Friday, November 30, 2012

وظيفة الدولة


لا جدال حول وظائف الدولة الأساسية، القانونية منها و السياسية. و الوظائف القانونية للدولة تتمثل في الوظائف التشريعية و التنفيذية و القضائية. أما الوظائف السياسية التي لا خلاف عليها فهي: المتعلقة بالأمن الخارجي أو الدفاع عن سلامة إقليم الدولة بواسطة الجيش، و بالأمن الداخلي للحفاظ على أرواح و أموال الأفراد المتواجدين على إقليمها بواسطة الشرطة، و إقامة العدالة بين الأفراد بواسطة القضاء.
هذه الوظائف التقليدية الأساسية الملقاة على عاتق الدولة، كدولة حارسة ، تعد من الأمور التي لا ينازع بشأنها أحد مهما كان المذهب السياسي الذي يعتنقه. أما الوظائف الأخرى، أو الثانوية كما يسميها البعض، المرتبطة بالمجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، فقد اختلف فيها، فهل تدخل ضمن وظائف الدولة؟ أو بالأحرى ما مدى تدخل الدولة في هذه المجالات؟
و تختلف وظيفة الدولة، أو مدى تدخلها، في هذه المجالات باختلاف المذاهب السياسية التي تعتنقها كل دولة. و المذهب السياسي، في الحقيقة، يعكس من الناحية السياسية مجموعة من القيم و الأفكار المترابطة أو مجموعة من الإيديولوجيات التي تقدم تصوراً للوجود، أي هو برنامج سياسي يجسد بشكل متكامل جملة من الإيديولوجيات، و يحدد الأهداف و الوسائل اللازمة لنقلها من البنية الفكرية البحتة إلى البنية القانونية و الحركية في إطار الدولة.
و في هذا الإطار يمكننا أن نلاحظ وجود ثلاثة من المذاهب السياسية التي سادت أو لا تزال تسود في عالمنا، حددت دور أو وظيفة الدولة وفقاً للتصورات المنبثقة عن إيديولوجيات هذه المذاهب و هي :
المذهب الفردي أو الحر (المبحث الأول)،
والمذهب الاشتراكي أو الماركسي (المبحث الثاني)،
والمذهب الاجتماعي (المبحث الثالث).
والعديد من الأحزاب السياسية التي تتصارع للوصول إلى السلطة في دول عالمنا، تتبنى، بشكل أو بآخر، هذا المذهب السياسي أو ذاك، على الرغم من التغيرات الجوهرية التي طرأت على الأسس الإيديولوجية لهذه المذاهب.

المبحث الأول

المذهب الفردي أو الليبرالي

في الحقيقة إنّ دور أو وظيفة الدولة في المذهب الليبرالي طرأ عليه الكثير من التغيير، و ذلك منذ نشأة هذا المذهب و تطوره و تبنيه و تطبيقه في العديد من الدول، في ظل الظروف التاريخية و الاقتصادية والاجتماعية و الفكرية التي سادت العالم. لذلك سوف نحدد المفهوم العام لدور أو وظائف الدولة كما صيغت من قبل منظري المذهب الليبرالي الأولي أو التقليدي، و من ثم التطورات التي طرأت على هذا المفهوم لدور الدولة.

المطلب الأول

دور الدولة في المذهب الليبرالي التقليدي

الفرد هو محور المذهب الليبرالي ولا قيمة للفرد إلا بذاته، و لذلك يجب أن تترك له حرية التصرف. و لكن هذا لا يعني بأنه لا يوجد أية قيمة للمجتمع، فقيمة المجتمع تتحدد بموجب توافق إرادات الأفراد في شكل قوانين . فالفرد هو أساس قيمة الجماعة و ليس العكس . و بحسب المذهب الليبرالي تعد الدولة أمراً لا بد منه من أجل تأمين حماية الحريات و الحقوق الفردية، و هي ثمرة عقد اجتماعي من أجل ضمان انتظام المجتمع و تطوره . فالدولة هي ضرورة يفرضها العقل من أجل تأمين حماية الحريات و الحقوق الفردية، وبالتالي يجب أن لا تتجاوز الدولة في وظائفها حدود الوظائف الأساسية المشار إليها : الدفاع و الأمن الداخلي وإقامة العدل.
و في الحقيقة إنّ هذا المذهب استند في منطلقاته الأساسية لتحديد دور الدولة، على الظروف الموضوعية المرتبطة بنشأته التاريخية.
فالحركة الثورية في نهاية القرن 18، وخاصةً في فرنسا، المنطلقة من الأفكار الفلسفية الليبرالية الديمقراطية يمكن تفسيرها بأنها ردة فعل من الفرد ضد مجتمعه، أكثر منها ردة فعل شعب ضد سلطة أو نظام حكم كان يضطهده . فالمجتمعات (الدول) في ذلك الوقت كانت مؤسسة في النظام الإقطاعي القائم على عدم المساواة، و كانت مؤلفة من فئات اجتماعية لا تسمح بوجود الفرد بمعزل عن الجماعة ـــ النبلاء، البائعين، الفلاحين، الحرفيين، الفلاحين …الخ ـــ التي كانت تؤمن حمايته ولكن كانت تقيد الكثير من حريته. انتماء الفرد إلى مجموعة يحدد وضعه ويبين حقوقه و واجباته.
أي بمعنى أخر إنّ الفرد لا وجود له بمعزل عن الجماعة. فالفرد محدد وضعه الاجتماعي ضمن الجماعة: فمثلاً أحد النبلاء لا يمكن أن يصبح عاملاً، و حرفي لا يمكن أن ينتج شيئاً غير الذي ينتجه الحرفيون المنتمون لنفس جماعته و لا يمكنه استعمال طرق أخرى، و فلاح لا يمكنه أن يصبح حرفياً. أي أن هذا النظام الاجتماعي القائم على عدم المساواة يحرم الناس من حرياتهم. هذا الشيء كان منطقياً مع النظام السياسي المطبق في ذلك الوقت، و القائم على فكرة الحكم المطلق المستمد من حق إلهي.
نتيجة انعدام الحرية كانت فئة المفكرين أكثر الفئات غير المتسامح معها فقد كانت الرقابة عليها شديدة. كذلك الأمر بالنسبة للبرجوازية التي كانت حبيسة في منشآتها الصناعية و التجارية بسبب القيود الإدارية و النظام الضريبي و المالي البالي و غير العادل. لذلك فإن هذه البرجوازية هي التي تجاوبت مع نداء الفلاسفة و المفكرين وأقاموا ثورتهم. لهذا الأمر قلنا : إنّ هذه الثورة البرجوازية كانت أولاً و قبل كل شيء ثورة الفرد من أجل تعزيز مكانته في مواجهة المجتمع (الدولة). انطلاقا من أن الفرد هو الأهم في المجتمع، و من هذه الزاوية بالتحديد، لم يعد ينظر إلى الشعب كمجتمع و لكن كتجمع أفراد مع الأخذ بعين الاعتبار بأن هذا التجمع له حقوق على الأفراد الذين يكونونه ويكفي لتأمين احترام ذلك وجود سلطة بوليس محدودة .
من ذلك نرى بأن الثورة البرجوازية واضعة الفكر الديمقراطي الليبرالي موضع التطبيق لم تطلب من المجتمع سوى ترك الحرية للأفراد المكونين له. أي أن مطلبها الأساسي هو الحريات الفردية و الأمر الملازم لهذه الحريات وهو المساواة القانونية.
و الحريات التي أعلنت في دساتير الثورة الفرنسية، كذلك الأمر في إعلان حقوق الإنسان في 27 أب 1789، هي الحريات الفردية الهادفة إلى حماية الإنسان ضد السلطة (الدولة) : حرية المرور، و الضمانات ضد التوقيف التعسفي و العقوبات غير المتناسبة مع الأعمال المرتكبة، و قرينة البراءة، و حرية الرأي و الاعتقاد، و حرية التعبير كتابةً و قولاً، و حرية الاجتماع.
إضافة إلى هذه الحريات الفردية أضاف واضعو إعلان حقوق الإنسان أمراً ضرورياً (وذلك حفاظاً على مصالح البرجوازية) و هو حق الملكية الخاصة أو الفردية و حمايتها، حيث المادة /17/ منه تؤكد بأن هذه الملكية مقدسة و لا يمكن المساس بها أو نزعها إلا للمصلحة العامة و مقابل تعويض مسبق و عادل.
وجاءت الحريات الفردية و حق الملكية -هدف الثورة البرجوازية- من أجل تأمين أمرين هما: حرية التجارة و حرية الصناعة، أي حرية التعاقد و إقامة المشاريع. هاتان الحريتان صنفهما في نهاية القرن 19 الفقيه الفرنسي الكبير موريس هوريو Hauriou بين الحريات الأولية، بل حتى أهم من حرية الاعتقاد، وبرأيه يمكن أن نقبل في بعض الظروف التضحية بكل الحريات الأخرى باستثناء هذه الحريات .
وفي الحقيقة إن الاقتصاديين الأحرار يشددون على هاتين الحريتين مبينين خاصة أهمية التنافس من أجل صالح المجتمع. فالتنافس يؤدي و بدون توقف إلى إزالة المشاريع المنهارة لصالح الأكثر ديناميكية مجبراً المسؤولين (رجال السلطة) للبحث عن العقلانية في عملهم، و خاصةً العمل على الاستيعاب السريع للاكتشافات العلمية و التقنية -بالرغم مما تنتجه من مشاكل- لما لها من دور فعال في صالح المجتمع ككل.
و بحسب بعض الفقهاء (خاصة الفقيه الألماني G.Jellinek في كتاب ظهر له عام 1902) فإن لهذه الحريات الفردية مفهوم سلبي. أي بمعنى أن هذه الحريات تنتج عن غياب تدخل الدولة في تصرفات الأفراد. الدولة لا تتدخل إلا من أجل ضمان أو تأمين ممارسة هذه الحريات، فغياب تدخل الدولة هو أساس هذه الحريات، فإعلان حقوق الإنسان مؤسس على امتناع الدولة في التدخل في أعمال الفرد في بحثه عن سعادته.
وقد شدد على المساواة لأسباب تاريخية تعود إلى أن المجتمع السابق كان قائماً ـــ كما أشرنا سابقاً ـــ على عدم المساواة، و خاصة أن البرجوازية كانت خاضعة لتعسف النبلاء. و لكن أيضاً المناداة بالمساواة كان ضرورياً لأنها أمر مرتبط بالحرية . فعدم المساواة كان قائماً على امتياز أو انعدام الحرية لبعض فئات المجتمع، فالامتياز كان معطى فقط للنبلاء منذ ولادتهم و حتى مماتهم. أي أن الحرية كانت مرتبطة بالفئة الاجتماعية. فالمساواة جاءت لتعيد للفرد قيمته الحقيقية بمعزل عن الجماعة. فحرية الفرد لا ترتبط أبداً بولادته و لكن بكفايته و فضائله. من هنا جاءت فكرة الفردية في الفلسفة الثورية البرجوازية الليبرالية، هذه الفلسفة مؤسسة على أن الإنسان هو حر في وسط المجتمع : هو حر لأن له قيمة باعتباره فرداً، و يجب أن يحقق طموحاته. فالمجتمع ليس من حقه أن يحدد مكانة الفرد و موقعه بين الفئات المكونة للمجتمع، بل هو وحده القادر على تحديد موقعه و مكانته من خلال نشاطه و مهاراته الخاصة به . المجتمع ليس له إلا أن يساعده و لا يقف عائقاً في طريقه.
هذه المساواة هي مساواة قانونية ليس أكثر، فهي ليست مساواة اجتماعية اقتصادية هدفها خاصة إعادة توزيع الثروة. فالدولة يجب ألا تتدخل عن طريق القوانين لصالح فئة على حساب فئة أخرى. فالقانون يجب أن يكون واحداً بالنسبة للجميع.
و بالتالي، يمكننا القول : إنّ التطبيق العملي لمفهوم الحرية و ملازمته المساواة القانونية، كتعبير عن النزعة الفردية، ترتبط في المجال الاقتصادي على ما يسمى في أيامنا بالاقتصاد الحر (الليبرالي) أو اقتصاد السوق.
انطلاقاً من ذلك, يمكننا إيجاز أهم المرتكزات الأساسية لهذا المذهب فيما يتعلق بدور الدولة :
-الفردية، فحسب المذهب الليبرالي، المجتمع و الدولة مسخران لخدمة الفرد. فحقوق الفرد بفكره وعقيدته و ماله وحركته في مواجهة السلطة بشكل خاص هي أساس المذهب الليبرالي، ومن هنا فقد جاءت أغلب الدول الأولى التي طبق لديها النظام السياسي المنبثق عن هذا المذهب بإعلان لحقوق الإنسان والمواطن، خاصةً في فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية.
-الليبرالية السياسية، و هي المفهوم الذي من خلاله يتم التوفيق بين الحرية و السلطة و ذلك من خلال : الديمقراطية التي هي نظام الحكم المنبثق عن المذهب الليبرالي، حيث لا تكون السلطة سوى التعبير عن مجموع إرادات الأفراد. والقوانين التي تصدر بصورة قواعد مجردة تطبق على جميع الأفراد بالتساوي.
-الرأسمالية كأساس للنظام الاقتصادي الليبرالي، و هو يعطي الفرد حق تملك وسائل الإنتاج بدون حد. وعلى الدولة عدم التدخل في الحياة الاقتصادية، و ترك هذا النشاط للأفراد في ظل مبدأي حرية التجارة و الصناعة و حرية المنافسة، و لكن في ظل رقابة و تنظيم الدولة لهذه الحريات.

المطلب الثاني

تطور مفهوم دور الدولة في المذهب الليبرالي

في الواقع إن أغلب دول الديمقراطيات الغربية، التي تتبنى المذهب الليبرالي، تخلت إلى حد ما عن هذه الفكرة النظرية التي حددها هذا المذهب لدور الدولة و خاصةً في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي. فمنذ الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929 أخذت هذه الدول تتدخل في هذين المجالين لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، و ظاهرات التأميم و التخطيط و الحماية الجمركية مثلاً وجدت في أغلب دول الديمقراطيات الغربية التي تتبنى المذهب الليبرالي.
فالأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1929 تعتبر برأينا نقطة تحول هامة في التاريخ المعاصر، و قد امتد أثرها على الكثير من المجالات و من ضمنها المذاهب السياسية (و خاصةً المذهب الليبرالي) و الأنظمة المطبقة لها. ففي الماضي كان المواطنون في الديمقراطيات الغربية عندما يتجهون إلى الدولة لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، يتمكن البرلمان من أخذ المبادرة في هذا المجال معتمداً في ذلك على الإمكانات المتاحة أمامه، و قد تمكن من خلالها من تحقيق ذلك بشكل فعال : إعادة توزيع الثروة من خلال الضرائب و الرسوم على الطبقات الميسورة خاصةً و الإعفاءات الممنوحة للطبقات ذات الدخل المحدود…الخ.
بالطبع عند حدوث أزمة 1929 لجأ المواطنون مجدداً نحو الدولة بحثاً عن حلول لها أو للتخفيف من آثارها السيئة على الطبقات الميسورة و الفقيرة معاً. فحتى هذا التاريخ كان المطلب الوحيد من الدولة (السلطات العامة) هو تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية من خلال توزيع الدخل القومي الموجود. و لكن مع حدوث الأزمة الاقتصادية و ما أنتجته من آثار خطيرة، لم يعد كافياً إعادة توزيع الدخل القومي الموجود لتحقيق العدالة الاجتماعية، بل يتوجب على الدولة العمل أيضاً على نمو الدخل الإجمالي للناتج المحلي.
في هذه المرحلة ظهر المذهب الاقتصادي الكينزي الداعي إلى تدخل الدولة في عملية نمو الإنتاج و مكافحة البطالة، و ذلك من خلال الاستخدام الأمثل للموارد الإنسانية و المادية. و الاستخدام الأمثل لهذه الموارد يتم من خلال السيطرة على حجوم الاستهلاك و الادخار. فلذلك نشأت في هذه الفترة ظاهرة التأميم و خاصةً لقطاعات البنوك (التي تسيطر على القروض و بالتالي على حجم الاستثمارات)، و التأمين (الذي يلعب دوراً أساسياً في عملية الادخار و بالتالي في حجم الاستهلاك) و المشاريع المنتجة للطاقة (نظراً لدورها الحاسم في العملية الاقتصادية). هذه الظاهرة أعطت الدولة أداة هامة من أجل لعب دور أساسي كمنسق للأنشطة الاقتصادية .
هذا الدور الجديد للدولة أدخل تغييراً مهما في مفهوم الدولة و وظائفها في المذهب الليبرالي، القائم على الحرية و عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي. فالبرجوازية منشئة هذا المذهب، رغم اعتراضها على قيام الدولة في القرن الماضي بلعب دور المنصف الاجتماعي (العدالة الاجتماعية)، قبلت بهذا الدور الجديد للدولة، كمنسق للعملية الاقتصادية : لأنه من مصلحتها، و من الصالح العام و جود إنتاج قوي مستخدم بشكل جيد، و قد أرادت الدولة الاستفادة من مزايا الوسائل التي وضعتها تحت تصرف المشاريع الاقتصادية (قروض بفوائد متدنية، إعفاءات ضريبية، إعانات …الخ).
و لذلك نجد في هذه المرحلة، و خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، تطوراً هاماً قد حدث في محتوى إعلان حقوق الإنسان في الدول الليبرالية. فأغلب الدساتير التي ظهرت عقب هذه المرحلة أشارت إلى الحقوق الاقتصادية للفرد و خاصة حقه في العمل : فمقدمة الدستور الفرنسي لعام 1946 مثلاً نصت على أنّ “كل مواطن له الحق في الحصول على عمل”، كذلك المادة 25 من نفس الدستور نصت على “إنشاء خطة قومية مهمتها تأمين العمل للمواطنين و الاستعمال العقلاني للموارد المادية”.
و لكن منذ بداية الثمانينات نلاحظ أنّ الليبراليين الجدد يخوضون معركة شرسة للدفاع عن الاختيارات الفردية، مقترحين حلولاً اقتصادية و إجرائية من شأنها تقليص تأثير الدولة في حياة الجماعة، أو العودة إلى المفهوم القديم الذي حدده المذهب الليبرالي لدور الدولة.
هذا الأمر نلاحظه جلياً في عهد مارغريت تاتشر في بريطانيا و رونالد ريغن في الولايات المتحدة الأمريكية، و انتشار ظاهرة الخصخصة في أغلب دول العالم . هذا الأمر أدى إلى انتشار العديد من الأحزاب الليبرالية أو ما يسمون بالليبراليين الجدد، الذين يعملون على إيجاد نوع من القطيعة مع الثقافة الاجتماعية الديمقراطية، و إعادة النظر في دولة العناية الإلهية (الصحة و بخاصة الخدمات الاجتماعية).
هذا المفهوم الجديد الذي تقدمه الليبرالية الجديدة لدور أو وظائف الدولة، ساعد على انتشاره ما يسمى بالعولمة . فأنصار العولمة يعملون على إضعاف دور الدولة، و خاصةً القضاء على ما يسمى بدولة العناية الإلهية التي كانت تضمن لمواطنيها بعض الخدمات و التأمينات الاجتماعية و خاصةً الصحية منها .
وهذا ما نلاحظه من خلال البرامج و السياسيات التي تفرضها المؤسسات الدولية الداعمة و الراعية للعولمة و على رأسها المنظمة العالمية للتجارة O.M.C.، و صندوق النقد الدولي F.M.I.، و البنك الدولي للإنشاء و التنمية B.I.R.D..
هذه المؤسسات الدولية تفرض على الدول الأعضاء (و تؤثر على بقية الدول) سياسة إعادة هيكلة إداراتها، و خصخصة مشاريعها، و إلغاء سياساتها الحمائية (الجمركية منها، الدعم الذي تقدمه لمشاريعها و الذي يؤثر على مبدأ المنافسة) لضمان حرية انتقال رؤوس الأموال أو الاستثمارات، و البضائع.
هذه العولمة المفروضة لا تؤدي فقط إلى تقليص دور الدولة فحسب، و إنما تؤدي فعلياً إلى نوع من إهمال تطبيق مبدأ السيادة، الذي يعتبر كما أشرنا سابقاً أحد أهم خصائص الدولة، بحيث لا يعود للدولة من دور سوى الضبط الذاتي لسلطاتها.

المبحث الثاني
المذهب الاشتراكي

في الحقيقة، إن المذهب الاشتراكي جاء كرد فعل على المذهب الليبرالي و نتائجه. و لذلك، فإذا كان أنصار المذهب الليبرالي يحصرون نشاط الدولة في نطاق ضيق لا يتعدى وظائفها الأساسية المتمثلة في الأمن الخارجي و الداخلي و العدالة، و يحظرون عليها التدخل في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي، فإن أنصار المذهب الاشتراكي يرون بأن على الدولة التدخل في جميع المجالات.
و في الحقيقة نجم هذا المفهوم لدور أو وظيفة الدولة لكلا المذهبين عن الأسس الفلسفية التي يقوم عليها كلّ منهما. فمنظرو المذهب الفردي يرون في تدخل الدولة تعدياً و انتهاكاً لحريات و حقوق الأفراد، و بالتالي فإن صيانة حريات و حقوق الأفراد تتأمن بشكل واسع في ظل دولة محدودة الوظائف أو غير متدخلة (كثير من الدولة عندما يلزم و قليل من الدولة ما أمكن). في حين أن منظري المذهب الاشتراكي يرون بأن تدخل الدولة يعتبر أمراً لا بد منه لصيانة حريات و حقوق الأفراد، و بالتالي كلما تدخلت الدولة و ازدادت وظائفها، تأمنت حماية أفضل لهذه الحقوق و الحريات (كثير من الدولة ما أمكن و قليل من الدولة عندما يلزم).
ولكن أصحاب المذهب الاشتراكي الذين يقولون بضرورة تدخل الدولة في جميع نشاطات الحياة، اختلفوا حول مدى هذا التدخل، و في هذا الإطار يوجد تياران متمايزان : الجماعية، و الشيوعية.
فأنصار الجماعية، يرون بوجوب إلغاء الملكية الفردية، و لكن باستثناء بعض الملكيات الخاصة المعدة لإشباع حاجات الأفراد المباشرة. و لذلك فإنه يتوجب على الدولة السيطرة على مصادر الإنتاج الأساسية، باستثناء بعض هذه المصادر التي لا تسمح لمالكيها باستغلال العمال.
في حين أن أنصار الشيوعية ، يرون أيضاً بوجوب إلغاء الملكية الفردية، و لكن بشكل أكثر تطرفاً مما يراه الجماعيون، فهم لا يسمحون بوجود أية ملكية خاصة. و لذلك يتوجب على الدولة السيطرة على جميع مصادر الإنتاج بدون استثناء، و إدارتها و توزيع ثمارها على جميع الأفراد بصورة عادلة.
باختصار يمكننا القول : إنّ أنصار المذهب الاشتراكي، الجماعيين منهم و الشيوعيين، يرفضون النظام الرأسمالي الناجم عن المذهب الليبرالي الذي يؤدي إلى تركيز الثروة بيدي فئة قليلة، تستغل الفئة الكبيرة من العمال، و إحلال نظام اشتراكي يركز الثروة أو سائل الإنتاج بيد الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، و إزالة الفوارق بين طبقات المجتمع.
ولكن هذا المذهب الاشتراكي الداعي لتدخل الدولة في جميع المجالات، منتقد على أكثر من صعيد: فالقضاء على الملكية الفردية أمر يتعارض و الطبيعة البشرية المجبول عليها الإنسان و منها حب التملك. كذلك فهذا المذهب لم يؤدّ إلى القضاء على الاستغلال من خلال القضاء على الفئة القليلة التي تتركز بيدها الثروة و تستغل العمال، و إنما أحل محلها فقط طبقة أخرى من الطبقة الحاكمة و كبار الموظفين الذين يتولون إدارة وسائل الإنتاج في المجتمع الاشتراكي. يضاف إلى ذلك أنّ تدخل الدولة في مجال الأنشطة الفردية أدى إلى الكثير من الانتهاك لحقوق و حريات الأفراد…الخ.
ولذلك و على الرغم من النجاح الذي حققه هذا المذهب مرحلياً في بعض الدول التي تبنته و على رأسها الاتحاد السوفيتي السابق، فإن المذهب الاشتراكي لاقى تراجعاً كبيراً منذ نهاية الثمانينات من القرن العشرين، بعد الفشل الذي لاقاه على الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي طبعاً، مما أدى إلى انهيار أغلب الدول التي تبنته كلياً، و إلى تخلي الكثير من الأحزاب السياسية في العديد من الدول التي تستند إلى المبادئ الفلسفية للمذهب الاشتراكي عن أغلب هذه المبادئ : ففي دول أوربا الغربية نجد مثلاً في بريطانيا أن حزب العمال تخلى عن مبادئه الرافضة للخصخصة، و كذلك الأمر بالنسبة للحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يمكن الاستنتاج من برنامجه الانتخابي في الانتخابات التشريعية الأخيرة (حزيران 1997، وحزيران 2001) أنّه قد تحول إلى حزب اجتماعي كما هو الحال بالنسبة لحزب العمال البريطاني.

المبحث الثالث

المذهب الاجتماعي

يعتبر المذهب الاجتماعي، مذهباً وسطاً بين المذهبين الليبرالي و الاشتراكي. فأنصار هذا المذهب الخليط لا يقولون، كما يرى أنصار المذهب الليبرالي، بتقييد دور الدولة ضمن الوظائف الأساسية بجعلها مجرد دولة حارسة، كذلك لا يقولون، كما يرى أنصار المذهب الاشتراكي، بإطلاق العنان للدولة للتدخل في جميع المجالات. فهم يقرون بالسماح للدولة بالتدخل بقدر معين لتحقيق مصلحة الجماعة و تحقيق غاياتها، مع ترك الحرية للأفراد للتمتع بحقوقهم و منها حق الملكية، في حدود القانون. فالدولة بحسب أنصار هذا المذهب لا تقف موقفاً سلبياً تجاه حقوق و حريات الأفراد، و لكن لا تصادر في الوقت نفسه هذه الحقوق و الحريات .
وقد ساد هذا المذهب معظم دول العالم، و خاصةً دول أوربا الغربية، ما بين الحربين و إلى يومنا هذا، فالدولة أصبح لها حق التدخل الإيجابي في جميع أوجه النشاط، سواء في المجال الاقتصادي، أم في مجال التعليم و الصحة العامة. حيث ظهر مفهوم الدولة الموجهة، التي توجه بصورة مباشرة أو غير مباشرة جميع أوجه النشاط الاقتصادي و الاجتماعي (إشراف، مراقبة، تخطيط، مساعدات)، أي بوضع الضوابط القانونية لهذا النشاط.
وظهر مفهوم دولة العناية الإلهية، التي تعتبر مسؤولة عن تحقيق التقدم الاقتصادي و الاجتماعي، وخاصةً ما يتعلق بمجال الصحة و بقية التأمينات الاجتماعية. و أصبح يعبر عن هذا المذهب اقتصادياً بسياسة التدخل . وفي الواقع اكتسح هذا المذهب أغلب دول العالم، و خاصةً دول أوربا الغربية، و على وجه التحديد الدول الاسكندنافية، حيث تلعب الدولة الدور الأساسي في المجال الاجتماعي و خصوصاً في قطاعي الصحة و التعليم، و يعتبر الضمان الاجتماعي أحد أهم خصائص هذه الدول.
وبهذا الخصوص نعتقد بأن المذهب السياسي الإسلامي ينظر لدور و وظائف الدولة نظرة قريبة أو مماثلة للمذهب الاجتماعي، و ذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقف الإسلام من الفرد و الجماعة اللذين هما الأساس الفلسفي لتحديد دور الدولة في كل المذاهب : فالإسلام يقف على مسافة واحدة في نظرته للفرد و المجتمع. فالفرد، الذي هو طبعاً أسبق من الجماعة في الوجود، مكرم و يتمتع بذاته بقيمة رفيعة أمام الله و الجماعة و السلطة. و هو يتمتع بالحرية الملازمة لمسؤوليته، فالحرية هي الأساس الذي تقوم عليه المسؤولية الفردية في الإسلام. فالفرد إذاً حسب المذهب السياسي الإسلامي هو كيان قائم بذاته له قيمته و حريته و حقوقه. ولكن ليس وحده في الوجود فهناك أيضاً المجتمع الذي له قيمته و حقوقه الخاصة به. و قيمة الفرد و حقوقه و قيمة المجتمع وحقوقه محددة بموجب الشريعة الإسلامية التي لم يضعها لا الفرد ولا المجتمع وإنما الله خالق الفرد والمجتمع .
الفصل الثاني

القوى المؤثرة في العمل الحكومي

في الواقع إنّ المؤسسات الدستورية في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، لا تتحدد معالمها و طبيعتها و أهدافها إلا من خلال تأثير القوى السياسية و الاجتماعية.
هذه القوى في الحقيقة تملك تأثيراً كبيراً في تكوين هذه المؤسسات الدستورية و خصوصاً السلطتين التنفيذية و التشريعية، و ذلك عن طريق الانتخابات. كذلك تؤثر في سير و انتظام هاتين المؤسستين من خلال الموالاة أو المعارضة لسياستها، و في ذلك تستخدم وسائل عدة دستورية و عملية.
ويمكننا في هذا الإطار التمييز بين نوعين من هذه القوى بحسب كيفية تكوينها و آلية تأثيرها على العمل الحكومي و هما : الأحزاب السياسية (المبحث الأول)، وجماعات الضغط (المبحث الثاني).

المبحث الأول

الأحزاب السياسية

في الحقيقة إن و جود الأحزاب هو سابق لوجود السياسة. ولكن هذه الأحزاب لم تكن سوى تجمعات غير منظمة، فقد كانت عبارة عن تجمعات عفوية لبعض الشخصيات مدفوعة ببعض المثل العليا هدفها البحث و المداولة في مشاكل الساعة المطروحة في الدولة دون محاولة فرض وجهة نظرها من خلال إيجاد الحل الذي تراه مناسباً لهذه المشاكل. فيمكن القول بأنها كانت نوادي فكرية لا أكثر، أما مفهوم الأحزاب في يومنا هذا فقد اختلف كثيراً.
ولكي نحيط بمدلول الأحزاب السياسية، لا بد لنا من تحديد مفهوم الحزب السياسي، و وسائل تأثير الأحزاب السياسية في الحياة السياسية، و أهم تقسيماتها، والأنظمة الحزبية السائدة في دول عالمنا.

المطلب الأول

مفهوم الحزب السياسي وخصائصه ( عناصره )

أولاً ـــ مفهوم الحزب السياسي :

أ ) الحزب في اللغة :

الحِزْبُ: جماعة الناس؛ وحِزْبُ الرجل: أصحابه وجنده الذين مع رأيه؛ والجمع: أحزاب؛ والأحزاب: جنود الكفار، تألبوا وتظاهرا على حزب النبي r، وفي الحديث: " اللَّهُمَّ اهْزِم الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِم الأَحْزَابَ، وَزَلْزِلْهُمْ ". والحِزْبُ: الصنف من الناس، قال ابن الأعرابي: الحزب الجماعة، وكل قوم تشاكلت قلوبهم وأعمالهم، فهم أحزاب، وإن لم يلق بعضهم بعضاً.
والحِزْبُ أيضا: الطائفة من الناس، وتَحَزَّبُوا: تجمعوا وصاروا أحزاباً، وفي حديث ابن الزبير رضي الله عنهما: " يُرِيدُ أَنْ يُحَزِّبَهُمْ "، أي يقويهم ويشد منهم، ويجعلهم في حزبه، أو يجعلهم أحزاباً.

ب ) الحزب السياسي في الاصطلاح:

تعددت تعريفات الحزب السياسي بين المفكرين، وكان من أهمها ما يلي:
1. ما عرفه فرنسوا غوغيل وهو: " مجموعة منظمة للمشاركة في الحياة السياسية، بهدف السيطرة كلياً أو جزئياً على السلطة، دفاعاً عن أفكار ومصالح محازبيها ".
2. ويرى أندريه هوريو أنه: " تنظيم دائم يتحرك على مستوى وطني، ومحلي، من أجل الحصول على الدعم الشعبي، ويبغي الوصول إلى ممارسة السلطة، بغية تحقيق سياسة معينة ".
3. وعرفه سليمان الطماوي: " بأنه مجموعة متحدة من الأفراد، تعمل بمختلف الوسائل الديمقراطية للفوز بالحكم، بقصد تنفيذ برنامج سياسي معين ".
ويتضح من التعريفات السابقة أن الحزب السياسي يقوم على ثلاثة عناصر أساسية : 1ـــ تنظيم سياسي له هيكل معين 2ـــ أعضاء من الشعب ينتمون إلى هذا التنظيم، والدفاع عن مبادئه 3 ـــ هدف يتمثل في الوصول إلى الحكم، وممارسة السلطة، لتحقيق مبادئ الحزب، وتنفيذ برنامجه السياسي.

ثانياً ـــ عناصر أو خصائص الحزب السياسي :

يمكننا تعريف الحزب السياسي بأنه “مجموعة من الأفراد منظمة بصورة دائمة على المستوى الوطني، تسعى للوصول إلى السلطة و ممارستها بالطرق المشروعة، من أجل تنفيذ سياسة محددة”. من هذا التعريف يمكننا استخلاص الخصائص الأساسية للحزب السياسي :
۩ ديمومة التجمع أو التنظيم :
الحزب السياسي هو تجمع له صفة الديمومة و الاستمرارية، أي أن هذا التجمع ليس مرحلياً من أجل معالجة مشاكل وجدت في فترة زمنية محددة و الانحلال من بعد حل هذه المشاكل. و صفة الديمومة لا تعني البقاء الأبدي و لكن فقط أن لا تكون فكرة التأقيت موجودة بداية كأحد أسس التجمع. نعرف أن هناك الكثير من الأحزاب تنحل (الاختفاء من الحياة السياسية كلياً، التمزق و انضمام التيارات الممزقة إلى أحزاب أخرى موجودة سابقاً أو تشكيل أحزاب جديدة، الاندماج كلياً في أحزاب أخرى) نتيجة للظروف السياسية.
۩ التنظيم على المستوى الوطني :
و يقصد بذلك أن يكون الحزب يملك تنظيماً متكاملاً على المستوى الوطني، أي أن يكون لهذا التجمع فروع في جميع أو معظم أقاليم الدولة، ويوجد بذلك علاقات منظمة بين هذه الفروع و الهيئة المركزية. أما إذا كان هذا التجمع محصوراً في إقليم معين أو لفئة محددة فلا يمكن لنا تسميته حزباً إلا تجاوزاً، لأن مثل هذا التجمع يأتي للمناداة و الدفاع عن مصالح إقليمية ضيقة، في حين أن الحزب السياسي يجب أن يكون له برنامج وطني متناولاً جميع المسائل المطروحة في الدولة.
۩ هدف الوصول إلى السلطة :
يعتبر الهدف الأساسي للحزب السياسي العمل للوصول إلى الحكم، أي يجب أن يكون لهذا التجمع إرادة معلنة هدفها الوصول إلى مقاليد السلطة، سواء بمفرده أو بالتحالف مع أحزاب أخرى. أما إذا كان هدفه هو فقط التأثير في الحياة السياسية و التأثير على السلطة فيصنف هذا التجمع كقوة ضغط. و أن يسلك في سبيل الوصول إلى هذا الهدف الطرق المشروعة (المقررة دستورياً و قانونياً)، و بذلك يختلف عن الجمعيات و التنظيمات السرية أو المسلحة التي تهدف للوصول إلى الحكم بطرق غير مشروعة.
و نتيجة لاشتراط ديمومة الحزب و وجوده في أقاليم الدولة و إرادته في الوصول إلى الحكم يجب أن يرتكز أيضاً على دعم شعبي من خلال الانتخابات أو من خلال أعمال أخرى .


المطلب الثاني

وسائل تأثير الأحزاب السياسية

أصبحت الأحزاب السياسية، كما أشرنا، تلعب دوراً أساسياً في الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية. وفي هذا الإطار تباشر هذه الأحزاب عدة وظائف للتأثير من خلالها في الحياة السياسية. هذه الوظائف تتمحور حول إعلام و تكوين الرأي العام عند الناخبين، و تكوين القادة السياسيين من خلال اختيار المرشحين، و تحقيق الاتصال بين البرلمانيين و ناخبيهم، إضافةً للتأثير على عملهم في البرلمان.

أولاً ـــ إعلام وتكوين الرأي العام :

يعتبر الإعلام أحد أهم وسائل الأحزاب السياسية للتأثير في تكوين الرأي العام، و توجيه الهيئة الناخبة، التي تعتبر السلطة العليا في الدولة و عليها تتوقف الطبيعة السياسية للحكومة.
فالأحزاب السياسية تعتبر حلقة اتصال بين الحكام و المحكومين، و ذلك من خلال الحوار الذي يدور بين أحزاب المعارضة و الأحزاب الحاكمة في معرض مناقشاتهم حول المسائل العامة المطروحة في البلاد. حيث تحاول الأحزاب الحاكمة عادةً الدفاع عن سياسة الحكومة و تقديم نظرة تفاؤلية للأوضاع العامة، في حين تقوم أحزاب المعارضة بانتقاد سياسة الحكومة من خلال تبيان الثغرات فيها و المشاكل التي يعانيها المواطنين، و اقتراح الحلول البديلة لسياسة الحكومة. هذا النقاش أو الجدل السياسي بين الأحزاب الحاكمة و أحزاب المعارضة يسهم بشكل كبير في تكوين الرأي العام للمواطنين حول المسائل و الأوضاع المختلفة في البلاد.
كذلك تقوم الأحزاب السياسية عن طريق الإعلام بالتأثير و توجيه هيئة الناخبين للتصويت إلى هذا الحزب أو ذاك، من خلال محاولة إقناع الناخبين بمبادئها التي تتضمنها عادةً برامجها الانتخابية .

ثانياً ـــ إعداد القادة السياسيين :

إضافةً لوسيلة الإعلام التي تسهم في تكوين الرأي العام، تعتبر الأحزاب السياسية وسيلة أساسية في تكوين القادة السياسيين و الوعي السياسي للمواطنين.
فالأحزاب السياسية تسهم في تكوين الوعي السياسي للمواطنين، من خلال انضمامهم إلى صفوف هذا الحزب أو ذاك، أو مجرد التحزب (عن طريق الدعم و التصويت) لهذا الحزب أو ذاك. و يتم تكوين الوعي السياسي بواسطة التثقيف الذي تلجأ له بعض الأحزاب الإيديولوجية، أو بواسطة التوجيه الذي تلجأ إليه الأحزاب الانتخابية.
كذلك فإن الأحزاب السياسية تسهم في تكوين القادة السياسيين، عن طريق اختيار مرشحيها إلى الانتخابات أو المناصب الحكومية. و يختلف هذا التأثير قوةً وضعفاً باختلاف نظم الانتخاب و الظروف السياسية الخاصة بكل دولة.

ثالثاً ـــ تنظيم عمل البرلمانيين :
لما كانت الأحزاب السياسية تسهم بشكل كبير في تكوين البرلمانيين عن طريق تقديم مرشحيها إلى الانتخابات فإنها تمارس نوعاً من تنظيم عمل نوابها خارج البرلمان و داخله . فالحزب الذي يسعى للحصول على دعم الناخبين، يعمل على استمرارية التواصل بين نوابه و بين الناخبين.
وهذا الاتصال إما أن يكون مباشراً من خلال توجه نوابه إلى الدوائر الانتخابية لشرح المسائل العامة و الإطلاع على مطالب الناخبين و المساهمة في تحقيقها، و إما أن يكون غير مباشر عن طريق مناضلي الحزب الذين يشكلون صلة وصل بين البرلمانيين و ناخبيهم.
كذلك ينظم الحزب نشاط نوابه داخل البرلمان، حيث يجتمع نواب كل حزب، أو الأحزاب المتقاربة، في كتل برلمانية، تسهم في مناقشة المسائل المطروحة و اتخاذ الرأي بشأنها. فالبرلماني المنتمي إلى حزب ما لا يصوت عادةً في البرلمان بحسب قناعته الشخصية بل بحسب توجيه حزبه، و ذلك تحت طائلة الطرد من الحزب.

المطلب الثالث

الأحزاب و الأنظمة السياسية المعاصرة

إن دراسة الأحزاب السياسية تتركز في الواقع على كيفية حضور هذه الأحزاب في تركيبة الحياة السياسية للنظام السياسي في كل دولة، و ذلك من خلال عدد الأحزاب و حجمها، و طريقة التعاون فيما بينها، وكيفية تداولها للسلطة.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نميز في الأنظمة السياسية المعاصرة قيامها على أساس : الحزب الواحد، أو الثنائية الحزبية، أو التعددية الحزبية.

أولاً ـــ نظام الحزب الواحد :

يقصد بنظام الحزب الواحد أن ليس في الدولة سوى حزب وحيد يحتكر العمل السياسي، و بالتالي يسيطر وحده على مقاليد الحكم.
وقد نشأ هذا الحزب بدايةً في الاتحاد السوفيتي، قبل أن يعم بعض دول الديمقراطيات الشعبية. يضاف إلى ذلك أن دول الديمقراطيات الشعبية التي لم تأخذ بنظام الحزب الواحد، أنشأت نظاماً جديداً فيه تعددية حزبية، ولكن يبقى هناك حزب مسيطر بنص الدستور و الواقع السياسي.
ويسود نظام الحزب الواحد في وقتنا الحاضر في الصين الشعبية، حيث يعتبر الحزب الشيوعي السلطة السياسية العليا في الدولة.
وفي هذا الصدد فإن أغلب الفقه ينفي عن الأنظمة السياسية التي تأخذ بنظام الحزب الواحد الصفة الديمقراطية، لأنها تؤدي في الحقيقة إلى إسناد السلطة عن طريق انتخابات غير تنافسية.
ثانياً ــــ نظام الثنائية الحزبية :

يقصد بنظام الثنائية الحزبية وجود حزبين كبيرين يسيطران على الحياة السياسية، بحيث يستقطبان اهتمام الناخبين و يقتصر تداول السلطة فيما بينهما، أي أن كلاً منهما يتمكن من الحصول على الأغلبية في البرلمان و تشكيل الحكومة (في الأنظمة البرلمانية طبعاً).
وبمقتضى ذلك فإن نظام الثنائية الحزبية لا يعني مطلقاً وجود حزبين فقط في الدولة، فلا شيء يمنع من وجود حزب ثالث أو أحزاب، و لكن هذا الحزب أو هذه الأحزاب تبقى قليلة التأثير في الحياة السياسية.
وهذه الظاهرة موجودة في العديد من الدول و على رأسها بريطانيا حيث يوجد حزبان مسيطران هما حزب المحافظين و حزب العمال و إلى جانبهما حزب الأحرار و الحزب الاجتماعي الديمقراطي، و الولايات المتحدة الأمريكية حيث الحزبان المسيطران هما الحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي إضافةً لوجود أحزاب صغيرة . وفي الأنظمة ذات الثنائية الحزبية يمكن التمييز بين : الثنائية الحزبية الكاملة، و الثنائية الحزبية الناقصة . فالثنائية الحزبية الكاملة تعني وجود حزبين سياسيين يتقاسمان أصوات الناخبين، بحيث يتمكن أحد الحزبين الحصول على الأغلبية المطلقة و الحكم بمفرده، كما هو الحال في بريطانيا حيث يوجد تداول للسلطة بين حزبي المحافظين و العمال.
كذلك الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يوجد الحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي يحصل أحدهما دائماً على الأغلبية المطلقة في أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما.
وفي الواقع إنّ ما يفرز هذه الحالة في كلتا الدولتين هو نظام الانتخاب فيهما و القائم على الانتخاب الفردي بالأغلبية البسيطة التي تمكن أحد هذين الحزبين من الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان.
أما الثنائية الحزبية الناقصة فتعني وجود حزبين كبيرين يتداولان السلطة، و لكن لا يحصل أحدهما وحده على الأغلبية المطلقة في البرلمان، فيلجأان للائتلاف معاً أو مع أحد الأحزاب الصغيرة. و مثال ذلك ما يحصل في ألمانيا، حيث الحزب الديمقراطي المسيحي و الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتداولان السلطة بينهما، فيشكلان ائتلافاً بينهما (و يسمى الائتلاف الكبير)، أو يأتلف أحدهما مع أحد الأحزاب الصغيرة كالحزب الليبرالي أو حزب الخضر (و يسمى بالائتلاف الصغير).

ثالثاً ــــ نظام التعددية الحزبية :

نظام التعددية الحزبية هو المتبع في معظم الأنظمة الديمقراطية، و يقصد به وجود عدد (بالتأكيد أكثر من ثلاثة) من الأحزاب، لا يملك أياً منها الأغلبية المطلقة في البرلمان، فيضطر لتشكيل حكومة ائتلافية بين حزبين أو أكثر.
وفي الحقيقة تعود نشأة التعددية الحزبية إلى عدة أسباب واعتبارات اجتماعية، وطائفية، وعرقية، إضافةً للنظام الانتخابي: فكما أشرنا سابقاً إنّ نظام الانتخاب الفردي بالأغلبية البسيطة أو النسبية لا يشجع على تعدد الأحزاب، في حين أن نظام الانتخاب وفق التمثيل النسبي يعتبر عامل تشجيع لتعدد و كثرة الأحزاب. وتختلف الأنظمة السياسية ذات التعددية الحزبية بسبب الكثير من الاعتبارات، وخصوصاً النظام الانتخابي المعتمد، الذي قد يسمح بوجود استقرار حكومي، أو يؤدي إلى عدم الاستقرار الحكومي أو أزمة حكومية، نتيجة عدم القدرة على تشكيل ائتلاف حكومي بين عدد من الأحزاب يستمر لفترة طويلة أو معقولة. وفي الواقع إن أغلب الأنظمة الديمقراطية تقرر حرية إنشاء الأحزاب السياسية، و تنظم عملها، و تبيّن طريقة تمويلها، و تؤمن استمرارها من خلال عدم جواز حلها إدارياً.

المبحث الثاني

جماعات الضغط

إلى جانب الأحزاب السياسية، تمارس بعض جماعات الضغط تأثيراً في الحياة السياسية لا يقل أهمية عن تأثير الأولى. لذلك سوف نحدد المقصود بجماعات الضغط، و علاقتها بالأحزاب السياسية، و الوسائل التي تستخدمها للتأثير في سلطات الدولة، وأخيراً سوف ندرس نوعاً من جماعات الضغط له خصوصيته والمعروف باسم اللوبي.

المطلب الأول

المقصود بجماعات الضغط

من الصعب إعطاء تعريف جامع و مانع لجماعات الضغط، و لكن يمكننا الاستدلال على العناصر الأساسية لوصف جماعة ما بجماعة ضغط من قولنا : إنّها عدد كبير من الجماعات و الجمعيات و النقابات والشركات…التي في سبيل الدفاع عن مصالح أعضائها أو القيم التي يؤمنون بها، يلجؤون إلى وسائل مختلفة للتأثير على العمل الحكومي و البرلماني و توجيه الرأي العام. من ذلك يمكننا استنتاج عناصرها الأساسية و المتمثلة : بحد أدنى من التنظيم و البنيوية للتجمع، مجموعة من الأفراد يسهمون في حياة التجمع، ويتميزون بمواقف شخصية و جماعية تسهل عملية التضامن فيما بينهم، و يعملون على صعيد المجتمع ككل أو على الصعيد المحلي، و يدافعون عن مصالح أعضاءها المشتركة.
وتتنوع جماعات الضغط من حيث اتجاهاتها و تركيبها، فهناك النقابات و التجمعات الإيديولوجية أو الفكرية أو الأخلاقية أو الدينية.
وتتنوع جماعات الضغط من حيث محور عملها، فهناك جماعات لا عمل لها سوى التأثير على السلطة، و تسمى جماعات ضغط بطبيعتها ، و جماعات لا تمارس الضغط على السلطة إلا بصورة تبعية، حيث تمارس إلى جانب ذلك نشاطات أخرى صناعية، و تجارية… وتسمى جماعات ضغط بالتبعية .


المطلب الثاني

علاقة جماعات الضغط بالأحزاب السياسية

في الواقع إنّ هناك اختلافاً جوهرياً بين جماعات الضغط و الأحزاب السياسية، خاصةً من حيث غرض أو هدف كل منهما.
فكما أشرنا سابقاً بأنه من أسس الحزب السياسي هو العمل للوصول إلى الحكم، في حين أن غرض جماعة الضغط يقتصر فقط على التأثير على السلطة.
بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود أية روابط بين جماعات الضغط و الأحزاب السياسية. فقد يكون بعض الأشخاص أعضاء في حزب ما و نقابة ما في آن معاً، و قد يكون مجرد الانتساب إلى نقابة ما يؤدي تلقائياً إلى الانضمام إلى حزب ما كما هو الحال فيما يتعلق بحزب العمال البريطاني الذي يضم في أعضائه أفراداً عاديين و جماعات تمثل النقابات العمالية، التي كانت وراء نشأة هذا الحزب في العام 1900.
و قد تسهم جماعات الضغط في وصول أحد الأحزاب للسلطة من خلال مناصرته و التشيع له : ففي فرنسا مثلاً توجد عدة نقابات عمالية كل منها تناصر إحدى الجهات الحزبية، حيث نقابة C.F.D.T. (الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل) تناصر الحزب الشيوعي، و نقابة F.O. (قوى العمال) تناصر الاشتراكية الدولية…الخ، و في الولايات المتحدة الأمريكية تناصر الفيدرالية الأمريكية للعمل A.F.L. مرشحي الحزب الديمقراطي.

المطلب الثالث

وسائل تأثير جماعات الضغط

تختلف الوسائل التي تلجأ إليها جماعات الضغط للتأثير على عمل السلطة، باختلاف طبيعة و أهداف كل جماعة، و تختلف باختلاف الظروف التاريخية و الموضوعية في كل دولة.

و يمكننا بشكل عام تقسيم هذه الوسائل إلى ثلاث فئات :

۩ الفئة الأولى : الاتصال أو الاحتكاك المباشر مع أصحاب القرار في السلطة (نواب، وزراء، إداريون كبار، شخصيات مؤثرة كأعضاء أحزاب الأغلبية). و يتم ذلك من خلال العلاقات الشخصية، أو خلال تنظيم الحفلات أو الاجتماعات، أو اللقاءات التي تعد لمناقشة المسائل المطروحة على الساحة السياسية، أو من خلال المشاورات أو المفاوضات الرسمية و غير الرسمية بين السلطة و ممثلي هذه الجماعات.
ففي فرنسا مثلاً ظهر مؤخراً ما يسمى بسياسة التشاور أو الاستئناس قبل اتخاذ القرارات الهامة، وخاصةً فيما يتعلق بالقرارات التي تمس شرائح كبيرة من المجتمع كقضايا العمل، و التعليم، والصحة…الخ، و ذلك إما لحل أزمة اجتماعية أدت لإضرابات شلت البلاد، أو لتجنب حدوث ذلك.

۩ الفئة الثانية : الاتصال أو الاحتكاك غير المباشر مع السلطة من خلال وسائل الإعلام، أو من خلال التهديد أو اللجوء إلى الإضراب أو الاحتجاج، مما قد تؤدي في بعض الحالات إلى اتصال مباشر مع السلطة من خلال التفاوض مع المضربين أو المحتجين.

۩ الفئة الثالثة : تتمثل في إمكانية التأثير على السلطة من خلال إسهام جماعات الضغط بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الحملات الانتخابية للمرشحين.

المطلب الرابع

جماعات الضغط المسماة اللوبي

يقصد بتعبير اللوبي Lobby لغوياً الممر أو الدهليز، و كانت ترمي أساساً للدلالة على دهاليز مجلس العموم البريطاني.
هذا المصطلح ظهر منذ منتصف القرن السابع عشر حيث كان البرلمانيون يصطدمون في أروقة مجلس العموم بالذين يحاولون التأثير على أصواتهم، و من ثم دخل هذا المفهوم الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن التاسع عشر.
واللوبي هو فرد أو تنظيم يعمل لحساب الغير بهدف التأثير على قرارات السلطة. من هذا التعريف يمكننا استنتاج سماته و اختلافه عن بقية جماعات الضغط : فاللوبي ليس جماعة أو مجموعة بالضرورة، فيمكن أن يكون فرداً.
واللوبي يعمل لمصلحة الغير، فرداً أو جماعةً، وبالتالي فإن الضغط الذي يمارسه فرد لمصلحته أو جماعة لمصلحتها لا يعتبر نوعاً من أنواع ضغط اللوبي.
واللوبي لا يستهدف سوى التأثير على قرارات السلطة العامة في جميع مراحلها و في جميع مستويات مؤسساتها: برلمان، سلطة تنفيذية، محاكم، منظمات دولية…، وبالتالي لا يعتبر التأثير على القرارات الخاصة من قبيل ضغط اللوبي. يجب أن يكون مصدر الضغط من خارج المؤسسة المضغوط عليها، فالتأثير من داخل المؤسسة الواحدة على قراراتها لا يعتبر تأثيراً لوبياً. يجب أن تكون هناك نية تسبق الضغط، فالأعمال و الظروف التي تؤثر بشكل عفوي بقرارات السلطة العامة لا تعتبر تأثيراً لوبياً.
وفي الحقيقة إن تأثير اللوبي في الولايات المتحدة الأمريكية عمل على إفساد الحياة السياسية من خلال اللجوء إلى وسائل غير مشروعة كالرشوة و المساومات، مما دعا إلى تنظيمه أو تهذيبه منذ العام 1927، وخاصة منذ قانون 1946 الذي اعتبر اللوبي مهنة، حدد لها نظاماً معيناً بيّن شروط ممارستها، حيث تملك /35/ ولاية حالياً أنظمة خاصة بها لعمل اللوبي.
هذه الظاهرة الفريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأمريكية متواجدة على مستوى الاتحاد أو على مستوى الولايات، تنشأ عادة من قبل نجوم المال و الاقتصاد و السياسة…الخ، و تأخذ مسميات متعددة متعلقة عادةً بالجنسية أو العرق أو الدين… مثل اللوبي اليهودي واللوبي الكاثوليكي و اللوبي العربي واللوبي الإيطالي و اللوبي الياباني واللوبي الأسود ..الخ. و ظاهرة اللوبيات Lobbying أصبحت صناعة بمعنى الكلمة، و هي في تعاظم مستمر و خاصة خلال السنوات 1970-1980 بسبب النصوص التي تنظم عملية تمويل الحملات الانتخابية.
فعدد أعضاء اللوبي Les Lobbies ارتفع من /9000/ عام 1976 إلى /35000/ عام 1990، و في واشنطن وحدها تم تسجيل أكثر من /15000/ لوبي لدى مجلسي الكونغرس، يمارسون ضغوطاً فقط على أعضاء الكونغرس .
والمبالغ التي ينفقها اللوبي ضخمة جداً : فمثلاً اللوبي الياباني انفق حوالي /400/ مليون دولار سنوياً خلال السنوات الأولى من فترة الثمانينات من أجل منع إقرار التشريعات الهادفة لحماية السوق الأمريكية في مواجهة البضائع اليابانية.

النظام الرئاسي الأمريكي


النظام الرئاسي الأمريكي
الخطة
المقدمة
الإشكالية: على أي أساس يقوم النظام الرئاسي الأمريكي و ماهي صلاحيات سلطتيه التنفيذية و التشريعية ؟
المبحث الأول: أساس النظام الرئاسي الأمريكي .
المطلب الأول : أحادية السلطة التنفيذية .
المطلب الثاني : الفصل المطلق بين السلطات .
المبحث الثاني : صلاحيات السلطتين التنفيذية و التشريعية في ظل النظام الرئاسي الامريكي.
المطلب الأول : صلاحيات السلطة التنفيذية .
المطلب الثاني :صلاحيات السلطة التشريعية
الخاتمة
مقدمة

تأخذ الولايات المتحدة بنظام يسيطر فيه رئيس الجمهورية و لهذا سمي بالنظام الرئاسي و هو يعتمد على أساسين هما الفصل المطلق بين السلطتين فإختصت السلطة التشريعية بأمرو التشريع و السلطة التنفيذية بأمور التنفيذ مما يمنع قيام علاقة تعاون أو رقابة بينهما الامر الذي يحقق لكل سلطة كيانها الخاص و لان الرئيس لا يسأل إلا أمام الأمة فقد اصطلح على النظام الأمريكي بنظام حكومة الرئيس .


المبحث الأول : أساس النظام الرئاسي الأمريكي
يقوم النظام الرئاسي الأمريكي على ركيزتين أساسيتان هما :
المطلب الأول :
أحادية السلطة التنفيذية :
رئيس الجمهورية منتخب من قبل الشعب يجمع بين رئاسة الدولة و رئاسة الحكومة لذلك هذا النظام لا يطبق إلا في دول النظام الجمهوري فهو لا يتماشى مع النظام الملكي .
كما أن الشعب هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية و ليس الهيئة النيابية و ذلك عن طريق الاقتراع العام المباشر و هو ممثل الأمة في مباشرة رئاسة الدولة و رئاسة الحكومة في نفس الوقت .
كما يقوم بإختيار الوزراء الذين يعاونوه في تطبيق سياسته و ممارسة مهامه و له الحق في إعفائهم من مناصبهم و عزلهم .
و يخضع الوزراء لرئيس الجمهورية خضوعا تاما و ينفذون السياسة العامة التي قام بوضعها و يسمون بالسكريتارين أو الكتاب، و هم لا يتمتعون بأية سلطة .
المطلب الثاني :
الفصل المطلق بين السلطات :
على خلاف النظام البرلماني البريطاني ، فإن النظام الرئاسي الأمريكي يقوم على الفصل المطلق و التام بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية .
إذ لا يملك رئيس الدولة بإعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للإنعقاد العـــــادي أو فض دورته أوحله ، و يباشر البرلمان وظيفته التشريعية بإستقلال تام ، بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية إقتراح القوانين أو التدخل في إعداد ميزانية الدولة ، كما يستقل البرلمان من الناحية العضوية عن الحكومة ، و ليس للوزراء حضور جلسات البرلمان إلا بصفتهم مواطنون عاديون .
كما أن إستقلال السلطة التنفيذية في مباشرتها لوظيفتها إذ يقوم رئيس الجهمورية بتعين الوزراء و إعفائهم من مناصبهم دون تدخل من البرلمان و لا يجوز لأعظاء توجيه الأسئلة للوزراء (1).
مظاهر الفصل بين السلطات :
الفصل في وظائف الأجهزة : فالبرلمان يصدر القوانين دون المشاركة في صياغتها .
الفصل في علاقة الأجهزة : لا يحق لأي جهاز التأثير على جهاز أخر ، فالرئيس لا يمكنه أن يحل البلمان و البرلمان أن يسقط الحكومة .
المبحث الثاني :
صلاحيات السلطتين التنفيذية و التشريعية :
المطلب الأول : صلاحيات السلطة التنفيذية :
تخضع السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية بحيث يجمع بين رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة فهو يختار معاوينيه و مساعديه و يطلق عليه كاتب الدولة و هم مسؤولون أمامه و بالتالي فالحكومة مستقلة عن البرلمان * إنتخاب الرئيس الجمهورية : يتم إنتخاب الرئيس بوسطة الإقتراع العام غير المباشر و ذلك حسب المراحل التالية :
1 – مرحلة تعين مرشحو الأحزاب : يتم تعين مندبي الاحزاب على مستوى كل ولاية ثم يجمع المندبون في مؤتمر لإختيار مرشح الحزب للرئاسيات .
2- مرحلة تعيين الناخبين الرئاسين : يتم إختيار الناخبين لمدة 04 سنوات عن طريق الأنتخاب بالأغلبية في كل ولاية و يبلغ عدد هؤلاء الناخبين مثل عدد اعضاء مجلس الشيوخ و مجلس النواب و لا يحق لهؤلاء أن يكونوا أعضاء في كل من المجلسين .
3 – مرحلة إنتخاب الرئيس : يتم إنتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة لاصوات الناخبين و في حالة عدم حصول هذه الإغلبية يتم إنتخاب الرئيس من طرف مجلس النواب ، أما نائب الرئيس فيتم إنتخابه عن طريق مجلس الشيوخ و ذلك من بين المرشحين الثلاثة الذين حازوا على أكبر الأصوات ، و مدة عهدته اربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط .
شروطه منصب الرئيس :
1 – أن يكون أمريكيا بالمولد
2- أن يبلغ عمره 35 سنة .
3- أن يقيم بالولاية أكثر من 14 سنة (2).
من إختصاصات الرئيس القيود الواردة على منصب رئيس الجمهورية:
1– الصلاحيات التنفيذية : يمارس الرئيس السلطة التنظيمية في شكل أوامر تنفيذية أو مقرارات و هو لا يمارس سلطة التشريع .
2 – الصلاحيات الإدارية : يقوم بتنظيم و مراقبة أعمال الإدارات العامة .
3 – الصلاحيات الدبلوماسية : يتولى الرئيس إدارة السياسة الخارجية بمساعدة كاتب الدولة للخارجية و كذلك تعين السفراء و التوقيع على المعاهدات التي تتطلب مجلس الشيوخ .
4 – الصلاحيات العسكرية : الرئيس هو القائد الأعلى للجيش و يتولى قيادة العمليات العسكرة مع العلم أن إعلان الحرب هو من حق الكونغرس وحده .
5- حق العفو و تخفيض العقوبة
6- حق الإعترض.
7- الرسائل و هي نوعان مفاجئة و سنوية.
القيود الواردة على رئيس الجمهورية:
قيود قانونية : تنحصر في قصر مدة الرئاسة حتى لا يصبح الرئيس ديتاتوريا .
قيود سياسية : أي تأثير الأحزاب السياسية
قيود إتجاه الموطنين : هناك قيود لا يستطيع الرئيس تجاوزها لانها صارمة من طرف القضاء
* الوظائف التي يمنع على السلطة التنفيذية ممارستها :
من أجل الفصل المطلق للسلطات هناك عدت مهام تمنع على السلطة التنفيذية ممارستها منها :
*لا يجوز لأعضاء الحكومة الجمع بين عضوية الحكومة و البرلمان .
* لا يمكن لرئيس الجمهورية دعوة البرلمان للإنعقاد .
* الميزانية هو عمل يظبطه البرلمان فقط
* لا يمكن لريس الجمهورية تاجيل دورات إنعقاد البرلمان
* لا يمكن لرئيس الجمهورية تغير جدول عمل البرلمان
* لا يمكن لرئيس الجمهورية حل البرلمان.
* لا يمكن لأعضاء الحكومة حظور جلسات البرلمان (1).
المطلب الثاني : صلاحيات السلطة التشريعية : (الكونغرس)
يتكون الكونغرس من مجلس الشيوخ و مجلس النواب .
1 – مجلس النواب : يمثل مجلس النواب الشعب الأمريكي و ينتخب أعضائه لمدة سنتين بالإقتراع العام المباشر و يتكون المجلس من 435 عضو و يشترط في المترشح أن يبلغ من العمر على الاقل 25 سنة و يتمتع بالجنسية الامريكية منذ 07 سنوات و أن يقيم في الولاية ، و يتم إنتخابهم حسب عدد السكان في الولاية على أساس نائب عن 500 الف مواطن على مستوى الولاية .
2 – مجلس الشيوخ : يتكون من 100 عضو و تمثل كل ولاية بنائبين مهما كان عدد سكانها و يتم إنتخابهم لمدة 06 سنوات بالإقتراع العام المباشر ، و يتم تجديد ثلث الأعضاء كل عامين ، و يشترط على المترشح بلوغ سن 30 سنة و يملك الجنسية الأمريكية لمدة لا تقل على 09 سنوات و ان يقيم في الولاية .
صلاحيات السلطة التشريعية (الكونغرس)
ما نلاحظه في النظام الرئاسي الأمريكي أن مجلس الشيوخ يتفوق و له أهمية على مجلس النواب و السبب في ذلك يعود إلى قلة عدد مجلس الشيوخ و لجدية المناقشات و تنظيمها ، كما أن أعضاء مجلس الشيوخ منتخبون لمدة أطول من مدة اعضاء البرلمان و لهذا يتمتعون بالحرية و بالوقت الكافي لدراسة القوانين و قد خص الدستور مجلس الشيوخ بصلاحيات منها :
* موافقته على تعين السفراء و كبار الموظفين و القضاة: و التصديق بأغلبية الثلثين على المعاهدات التي يبرمها رئيس الجمهورية ، أما باقي الصلاحيات فيشترك فيها المجلسين و يمارسانها بالتساوي و أهمها :
1 – التشريع
2 – التصويت على الميزانية
3 – مراقبة المرافق العامة
4 – الصلاحيات الإنتخابية
5 – صلاحية تعديل الدستور :
و هو ما نصت عليه المادة 05 من الدستور .
فالإقتراح يصدر من الكونغرس بأغلبية الثلثين في كلا المجلسين و الكونغرس هو الذي يختار إحدى طرق المصادقة على التعديل إما من قبل ¾ المجلس التشريعية للولايات المتحدة أو من قبل مؤتمرات تنعقد في ¾ الولايات ، يمكن أن يقترح التعديل من 2/3 المجالس التشريعية .
*ا لصلاحية القضائية :empechement6-
و تتمثل الصلاحية القضائية في قدرة الكونغرس على محاسبة الرئيس في حالة إرتكابه جريمة كبيرة كالرشوة أو الخيانة العظمى ، حيث لمجلس النواب تحديد المخالفات و تقرير التهمة الموجهة إلى الرئيس و يتولى مجلس الشيوخ الحكم عليه ، فقرار مجلس النواب بالأكثرية البسيطة و حكم مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين و يرأس مجلس الشيوخ القاضي الأعلى للمحكمة العليا (1).
7 - الصلاحية المالية :
الكونغرس يشرف على أمر الإنفاق فهو الذي يوافق على الإعتمادات المالية التي تطلبها الحكومة مما يشكل وسيلة ضغط على السلكة التنفيذية و إجبارها على تتبع السياسة التي يرسمها الكونغرس .
الوظائف التي يمنع على السلطة التشريعية ممارستها من أجل ظمان الفصل التام بين السلطات :
1 – لا يمكن للبرلمان التدخل في تعين أو عزل أعضاء الحكومة فهي من صلاحيات الرئيس وحده .
2 – اعضاء الحكومة غير مسؤولين أمام البرلمان و ليس له الحق بتوجيه أسئلة لأعضاء الحكومة .
الإستثناءات الواردة على المبدا :
1 – حق رئيس الجمهورية الإعتراض على القوانين التي يشرعها البرلمان ( حق الفيتو).
2 – إعطاء حق في إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين أي تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة التشريعية للكونغرس .
3 - حق الرئيس في توجيه رسائل للبرلمان لاحاطته بموضوع معين بقصد التاثير على الكنوغرس و عمله .
4 – حق مجلش الشيوخ في الغشتراك في تعين كبار موظفي الدولة .
5- حق مجلش الشيوخ في توجيه الاتهام الجنائي لاعضاء السلطة التنفيذية .
6 – يتولى رئيس الجمهورية توقيع الإتفاقيات الدولية و المعاهدات بعد إستشارة مجلس الشيوخ.
7- حق مجلس الشيوخ في الاشتراك مع رئيس الجمهورية في جوانب من العلاقات الخارجية مثل تعين السفراء 8- يتولى رئيس الجمهورية إعلان الحرب بعد إستشارة مجلس الشيوخ
الخاتـــــمة
كان لنجاح النظام الرئاسي الامريكي صدى كبير في كثير من دول العالم مما أدى بالكثير منها الى الاخذ بهذا النظام لكنه لم يحقق النجاح الذي حققه بلده الأصلي بل تحول الى نظام ديكتاتوري في معظم الدول التي أخذت به .

عنوان البحث: مبدأ الفصل بين السلطات



خطة البحث:
مقدمة:
المبحث الأول: ظهور و نشأة مبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الأول : ظهور مبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الثاني: نشأة مبدأ الفصل بين السلطات عند جون لوك و مونتيسكو.
المبحث الثاني: تفسير مبدأ الفصل بين السلطات و مزاياه.
المطلب الأول: تفسير مبدأ الفصل بين السلطات .
المطلب الثاني: مزايا مبدأ الفصل بين السلطات.
المبحث الثالث: الإنتقادات الموجهة لهذا المبدأ و صور تطبيقه.
المطلب الأول : الإنتقادات الموجهة لهذا المبدأ.
المطلب الثاني: صور تطبيق المبدأ.
المبحث الرابع: موقف الفكر الإسلامي.
المطلب الأول: موقف الفكر الإسلامي من المبدأ ( تطبيقات المبدأ ).
المطلب الثاني: مبدأ الفصل بين السلطات في عهد الخلافة الإسلامية.
الخاتمة:

المقدمـة:
يقصد بالمعنى السياسي لمبدأ الفصل بين السلطات عدم الجمع بين السلطات أو عدم تركيزها ، و بذلك يمكن القول في هذا المجال أنه لا يجوز لشخص أو هيئة أن تجمع في يدها سلطتين أي لا يجوز أن تكون السلطات الثلاث أو إثنين منها في يد شخص واحد ، أو هيئة واحدة ، حيث كان الفصل بين السلطات عامل محفز لخضوع الدولة للقانون و من هذا المنطلق تبنى المفكرون و الفقهاء مبدأ الفصل بين السلطات بأساليب مختلفة تفاديا للاستبداد و التعسف و ليس تجميع السلطات في واحدة.






المبحث الأول: ظهور و نشأة مبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الأول: ظهور مبدأ الفصل بين السلطات.
كانت بداية ظهور هذا المبدأ مند الوقت الذي انشغل فيه الفلاسفة بتنظيم الدولة فأفصح عن أنه يجب أن توزع وظائف الدولة و سلطاتها العامة على هيئات مختلفة ، على أن يكون هناك توازن بينها ، حتى لا يطغى سلطان هيئة على أحرى و تستبد بها. و ذلك لتجنب حدوث إضطرابات و تذمر بين أفراد الشعب.
فأفلاطون يرى أنه لكي تتمكن الدولة من تحقيق أهدافها و القيام بوظيفتها في تحقيق الخير العام للشعب ، يجب فصل أعمال الدولة و كذلك فصل هذه الهيئات التي تباشر هذه الأعمال ، مع إيجاد نوع من التعاون بين بعضها البعض ، حتى لا تخرج أي هيئة عن حدود إختصاصاتها الدستورية و حتى نضمن عدم إنحراف هذه الهيئات و استبدادها في مزاولة سلطانها.
المطلب الثاني: نشأة مبدأ الفصل بين السلطات عند جول لوك و مونتسيكو.
- عند جون لوك:
يعتبر جون لوك أول من اهتم بمسألة الفصل بين السلطات في العصر الحديث في كتابه المعنون بـ " الحكومة المدنية " الذي صدر سنة 1690 ، أي سنة بعد إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 و التي تضمنت بدورها بعض ملامح هذا المبدأ ـ و إدا كان جوك لوك لم يضع نظرية متكاملة فإنه قسم سلطات الدولة إلى ثلاث( السلطة التشريعية – السلطة التنفيدية – السلطة إتحادية ) . حيث تختص السلطة التشريعية بسن القوانين و تكون السلطة التنفيدية خضعت لسلطة تشريعية مع ضرورة أن تتولى كل منهما سلطة منفصلة عن الأخرى ، و و السلطة الإتحادية هي صاحبة الإختصاص في الشؤون الخارجية كإبرام المعاهدات و إعلان الحرب ...إلخ ، و فضلا عن هذه السلطات دعى لوك إلى وجود سلطة أخرى أسماها " سلطة التاج " أو مجموعة الحقوق و الإمتيازات التي يجب أن يحتفض بها التاج البريطاني.

النقد : لكن ما يؤخذ على نظرية كوك لمبدأ الفصل بين السلطات أنه لم يعطي أهمية لسلطة القضائية و لم يتحدث عن استقلاليتها و لعل سبب في ذلك ان القضاء قبل ما عرف ب " الثورة الجديدة " في إنكليثرا سنة 1688 كانوا يعينون و يعزلون من الملك ثم فيما بعد أصبحو يعينون من قبل البرلمان و في كلتا الحالتين لم يتحصلوا على استقلالية إلا بعد نظال طويل كما يؤخد على أفكار لوك كذلك أنه قدم وصفا لما كان سائدا في بلدة إنكليثرا حيث إدخال بعض التعديلات على كيفية ممارسة السلطة و لكن مع إقراره بأن كل الوظائف الرئيسية تضل بيد الملك بمنحه إمتيازات التدخل في عمل السلطتين التنفيدية والتشريعية لدلك فهو في النهاية لم يقدم سوى فصلا أو تميزا بين الوظائف و ليس فصلا بين السلطات.
- عند مونتسيكو:
لمعالجة المبدأ ينطلق مونتسيكو من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث إلى ثلاث : الوظيفة التشريعية – الوظيفة التنفيذية – الوظيفة القضائية أي سلطة صنع القانون و سلطة تنفيذه و سلطة البث في الخلافات التي تنشأ عن مخالفة أحكامه أثناء القيام بتلك الوظائف ، لكن الفكرة الأساسية في مؤلف مونتسيكو هي أنه قد يسيء استعمال السلطة التي يتمتع بها حتى " لا يساء استعمال السلطة يجب بمقتضى الأمور ، إقامة التوازن بين السلطات من غير أن يكون باستطاعة إحداها شل أعمال أخرى عندما تمارس أعمالا لها علاقة بأعمال أخرى . و قد أحس مونتسيكو بهذا التعاون فقال داعيا إلى تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامته بين السلطات التي يتوجب عليها ( السير بخطى منسجمة ) إقامة التعاون يتم عن طريق منح كل عضو سلطة الحكم و سلطة الردع أي وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيد القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى للوصول إلى إقامة التوازن و التعاون بين السلطات.
أدرك مونتسيكو إلى ضرورة مضاعفة الأعضاء داخل السلطة الواحدة و من عنا كانت فائدة تقسيم السلطة التشريعية إلى مجلسين يستطيع كل منهما التأثير عن الآخر.
و نخلص من هذا العرض بوجهات نظر مونتسيكو إلى النقاط الجوهرية التالية:
أ- قسم مونتسيكو السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث : التشريعية – التنفيدية – القضائية و يبين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
و هذا التوزيع لوظائف الدولة على السلطات الثلاث يختلف عن تقسيم لوك للسلطات العامة لكن مونتسكيو جعل القضاء سلطة مستقلة على التقيض من لوك الذي لم يدرج القضاء بين السلطات العامة في الدولة.
ب- أكد مونتسكيو أن توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى ذلك إلى الإستبداد ، لأن طبيعة النفس البشرية عبر القرون أثبتت الإستبداد قرينة الإستئثار بالسلطة.
و نحن نوافق ما ذهب إليه الدكتور بيسوتي حين قال : " و نحن نعتقد أن الإنسان مجبول بطبعه على الإستبداد و الطغيان إذا سمحت له الظروف إلا من هذاه الله ، هذه الحقيقة يؤكذها القرآن الكريم في قوله تعالى : " كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه إستغنى " سورة العلق ، الآية 6-7.
ج – لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل بين السلطات العامة في الدولة و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة كل السلطات الاخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الإعتداء على السلطات الأخرى.


المبحث الثاني: تفسير مبدأ الفصل بين السلطات و مزاياه.
المطلب الأول: تفسير مبدأ الفصل بين السلطات.
إذا كان مفهوم المبدأ كما بيناه أعلاه ، إلا أنه عرف تفسيرات متعارضة أدى في الأخير إلى إيجاد طريقتين :
1- الفصل المطلق : و نكون هنا بصدد نظام رئاسي .
2- الفصل المرن : فكنون بصدد نظام أو حكومة برلمانية أي نظام التعاون .
- فالعرض من الفصل المطلق هو ضمان استقلال البرلمان عن الحكومة فالدولة مقسمة بين ثلاث سلطات و يحكم المبدأ ثلاث عناصر : المساواة و الإستقلال و التخصص.
- فالمساواة نقصد بها أن لا تنفرد أية سلطة بسيادة الدولة و إنما تتقاسمها.
- أما الإستقلال فيكون على مستوى الهيئات و الوظائف بحيث لا يحق لعضو في السلطة في أن واحد أن يكون نائب في البرلمان و وزيرا ، كذلك فإن الهيئات مستقلة عن بعضها البعض فلا وجود لتعاون بينهم أو لا يحق للحكومة حل البرلمان ، في حين أن التخصص يعني أن كل هيئة تمارس وظيفة محددة ، فكل منها تقوم بوظيفتها ، لكنها لا تنجزها كاملة لأن ذلك يؤدي إلى اختصاصات غيرها.
- أما أصحاب الفصل القرن فيعتبرون سلطات الدولة موزعة بين ثلاث ، و لكل منها وظيفة متميزة ، إلا أن هذا لا يعني إمكانية التعاون بين الهيئات و الوظائف فالوزراء يمكن أن يختاروا من البرلمان و أحيانا كلهم مثل : بريطانيا ، كما يمكن أن تشارك السلطة التنفيذية في ممارسة السلطة التشريعية كالمبادرة بتقديم مشاريع قوانين و حل البرلمان الذي يحق له بدوره سحب الثقة من الحكومة .


المطلب الثاني: مزايا مبدأ الفصل بين السلطات.
و يمكن إجمال هذه المزايا في النقاط التالية:
- صيانة الحرية و منع الإستبداد.
- المساهمة في تحقيق الدولة القانونية.
- جني فوائد تقسيم وظائف الدولة.
و ينتج عن هذا التقسيم قيام كل سلطة بعملها على أكمل وجه كما يحقق في النهاية حسن سير العمل في المجالات الرئيسية في الدولة ( التشريعية ، التنفيدية و القضائية).











[المبحث الثالث: الإنتقادات الموجهة لمبدأ الفصل بين السلطات و صور تطبيقه
المطلب الأول: الإنتقادات الموجهة إلى مبدأ الفصل بين السلطات.
تخلص أهم الإنتقادات التي وجهت إلى مبدأ الفصل بين السلطات فيما يلي:
1- ذهب بعد الفقه إلى القول بأن هذا المبدأ يؤدي إلى القضاء على فكرة المسؤولية .
2- عند وضع دستور سنة 1946 في فرنسا ، هاجم الفقهاء الفرنسيون ، أثناء مناقسة مشروع هذا الدستور ، مبدأ الفصل بين السلطات ، على أساس أن هذا المبدأ يستند وجوده إلى اعتبارات تاريخية و هي انتزاع السلطة التشريعية من الملوك و تقييد سلطاتهم و هو ما انتهت الحاجة إليه الآن و لا مانع من خضوع السلطة التنفيدية إلى سلطة تشريعية باعتبار أن الأخيرة تمثل الشعب و يكفي أن يتضمن الدستور نصوصا تضع قيودا و ضمانات محددة لتدفع السلطة التشريعية من الإستبداد و التسلط.
3- ذهب البعض إلى أن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات لا يحقق عملا بل أنه غير ممكن ، ذلك أن مزاولة خصائص السياسة بواسطة هيئات منفصلة و مستقلة عن بعضها البعض ، لا يمكن تحقيقه ، فهذه الخصائص شأنها شأن أعضاء الجسم البشري تتصل ببعضها اتصالا طبيعيا و قد وصل البعض إلى حد القول بأن هذا المبدأ يعتبر مبدأ وهميا ، إذ لا تلبث إحدى السلطات أن تسيطر على بقية السلطات و تستبد بها .
و في الرد على هذه الانتقادات نلاحظ أن جميعها تقوم على أساس أن المقصود من المبدأ هو الفصل التام بين السلطات ، أي الفصل المطلق ، و ذلك في الحقيقة غير صحيح . فالقول بالفصل بين السلطات لا يعني الفصل التام ببينها فلا بد من قيام نوع من التعاون و التنسيق بينها حتى تتمكن من مباشرة وظائفها و تحقيق أهدافها. بحيث تبقى كل سلطة مستقلة عن الاخرى ، استقلالا يضمن عدم تدخل إحدى السلطات في شؤون الأخرى مع توفير نوع من الرقابة لكا سلطة على غيرها من السلطات بالقدر الضروري ، الذي يمكن كل سلطة من الدفاع عن استقلالها عن غيرها.
و ذلك بأن تكون كل سلطة قادرة على أن توقف السلطات الأخرى عند الحدود التي تمس استقلالها . و ذلك كله من شأنه أن يؤدي إلى المحافظة على الحريات العامة و إلى تأمين و جودها.
و بهذا المفهوم لمبدأ الفصل بين السلطات تنهار كافة الانتقادات التي وجهت إليه ...فالحاجة مازالت ماسة إليه ، و هو يستهدف بالدرجة الأولى المحافظة على الحريات العامة و تأمينها ضد الاستبداد و التسلط الذي قد يقع من إحدى السلطات.
المطلب الثاني: صور تطبيق المبدأ.
إذا كانت الدسائس التي تأخذ لمبدأ الفصل بين السلطات ، تختلف في مفهومها لهذا المبدأ بحسب المفهوم الذي يعتنقه الفقه القانوني و السياسي في كل دولة من هذه الدول ، فمعنى ذلك أن الروابط بين السلطات تتأثر بالسائد في الفقه.
و من المسلم به أن الروابط القانونية بين السلطات في الدولة تتأثر بوجهة النظر التي يتبناها المشرع الدستوري في مفهوم الفصل بين السلطات ، و قد أظهر التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات صورتين أو أسلوبين متمايزين هما : أسلوب الفصل التام بين السلطات ، و أسلوب الفصل مع التعاون بين السلطات.
ففي تطبيق أسلوب الفصل بين السلطات تقوم الدولة بتنظيم السلطات فيها على أساس الفصل التام بين بعضها البعض خاصة بين السلطتين التشريعية و التنفيدية . و يتعين في هذه الحالة ألا يكون هناك أي نوع من الإرتباط أو الإتصال بين سلطة و أخرى ، فيصير تعيين الوزراء و عزلهم بمعرفة رئيس السلطة التنفيدية وحده ، كما يمتنع على الوزراء أن يكونوا أعضاء في المجلس النيابي ، كذلك لا يكون للسلطة التنفيدية أي دور في الوظيفة التشريعية ، فلا يكون لها حق إقتراح القوانين ، و لا يجوز للسلطة التنفيدية حق الإعتراض على القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية.
و الواقع أن التجارب قد تثبت فشل هذا الأسلوب ( الفصل التام بين السلطة ) إذ أدى تطبيقه إلى الفوضى و إلاضطرابات ، عندما أصبحت كل سلطة و كأنها دولة داخل دولة.
و في تطبيق أسلوب الفصل مع التعاون بين السلطات ، فبعد أن أثبتت التجارب و وضح من التطبيق العملي فشل أسلوب الفصل التام بين السلطات ، اعتنقت الدول أسلوب التعاون و التنسيق بين السلطات ، فأوجدت علاقات و روابط متبادلة بين كل من السلطتين التشريعية و التنفيدية.
و تتمثل هذه العلاقات و الروابط في حق رئيس السلطة التنفيدية في إقتراح القوانين ، و في التصديق على التشريعات التي تسنها السلطة التشريعية و إصدارها ، و في تخويله حق الإعتراض التوقيفي " الفيتو " على قرارات المجلس النيابي . و من جهة أخرى نجد أن المجلس النيابي له حق سحب الثقة من الوزارة ، فالوزراء مسؤولون أمامه . هكذا توجد نمادج متعددة و أمثلة كثيرة للروابط التي تتضمن أشكال التعاون و التنسيق بين كل سلطة و أخرى في الدولة.
و من الملاحظ أن الدساتير تختلف فيما بينها في قدر السلطة التي تخولها كل من السلطتين التشريعية و التنفيدية ، فقد يمنح الدستور السلطة التنفيدية قدرا أكبر من السلطات و الإمتيازات عن السلطة التشريعية . و في هذه الحالة يكون نظام الحكم جمهوريا رئاسيا ، بالنسبة للدول ذات النظام الجمهوري . أما إذا خول الدستور المجلس النيابي سلطانا أقوى و اكبر مما هو مخول للسلطة التنفيدية ، فإن نظام الحكم، في هذه الحالة ، يعرف باسم النظام المجلسي أو نظام حكومة الجمعية النيابية.



المبحث الرابع: موقف الفقه الإسلامي من مبدأ الفصل بين السلطات
إن مبدأ الفصل بين السلطات هو قاعدة من قواعد فن السياسة أو الحكمة السياسة ومنه يجب أن توزع الاختصاصات العامة في الدولة على عدة هيئات ويجب أن يفصل بينها مع وجود قدر من التعاون والرقابة المتبادلة فهل عرف الفقه الإسلامي مثل هذه المعاني.

المطلب الأول: تطبيقات المبدأ في ظهور الإسلام
أهداف الفصل بين السلطات كانت متحققة في العصر الأول منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم وان لو يوجد المبدأ ذاته حيث قامت دولة الإسلام على أساس التعاقد البيعة وقد ارتكزت الدولة على قواعد العدل وانه ليس من المنطقي أي تكون للإسلام شرعية ثم لا تكون له سلطة تطبق تلك الشريعة وتحمل الحاكم والمحكوم على العمل بها.
فالنظام الإسلامي لم يتغير عن قاعدة الفصل بين السلطات رغم نظرته الخاصة حول تكوينها واختصاصاتها ومسؤولياتها .
ولا الحكام وقد ازدادت السلطة القضائية وضوحا بعد أن دون المجتهدون اجتهاداتهم و أخذها رجال القضاء مرجعا بل قد نجد أحيانا أن أحد طرفي الخصومة هو الخليفة ذاته أو الأمير.

المطلب الثاني: مبدأ الفصل بين السلطات في عهد الخلافة الإسلامية
ويرى الدكتور << يحيى السيد الصباحي>> << إنما الفصل بدأ من عصر عمر بن الخطاب وخاصة بين السلطة التنفيذية والقضائية حيث وضع عمر بن الخطاب نظامين لتعيين القضاة ودستور للقضاء وقد اقتصر ذلك على فترة الخلافة الراشدة لكونها افضل نموذج جسد تعاليم الإسلام واحكامه لكن بعض خلفاء بني أمية وبني العباس ساروا في اتجاه ****معالم الإسلام وانفردوا بالسلطة وقفزوا على مبدأ الفصل بين الوظائف وفرضوا اجتهادا يتماشى مع أهوائهم وقناعاهم.
أما بشأن عدم الفصل بين سلطة التنفيذ والقضاء فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقضي بنفسه وكان مبعوثوه إلى الأمصار إلى جانب القضاء بالشؤون التنفيذية.
أما في عهد الخلافة الراشدة كان الخليفة يجمع بين سلطتي التنفيذ والقضاء ولم يستقل القضاة بالوظيفة القضائية فتقتصر عليهم دون أن يشاركهم فيها أحد من رجال التنفيذ وهذا لا عني الاندماج الوظيفي للقضاء فالقاضي في الإسلام مستقل في عمله لان القواعد التي يطبقها ليست من عمل السلطة التنفيذية بل هي مبادئ الأهلية.



الخاتمة:
لقد استقطبت مسألة السلطة اهتمام الفكر و فقهاء القانون الدستوري ، و نتج عن ذلك ، التعدد في النظريات و الآراء و تمحورت أساسا على مبدأ الفصل بين السلطات و تفاوت مجالات تطبيقه من دولة إلى أخرى ، و على الرغم من الانتقادات الموجهة للمبدأ و اعتبار الأخذ به أمرا مستحيلا فإن مزاياه ، و ضرورته جعلت جل النظم خاصة تلك التي تتصف بالديمقراطية ، تعتمده في تنظيم سلطاتها .


قائمة المراجع:
I- الكتب :
أ- بالعربية:
1- الشعبان احمد رمضان ، الأنظمة السياسية و القانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، بدون بلد ، سنة 1999.
2- علي عبد الرزاق – الإسلام واصل الحكم- المؤسسة الوطنية للفنون طبعة 1988.
3- ديدان مولود ، مباحث في القانون الدستوري و النظم السياسية ، دار بلقيس ، الجزائر ، سنة 2007.
4- هيكل خليل ، النظم الدستورية المعاصرة و النظم الدستورية الإسلامية ، بدون طبعة ، بدون بلد ، السنة 1998.
ب- بالفرنسية:
-Bonoit jeammeau . « droit constitutionnel et institutions politique » paris , 1975.


بحث حول تعديل الدستور و الغاؤه



عرض:
مقدمــــــــــــة.
المبحث الأول: ماهية التعديل.
المطلب الأول: تعريف التعديل.
المطلب الثاني: القيود التي ترد على التعديل.
المطلب الثالث: مراحل تعديل الدستور.
المبحث الثاني : إنهاء و إلغاء الدستور.
المطلب الأول: الطرق القانونية.
المطلب الثاني: الطرق غير القانونية.
المطلب الثالث: أثار الإنهاء أو الإلغاء.
الخاتمـــــــــــة.

المبحث الأول: ماهية التعديل
المطلب الأول : تعريف التعديل.التعديل هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتغيير مضمون البعض منها وعليه فان التعديل يقتضي الإبقاء علـى نفس الدستور و أسـس وضع دستور جديد مثل دستـور 1989 الجزائر بناءا علي ذلك يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعنـي إنشاء دستور جديد كـما يختلف عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعـدم الدستور بصفة عامة .

أولا : أهمية التعديل وموقف الدساتير منه:
التعديل إجراء يفرض نفسه في بعض الأحيان لان الدستور وان كان قانون ساميا فهذا لا يعني انه خالد ثابت لا يتغير بل إن المستجدات وتغيـر وتطور الظروف المحيطة بالمجتمع تقتضي تعديل الدستور من اجل تكييفه و ملائمته مع ذلك المستجدات و الظروف تعديل الدساتير.
- حتى تكون الدساتير فعالة فلابد لها مـن ان تساير التطور وان تتغير بتغيـر الظروف ,ولا يتأتى هذا إلا بتضمينها نصوصا تسمح بمراجعتها من حين لأخر لأن الجمود المطلق قد يؤدي إلى محاولة تغييرها بالعنف ,ويعتقد البعض بان السبب الأعظم في القيام الثورات يعود إلى أنه بينما تتطور الأمم تظل الدساتير ثابتة .
والتعديل يأتي كمرحلة وسط بين الإنشاء (الوضع) ,والإنهاء وهو لا يقتصر على التعديل أحكام موجودة (مثل المادة 05 من تعديل 3 نوفمبر 1988) بل قـد يمتد إلـى إلغاء بعض الأحكام (مثل المواد :115,114,113من دستور 1976) أو إضافة أحكام أخرى (مثل المواد 144/2 و117/1من تعديل 3 نوفمبر 1988,وتعديل دستور 1996) رغم أنه أحيانا قد تصعب التفرقة بين التعديل والإنهاء .
وتصادفنا ثلاثة أنواع من الدساتير:

أ/ دساتير ترفض التعديل كليا:
وفي هذا يعود إلى أن الثورة الفرنسية قد عكست رأيا مؤداه أن الحقائق التي أسستها الثورة هي حقائق خالدة عالمية,وعليه فان الدساتير التي تترجم هذه الحقائق هي دساتير صالحة لكل زمان ومكان ,وهي غير قابلة للمساس أو التبديل , ولذلك فهي ليست في حاجة إلى المراجعة .
ب/ دساتير تشير إلى طريقة تعديلها:

وفي هذه الحالة يجب الالتزام بهذه الطريقة , وأية طريقة أخرى تعتبر غير قانونية
(المقصودة هنا هي الدساتير الجامدة وليست المرنة ).
ومن هذه الدساتير دستور الجزائر لسنة 1963( المواد: 73, 72, 71), ودستور سنــة 1976 المواد193, 192, 191 ), ودستور 1989(المواد :167,166,165,164,163,),والدستور الأخير لسنة (178,177,176,175,174) .
وقد خضع دستور 1976الى ثلاثة تعديلات :
- الأول كان في:07 جويلية 1979.
- الثاني كان بتاريخ :12جانفي 1980.
- أما التعديل الثالث وهو أخطرها على الإطلاق فقد كان في :3نوفمبر 1988, وقد قضي بإعادة تنظيم العلاقة بين التشريعية والتنفيذية , وكذلك أنشأ مركزه رئيس الحكومة .
أمـا دستور 1996 فقد خضع لتعديـل واحـد بحيث أدرجت فيه الأمزيغية كلغـة وطنية
ويلاحظ بأن دساتير أخرى تنص على ضرورة تعديلها بشكل آلـي فـي فترات متباعدة منهـا دستور"البرتغال "لسنة 1933الذي ينص على تعديله كل 10سنوات والدستور "البولوني " الذي يشترط تعديله بعد مرور 20سنة ...الخ.و على كل حال فان عملية التعديل قد تختص بها الهيئة التشريعية العادية, أو هيئة خاصة, أو الشعب عن طريق الاستفتاء.

ج/ دساتير لا تشير إلى طريقة تعديلها:
ويعتقد البعض أن الحق في تعديلها يعود إلى الجهة التي وضعتها ,أمـا البعض الآخر فيعتقد بأن هـذا الحق يعود إلـى الشعب باعتباره صاحب السيادة ولا يمكن فرض قيود علـى هـذا الحـق وتفسيره أن هناك إرادة جماعية تعبر عن الدستور وهي أعلى من الإرادة التي تعتبر عن القانون
ثانيا : شروطه:
يشترط أن يتم التعديل وفق إجراءات خاصة و محددة مسبقا في الدستور نفسه ، و هذا من أجل المحافظة على سموه وعلو منزلته و على جموده ، حتى لا يعدل الحكام حسب مشيئتهم و رغباتهم ، و يكون هذا التعديل وفقا لطرق و أساليب معينه تختلف باختلاف الأنظمة السياسية و كذا درجة الجمود التي يراد إعطاؤها للدستور.
المطلب الثاني: القيود التي ترد على التعديل .

القيود التي ترد علي التعديل أن القيام بالتعديل لا يعطي الحرية المطلقة للسلطة المكلفة به لتعديله حسب مشيئتها بل هـي مقيدة حسب السلطة التأسيسية الأصلية بجملة من القيود و تكون قد وردة من قبل في الدستور المراد تعديله قيـود تسمح بضمان عدم التلاعب بالدستور من قبل السلطة الحاكمة و التي تختلف من دستور إلى أخر حسب ظروف ومعطيات كل بلد و علي العموم تعديل الدستور عرف عـدة قيود عبـر التاريخ والتي يمكن حصرها في ما يلي :
1- منع التعديل بصفة مطلقة و هي نظرية قديمة نادى بها بعض الفلاسفة و رجال الثورة الفرنسية و هذا تقديس للدستور باعتباره نصا قانونيا كاملا لا يشوبه نقـص او عيب و أن الدستور يتضمن مبادئ لا يمكن تعديلها.
هذه النظرية غير واقعية لذلك لم يؤيدها التاريخ و هـي تؤدي إلى ثورة حقيقية علي الدستور أو حذفه و تجاوزه من حيث الممارسة لأنه لا يمكن تجميد حركة المجتمع و تطوره أحق إلي ذلك أن اغلب الفقهاء الفرنسيين يقرون بحق الأمة في تغيير الدستور كلما تحققت أسباب تغييره باعتبارها صاحبة السيادة .
2 - منع إلغاء دستور من خلال تعديله كما حدث في دستور 1976 الذي اعتبر مجرد تعديل دستور لكنه في الحقيقة كان إلغاءا فدستور 1989 كان مختلفا كليا فـي دستـور 1976 و بالتالي فانه إلغاء و ليس تعديل للدستور .
3 - اشتراط قراءة ثانية للدستور أمام البرلمان لمشروع التعديل مع المصادقة علي المشروع من قبل النواب البرلمان بنسبة لثلثي أو ثلاثة أرباع أعضائـه، و يجب الفصل بين القرائتين مدة زمنية معينة فمثلا دستور 1963 مدة ثلاثة أشهر بين القرائتين .
4 - منع تعديل الدستور بعد وضعه لفترة زمنية معينة من اجل تدعيم استقراره و تكريس العمل به ويكون هذا المنع لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات أو أي مدة يحددها الدستور.
5 - منع التعديل إلى بعد تحقق شرط معين من الدستور الأردني الذي اشترط بلوغ ولي العهد سن الرشد حتى يتم التفكير في التعديل.
6 - من التعديل في الظروف الطارئة مثل الحرب أو عدوان خارجي او مساس بالتراب بسلامة التراب الوطني (حسب المادة 194 من دستور الجزائر لسنة 1976 التي نصت
انه لا يمكن لأي تعديل أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم بدين الدولة و بالاختبـــار الاشتراكي بالحريات الاشتراكية بالحريات الأساسية للإنسان و المواطن بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر السري و بسلامة التراب الوطني).

المطلب الثالث: مراحل تعديل الدساتير:

تمر إجراءات تعديل الدساتير بعدة مراحل أهمها :
أ – مرحلة الاقتراح:
قد يتقرر هذا الحق للهيئة التنفيذية وحدها و بالأحرى لرئيس الدولة بقصـد تكريس هيمنتها على غيرها من الهيئات، و يظهر هذا جليا في الدستور الجزائري لسنة 1976م المادة 191، و في المادة 192من دستور 1989 ، أو يعطي للسلطة التشريعية و حدها لنفس السبب مثلما هو الشأن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية ( المادة:5).
وكذلك قد يعطي هذا الحق إلى كل من السلطتين التنفيذية و التشريعية بهدف إقامـة نوع من التوازن بينهما ، مثل دستور الجزائر لسنة 1963 ( المادة:71)، و دستـــور الجزائر لسنة 1996 ( الم م: 174، 177) ، و دستور فرنسا لسنة 1958، و قد يعطي للشعب فضلا عن البرلمان مثلما هو مطبق في دساتير بعض الولايات المتحدة الأمريكية ، و دستور إيطاليا لسنة 1946 ( المادة:61) ، ودستور سويسرا ( المادة 121/7).
ب – مرحلة قبول مبدأ التعديل:
حتى يمكن وضع مبادرة التعديل موضع التنفيذ فلا بد من قبول مبدأ التعديل ، وعادة مـا توكل صلاحية الفصل في مدى ضرورة التعديل إلى البرلمان الذي يجب أن يصوت على قبول مبدأ التعديل دون التطرق إلى موضوع التعديل.
وهذا ما هو موجود في فرنسا في ظل دستور1958 ، إذ أنه بعـد اقتراح التعديل يبقـى للبرلمان أن يقرر إذا ما كان هذا الاقتراح يجب ان يقبل أم لا ، وفي حالة الرفض يجهض مشروع التعديل ، أما فـي سويسرا فإذا رفـض البرلمـان اقتراح التعديـل فلا يجهض المشروع بل يقوم البرلمان بوضع مشروع تعديل مضاد ثم يحل الاثنان على الاستفتاء.

ج – مرحلة الإعداد:
قـد تقوم بالإعداد هيئة منتخبة لهذا الغرض ( الأرجنتين في دستور 1883) أو يقوم به البرلمان وفقا لشروط خاصة كاجتماع مجلسي البرلمان في هيئة مؤتمر و حضور نسبة خاصة في التصويت ، وقد يعهد به الى التنفيذية وحدها ( مثل الجزائر).
وفي بعض الدول قد يتم حل البرلمان و إجراء انتخابات جديدة لتشكيل برلمان جديد هذا الغرض ( رومانيا ) وقد يقوم به الشعب مثلما هو في ( سويسرا ).

د – مرحلة الإقرار ( النهائية ):
إن إقرار التعديل عادة ما يكون من اختصاص البرلمان مثلما هو الحال في الجزائر و فقا لدستور 1976 الذي يشترط أن يتم الإقرار بأغلبية 2/3 ( المادة:192) أو بأغلبية ¾ إذا تعلق مشروع التعديل بالأحكام الخاصة بالتعديل ( المادة:193 ) و كذلك قد يتم الاقرار عن طريق الاستفتاء الدستوري بالنسبة للمسائل ذات الأهمية الوطنية كما حدث بالنسبة لإقرار تعديل 3 نوفمبر 1988.
أما فـي ظل دستور 1963 فإن الإقرار النهائي يتم عن طريق الاستفتاء الدستوري ( المادة: 63)، وفي فرنسا يجب أن يعرض مشروع التعديل على الاستفتاء بعد الموافقـة عليه مـن قبل مجلسي البرلمان، ويمكن الاستغناء عنه إذا قرر رئيس الجمهورية عرض المشروع على المجلسين المنعقدين في صورة مؤتمر شريطة الموافقة عليه بأغلبية 3/5 الأعضاء المصوتين ، هذا إذا كان اقتراح التعديل مصدره الحكومة ، أما إذا كان مصدره البرلمان فلا غنى عن الاستفتاء الدستوري.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن التعديل الدستور لا يتـم إقراره إلا إذا وافقت عليه المجالس التشريعية ل ¾ الولايات المختلفة، أو عندما توافق عليه مؤتمرات عقدت في ¾ الولايات المختلفة.
*-/ إجراءات تعديل الدستور الجزائري الحالي ( دستور 1996):
لقد عالجت المواد174-178 من الباب الرابع من الدستور الجزائري الحالي إجراءات و مراحل تعديل الدستور وهي كالتالي:
أ – مرحلة الاقتراح:
إن المبادرة بالتعديل الدستوري تعود إلى كل من رئيس الجمهورية و كذلك إلى ¾ أعضاء غرفتي البرلمان مجتمعتين معا ( الم م: 174، 177).
ب – مرحلة التصويت:
تتم بعرض التعديل على كل من المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، اللذان يصوتان عليه حسب الشروط نفسها التي تطبق على النص التشريعي ( المادة:174 ).

ج – مرحلة الإقرار النهائي:
ويتم هذا عن طريق عرض التعديل على الاستفتاء الشعبي خلال الخمسين سنة (50) يوما الموالية لإقراره ، ولكن إذا رفضه الشعب فيصبح مشروع القانـون الـذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، ولا يمكـن عرضه من جديد على الشعب خلال الفترة التشريعية، ( المادة 174،175)، لكن يمكـن الاستغناء عـن الاستفتاء الشعبي إذا ارتأى المجلس الدستـوري أن مشروع أي تعديـل دستوري لا يمس البتة بالمبادئ المنصوص عليها في المادة 176 من الدستور، وفي هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصـدر القانون المتضمن للتعديل الدستوري دون عرضه على الشعب متى أحرز على ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان.
د – مرحلة الإصدار:
و هـي آخـر مرحلة بحيث يقوم بها رئيس الجمهورية سواء فـي حالة التعديل الذي صادق عليـه الشعب، أو فـي حالـة الموافقة علـى التعديل المقترح مـن قبل البرلمان ( الم م :174/2 – 177/2.).
و الإصدار بشكل عام لا يعد مرحلة تشريعية، لأن الإصدار هـو إجراء يقرر بموجبه رئيس السلطة التنفيذية و جود قانون تمت الموافقة عليه من قبل الشعب بنقله إلى المرحلة التنفيذية.
Read more: بحث حول تعديل الدستور و الغاؤه - منتديات الحقوق و العلوم القانونية http://www.droit-dz.com/forum/showthread.php?t=56#ixzz2Dh215lve

المبحث الثاني: إنهاء و إلغاء الدستور.


المقصود بإلغاء الدستور أو نهايته أو بانقضائه وضع حـد لسريانـه بالنسبة للمستقبل و إخراجه من حيز النفاذ، ولهذا تقسم و أساليب انقضاء الدستور إلى نوعين الأسلوب القانوني و الأسلوب الغير قانوني و بالإضافة إلى الآثار الناجمة عن إتباعهما.

المطلب الأول: الطرق القانونية ( العادية):

يكون الإلغاء شرعيا حين يتم طبقا لتقنيات الدستور نفسه و الإجراءات التي يحددها في نصوصه ، بالنسبة للدول اللبرالية قليلا ما تنص دساتيرها على مسألة إلغائها لأنها تعتبـر من النصوص القانونية الثابتة التي قد تعدل و لكن لا تلغى بصفة نهائية لأنها مبادئ عامة و راسخة و صالحة لمختلف الظروف.
و مع ذلك توجد بعض الدساتير التـي تسير إلـى إمكانية الإلغاء الجزئي أو الشامل مثل الدستور الفرنسي لسنة 1875 م.
أما بالنسبة للدول التي اعتمدت أو لازالت تعتمد النظام الاشتراكي فهي ترى أن الدستور عبارة عن نص قانوني يعبر عن مرحلة تاريخية معينة، و لذا فإن الدستور يتغير كلمــا تعاقبت تلك المراحل مثل الصين الشعبية التي عرفت عدة دساتير مثل دستور: 1954، 1975، 1978، 1980، 198.....الخ، وعادة يتم الإلغاء عن طريق الاستفتاء أو عن طريق الجمعية التأسيسية أو بواسطتهما معـا أو عـن طريق المجالس البرلمانية بالنسبة للدساتير المرنة ، وقـد يكون الإلغاء بطريقة غيـر مباشرة عـن طريق المصادقة على الدستور جديد مثلمـا حدث فـي الجزائر بالنسبة لدستور 1976 م ، حيث ألغي بطريقة ضمنية غير مباشرة تتمثل في عرض دستور 1989 م على الاستفتاء الشعبي ، وقد كانت فـي نفس الوقت المصادقة عليه إلغاء الدستور 1976 م فهو لا يتضمن نصا حول كيفية إلغائه ، وبهذا فهو تم بطريقة غير شرعية لكن مادام الشعب صاحب السيادة و هو السلطة التأسيسية فإن مصادقته على دستور 1989 م شكل إلغاء لدستور 1976 م و هو الأهـم من الناحية القانونية.
إضافة إلى كل هذا فإن الدساتير العرفية تلغى بطرق قانونية و هذا ما نشأت عرف جديد يحل محل العرف القديم ، أو بوضع دستور جديد مكتوب أو بإصدار قوانين عادية تلغـي العرف الدستوري .


المطلب الثاني: الطرق الغير قانونية:

يلغى الدستور بالطرق الغير القانونية عندما لا يتم هذا الإلغاء و فقا للطرق التي تعرضت لها أنفا ( سابقا ) و عادة ما يكون الإلغاء غير قانوني عن طريق القـوة و العنف و تتمثل هذه الطرق في :

أولا: الثورة الشعبية:
وتحدث عندما يصبح الشعب أو أغلبيته غير راض عــن النظام القائم سواء لاستبداده أو لعدم استجابته لمطالب الجماهير و إرادتها في التغير فقد تقوم ثورة شاملة للإطاحة بالنظام و تغييره بنظام جديد يمس كافـة الجوانب السياسية الاجتماعية الاقتصادية و الثقافية ، و عادة ما تكون هذه الثورة منظمة و مخطط لها مسبقا و تكون تحت إشراف قيــادة مهيئة لاستلام الحكم فـي حالة نجاح الثورة ، و مـن أمثلة الثوران التي ألغت الدستور القائـم الثورات الروسية سنـة 1917م و الإيرانية 1979م و المصرية 1952م و الليبية سنة 1969م.
إضافة إلـى الثورة توجـد حالة متشابهة لهـا تعرف بالتمرد أو الانتفاضة الشعبية اللذان يتميزان بالفوضـى و انعدام التنظيم لكن قد يتحولان إلى عصيان لا ينتهي بسقوط النظام فقط و إنما يسفر في إلغاء جزئي أو كلي.

ثانيا: الانقلاب:
وهو صراع حول السلطة ينشأ بين أعضاء الطبقة السياسية أنفسهم و الذي يهدف إلى تغير شخص أو مجموعة أشخاص و إبعادهم عن السلطة أو تغير الجهاز الحاكم بمجمله و فـي أغلب الأحيان يكون الجيش المدير للانقلاب و الذي يسمى بالانقلاب العسكري و هـذه ظاهرة منتشرة في بلدان العالم الثالث كما يمكن للانقلاب أن يكون مدنيا بمشاركة كا مـن المدنيين و العسكريين معـا ، مثـل بعض الوزراء و بعض قـادة الجيش ، وقـد يكون الانقلاب فرديا مثل انقلاب نابليون أو جماعيا مثل انقلاب مجلس الثورة في إطار مـــا يعرف بالتجديد الثوري ( التصحيح الثوري ) و إلغائهم لدستور 1963م ، و من المهم أن نعرف أن إلغاء الدستور عن طريق الانقلاب هي طريقة مستقبحة أو سيئة بل قد تكون في بعض الحالات المناص الوحيد و الطريق الأوحد من أجل و ضع حد للاستبداد و التسلط و الطغيان الحكـام و لذا فإن لـم تكـن مشروعة غيـر مطابقة لأحكام الدستورية فهي مشروعية من حيث أهدافها و غايتها و احترامها لإرادة الجماهير الشعبية و التـي تشكل حق من حقوق الشعوب.

المطلب الثالث: أثار الإنهاء أو الإلغاء.

أولا: بالنسبة للنظام السياسي:
إن إلغاء أو إنهاء الدستور قد يضع حدا لنظام سياسي سابق مثل إلغاء دستور 1946 في فرنسا الذي و ضع حدا للجمهوري الرابعة، كذلك إلغاء دستور إيران ووضع أخــر محله سنة 1979 الذي كان له أثر على المستوى السياسي.

ثانيا: بالنسبة للدولة :
إن إلغاء الدستور لا يمس و جود الدولة رغم تغيير النظام السياسي، و لكنه قــد يؤدي إلى تغيير شكل الدولة من بسيطة إلى مركبة، و هذا كاستثناء فقط ( وحدة مصــر و سورية.)، أما ما عدا ذلك فتبقى الدولة قائمة رغم تغيير النظام السياسي و هذا ما يبرز إلتزاماتها بالمعاهدات الدولية المبرمة في السابق ( إيران ) ، و عادة مــا يسارع الحكام الجدد الى إعلان التزامهم بذلك ( ما عدا في عهد الاتحاد السوفياتي سابقا.).

الخاتمة:
وفـي الأخير يمكن القول أن إلغاء الدساتير قد يؤدي عادة إلى سقوط المؤسسات القائمة طبقـــا له على النظام السياسي و نظام الحكم السائد في الدولة نفسها و لكن من المهم محاولة تجنب إلغاء أو تعديل الدساتير من أجل ضمان استقرار الأمني للبلاد عـن طريق وسائل أخرى مثل الوقاية على دستورية القوانين فإلى اي مدا يمكن لهذه الوقاية أن تحمي و تحفظ سلامة و استقرار الدولة.؟

Wednesday, November 28, 2012

الحريات العامة بالمغرب


الحريات العامة بالمغرب
 يضمن الدستور المغربي مجموعة من الحقوق والحريات العامة لكافة المواطنين.- فما هو مدلول الحريات العامة؟- وما هي الحريات التي يضمنها الحق في حرية الرأي والتعبير؟- وما التطور الذي عرفه تنظيم الحريات العامة بالمغرب
І – مدلول الحريات العامة وأنواعها:
1 ـ مدلول الحريات العامة:تسمى الحقوق التي يتمتع بها الفرد ويمارسها طواعية بالحريات، وتوصف بأنها عامة لأنها من حق الجميع بدون استثناء، ونميز في الحريات العامة بين نوعين رئيسيين: حريات جماعية أو سياسية وحريات مدنية أو  فردية.
 2 ـ أنواع الحريات العامة:
- الحريات والحقوق الشخصية: كالحق في الحياة وعدم الخضوع للتعذيب، المساواة أمام القانون، الحق في البراءة وعدم الخضوع للاعتقال أو النفي التعسفي...
- حريات الفرد في علاقته مع الجماعة: كالحق في عدم التدخل في الحياة الشخصية، الحق في التنقل، حق التمتع بالجنسية، الحق في الزواج والتملك...
 - حريات روحية مدنية وسياسية: كالحق في حرية التفكير والرأي والتدين، حق تأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات
ІІ – حرية الرأي والتعبير وإدراك العلاقة بين الحقوق والمسؤولية:
يضمن الدستور المغربي في فصله التاسع حرية الرأي والتعبير وحرية التفكير بجميع أشكاله، وكذا حرية الاعتقاد والتدين. ينص قانون الصحافة على أن حرية إصدار الصحف والطباعة وترويج الكتب مضمونة، وأن للمواطن الحق في الإعلام، مع ممارسة هذه الحريات في إطار مبادئ الدستور وأحكام القانون لصيانة حرية الرأي والتعبير وضمان مصداقيتها والنهوض بالدور المنوط بها، يجب أن تمارس هذه الحريات في نطاق المسؤولية واحترام الرأي الآخر.
ІІІ – مقارنة بين بنود من قانون الحريات العامة القديم والجديد:ـ
 قانون تنظيم الصحافة:* يجوز لوزير الداخلية أن يأمر بالحجز الإداري للجرائد التي من شأنها الإخلال بالأمن العام.* يجوز لوزير الداخلية بقرار معلل أن يأمر بالحجز الإداري للجرائد التي من شأنها الإخلال بالأمن العام.ويكون هذا القرار قابلا للطعن أمام المحكمة الإدارية.ـ
 قانون تأسيس الجمعيات:* من حق الجمعيات أن تتملك وتتصرف  في المبالغ المالية المحددة ما عدا الإعانات العمومية.* من حق الجمعيات أن تتملك وتتصرف  في المبالغ المالية المحددة بغض النظر عن الإعانات العمومية.
ـ قانون التجمعات العمومية:* لا يمكن أن تنعقد الاجتماعات في الطرق العمومية، ولا أن تمتد إلى ما بعد الساعة التي تحددها السلطة.* لا يمكن أن تنعقد الاجتماعات في الطرق العمومية، ولا أن تمتد إلى ما بعد الساعة 12 ليلا.

 تعد الحريات العامة من الحقوق الإنسانية الأساسية، والتشبث بها يوفر الطمأنينة للمجتمع والمساواة بين أفراده.

جهاز ضباط و أعوان الشرطة القضائية


أعوان و ضباط الشرطة القضائية بالدرك الملكي

أعوان و ضباط الشرطة القضائية بالدرك الملكي

كتاب مبادئ الإقتصاد السياسي للدكتور محمد دويدار(للتحميل كاملا)

تدبير الشأن العام الترابي ومبدأ الشراكة


العباس الوردي
إن مفهوم الشأن العام,ليخص كل القضايا التي ترتبط بصفة مباشرة بالمعيش اليومي للمواطنين ويتم تدبيرها من طرف الدولة والهيئات العامة على صعيد كافة تراب للدولة,والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر :الخدمات الصحية ,الاجتماعية ,التربوية الثقافية, الادارية وغيرها,أما فيما يتعلق بمفهوم الشأن العام الترابي فنجده يخص جميع القضايا المرتبطة بالشأن العام الوطني ولكن بصيغة ترابية ضيقة ,وبالتالي فهو يعنى بتدبير الخدمات العامة الترابية.

لقد أصبحت الجماعات الترابية متدخلا رئيسيا في مختلف مظاهر الحياة العامة على المستوى الترابي ,هذا الدور الطلائعي اكتسبته نتيجة لمجموعة من المتغيرات التي شابت المنظومتين الدولية والوطنية, سواء تعلق الأمر بالمتغيرات السياسية الاقتصادية أو الاجتماعية.

لقد نصت مختلف التوصيات المتضمنة في التقارير الصادرة سواء عن البنك أو الصندوق الدوليعلى ضرورة اشراك فاعلين اخرين في حل اشكالية التنمية والنمو ,كما أنه في السنين الأخيرة طغا الفكر السياسي الليبرالي على منظومة التدبير السياسي الدولي منطلقا من فكرة المشاركة السياسية واعتبارها دعامة من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها دولة الحق والقانون في السنين الأخيرة ,مما يفهم معه بأن اشراك الساكنة قد أصبح مهما في مجال تدبير القضايا الانية والمستقبلية للجماعات الترابية.

استنادا الى التطورات المهمة التي عرفتها الحياة السياسية الاقتصادية الاجتماعية ثم الثقافية,شهد منهاج الدولة الحارسة أوالدركيةتراجعا ملحوظا في السنين الأخيرة و ثم تعويضه بمنهاج الدولة المتدخلة, الأمر الذي يمكن تفسيره بحدة الضغط الذي تعرض اليه ميدان الانفاق العمومي المقترن بسوء التدبير هذا علاوة على تجذر مشكل المديونية , وبالتالي وسعيا منها الى اعتماد مقاربة جديدة في التعاطي مع المشاكل التدبيرية التي تحد من فعالية و جودة الخدمات الترابية, قامت الدولة باعتماد ترسانة قانونية جديدة منحت من خلالها للجماعات الترابية صلاحيات وامكانيات جديدة في مجال تدبير الشأن العام الترابي وذلك اما بتدخلها المباشر أو عن طريق الشراكة مع متدخلين اخرين.

ان المتغيرات الدولية ,جعلت من صفة الاستعجالية طابعا أساسيا في مجالات تدبير شؤون المواطنين الأمر الذي نجده قد أثر وبصفة مباشرة على مناهج التدبير الترابي التقليدية التي أبانت عن فشلها في انتاج خدمات ترابية فاعلة وفعالة,مما نتج عنه بدأ التفكير بضرورة اعادة النظر في سياسات التسيير الترابي.

لقد أشار الميثاق الجماعي لسنة 2009 في مادته 78 على أنه :"بإمكان الجماعات الحضرية والقروية ومجموعاتها أن تبرم فيما بينها أو مع جماعات ترابية أخرى أو مع الادارات العمومية أو المؤسسات العمومية أو الهيئات غير الحكومية ذات المنفعة العامة, اتفاقيات التعاون أو الشراكة من أجل انجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة لا يقتضي اللجوء الى احداث شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص, وتحدد هذه الاتفاقيات بالخصوص الموارد البشرية والمالية التي يقرر كل طرف تعبئتها من أجل انجاز المشروع أو النشاط المشترك".

اذن ,يتبين لنا بأن الشراكة تعتبر من بين أحد أهم الاليات الاجرائية الجديدة في مجالات تدبير الشأن العام الترابي والتي تسمح بدورها بالعمل الجماعي المشترك بين مختلف الأطراف المتدخلة في تنفيذ مشروع تنموي ترابي بهدف تحقيق أهداف مشتركة.

لقد ظهر مفهوم التدبير التشاركي كمنهاج استعجالي جديد في تدبير مجالات تدخل الجماعات الترابية ,هذا المنهاج قد عرفه danielleberegue بأنه:" اتفاق بين الفاعلين العامين والخواص على العمل بشكل جماعي من أجل انجاز هدف معين بفعالية مع اقتسام الموارد ,المخاطر والأرباح".

انه وبالرغم من تعدد التعاريف الواردة بشأن مفهوم التدبير التشاركي, الا أننا نجدها تتفق مجتمعة على مبدأ تقاسم المخاطر والموارد بين الشركاء, ومن هنا فالشراكة الحقيقية هي التي تجمع كفاءات مختلف الفاعلين وتضع امكانيات مالية تقنية وبشرية من قبل عدة شركاء بهدف انجاز مشاريع مشتركة في عدة ميادين اجتماعية, اقتصادية وثقافية.

تنطوي الشراكة الترابية على بعدين أساسيين, يكتسي أولهما طابعا تمويليا يمكن الجماعات الترابية من الحصول على تمويل لمشاريعها الاقتصادية والاجتماعية الترابية بهدف تقديم خدمات تستجيب وتطلعات المواطنين ,أما فيما يتعلق بالبعد الثاني فنجده يكتسي طابعا تنمويا تتمكن من خلاله الوحدات الترابية من تحقيق أهدافها التنموية عن طريق دعم ومساعدة هيئات أخرى خاصة هيئات المجتمع المدني بحيث أصبحت هذه الأخيرةتقوم مقام الوحدات الترابية في تنفيذ مشاريع تنموية ترابية, وبالتالييتضح لنا جليا بأن أهمية الشراكة الترابية تتجلى أساسا في تحسين مستوى عيش السكان من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الترابية بما يضمن استفادة سكان الجماعة من المنافع التنموية على قدم المساواة من جهة ,كما تساهم في تنمية العلاقة بين الجماعة الترابية كطرف رئيسي في عملية الشراكة وبين مختلف الفاعليين المحليين الوطنيين ولمالا الدوليين من جهة أخرى.

انه وبالرغم من اعتماد الجماعات الترابية المغربية على منهاج الشراكة في تدبير شؤون تنميتها الترابية ,الا أن هناك مجموعة من المعيقات التي لا زالت تعوق مسلسل تنميتها الاقتصادية والاجتماعية ,والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر :

- عدم تقدير الكلفة المادية والبشرية المناسبة لتنفيذ الشراكة ;
- النقص في مجال التدبير والتخطيط الجماعي وتسيير المشاريع التنموية, بحيث أن تدبير الشراكة لطالما تم بين مؤسستين مختلفتي البنية والاهتمامات ;
- صعوبة انصهار الثقافة التنظيمية المختلفة للشركاء ;
- وقوع منازعات داخلية بين الشركاء ,مما يمكن ارجاعه الى عدم استيعاب الأفراد والمسيرين للاختلافات التنظيمية والبنيوية للمؤسسة الفاعلة في الشراكة الترابية ;
- عدم الدقة في تحديد وتوزيع الأدوار بين الشركاء ;
- التوفر على معلومات خاطئة فيما يتعلق بالمجال الترابي من جهة, ومؤهلات الشريك من جهة أخرى الخ….

ان الشراكة الترابية, لا يمكن أن تصل الى تحقيق الأهداف المرجوة منها الا اذا توفرت الثقة بين جميع الشركاء في العمل التنموي, مما يلزمبضرورة التعامل في اطار من الشفافية يجعل من الشراكة الية أساسية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للساكنة,ومن هذا المنطلق لا بد للفاعلين في المجالات الخاصة بالشؤون الترابية من اعتماد مقاربة تشاركية تسمح بدمج المواطنين بشكل مباشر في رسم مسار وتحقيق أهداف التنمية الترابية, الأمر الذي لن يتم تحقيقه الا بأشراك حقيقي لمنظمات المجتمع المدني باعتبارها وحدات للقرب المواطن في تدبير الشأن العام الترابي من جهة وتشجيع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص الوطني المحلي من جهة أخرى.

Tuesday, November 27, 2012

مؤتمر الأمم المتحدة حول المبادئ الأساسية لدور المحامي


مبادئ أساسية بشأن دور المحامين
اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين
المعقود في هافانا من 27 آب/أغسطس إلى 7 أيلول/سبتمبر 1990

حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة، بين أمور أخرى، عزمها على إيجاد ظروف يمكن في ظلها الحفاظ على العدل، وتعلن أن أحد مقاصدها هو تحقيق التعاون الدولي في تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بلا تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين،
وحيث أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجسد مبادئ المساواة أمام القانون، وافتراض البراءة، والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مستقلة ومحايدة، وفى جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن كل شخص توجه إليه تهمة جنائية،
وحيث أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يعلن، بالإضافة إلى ذلك، الحق في المحاكمة بدون تأخير لا موجب له والحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام محكمة مختصة ومحايدة تشكل طبقا للقانون،
وحيث أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يشير إلى التزام الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، بتعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان والحريات والعمل بها،
وحيث أن مجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن تنص على أن الشخص المحتجز له الحق في الحصول على المساعدة القانونية من المحامين والاتصال بهم والحصول على مشورتهم،
وحيث أن القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء توصى بضمان توفير المساعدة القانونية والاتصال بالمحامين في إطار من السرية للسجناء الذين لم يحاكموا بعد،
وحيث أن الضمانات التي تكفل حماية من يواجهون عقوبة الإعدام تؤكد من جديد حق أي شخص مشتبه في ارتكابه جريمة يمكن أن تكون عقوبتها الإعدام أو متهم بارتكابها في الحصول على مساعدة قانونية كافية في كل مراحل المحاكمة،
وفقا للمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية،
وحيث أن إعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الإجرام وإساءة استعمال السلطة يوصي بتدابير تتخذ على الصعيدين الدولي والوطني بغية تحسين فرص استعانة ضحايا الجريمة بالعدالة وحصولهم على معاملة منصفة، ورد حقوقهم وتعويضهم ومساعدتهم،
وحيث أن الحماية الكاملة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية المقررة لجميع الأشخاص، اقتصادية كانت أو اجتماعية أو ثقافية أو مدنية أو سياسية، تقتضي حصول جميع الأشخاص فعلا على خدمات قانونية يقدمها مهنيون قانونيون مستقلون،
وحيث أن للرابطات المهنية للمحامين دورا حيويا في إعلاء معايير المهنة وآدابها وحماية أعضائها من الملاحقة القضائية والقيود والانتهاكات التي لا موجب لها، وفي توفير الخدمات القانونية لكل من يحتاج إليها، والتعاون مع المؤسسات الحكومية وغيرها في تعزيز أهداف العدالة والمصلحة العامة،
ينبغي للحكومات، في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية، أن تراعى وتحترم المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين، الواردة أدناه، التي صيغت لمساعدة الدول الأعضاء في مهمتها المتعلقة بتعزيز وتأمين الدور السليم للمحامين، وينبغي أن تطلع عليها المحامين وغيرهم من الأشخاص مثل القضاة ووكلاء النيابة وأعضاء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، والجمهور بوجه عام. وتنطبق هذه المبادئ أيضا، حسب الاقتضاء، على الأشخاص الذين يمارسون مهام المحامين دون أن يكون لهم المركز القانوني للمحامين.

إمكان الاستعانة بالمحامين والحصول على الخدمات القانونية

1- لكل شخص الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها، وللدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات الجنائية.
2- تضمن الحكومات توفير إجراءات فعالة وآليات قادرة على الاستجابة تتيح الاستعانة بالمحامين بصورة فعالة وعلى قدم المساواة لجميع الأشخاص الموجودين في أراضيها والخاضعين لولايتها، دون تمييز من أي نوع، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الأصل العرقي أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو أي وضع اقتصادي أو غير اقتصادي.
3- تكفل الحكومات توفير التمويل الكافي والموارد الأخرى اللازمة لتقديم الخدمات القانونية للفقراء ولغيرهم من الأشخاص المحرومين، حسب الاقتضاء، وتتعاون الرابطات المهنية للمحامين في تنظيم وتوفير الخدمات والتسهيلات وغيرها من الموارد.
4- تروج الحكومات والرابطات المهنية للمحامين للبرامج التي تستهدف إعلام الجمهور بحقوقه وواجباته بمقتضى القانون، وبدور المحامين الهام في حماية حرياته الأساسية. وينبغي إبلاء عناية لمساعدة الفقراء وسائر المحرومين بغية تمكينهم من تأكيد حقوقهم، وإذا لزم الأمر، طلب مساعدة من المحامين.

ضمانات خاصة في مسائل العدالة الجنائية

5- تضمن الحكومات قيام السلطة المختصة، فورا، بإبلاغ جميع الأشخاص بحقهم في أن يتولى تمثيلهم ومساعدتهم محام يختارونه لدى إلقاء القبض عليهم أو احتجازهم أو سجنهم، أو لدى اتهامهم بارتكاب مخالفة جنائية.
6- يكون للأشخاص الذين ليس لهم محامون الحق في أن يعين لهم محامون ذو خبرة وكفاءة تتفق مع طبيعة الجريمة المتهمين بها، ليقدموا إليهم مساعدة قانونية فعالة، وذلك في جميع الحالات التي يقتضي فيها صالح العدالة ذلك، ودون أن يدفعوا مقابلا لهذه الخدمة إذا لم يكن لديهم مورد كاف لذلك.
7- تكفل الحكومات أيضا لجميع الأشخاص المقبوض عليهم أو المحتجزين بتهمة جنائية أو بدون تهمة جنائية، إمكانية الاستعانة بمحام فورا، وبأي حال خلال مهلة لا تزيد عن ثمان وأربعين ساعة من وقت القبض عليهم أو احتجازهم.
8- توفر لجميع المقبوض عليهم أو المحتجزين أو المسجونين فرص وأوقات وتسهيلات تكفى لأن يزورهم محام ويتحدثوا معه ويستشيروه، دونما إبطاء ولا تدخل ولا مراقبة، وبسرية كاملة. ويجوز أن تتم هذه الاستشارات تحت نظر الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، ولكن ليس تحت سمعهم.

المؤهلات والتدريب

9- تكفل الحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية توفير تعليم وتدريب ملائمين للمحامين، وتوعيتهم إلى المثل والواجبات الأخلاقية للمحامين وإلى حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والدولي.
10- تكفل الحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية عدم خضوع أي شخص يريد دخول مهنة القانون، أو الاستمرار في ممارستها، للتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الأصل العرقي أو الديانة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الملكية أو المولد أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك من الأوضاع، ويستثنى من ذلك أن شرط كون المحامين من رعايا البلد المعنى لا يعتبر تمييزا.
11- في البلدان التي توجد فيها جماعات أو جاليات أو مناطق لا تلبى احتياجاتها إلى الخدمات القانونية، وبوجه خاص جماعات لها ثقافات أو تقاليد أو لغات متميزة أو جماعات سبق لها أو وقعت صراحة ضحية للتمييز، ينبغي للحكومات والرابطات المهنية للمحامين والمؤسسات التعليمية أن تتخذ تدابير خاصة تتيح للمرشحين من هذه الجماعات فرص الالتحاق بمهنة القانون، وأن تكفل حصولهم على التدريب الملائم لاحتياجات جماعاتهم.

الواجبات والمسؤوليات

12- يحافظ المحامون، في جميع الأحوال، على شرف وكرامة مهنتهم باعتبارهم عاملين أساسيين في مجال إقامة العدل.
13- تتضمن واجبات المحامين نحو موكليهم ما يلي:
(أ) إسداء المشورة للموكلين فيما يتعلق بحقوقهم والتزاماتهم القانونية وبشأن أسلوب عمل النظام القانوني وعلاقته بالحقوق والالتزامات القانونية للموكلين،
(ب) مساعدة موكليهم بشتى الطرائق الملائمة، واتخاذ الإجراءات القانونية لحماية مصالحهم،
(ج) مساعدة موكليهم أمام المحاكم بمختلف أنواعها والسلطات الإدارية، حسب الاقتضاء.
14- يسعى المحامون، لدى حماية حقوق موكليهم وإعلاء شأن العدالة، إلى التمسك بحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يعترف بها القانون الوطني والقانون الدولي، وتكون تصرفاتهم في جميع الأحوال حرة متيقظة مماشية للقانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة القانون.
15- يحترم المحامون دائما مصالح موكليهم بصدق وولاء.

ضمانات لأداء المحامين لمهامهم

16- تكفل الحكومات ما يلي للمحامين:
(أ) القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق،
(ب) القدرة على الانتقال إلى موكليهم والتشاور معهم بحرية داخل البلد وخارجه على السواء،
(ج) عدم تعريضهم ولا التهديد بتعريضهم، للملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية والاقتصادية وغيرها نتيجة قيامهم بعمل يتفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها.
17- توفر السلطات ضمانات حماية كافية للمحامين، إذ تعرض أمنهم للخطر من جراء تأدية وظائفهم.
18- لا يجوز، نتيجة لأداء المحامين لمهام وظائفهم، أخذهم بجريرة موكليهم أو بقضايا هؤلاء الموكلين.
19- لا يجوز لأي محكمة أو سلطة إدارية تعترف بالحق في الحصول على المشاورة أن ترفض الاعتراف بحق أي محام في المثول أمامها نيابة عن موكله، ما لم يكن هذا المحامي قد فقد أهليته طبقا للقوانين والممارسات الوظيفية وطبقا لهذه المبادئ.
20- يتمتع المحامون بالحصانة المدنية والجنائية بالنسبة للتصريحات التي يدلون بها بنية حسنة، سواء كان ذلك في مرافعاتهم المكتوبة أو الشفهية أو لدى مثولهم أمام المحاكم أو غيرها من السلطات التنفيذية أو الإدارية.
21- من واجب السلطات المختصة أن تضمن للمحامين إمكانية الاطلاع على المعلومات والملفات والوثائق المناسبة التي هي في حوزتها أو تحت تصرفها، وذلك لفترة تكفى لتمكينهم من تقديم مساعدة قانونية فعالة لموكليهم، وينبغي تأمين هذا الاطلاع في غضون أقصر مهلة ملائمة.
22. تكفل الحكومات وتحترم سرية جميع الاتصالات والمشاورات التي تجرى بين المحامين وموكليهم في إطار علاقاتهم المهنية.

حرية التعيير وتكوين الرابطات والانضمام إليها

23- للمحامين شأنهم شأن أي مواطن آخر، الحق في حرية التعبير وتكوين الرابطات والانضمام إليها وعقد الاجتماعات. ويحق لهم، بصف خاصة، المشاركة في المناقشات العامة المتعلقة بالقانون وإقامة العدل وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، والانضمام إلى المنظمات المحلية أو الوطنية أو الدولية أو تشكليها وحضور اجتماعاتها بدون أن يتعرضوا لقيود مهنية بسبب عملهم المشروع أو عضويتهم في منظمة مشروعة. وعند ممارسة هذه الحقوق، يتصرف المحامون دائما وفقا للقانون والمعايير المعترف بها وأخلاقيات مهنة القانون.

الرابطات المهنية للمحامين

24- للمحامين الحق في أن يشكلوا وينضموا إلى رابطات مهينة ذاتية الإدارة تمثل مصالحهم وتشجع مواصلة تعليمهم وتدريبهم وحماية نزاهتهم المهنية، وتنتخب الهيئات التنفيذية لهذه الرابطات من جانب أعضائها. وتمارس مهامها دون تدخل خارجي.
25- تتعاون الرابطات المهنية للمحامين مع الحكومات لضمان حصول كل فرد على الخدمات القانونية بطريقة فعالة ومتسمة بالمساواة، ولضمان تمكن المحامين من تقديم المشورة إلى موكليهم ومساعدتهم وتمثيلهم وفقا للقانون وللمعايير والآداب المهنية المعترف بها، دون تدخل لا موجب له.

الإجراءات التأديبية

26- يضع العاملون في المهن القانونية، من خلال أجهزتهم الملائمة أو بواسطة التشريعات، مدونات للسلوك المهني للمحامين توافق القانون والعرف الوطنيين والمعايير والقواعد الدولية المعترف بها.
27- ينظر في التهم أو الشكاوى الموجهة ضد المحامين، بصفتهم المهنية، على وجه السرعة وبصورة منصفة ووفقا لإجراءات مناسبة. ويكون لهم الحق في أن تسمع أقوالهم بطريقة عادلة، بما في ذلك حق الحصول على مساعدة محام يختارونه بأنفسهم.
28- تقام الإجراءات التأديبية ضد المحامين أمام لجنة تأديبية محايدة يشكلها العاملون في مهنة القانون، أو أمام سلطة قانونية مستقلة أو أمام محكمة، وتخضع لمراجعة قضائية مستقلة.
29- تقرر جميع الإجراءات لتأديبية وفقا لمدونة قواعد السلوك المهني وغير ذلك من المعايير المعترف بها وآداب مهنة القانون وفى ضوء هذه المبادئ.

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا