفة التوقيع الإلكتروني في وظيفتين أساسيتين:
أ- أن التوقيع الرقمي يثبت الشخص الذي وقع الوثيقة بانصراف إرادته إلى الالتزام بما وقع عليه.
ب- أن التوقيع الرقمي يحدد الشيء أو الوثيقة التي تم توقيعها بشكل لا يحتمل التغيير.2
والسؤال الذي يثار هنا، هو هل يحقق التوقيع الرقمي نفس الوظيفة التي يحققها التوقيع العادي؟
ويرجع هذا التساؤل إلى الخصائص المادية الفريدة التي يتميز بها التوقيع الالكتروني بالمقارنة بالتوقيع التقليدي الذي يضعه الشخص بخط يده على المحرر الكتابي الذي يتم تهيئته ليكون دليلا في الإثبات.
ولعل أهم الأسباب التي تدعو إلى التشكك في قيمة التوقيع الالكتروني ترجع إلى انفصال هذا النوع من التوقيع عن شخصية صاحبه وإمكان تكراره بدون موافقته أو عمله إذا لم يتم استخدام تقنيات تكنولوجية معقدة من أجل تأمينه.
كذلك فإن هذا التوقيع وحتى برفض استيفائه لذات الخصائص التي يتمتع بها التوقيع التقليدي لن يرتبط ارتباطا ماديا بالمحرر الكتابي الذي تتم تهيئته كدليل للإثبات إلا إذا وجدت تقنية تكفل ذلك يعترف بها القانون ويعتمدها القضاء، وفي ضوء ذلك فإن جانبا كبيرا من الفقه قد رفض اعتبار التوقيع الإلكتروني مماثلا للتوقيع التقليدي بخط اليد، رغم أن اختلاف التوقيعين يكمن في الوسيلة وليس في الهدف أو الوظيفة المبتغاة منه، وهو بذلك – التوقيع الإلكتروني- شأنه في ذلك شأن التوقيع التقليدي يصدر عن صاحبه للإفصاح عن شخصيته والتعبير عن إرادته بقبول التصرف الذي يتم التوقيع عليه والالتزام بما يرد فيه من شروط.
وهكذا فإن وجه الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في مدى تحقيق التوقيع للثقة التي يبني عليها المشرع حجية التوقيع في الإثبات، فإن توفرت ذات الثقة في التوقيع الإلكتروني فإنه يتساوى مع التوقيع التقليدي في حجيته في الإثبات، وتتعدد هذه الثقة في نوع التكنولوجيا المستخدمة في تأمين التوقيع1. وذلك بالاعتماد على أدوات ووسائل التشفير بالمفتاح العمومي، وعلى إصدار شهادات مصادقة الكترونية من هيئات معترف بها يطلق عليها اسم الشخص الثالث المصادق ويمثل هذا الطرف الثالث المحايد في أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق تعاملاتهم الالكترونية، ودولارها بالإضافة على إصدار شهادات التوثيق بتحديد هوية المتعاملين في التعاملات الالكترونية، وتحديد أهليتهم القانونية للتعامل والتعاقد، والتحقق من مضمون هذا التعامل، وسلامته وكذلك جديته وبعده عن الغش والاحتيال.
كما تقوم أيضا بإصدار المفاتيح الالكترونية سواء المفتاح الخاص الذي يتم بمقتضاه تشفير التعاملات الالكترونية، أو المفتاح العام الذي ليتم بواسطته فك التشفير وقد أسند – مثلا- قانون المعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة دبي أعمال المصادقة الالكترونية إلى "مراقب لخدمات التصديق" الذي يتم تعيينه بقرار من رئيس سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والإعلام2. 
لهذا فإن التوقيع الالكتروني يتفوق على التوقيع التقليدي بالنظر إلى أن استيفاء من شخصية صاحب التوقيع يتم بشكل روتيني في كل مرة يتم فيها استخدام الرقم السري أو المفتاح الخاص، وبالتالي فإنه لا مجال للانتظار حتى يحدث النزاع للبحث في مدى صحة التوقيع كما هو الشأن في أغلب الأحوال بالنسبة للمحررات الموقعة بخط اليد3.
إلا أن الإشكال يثار حول قدرة التوقيع الالكتروني في التعبير عن إرادة صاحبه في الرضاء بالتعاقد والقبول بالالتزام، حيث يرى جانب من الفقه أنه لا يجوز معادلة التوقيع اليدوي بالتوقيع الالكتروني، إذ يتعذر التثبت من حضور الموقع ومن وجوده المادي فعليا وقت التوقيع، وهو عنصر أساسي في التوقيع اليدوي فلا يمكن مثلا التأكيد على أن من يوقع الكترونيا بعد من وراء الجاني الآلي هو بالفعل الشخص ذاته الذي عرف عن هويته إذ لا يوجد أي تأكيد قاطع حول هوية الموقع حين لا يكون هذا الأخير موجودا بشكل مادي وقت التوقيع.1
ولكن وللحيلولة دون وقع ذلك فإنه يتم اللجوء إلى التقنية المستخدمة في تأمين التوقيع الرقمي عن طريق الرقم الخاص المعتمد من طرف جهة التوثيق التي تتولى إصدار المفتاح الخاص ومن أهم أساليب استخدام المفتاح الخاصة للربط بين التوقيع وبين المحرر وتأمينها من التعديل اللجوء إلى التقنية المعروفة باسم "HACHAGE IRREVERISIBLE" والتي يتم من خلالها تحويل المحرر الالكتروني (مثله في ذلك مثل التوقيع) إلى معادلة رياضية لا يمكن فهمها ولا قراءتها إلا بالمفتاح الخاص الذي يتم تسليمه إلى العميل المتعاقد بصفة شخصية تحت رقابة الوسيط المتمثل في جهة التوثيق
وبهذه التقنية فإن المحرر يختلط بالتوقيع على نحو لا يمكن فصله ولا يمكن لأحد غير صاحب المحرر المدون على هذا النحو من التدخل بتعديل مضمونه وبهذا يكون في يد كل طرف من أطراف العقد النسخة المحررة والموقعة من الطرف الآخر، والتي يمكنه تقديمها كدليل كتابي كامل في الإثبات
وبالرغم من هذه الإمكانية في الربط بين المحرر وبين التوقيع وتأمينها من التلاعب فيهما فإننا نتحفظ على ذلك بأن قبول المحرر الإلكتروني بواسطة القاضي كدليل كتابي يقتضي في بادئ الأمر أن يقرر القاضي مدى كفاءة التقنية المستخدمة في استيفاء الشروط التي تؤهل التوقيع للقيام بدوره في الإثبات، وهو ما يضعف من قوة المحرر الإلكتروني ويؤدي إلى تهديد الثقة التي يجب توفيرها للمتعاملين به
وهكذا فبينما يعد المحرر العرفي الموقع دليلا كتابيا كاملا، فإن قبول المحرر الإلكتروني كدليل في الإثبات يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، وهو ما يتساوى من الناحية العملية مع قلب عبء الإثبات في شأن صحة الدليل الكتابي
لذلك فلا بد من تدخل المشرع بتحديد التقنيات التي إذا ما تم استخدامها يكون التوقيع الإلكتروني صحيحا، والتي يتحقق بموجبها الارتباط المادي بين التوقيع وبين المحرر الإلكتروني1.

المطلب الثاني : إثبات العقود الإلكترونية بواسطة الاستثناءات القانونية المقررة على الدليل الكتابي والاتفاقات الخاصة
تعرفنا في المطلب الأول على الشروط الواجبة التوفر في الدليل الكتابي حتى يمكن الاعتداد به في الإثبات ،وهى الكتابة والتوقيع ، وخلصنا إلى أن الورقة العرفية لا يمكن أن تستوعب طرق الاتصال الحديثة لأن المشرع بصريح العبارة في مقتضي الفقرة الثانية من الفصل 426 من ق ل ع أشترط وجوبا أن يكون التوقيع بخط يد الملتزم، وهو مالا يمكن مجاراته عمليا مع تطور وسائل التعاقد عن بعد.
وعلى الرغم من أن القاعدة العامة في إثبات التصرفات في الميدان المدني هو التقييد، ووجوب إثباته كتابه إذا تجاوزت قيمة التصرف 250 درهم حسب مقتضيات الفصل 443 من ق ل ع، إلا أن المشرع أورد عدة استثناءات على هذه القاعدة ، يمكن من خلالها الاستغناء عن ضرورة التوفر دليل كتابي كامل والاكتفاء بأي وسيله أخرى من وسائل الإثبات، وهى واردة على سبيل الحصر<< الفقرة الأولى>> ومن جهة أخرى قد يعمد الأطراف إلى الاتفاق فيما بينهم على إعطاء الحجية لوسيلة معينه يتم اللجوء إليها في الإثبات عند النزاع، الشيء الذي يطرح الإشكال حول مدى صحة هذه الاتفاقات <<الفقرة الثانية >>. 

الفقرة الأولى : الاستثناءات القانونية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة
سنقوم من خلال هذه الفقرة بعرض لمدى إمكانية الاعتماد على الاستثناءات القانونية لإعطاء الحجية للعقد الإلكتروني الذي يتم إبرامه عن طريق وسائل الاتصال الحديثة لعلها تسعفنا في استيعاب هذه الوسائل لإمكانية إعطاءها حجة في الإثبات، وذلك من خلال ثلاث نقط على التوالي:
أولا: بداية حجة كتابيه
بداية حجة كتابيه أو مبدأ الثبوت بالكتابة كما تسميها بعض التشريعات العربية، نص عليها المشرع المغربي في صريخ الفصل 447 من ق ل ع والذي جاء فيه: (لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق عندما توجد بداية حجة بالكتابة وتسمى حجة بالكتابة كل كتابة كانت صادرة ممن يحتج بها عليه أو ممن أنجز إليه الحق منه أو ممن ينوب عنه.
وتعتبر صادرة من الخصم كل حجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة في محرر أو حكم قضائي صحيحين شكلا).
ويستنتج من نص الفصل أعلاه أنه يستلزم لإعمال هذا الاستثناء شرطان، أولهما أن توجد كتابة، وثانيهما أن تكون صادرة ممن يحتج بها ضده، لكن ما المقصود بالكتابة في هذه الحالة؟ وما هي الحلول القانونية المتبعة في حالة إنكار هذه الورقة ممن يحتج بها ضده؟.
وبالرجوع إلى أغلب الفقه[1] نراه يجيب على أن الكتابة هنا تؤخذ بأوسع معنييها، فهي تنصرف إلى أية كتابه دون اشتراط أي شكل خاص أو توقيع، ودون أن تكون معدة للإثبات، ولكن إذا ما أخذنا بهذا المفهوم يطرح تساؤل أخر بخصوص طبيعة الدعامة التي يجب أن تدون عليها الكتابة ؟
إذا ما تمعنا في الفصل السابق نجده خاليا من أي تحديد لطبيعة الدعامة، أي انه لا يوجد ما يلزم أن تكون الكتابة فوق ورق عادى، ولكن بشرط أساسي وأن تكون الكتابة الموجودة على الدعامة لا تقبل التعديل أو التغيير ،فإذا ما توافرت هذه الشروط يمكن الحديث عن توافر شرط الكتابة.
أما فيما يتعلق بالشرط الثاني أي بوجوب صدور تلك الكتابة عمن يحتج بها عليه، فإن طبيعة التعاملات الإلكترونية والتي تتم عن طريق وسائط ليس لها وجود مادي، فإنه تبرز صعوبة نسبة هذه الكتابة لأي الشخص المراد الاحتجاج بها ضده ، بالإضافة إلى الحالة التي ينكر فيها الشخص الكتابة التي صدرت منه، فلا يوجد من الوسائل ما يمكن أن تبرهن على أن هذه الكتابة قد صدرت منه فعلا، وذلك بخلاف الكتابة التقليدية والتي تتم على محرر مادي ملموس يمكن أن يحتج به في كل سهوله إذا ما كان موقعا منه أو مكتوبا بخط يده أو من ينوب عنه. 
لهذا نؤيد بعض الفقه[2] الذي يذهب إلى استبعاد التعاملات الالكترونية من إعطاءها صفة بداية حجة كتابية للأسباب التي تم ذكرها ، وتفنيدا لما ذهب إليه بعض الفقه الأخر[3] من إمكان إعطاء المحررات الالكترونية صفة بداية حجة كتابيه بشرط أن تكون موقعه إلكترونيا ممن صدرت عنه، وهو ما يتجافى إطلاقا مع صريح مع قانون الالتزامات والعقود من عدم الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني وعدم إعطاءه حجية التوقيع التقليدي.

ثانيا : حالة فقدان الدليل الكتابي
نص المشرع على هذه الحالة ضمن مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 448 من ق ل ع والتي تنص على أنه: (استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:
1. في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له أو للتحليل من التزام عليه،...).
وباستقراء مقتضيات هذا الفصل نتوصل إلى الشروط المتطلبة لإعطاء التعاملات الالكترونية حجية في الإثبات، فينبغي بداية أن يثبت الشخص أنه قد حصل على الدليل الكتابي الذي يقتضيه القانون مسبقا ثم ضياع هذا السند لسبب أجنبي خارج عن إرادته.
بعدما تبينا فحوى هذه الشروط، نستخلص من خلال الشرط الأول أن المشرع قد تطلب وجود دليل كتابي كامل، وأن كلا الطرفين قد بذلا جهدهما من أجل هذا ولم يتوان عن توفير الشروط المتطلبة قانونا1 لهذا ومع عدم توفر شروط الدليل الكتابي في المحرر الإلكتروني أصلا. لا يمكننا الحديث هنا عن إعمال هذا الاستثناء، أي أن فقد احد الشروط يعني الاستثناء كله.


ثالثا :استحالة الحصول على دليل كتابي:
أشار المشرع إلى هذه الحالة في مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 448 من ق ل ع فجاءت تقضى بأنه:
( استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود :
1.......
2. إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها العقود ناشئه عن شبه العقود وعن الجرائم...).
انطلاقا من هذا النص يتضح لنا أن القانون حينما يفترض الكتابة في الإثبات، إنما يفترض إمكان الحصول على دليل كتابي، فإذا كانت هناك ظروف تحول دون ذلك، فإن الشهادة تجوز في الإثبات نزولا على ما يقتضيه العقل وتوجبه العدالة، وتعتبر هذه الحالة تطبيقا للقاعدة العامة (أنه لا يكلف شخص بمستحيل)2.
وينبغي أيضا لأعمال هذا الاستثناء وأن يكون السبب المانع خارج عن إرادة الشخص وليس له دور في حدوثه، وأن يعمل كل ما في وسعه للحصول على الدليل ولكن كل محاولاته قد باءت بالفشل، ومعظم الأمثلة الواردة تؤيد ما ذهبنا إليه من صوريه وغلط وتدليس...
وبالرجوع لبعض مواقف الفقهية3 والتي اعتبرت أن العادة أو الطبيعة المادية للوسائط الالكترونية قد تكون مانعا يجيز الإثبات بكافة طرق الطرق والوسائل ، فإنها تبقى محل نظر لعدة أسباب أهمها أن العادة أو الطبيعة المادية للوسائط الالكترونية لاتصل إلى درجة الاستحالة. لأن الانترنت لا يعتبر الطريق للتعاقد، وإرادة المتعاقد تبقى بارزه ومحل اعتبار مع علمها المسبق ووعيها التام بصعوبة الحصول على دليل يثبت التعاقدات التي سيقوم بإبرامها.
نستخلص من ما سبق أن اللجوء إلى الاستثناءات الواردة على مبدأ الإثبات الكتابي والتسلل منه يؤدى إلى إهدار المبدأ الأصيل لتعميم الاستثناء ليحل محل هذا المبدأ في جميع المعاملات والتعاقدات التي تتم عبر وسائل الاتصال الحديثة ، وتأكيدا لهذا الرأي يكمن الرجوع لتقرير مجلس الدولة الفرنسي في هذا الموضوع بتاريخ 2 يوليوز 1998 والذي جاء فيه أن: ( اللجوء إلى نظام الاستثناءات على مبدأ وجوب الإثبات بالدليل الكتابي ليس مقبولا لأنه ينظر إلى الإثبات عن طريق المحررات الالكترونية من منظور قاصر وغير حقيقي. فسواء كان التوجه إلى الاستناد إلى مبدأ بداية حجه كتابيه أو إلى الاستحالة المادية للحصول على محرر مدون بالطريقة التقليدية فإن ذلك ليس إلا متهربا من مواجهة الواقع الزى أصبح مفروضا في وقتنا الحالي، أي واقع التعامل بالمحررات الالكترونية)1.

الفقرة الثانية : الاستثناءات الاتفاقية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة
من المعلوم أن قواعد الإثبات تنقسم إلى شقين أساسين، أولهما القواعد الإجرائية أو المسطرية، وثانيهما القواعد الموضوعية المنظمة لمحل الإثبات وعبئه وطرقه وحجيته.
ومما لاشك فيه أن القواعد الإجرائية في الإثبات بقسميها المدني والجنائي لها تعلق مباشر بالنظام العام، وبالتالي عدم جواز الاتفاق على مخالفة أحكامها2.
أما بالنسبة للقواعد الموضوعية في الإثبات فإن الفقه مختلف فيه فجانب يرى3 أنه غير متعلق بالنظام العام. أي أن كل اتفاق يتناول بالتعديل لهذه القواعد يعتبر اتفاقا صحيحا نافذا، بينما يرى جانب أخر من الفقه3 أن قواعد الإثبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة : أولا قبول أدلة الإثبات، وثانيا عبء الإثبات، ثالثا حجية دليل الإثبات، فيفتح الباب أمام الأطراف للاتفاق على قبول الأدلة الذين ارتضوها، مثل إحلال شهادة الشهود محل الكتابة إذا كانت هذه الأخيرة هي المطلوبة، أما بالنسبة لعبء الإثبات وحجية دليل الإثبات وحدود هذه الحجية وطرق إنكارها واثبات عكسها مع ضرورة ربط هذه المقتضيات بالنظام العام، وإخضاع هذه المقتضيات دائما للسلطة التقديرية للقاضي، وذلك تأكيدا لمهمته الأساسية وهى إحقاق الحق وإبطال الباطل وإعطاء الحق لأهله. ومن مؤيدات ما ذهب إليه هذا الاتجاه هو عدم بعض المبادئ العامة في ميدان الإثبات مثل عدم جواز اصطناع الشخص دليلا لنفسه، بالإضافة إلى أن الاتفاق لا ينبغي أن يصل إلى درجة حرمان أحد طرفيه من حقه في ما يدعيه كليا ؟ أو إعطاء دليلا يملكه أحد الأطراف حجة قاطعة؟

وتعقيبا على رأى الجانب المعارض لفكرة تعلق قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام محيلا في ذلك على رأى غالبية الفقه والقضاء في فرنسا ومصر رغم صراحة النص في كلا التشريعين من خلال المادة 1341 من التقنين المدني الفرنسي وتقابلها نص المادة 60 من قانون الواثبات المصري والتي نورد نصهما للأهمية البالغة وهو ينص على: (في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عل مائة جنيه، أو كان غير محدد القيمة، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك)1.
فرغم عدم ربط قواعد الإثبات الموضوعية بشكل عام في مصر وفرنسا بالنظام العام، لكنها تمتلك من القواعد القانونية ما تستطيع به أن تحمى إرادة الطرف الضعيف وإرادة المستهلك بشكل عام يجنبها التعسف في فرض الشروط ، وكمثال على ذلك نذكر مضمون المادة 149 من القانون المدني المصري والتي تعطي بمقتضاه للقاضي سلطة تقدير مدى تعسفية الشرط من عدمه مع إعطاءه سلطه في تعديل هذه الشروط أو إعفاء الطرف الضعيف منها .
كما أن قراءة مقتضيات المادة 443 من ق ل ع المغربي بتمعن توحي على أن مقتضياتها تتعلق بالنظام العام لأن المشرع أورد كلمة يلزم وهى توحي بالوجوب.
نخلص من كل ما سبق إلى تبنى الرأي الفقهي الذي يربط قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام لما تحققه من حماية للطرف الضعيف في غياب أي نص قانوني مغربي يسمح للقاضي بالتدخل لتعديل أو إلغاء الشروط التعسفية التي يمكن أن تضمن في العقد، وتأكيدا لما ذهبنا إليه نورد التعامل مع البنوك عن طريق الشبابيك الأوتوماتيكية والتي تشترط فيه البنوك في عقودها مع زبناءها على إعطاء ذلك الشريط الورقي حجية قاطعه ومطلقه تفوق حجة المحررات العرفية، وهو ما يسلب القاضي سلطته في تقدير قيمة الأدلة المنازع فيها.
المبحث الثاني: تطور التشريعي المغربي نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة في مجال إثبات العقود
إن التشريع المغربي وعلى غرار غيره من التشريعات المقارنة، لم يقف موقفا سلبيا من التطورات التي عرفتها نظم الإثبات، في ظل ثورة المعلومات وشيوع التقنيات الحديثة، والذي ساعد على ذلك هو تشبه لنظام الإثبات المختلط1 الذي يعطي للقاضي حرية التقدير بالنسبة للأدلة التي لم يجد لها القانون حجية معينة فهذه المرونة تضمن حسن سير العدالة وتوفر للمعاملات نوعا من الاستقرار، وتفسح المجال مبدئيا أمام إمكانية الأخذ بمستجدات التقنيات الحديثة في إثبات العقود لا سيما العقود الالكترونية.
والواقع أنه باستقراء بعض القوانين الخاصة نجد المشرع المغربي قد كان على قدر من الجرأة من خلال اعتماده على التقنيات الحديثة في الإثبات وإن كانت هذه المبادرة قد تصطدم أحيانا ببعض الأسس والمبادئ التي تفرضها قواعد الإثبات التقليدية المنظمة في قانون الالتزامات والعقود في الوقت الذي نجد فيه تشريعات أخرى وعلى رأسها القانون الفرنسي قد تثبت قواعد مضبوطة لإثبات العقد.
فنبحث أولا موقف التشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات الحديثة في مجال إثبات العقد الالكتروني (المطلب الأول)، قبل أن نستخلص حدود استيعاب القواعد العامة، لإثبات العقود الالكترونية (المطلب الثاني).


المطلب الأول: موقف التشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات في مجال إثبات العقد الالكتروني
الفقرة الأولى: موقف التشريعات المقارنة
أولا: التشريع الفرنسي
استجابة منه لمتطلبات التعامل بوسائل الاتصال الحديثة تدخل المشرع الفرنسي بموجب القانون 80/525 المدني خاصة الجانب المتعلق بوسائل إثبات الوسائل القانونية فتبنى مفهوما جديدا للصورة من جهة، واعتبر المحررات الالكترونية دليلا كتابيا من جهة ثانية.
ولقد اعتبر ذلك بمثابة ارتقاء تشريعي بقواعد الأدلة الالكترونية إلى مستوى القواعد العامة، مع وجود استثناءات، وإذا كان القانون الفرنسي قد أقام التكافؤ بين المحررات الالكترونية والمحررات الورقية فإنه في المقابل تدخل ليضع حدودا وشروطا لهذا الاعتراف، فبمقتضى المادة 1316/1 اشترط أن تكون الرموز أو الأرقام أو العلامات على وضع يسمح بقراءتها، بمعنى أن تكون مكونات الكتابة ذات دلالة تعبرية مفهومة، كما اشترط كذلك لزوج ارتباط المحرر بتوقيع الالكتروني استوفى الشروط التي تجعله مؤديا لوظائف الترقيع بصفة عامة، وعلى نحو يمكن من الكشف على أي تلاعب في الكتابة، هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد قيد قبول الدليل الكتابي الالكتروني في الإثبات يفيد بينهما: تحديد سلامتها.1
أما بالنسبة لصورة فقد أخضع المشرع الفرنسي عن منحها حجية في الإثبات متى توافر على شرطين أساسيين هما:
+ التطابق: ومعناه أن تأتي الصورة مطابقة للأصل مطابقة تامة، بمعنى أن تكون المطابقة في الشكل والمضمون.
+ الـدوام: من خلال التعريف الوارد في الفقرة 2 من المادة 1348 من التقنين الفرنسي، يتضح أن المقصود بالدوام، الإثبات، وعدم القابلية لزوال، وعدم صلاحية الدعمات المستخدمة لإعادة استخدامها مرة أخرى.
وهكذا فمتى استوفت الصورة هذين الشرطين إلا واعتبرت ذات حجية في الإثبات إذا كان الأصل غير موجود، مع العلم أن هذه الحجية تبقى خاضعة لسلطة التقديرية للقاضي دون الرقابة عليه من محكمة النقض فإن شاء أخذ بها وإن شاء طرحها جانبا.2
ثانيا: موقف المشرع المصري
في ظل القانون الحالي أبى المشرع المصري إلا أن يمنح لوسائل الاتصال الحديثة حجية قانونية في الإثبات، فمعلوم أن القانون المصري يتطلب الكتابة في إثبات بعض التصرفات القانونية.
بيد أنه في نطاق هذه التصرفات القانونية أورد بعض الاستثناءات التي لا يلزم فيها وجود الدليل الكتابي الكامل، ثم أن المشرع المصري أخذ بمبدأ الإثبات الحرفي مواجهة التجار في المادة التجارية، وسمح للأطراف باستبعاد نظام الإثبات والاتفاق عل تنظيم حجية المستندات والوثائق التي يتعاملون بها، فقواعد الإثبات قواعد مكملة وليس آمرة، ومن تم يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامها. ثم إن المشرع قد أجاز بنص صريح الإثبات بكافة الطرق والوسائل ما دام هناك مانع يتعذر معه إعمال الدليل الكتابي أيا كان نوع هذا المانع.
ويدخل في ذلك المانع بحكم عادة فمتى اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دون الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة يستسيغ الأخذ بهذه الوسائل حجة في الإثبات.
والمانع سيان أكان مانعا ماديا ناشئا من الظروف الجارحية لإبرام التصرف والتي تمنع ماديا من الحصول على دليل كتابي أو مانعا أدبيا ناشئا عن اعتبارات معنوية دون المطالبة بالكتابة، قلنا تحقق المانع بنوعيه يسعف الأخذ بوسائل الاتصال الحديثة في الإثبات كالحاسب مثلا خصوصا النسخة الالكترونية ومصفرات الفيلمية وموقع الويب وهي الصفحة التي تظهر على شاشة الحاسب الالكتروني.

الفقرة الثانية: قبول بعض القوانين المغربية الخاصة للتقنيات الحديثة
في خضم التطور الحادث في مجالات الاتصالات الالكترونية، مع ما صاحب ذلك من تغيرات جذرية على الطرق التي أصبحت تتم بها المعاملات التجارية. عرف التشريع المغربي بروز مجموعة من النصوص التي تجيز اعتماد بعض التقنيات الحديثة في الاثبات، وإن كان الأمر يحتاج إلى تدخل فعلي عبر قانون ينظم التجارة الالكترونية بشكل عام، والإثبات في المعاملات الالكترونية بشكل خاص، وسنحاول من خلال هذه الفقرة الوقوف قدر الإمكان عند بعض التطبيقات المتناثرة في بعض النصوص والقوانين الخاصة، محاولين استجلاء موقف التشريع المغربي من التقنيات الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات، ومن بين هذه القوانين نجد:
أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها
ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة
ثالثا: مدونة الشغل الجديدة
رابعا: قوانين خاصة أخرى

أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها
باستقراء القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، نستشف أن من بين المهام المسندة لمؤسسة الائتمان كما أشارت إلى ذلك المادة الأولى وضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء والقيام بإداراتها، من دون أن تحدد هذه المادة ما إذا كانت هذه الوسائل تقليدية أو آلية حديثة، وهو الأمر الذي تجاوزته المادة 4 من نفس القانون أكدت صراحة بأن: " وسائل الدفع هي جميع الوسائل التي تمكن أي شخص من تحويل الأموال حينما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك".
فهذه المادة جاءت على صيغة العموم دون تحديد أكانت هذه الوسائل شيكا أو كمبيالة أو سند لأمر أو إذ ناب بالتحويل أو فاكسا أو بطاقة ائتمان أو وفاء أو وثيقة معلوماتية أو بيانات الكترونية، ولعل في ذلك أخذ صريح لمستجدات التقنيات الحديثة والأكثر من ذلك المادة 106 من نفس القانون اعترفت صراحة بالحجية القانونية لكشوف الحسابات والتي نعلم أنهتا أحد مستخرجات التقنيات الحديثة1، وهو ما كرسه العمل القضائي في أحد قراراته حينما اعتبر الكشوف الحسابية البنكية لها حجيتها رغم إنكار.2
ولأجل ذلك قيل بأن القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان مراقبتها، قانون رائد وإطارا قانونيا وتجريبيا لمدى نجاعة وسائل الإثبات الحديثة، خاصة وأنه يمس شريعة عريضة وحساسة من المجتمع.
ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة3
جاء القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بأحكام لا غنى عنها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان رفاهية المستهلك، وتتجسد هذه الأحكام في تنظيم حرية الأسعار من جهة وتنظيم المنافسة الحرة من جهة ثانية. والهدف بطبيعة الحال هو ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
ومن الأمور التي تحسب لهذا القانون الجديد حرصه على التلائم مع مستجدات التقنيات الحديثة، وهو ما نلمسه من قراءة بعض مواده.
وهكذا فقد جاء في المادة 47: " يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقوم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أو لا تجاز خدمة".
فإعلام المستهلك بأسعار المنتوجات والخدمات وغيرها كما جاء في صريح المادة يمكن أن يتم بأي طريقة أخرى مناسبة، والتي قد تكون فاكس أو إنترنيت وغيرها من التقنيات الحديثة.
كما جاء فقي المادة 48 على أنه: " يجب على من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يسلم فاتورة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى يقوم مقامها على كل مستهلك بطلب ذلك" فالفاتورة قد تقوم مقامها أي وثيقة أخرى، حتى ولو كانت أحد مستخرجات التقنيات الحديثة.4
فالواضح إذن أن الصياغة العامة لهذه النصوص، تمنح لمستجدات التقنيات الحديثة إمكانية المساهمة في حماية المستهلك من جهة، وإضفاء الشفافية على العلاقات التجارية بين المهنيين من جهة أخرى. خاصة وأنها تمكن هؤلاء الأطراف من مجموعة من الوسائل التقنية التي تسهل عملية التعامل فيما بينهم.
ثالثا: مدونة الشغل الجديدة
من خصوصيات القانون الاجتماعي أنه لم يكتف بالقواعد العامة في الإثبات الواردة في ق.ل.ع فهكذا ومراعاة منه للمراكز الاقتصادي الضعيف للأجير في مواجهة المشغل فإنه حرص على تنظيم إثبات الأجر بمقتضى وسائل خاصة تسير عمل القضاء وتتمثل هذا الوسائل في ثلاثة وهي: ورقة الأداء، دفتر الأداء، وتوصيل تصفية كل حساب.
والملاحظ أن المشرع المغربي في المدونة الجديدة للشغل، اعتبر بعض التقنيات الحديثة وسائل الإثبات واقعة أداء الأجر، فقد جاء في المادة 372: " يمكن بطلب من المشغل الاستعاضة عن دفتر الأداء، باعتماد أساليب المحاسبة الميكانوغرافية أو المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى بين وسائل المراقبة التي يراها العون المكلف بتفتيش الشغل كفيلة بأن تقوم ذلك الدفتر".
ثمن هنا، يجب على المشغل أن يحتفظ بمستندات المحاسبة الميكانوغرافية والمعلوماتية أو بوسائل المراقبة الأخرى التي تقوم مقام دفتر الأداء هذه لا تقل عن سنتين من تاريخ اعتماد ترك المستندات أو الوسائل مع وجوب وضعها رهن إشارة عون التفتيش ومفتشي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يمكنهم طلب الإطلاع عليها في أي وقت.1
والواقع أن هذه المقتضيات إن دلت فإنها تدل على متى واحد، وهو انفتاح التشريع المغربي على التقنيات الحديثة، واعتبارها ذات حجية في الإثبات.
رابعا: قوانين خاصة أخرى
إن اعتماد التقنيات الحديثة، لم تقف فقط عند حدود النصوص القانونية المشار إليها، بل تتعداها إلى نصوص أخرى مثل:
1- قانون رقم 97-15: بمثابة مدونة التحصيل الديون العمومية، والذي جاء في مادته 20 أنه: "تؤدى الضرائب والرسوم والديون العمومية أخرى إما نقدا أو بواسطة تسليم شيك أو عن طريق تحويل الدفع لفائدة حساب مفتوح في اسم المكلف بالتحصيل أو بأي وسيلة أخرى للأداء منصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل..."
فأداء الديون العمومية قد يتم بأي وسيلة أداء، والتي قد تكون أحد مستجدات التقنيات الحديثة ما دام أنه من شأن هذه التقنيات الوصل إلى الغاية المتوخاة ألا وهي أداء الدين العام.
2- القانون رقم 9.88: المتعلق بالقواعد المحاسبة الواجب على التجار العمل بها والذي أوجب في مادته الأولى على: " كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة تاجر بمدلول هذه الكلمة في قانون التجارة أن يمسك محاسبته وفق القواعد التي ينص عليها القانون والبيانات الواردة في الجداول الملحقة به...".
فلكي تكون المحاسبة دقيقة وفعالة خاصة بالنسبة للمؤسسات الكبرى، فإنه من الأفيد الاستعانة بمستحضرات ومستجدات التقنيات الحديثة لإنجاز مختلف العمليات التي ترتكز عليها المحاسبة، فتصبح تلك المستخرجات المضبوطة كوثائق محاسبية يمكن الاعتماد عليها في إثبات الحقوق سيما بين التجار.
وإضافة إلى هذه النصوص والقوانين الخاصة، فإن هناك مجموعة من الظهائر قد اهتمت مستجدات التقنيات الحديثة وأشارت إليها سواء من بعيد أو من قريب ونذكر من بين هذه الظهائر:
- ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 221-93-1 صادر في ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 يتعلق ببورصة القيم
- ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 212-93-1 صادر في 04 ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 متعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة على الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتساب على اسمها أو سنداتها.
- ظهير شريف رقم 19-00-01 صادر في 09 ذي القعدة 1420 موافق ل 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 1797 المتعلق بحماية الملكية الصناعية.
- ظهير شريف رقم 20-00-1 صادر في 09 ذي العقدة 1420 موافق ل 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 2.00/2 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.



المطلب الثاني: إثبات العقد الالكتروني: أية فعالية لقواعد الإثبات المضمنة في ق.ل.ع؟
إن البحث في مدى فعالية قواعد الإثبات التقليدية المضمنة في صلب قانون الالتزامات والعقود، وحدود استيعابها للتطورات الحديثة التي أفرزت ما يسمى بالعقد الالكتروني يفرض علينا أن نبين مدى اتصال تلك القواعد بالنظام العام (الفقرة الأولى) قبل أن نبحث في مدى إمكانية تطويع هذه القواعد لتغدو مستجيبة لإثبات العقد الالكتروني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مدى اتصال قواعد الإثبات بالنظام العام
إن الفائدة المرجوة في البحث في مدى اعتبار قواعد الإثبات متعلقة بالنظام العام من عدمه تتجلى أساسا في النتائج المترتبة على ذلك فالقول بأن مدة الوسائل من النظام العام يتيح للأطراف إمكانية التمسك بما في أية مرحلة من مراحل التقاضي بل ويمكنه إثارتها لأول مرة أمام مجلس الأعلى بمعنى أنها من القواعد الآمرة والاتفاق على مخالفتها يعد باطلا بطلان مطلق.
أما القول بخلاف ذلك، من أن قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام. فينبغي عكس النتائج الأولى، فهي من تم قواعد مكملة يمكن الاتفاق على خلافها تم إنه لا يسوغ التمسك بها إلا ممن لهم المصلحة وبالتالي لا يمكن إثارتها لأمل مرة أمام المجلس الأعلى.
والواقع أن هذا الموضوع عرف انقساما فقهيا وقضائيا بين من يرى باتصال قواعد الإثبات بالنظام العام وبين من يرى غير ذلك، وكل من الفرقين أسس دراية انطلاقا من مجموعة من المؤيدات والمبررات القانونية.
أما عن موقف المشرع المغربي فالملاحظ أن لم يضع قاعدة جواز اتفاق الأطراف على مخالفة القواعد الموضوعية للإثبات في نص تشريعي، ولكن عملا بالرأي السائد فقها وقضاءا في فرنسا فإن بعض الفقه المغربي1 يرى بأن كل اتفاق من شأنه أن يعدل في قواعد الإثبات يعتبر اتفاقا صحيحا شريطة بأن يكون هذا التعديل أثناء سير الدعوى ليخلص إلى أن القواعد المتعلقة بمحل الإثبات وحيدة وطرقه لا تتصل بالنظام العام فيجوز الاتفاق على مخالفتها والتنازل عنها ولا يجوز المسك بها في أية حالة كان عليها الدعوى إلا إذا كان هذا التمسك في أول مرحلة من مراحل الدعوى وقبل الدفع بالأساس حتى أنه لا يحق للقاضي أن يرفض مخالفتها من تلقاء نفسه.
أما القضائي فنسجل بشأنه سكوتا وفراغا كبيرين حين لم يعبر المجلس الأعلى وزلا محاكم الموضوع عن رأيهم في الموضوع.

الفقرة الثانية: حدود استيعاب القواعد العامة لإثبات العقد الالكتروني
لئن كان المشرع المغربي أقر بموجب الفصل 443 من ق.ل.ع بقاعدة أساسية مفادها أنه لا يجوز الإثبات بالشهادة متى تجازوت الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية قيمة 250 درهم وإن أكد أيضا من خلال الفصل 444 من نفس القانون على أنه لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين شهادة الشهود لإثبات ما يخالف.
بعد أن تطرق الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود إلى قاعدة أساسية ضمن فيها أنه لا يجوز الإثبات بالشهادة متى تجاوزت الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية قيمة 250 درهما، وتطرق كذلك الفصل 444 من نفس القانون إلى أنه لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج ولو كانت القيمة تقل عن 250 درهما، نلاحظ أن المشرع قد نص على حالات أجيزت فيها الشهادة على سبيل الاستثناء وذلك في الفصلين 447و 448 من قانون الالتزامات والعقود.
وقد نص الفصل 447 من قانون الالتزامات والعقود على الحالة الاستثنائية الأولى التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة حيث جاء فيه:
<< لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق (يعني الفصلين 443و 444) عندما توجد بداية حجة بالكتابة، وتسمى بداية حجة بالكتابة كل كتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المدعاة قريبة الاحتمال إذا كانت صادرة ممن يحتج بها عليه، أو ممن أنجز إليه الحق، أو ممن ينوب عنه.
وتعتبر صادرة من الخصم كحجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة ي محرر أو في حكم قضائي صحيحين شكلا>>.
أما الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، فقد نص على حالتين يجوز فيهما كذلك الإثبات بشهادة الشهود، وهما حالة فقدان السند الكتابي وحالة المانع من الحصول على دليل كتابي وذلك كالآتي:
<< استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:
1- في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي الالتزام له أو للتحليل من التزام عليه نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة أو سرقة، وتخضع الأوراق النقدية والسندات لحاملها لأحكام خاصة.
2- إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها الالتزامات ناشئة عن شبه العقود وعن الجرائم والحالة التي يراد فيها إثبات وقوع غلط مادي فقي كتابة الحجة أو حالة الوقائع المكونة للإكراه أو الصورية أو الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني وكذلك الأمر بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.
تقدير الحالات التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على الدليل الكتابي موكول لحكمة القاضي>>.
يلاحظ من خلال الفصل 447 المذكور سابقا، أنه قد نوجد أحيانا أما دليل كتابي لكنه دليل غير مكتمل الشروط، كالورقة الرسمية التي تخلف أحد شروطها الرئيسية، أو الورقة العرفية التي لا تحمل توقيعا في هذه الحالات تكون الورقة باطلة من حيث الشكل المطلوب قانونا، ولكنها تعتبر بداية حجة كتابية، فتقبل حسب مفهوم الفصل المذكور على أساس أنها دليل ناقص تنقع تكملته بطرق أخرى كالشهادة على سبيل المثال.
أما فيما يتعلق بالفصل 448، فيستنتج من خلاله أنه يصعب على بعض الأشخاص في ظروف معينة إعداد دليل كتابي. وقد تبلغ هذه الصعوبة حد الاستحالة فيأخذ القانون هذه الظروف في الاعتبار ويعفي أصحابها من الإثبات بالكتابة وذلك حماية لحقوقهم، وعادة ما يكون مرد هذه الاستحالة على ظروف مادية أو نفسية حالت دون إعداد هذا الدليل، وأحيانا أخرى يكون الدليل قد تم إعداده فعلا لكنه فقد في وقت لاحق لظروف مماثلة.1
فإذا كانت الحالة الأولى قد سمح فيها المشرع بالإثبات بالشهادة لأن المدعي قد استحال عليه وقت إبرام التصرف أن يحصل على دليل كتابي، فإنه في الحالة الثانية نوجد أمام استحالة لاحقة للتصرف بين الحالتين هو الذي جعل المشرع يجمع بينهما في فصل واحد.1
وسواء كان المانع أدبيا أم ماديا، فقد كان الأجدر بالمشرع المغربي إسقاط الفقرة الثانية من الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، مادام أن الأمر يتعلق في حالة المانع المادي بوقائع مادية يمكن إثباتها بكافة 
طرق الإثبات، ومن ذلك شهادة الشهود مثلا، أما في حالة المانع الأدبي فيمكن الرجوع إلى القواعد العامة ما دام لا يوجد نرص يقضي بوجوب الأخذ بهذا المانع.
والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هو هل اعتبار التعامل بوسائل الاتصال الحديثة كالحاسب الآلي والإنترنيت لإبرام العقود الالكترونية بمثابة مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي؟
إن المانع المادي يقوم إذ نشأ التصرف في ظروف يستحيل معها على المتعاقد الحصول على دليل كتابي، بحيث لا تترك له تلك الظروف الوقت المناسب للتنفكير في الدليل الكتابي.
ونعتقد أنه من قبيل هذه التصرفات التي تنشأ في ظروف يستحيل معها إعداد الدليل الكتابي وخصوصا في العقد الالكتروني، وفي هذا السياق، ذهب البعض على أنم العادة قد تشكل مانعا يجيز الإثبات بكافة الطرق والوسائل " فإذا ما اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دونت الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة، واستمر الحال فترة من الزمن يشكل مانعا بحكم العادة، والقول بغير ذلك سيجعل العقود التي تبرم بين رجال الأعمال المنتشرين في جميع أنحاء العالم تتم دون دليل عليها وهذا ليس في مصلحة أحد".2
وخلاصة القول، فإن المشرع المغربي قد أجاز بنص الإثبات بكافة الوسائل، كلما وجد مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي مما يتأكد معه إمكانية إثبات العقد الالكتروني بكافة الوسائل المتاحة فيما لو تعذر إثباته بالكتابة، مع العلم أن للقاضي في إطار ممارسته مهمة التسيير من هذا النوع من العقود، سلطة تبقى خاضعة لرقابة المجلس الأعلى، ما دامت وسائل الإثبات من مسائل القانون لا الواقع. 

لائحــــــة المراجع:
  • محمد السعيد رشدي: التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة (ومدى حجتها في الإثبات) منشأة المعارف بالإسكندرية، 2005.
  • أحمد شرف الدين: عقود التجارة الإلكترونية (تكوين العقد وإثباته)، دروس الدكتوراه دبلومي القانون الخاص وقانون التجارة الدولية، جامعة عين شمس.
  • حسن عبد الباسط جميعي: إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الانترنيت، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000.
  • إبراهيم الدسوقي أبو الليل: الجوانب القانونية للتعاملات الالكترونية،دراسة للجوانب القانونية للتعامل عبر أجهزة الاتصال الحديثة (التراسل الالكترونية) – جامعة الكويت، 2003.
  • عمر أنجوم: الحجية القانونية لوسائل الاتصال الحديثة (دراسة تحليلية في نظام الإثبات المدني) أطروحة، جامعة الحسن الثاني عين الشق، السنة 2003- 2004.
  • نور الدين الناصري: مدى ملاءمة قواعد الإثبات في قانون الالتزامات والعقود المغربي لوسائل الاتصال الحديثة دوليا ووطنيا، محاضرة.
  • الحسين القمري: القيمة القانونية للوثائق الصادرة عن الحاسوب، مجلة رسالة الدفاع العدد الرابع، السنة 2003.
  • محمد أخياط: بعض التحديات القانونية التي تثيرها التجارة الالكترونية، مجلة الإشعاع، العدد 25، السنة 2002.


الفهرس
تقــــــــديـــــــم
المبحث الأول: إثبات العقد الالكتروني بالنظر للشروط المتعلقة بالسند الكتابي والاستثناءات الواردة عليه ومدى صحة الاتفاقات
المطلب الأول: الشروط المتعلقة بالسند الكتابي حتى تم قبوله في الإثبات ومعنى توافرها في المحرر الالكتروني
الفقرة الأولى: وجوب أن يكون الدليل مكتوبا
الفقرة الثانية: الشروط الواجب توفرها في التوقيع ومدى تحققها في التوقيع الإلكتروني
المطلب الثاني : إثبات العقود الإلكترونية بواسطة الاستثناءات القانونية المقررة على الدليل الكتابي والاتفاقات الخاصة
الفقرة الأولى : الاستثناءات القانونية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة
الفقرة الثانية : الاستثناءات الاتفاقية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة
المبحث الثاني: تطور التشريعي المغربي نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة في مجال إثبات العقود
المطلب الأول: موقف التشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات في مجال إثبات العقد الالكتروني
الفقرة الأولى: موقف التشريعات المقارنة
الفقرة الثانية: قبول بعض القوانين المغربية الخاصة للتقنيات الحديثة
المطلب الثاني: إثبات العقد الالكتروني: أية فعالية لقواعد الإثبات المضمنة في ق.ل.ع؟
الفقرة الأولى: مدى اتصال قواعد الإثبات بالنظام العام
الفقرة الثانية: حدود استيعاب القواعد العامة لإثبات العقد الالكتروني

1 : ينص الفصل 404 من ق ل ع على ما يلي: " وسائل الإثبات التي يقررها القانون هي: 1/ إقرار الخصم،2/ الحجة الكتابية، 3/ شهادة الشهود، 3/ القرينة، 4/ اليمين والنكول عنها".

2 : تنص المادة 334 من مدونة التجارة على ما يلي: " تخضع التجارة لحرية الإثبات، غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك"

1 : عمر أنجوم: الحجية القانونية لوسائل الاتصال الحديثة، دراسة تحليلية في نظام الإثبات المدني، ص: 137 أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، السنة الدراسية 2003/2004

1 : عمر أنجوم: المرجع السابق، ص: 140

2 : حسن عبد الباسط جميعي: إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الانترنيت، ص: 19/20، دار النهضة العربية، سنة 2000

1 : محمد أخياط: بعض التحديات القانونية التي تثيرها التجارة الالكترونية، مجلة الإشعاع، ص: 14/15، العدد 25، السنة 2002

1 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق، ص: 23/24

1 : محمد السعيد رشدي: التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات، ص 184- 186، منشأة المعارف بالإسكندرية، السنة: 2005

2 : نور الدين الناصري: مدى ملائمة قواعد الإثبات في قانون الالتزامات والعقود المغربي لوسائل الاتصال الحديثة دوليا ووطنيا.

1 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق

2 : إبراهيم الدسوقي أبو الليل: الجوانب القانونية للتعاملات الالكترونية، دراسة للجوانب القانونية للتعامل عبر أجهزة الاتصال الحديثة " التراسل الالكتروني" الطبعة الأولى، السنة 2003، لجنة التأليف والتعريب والنشر، جامعة الكويت

3 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق، ص: 45

1 : محمد أخياط: بعض التحديات القانونية التي تثيرها التجارة الالكترونية، مجلة الإشعاع، عدد 25، صفحة 17، السنة 2000

1 : حسن عبد الباسط جميعي، المرجع السابق، ص: 47-48.

.إدريس العلوى العبدلاوى. وسائل الإثبات في التشريع المغربي. مطبعة النجاح الجديدة .طبعه 1977. ص 120 وما بعدها.
.عبد الرزاق السنهوري . الوسيط في شرح القانون المدني. نظرية الالتزام بوجه عام .الجزء الثاني .دار النهضة العربية.القاهرة 1964. ص420.
.محمد محمود لطفي . استخدام وسائل الاتصال الحديثة في التفاوض على العقود وإبرامها.القاهره1993.ص23.[1]

.حسن عبد الباسط جميعي.إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الانترنت.دار النهضة العربية طبعة 2000 .ص61 وما بعدها.
حاجى صليحة.الوفاء الرقم عبر الانترنت .المظاهر القانونية.أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص.كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية .وجدة سنة 2004.2005.ص 151.
[2]: محمود محمد أبوفروه.الخدمات البنكية الالكترونية عبر الانترنت . رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص . كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.وجدة سنة 2005.2006 ص 76. 

.محمد السعيد رشدى.التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة مع التركيز على البيع بواسطة التلفزيون.مطبوعات جامعة الكويت .الطبعة الأولى 2001.ص 64.
.الحسن الملكي.التجارة الالكترونية .قراءة قانونية. مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية.العدد 89 سنة 2001.ص81وما يليها.[3]

1 .حاجى صليحه. م س .ص158.

2 . إدريس العلوى العبدلاوى.م س . ص 126 . 

3 . أحمد المهدى . 

1 - نور الدين الناصرى : أشار إليه عبد الباسط جميعى . م س . ص 67 . 

2 . إدريس العلوى العبدلاوى .م س . ص 118 . 

3 - الفكهاني
-الناصري
.عبد الباسط جميعى . اثر عدم تكافؤ 

1 : أحمد حبيب السماك: نظام الإثبات في الشريعة الإسلامية والقانون الوصفي، مجلة الحقوق، كويتية، السنة الحادية والعشرون، العدد الثاني، يونيو 1997

1 : أحمد شرف الدين: عقود التجارة الالكترونية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وقانون التجارة الدولية، جامعة عين شمس ص: 316

2 : محمد السعيد رشدي: التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط 2005، ص: 241 وما يليها.

1 : جاء في سياق المادة 106 ما يلي: " كشوف الحسابات التي تعدها مؤسسات الائتمان وفق الكيفية التي يحددها وغلى بنك المغرب بعد موافقة لجنة مؤسسات الائتمان تعتمد في الميدان القضائية باعتبارها وسائل إثبات بين المؤسسات وعملائها من التجار في المنازعات التي تنشأ فيما ينهم على أن يثبت ما يخالفها.

2 : قرار تجاري عدد 1370 في 11-10-2000، ملف تجاري عدد 1771/99 مجلة المحاكم المغربية عدد 88 ماي 2001، ص: 113-113

3 : جاء ظهير شريف رقم 225-00-01 صادر في 2 ربيع الأول 1421 موافق ل 5 يونيو 2000 ينفذ القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4810 في 6 يوليوز 2000 ص: 1941

4 : محمد بوشيبة: الإثبات بين القواعد التقليدية ومستجدات التقنيات الحديثة، أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في الحقوق، شعبة قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني عين الشق، السنة الجامعية 2003-2004، ص: 264

1 : أستاذنا عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية ، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 2004، ص: 331

1 : إدريس العلوي العبدلاوي: وسائل الإثبات في التشريع المغربي، مطبعة النجاح الجديدة 1990، ص: 97 وما بعدها
- عبد الكريم شهبون: الشافي في شرح ق.ل.ع المغربي، الكتاب الأول، الالتزامات بوجه عام، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، 1999، ص: 399

1 : محمد السعيد رشدي: "حجية وسائل الاتصال الحديثة في الإثبات" مرجع سابق، ص: 82

1 : محمد حسام محمود لطفي: "استخدام وسائل الاتصال الحديثة..." مرجع سابق، ص: 20 وما بعدها

2 : أحمد المهدي: "الإثبات في التجارة الإلكترونية" دار الكتب القانونية، طبعة 2004، ص: 17 وما بعدها.

دراسة في القانون: تصورات حول نجاعة العدالة الجنائية (الحلقة الأولى)


رغم أن العدالة هي قيمة إنسانية تختلف عن كل التصورات الاقتصادية التي تعتمد وسائل العمل والإنتاج والكلفة والجودة، فإن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية التي عرفها العالم، وحاجة المواطن إلى عدالة ناجعة وجيدة،كلها وغيرها أسباب دفعت إلى تفكير الفقه والمسؤولين 
الحكوميين والقضائيين، بالمغرب وخارجه  في إعمال تلك التصورات على العدالة الجنائية. في البداية لابد من التساؤل هل أن إصلاح منظومة العدالة يجب أن ينصب على المسائل الشمولية دون الدخول في الجزئيات ؟ أم أن الإصلاح العميق والشامل يقتضي ما هو شمولي ثم ما هو جزئي في الوقت نفسه ؟
 في الجواب ينبغي القول إن أوراش الإصلاح لن تنتهي بحلول شهر مارس من سنة 2013، وكل ما قد يمكن القيام به هو محاولة إنهاء المسائل الشمولية كلها، ثم البدء، بعد ذلك، في الجزئيات عن طريق التفعيل الصحيح لنتائج تلك الأوراش.
وفي إطار جرد بعض الشموليات، والتمهيد لتحديد بعض الجزئيات، في ما هو مرتبط بالنجاعة من تصورات، تأتي هذه الورقة، التي اعتمدت، بصفة خاصة، كمنهجية لها ما تضمنه الخطاب الملكي ليوم 20/8/2009، في مقتطفاته المتعلقة برفع النجاعة القضائية، وكمرجعيات لها ما تم استخلاصه من بعض العروض التي قدمت خلال ندوات الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، وكذا المناظرة الوطنية التي انعقدت بمكناس أيام 9، 10 و 11 دجنبر 2004  حول «السياسة الجنائية بالمغرب، واقع وآفاق «، وغيرها.
 ورغم أن العدالة هي قيمة إنسانية تختلف عن كل التصورات الاقتصادية التي تعتمد وسائل العمل والإنتاج والكلفة والجودة، فإن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية التي عرفها العالم، وحاجة المواطن إلى عدالة ناجعة وجيدة،كلها وغيرها أسباب دفعت إلى تفكير الفقه والمسؤولين الحكوميين والقضائيين، بالمغرب وخارجه  في إعمال تلك التصورات على العدالة الجنائية.
 بل إن هناك من السادة المتدخلين في ندوات الحوار الوطني من فكر في «الاقتصاد الجنائي» و»اقتصاد السجون «وعاب على ميزانيات أجهزة العدالة عدم انسجامها، وغياب الرؤية الاستراتيجية في التدبير الاقتصادي للعدالة الجنائية وضعف آليات استرداد الأموال».
ويمكن إعطاء مدلول للنجاعة في العدالة الجنائية بأنها استعمال أفضل الوسائل الممكنة، للوصول، بأقل التكاليف وفي أسرع الأوقات، إلى خدمة قضائية جيدة، وإلى تحقيق المحاكمة العادلة.
 وقد تضمن الخطاب الملكي المشار إليه ضرورة رفع النجاعة القضائية، للتصدي لما يعانيه المتقاضون، من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة، وهو ما يقتضي، حسب الخطاب الملكي ذاته :
.تبسيط وشفافية المساطر
.رفع جودة الأحكام والخدمات القضائية 
.تسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم 
.وتسريع وتيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام
 وهذه المعاينة الملكية، إن كانت قد وردت، منذ سنة 2002، في ديباجة القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية بما نصه « إن نظام العدالة الجنائية لم يعد مبعث ارتياح لدى مختلف الفعاليات المهتمة على كافة الأصعدة،وأصبح محل انتقاد من المهتمين والمتتبعين نتيجة بطء الإجراءات وعدم فعاليتها بسبب عدم جدوى الأساليب الإجرائية المقررة أو عدم كفايتها، أو لأن الآجال المسطرية طويلة أو غير محددة بالمرة «، فقد أكدها، بعد أن بقي الأمر على حاله، كل المتدخلين خلال ندوات الإصلاح إياه، ومن ذلك « أن المحاكم المغربية ترزح تحت وطأة التضخم، والاكتظاظ، وهو ما يترتب عنه الكثير من أعطاب العدالة كالبطء، نقص الفعالية وعدم احترام معايير الجودة، تأخر البت في القضايا، غياب التعمق في النزاعات المهمة، عدم تخصيص الوقت الكافي لبحث وتحقيق القضايا وتدني جودة الأحكام القضائية... «.
لذلك، وفي إطار التفكير في إيجاد بعض السبل المؤدية إلى رفع نجاعة العدالة الجنائية، على هدي الخطاب الملكي المشار إليه،ينبغي مناقشة بعض مواضيع الهشاشة والتعقيد والبطء وضرورة تبسيط وشفافية المساطر وتسهيل ولوج المتقاضين إلى العدالة الجنائية والرفع من جودة أحكام وخدمات هذه العدالة وتسريع وتيرة معالجة ملفاتها وتنفيذ أحكامها. 
أثر السياستين الجنائية والعقابية على التبسيط والشفافية 
يلاحظ الدكتور محمد الإدريسي العلمي المشيشي « أن تعريف السياسة الجنائية قد تطور بين محاربة الإجرام، بمعنى المجرمين، وحماية المجتمع في صورة مواجهة بينهما، ثم تدرج نحو إعادة التأهيل والإدماج بالنسبة للمجرمين والدفاع الاجتماعي، خاصة مدرسته الجديدة، وفي جميع الأحوال يلاحظ انزلاق السياسة الجنائية نحو التضييق أو الحصر في السياسة العقابية في رد الفعل الاجتماعي ضد الجريمة.»
«ويمكن القول، في محاولة تركيبية، إن السياسة الجنائية هي مجموعة المبادىء والتصورات والمناهج والوسائل القانونية وغير القانونية التي تعتمدها الدولة لمعالجة الظاهرة الإجرامية والتعامل معها، ضمن سياستها العامة، وفي ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية خاصة بفترة محددة من الزمن «.
 وفي إطار تأثير السياستين الجنائية والعقابية على نجاعة العدالة الجنائية، في شقها الذي يلامس محاربة الهشاشة والبطء وعدم الجودة وتسريع وتيرة البت في الملفات، أكتفي بإشارة  إلى موضوع  الوقاية، ثم تأثير التشريع العقابي الحالي على النجاعة، فتضخم ظاهرة الاعتقال الاحتياطي وإكتظاظ السجون، ثم تأثير التشريع المسطري الحالي عليها.
 أما «الوقاية من الجريمة»،  فقد تم إهمالها سواء على المستوى المركزي أو المحلي أو من طرف فعاليات المجتمع المدني، فتفشت ظاهرة الإجرام وواجهتها المحاكم بعقوبات حبسية لم تحد منها، وساعدت على ذلك وضعية المؤسسات السجنية بسبب الاكتظاظ وعدم وجود الشروط التي تمكن من تحقيق برامج التأهيل وإعادة الإدماج، الأمر الذي أضحى معه موضوع انحراف الشباب قنبلة موقوتة لا يدري أحد كيف ومتى وأين ستنفجر.
 وينبغي تأكيد على أن الوقاية من الجريمة، باعتبارها عمادا لتأسيس عدالة جنائية صلبة وناجعة، تكون سابقة لها (الجريمة)، من جهة،  بالحماية والحيطة من الوقوع فيها، عن طريق المحاربة الفعلية للهشاشة والفقر والتهميش، ومراقبة ورصد الظروف التربوية والمعيشية والبيئية والاجتماعية المحيطة خاصة بالحدث، والتي قد تزحزحه نحو الإنحراف أو الخلاف مع القانون، مع التأكيد، منذ الآن، على أنه «ينبغي تجنيب الحدث، ضحية كان أو ظنينا، اللجوء إلى المساطر القضائية، والاكتفاء بكل الوسائل البديلة « وإن كان لا بد من المتابعة  «فينبغي ضمان المؤازرة الإلزامية للمحامي، وضمان السرية وحماية الخصوصية بالنسبة إلى كل الإجراءات والملفات والسجلات وبطائق السجل  العدلي».
  والوقاية لاحقة لارتكاب الجريمة، من جهة أخرى،  لأن في تلافي الاعتقال، إلا للضرورة، وقاية من الجريمة، شأنه شأن التأهيل القويم وتسهيل الإندماج وتيسير سبله، ان كانت الضرورة تقتضي العقوبة السالبة للحرية.
   لذلك ، فلا بد من إعادة النظر في المقاربة الأمنية للسياسات الجنائية بالمغرب ووضع مخطط استراتيجي تشاركي مندمج، يعتمد دراسات معمقة وأبحاثا علمية وإحصائيات مضبوطة على الأصعدة المركزية والجهوية والمحلية لمعرفة أسباب الجريمة وموجبات تصاعدها وطرق الوقاية منها وطرق معالجتها، وخلق المؤسسات المؤهلة لذلك.

بقلم: طيب محمد عمر, المحامي بهيأة الدار البيضاء
جريدة الصباح

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا