Monday, June 29, 2015

اجتهادات قضائية:حكم المحكمة الادارية بالرباط:اذا كان من حق رجال الشرطة في اطار الضبط الاداري رفع سيارة تعرقل حركة السير وايداعها بالمستودع البلدي، الا ان الدولة تبقى مسؤولة عما يمكن أن يسبب من جراء عدم العناية في طريقة الرفع من أضرار





أثر الاجتهاد القضائي على مسودة القانون الجنائي(3/1)

لم يكن الاجتهاد مرحبا به دائما لسيطرة منهج الشرح على المتون في الوسطين الفقهي والقضائي   (3/1)

يعرف الاجتهاد القضائي، بأنه مجموعة من المبادئ المكرسة من قبل الأحكام والمقررات القضائية والتي تتضمن تفسيرا لقاعدة تشريعية موجودة أو وضع قواعد لحكم حالة قانونية تعيش فراغا قانونيا. ويتميز الاجتهاد القضائي بأنه يضمن استمرارية القواعد التشريعية، من خلال ملاءمتها مع الوقائع و النوازل، فالتشريع بما يتميز به من عمومية وتجريد، لا يخصص حلولا فردية لكل النزاعات، وهذا ما يجعل من الاجتهاد  القضائي مصدرا مستقلا ومساويا لباقي مصادر القانون، فهو يخصص القاعدة القانونية، ويقوم بتحيينها، إذ بدونه لا يتمكن التشريع من التوفيق بين خاصيتي الاستقرار والاستمرارية.

إن الاجتهاد القضائي يؤمن للتشريع ملاحقة تطورات المجتمع من خلال تطبيق النصوص القديمة بروح جديدة، وفق ما عبر عنه الفقه الألماني بالاجتهاد القضائي التطوري، كما أنه يساهم في تفسير النصوص الغامضة ويكمل الناقص منها فيصير الاجتهاد القضائي مصدرا مباشرا للقانون. 
 المطلب الأول: مداخل التأثير والتأثر في العلاقة بين القاضي والمشرع
إن ارتباط القانون الجنائي بواقعة الجريمة يجعل مداخل التأثير والتأثر في العلاقة بين القاضي والمشرع كثيرة تعكس علاقة ربط حركية التشريع بالاجتهاد القضائي 
الفقرة الأولى: مداخل تأثير القاضي على المشرع
تتمثل هذه المداخل في العناصر التالية :
- الاجتهاد القضائي مصدر من مصادر التشريع. 
- قاعدة التفسير الضيق للنصوص الجنائية لم تمنع من الدفع. 
- حركية اجتهاد القاضي نحو ملاءمة النصوص للواقع ومسايرة واقع الجريمة وآفاقها، سيما أن تدخل المشرع في هذا المجال يتسم بالبطء النسبي. 
- القاضي ينقل النصوص من واقع الجمود إلى واقع الحركة. 
- كشف سلبيات النصوص الجنائية وعجزها عن مسايرة الواقع المستجد للجريمة وتطورها.  
- النص الجنائي عاجز كلية عن مكافحة صنف معين من الوقائع غير المجرمة. 
- تفسير النص الجنائي سمح بإدخال بعض الوقائع لدائرة التجريم. 
الفقرة الثانية :تأثر المشرع بالاجتهاد القضائي.
يتمثل مضمون التأثير الذي يمارسه التشريع على الاجتهاد القضائي في :
1-التأثير الإيجابي :
- سن نصوص قانونية جنائية تتبنى تفسيرات ومواقف اجتهادات القضاء الجنائي، أي نقل النص من دائرة التفسير القضائي إلى دائرة التنصيص التشريعي.
- سن نصوص قانونية جنائية تتبنى الاجتهاد القضائي الجنائي من زاوية ضبط مدلولات الجريمة وأركانها والتنبيه إلى اختلالات النص العاجزة قانونا واجتهادا عن الانطباق على الواقعة القانونية محل المتابعة.
2- التأثير السلبي : التصحيح التشريعي 
يعكس التصحيح التشريعي نوعا من الارتداد التشريعي على الاجتهاد القضائي بغرض التراجع عنه للتأثير على حماية القاضي للحقوق والحريات، وهذا المسلك التشريعي يعد منتقدا وتجنيا على وظيفة القضاء، وعلى وظيفة المشرع، وكثيرا ما تصدت المحاكم الدستورية المقارنة لمثل هذا الدور السلبي التشريعي.
الفقرة الثالثة: نطاق الاجتهاد القضائي 
إذا كان الاجتهاد القضائي يعد مصدرا من مصدر التشريع، فإنه في المادة الجنائية تحكمه ضوابط قانونية تستهدف حماية الأمن القضائي من خلال :
- عدم تجريم وقائع لا تطولها نصوص التجريم.
- عدم رجعية القانون الجنائي. 
- التفسير الضيق للنصوص الجنائية:عدم جواز استعمال القياس ،محكمة النقض الفرنسية قرار29/6/2005.
- رفع التجريم عن أفعال معينة يوجب التصريح ببراءة المتابعين من أجلها. 
- زوال النصوص الجنائية المؤقتة بمضي أجلها. 
- سقوط الدعاوى العمومية يوجب التصريح بالسقوط. 
- التنازل أو الصلح يضع حدا للمتابعة وتنفيذ العقوبة. 
- إن التشريع متى توقفت حكمته توقف حكمه.
الفقرة الرابعة: الرأي المناهض لاجتهاد القاضي
لم يكن الاجتهاد القضائي مرحبا به دائما لسيطرة منهج الشرح على المتون في الوسطين  الفقهي والقضائي، وندلل على ذلك من المصادر التاريخية، حيث إن مفكري الثورة الفرنسية الذين ألهموا التنظيم الحديث لمؤسسات الدولة، دعوا إلى إلغاء كل دور للاجتهاد القضائي في إنتاج القاعدة القانونية، وبضرورة قصر عمل القاضي على تطبيق مقتضيات التشريع بصورة آلية. وهكذا جاء في كتاب «روح القوانين» لمونتيسكيو قوله: «إن قضاة الوطن ليسوا سوى الفم الذي ينطق بكلمات التشريع، فهم أشخاص لا يمكنهم التخفيف من قوة أو صرامة القانون»، وقد ذهب روبيسبير أبعد من ذلك بتصريحه في البرلمان سنة 1790 «إن كلمة اجتهاد يجب أن تمحى في لغتنا، ففي دولة لها دستور وتشريع فإن اجتهاد المحاكم ما هو إلا قانون».
الفقرة الخامسة: نطاق التفسير المشروع للنصوص الجنائية وفقا للاجتهاد القضائي  
إذا كان الاجتهاد القضائي في المادة الجنائية من الناحية القانونية والنصية يحكمه مبدأ التفسير الضيق، فإنه من الناحية العملية فإن دور القاضي الجنائي كما هو معاين من خلال بحث صيرورة تطوره لا يقل أهمية عن دور القاضي المدني في الاجتهاد والإبداع وتحقيق الحماية المطلوبة .
وهكذا فإن اجتهاد القاضي الجنائي تؤطره الضوابط التالية : 
- ضرورة إعطاء النص الجنائي كل الأبعاد التي أرادها المشرع عند وضع النص إذا كان قد شمله تطور تقني. 
- ضبط النص مع حاجة السياسة الجنائية انطلاقا  من التطور والتقدم التقني”.
- مقبولية التفسير الواسع المطابق لإرادة المشرع، وهي تخرج عن التفسيرات الواسعة والتي تخرج بالنص عن إرادة المشرع. 
- غموض النص :
-الغموض البسيط : من واجب القاضي الجنائي رفعه عندما يكون النص مصاغا بطريقة خاطئة، أو غير صحيحة فتؤثر على المعنى بصورة جذرية. 
- الغموض الكبير: ويكون في حال غياب تحديد واضح للنص، أو في حال استعمال عبارات أو كلمات لها مدلولات واسعة وتحتمل قراءات متعددة، هنا يتوجب على القاضي الاجتهاد في إدراك إرادة المشرع ولا يمكنه التحجج بالتفسير الضيق للنصوص الجنائية، لأنه ملزم بالفصل فيها بالاستعانة بالأعمال التحضيرية، أو بالاعتماد على المبادئ والأصول العامة للقانون، أو المحيط الاجتماعي العام، وغالبا ما يتجه القاضي نحو الحكم بالبراءة تمسكا بالتفسير الضيق. 
الفقرة السادسة- لتغير الدستوري في مفهوم الوظيفة القضائية والقاضي الجنائي والدستور.  
الملاحظ أنه لأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية عرف الدستور المغربي لسنة 2011 وظيفة أو رسالة القاضي وذلك بمقتضى الفصل 117 الذي ينص على أن ”يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون“. 
وقد أوجب المشرع الدستوري على القضاة الالتزام بتطبيق القانون بصفة عادلة، وهذا ما يؤكده الفصل 110 من الدستور والذي جاء فيه بأنه «لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون. 
ويعتبر الدفاع عن الحقوق والحريات وحمايتها من كل الانتهاكات والتجاوزات التي تمس بها، من أهم الأدوار التي أصبحت تضطلع بها المحاكم.
فالقاضي الجنائي ملزم بتفسير النصوص الجنائية على ضوء المقتضيات الدستورية، لأنه لا يجوز تطبيق أي نص يخالف الدستور، مع مراعاة مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية.
المبحث الثاني : مجالات تأثير القضاء على التشريع الجنائي 
إن تفحص مسودة القانون الجنائي يثبت بشكل ملموس مجالات تأثير القضاء على التشريع الجنائي، والتي لم تحظ بالعناية والإشادة على الأقل من خلال إبرازه مصدرا ماديا للمسودة المذكورة، وهو ما أكدته وزارة العدل في تغييبها للاجتهاد القضائي الجنائي عنصرا حاسما وفاعلا في تغيير المنظومة الجنائية والرقي بها إلى آفاق رحبة ومتطورة استجابة لمطلب تكييف العمل القضائي مع الوقائع والتطورات الحديثة والمستجدة.
المطلب الأول : جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير
أدخلت المادة 570 من مسودة القانون الجنائي ضمن عناصر الجريمة إلى جانب العنف والخلسة والتدليس القيام بأي عمل يحد من الانتفاع بالحيازة، تماشيا مع اجتهادات محكمة النقض. 
بقلم:  د محمد الهيني   *

* نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة

Wednesday, June 24, 2015

حدود مسؤولية المؤاجر في تعويض الأجير عن المصاريف الطبية (2)

المشرع يلزم المشغل أو مؤمنه بتحمل مصاريف العلاج في حدود التعريفة القانونية  (2/2)

إن مشرع  حوادث الشغل الجديد في قانون 18-12 احتفظ بحق المصاب في اختيار جهة علاجه، وهذا فيه تحقيق لتوازن مصالح الأطراف، فرعاية مصلحة الأجير ووضعيته الصحية تتطلب حرية اختياره الطبيب أو الجهة التي يرى أنها أصلح لعلاجه، وفي مقابل ذلك نجده حافظ على مصلحة المؤاجر ومؤمنه في مجموعة من مواد القانون الجديد في هذا المقتضى، حين عاقب في المادة 191 بغرامة من    2000 درهم إلى 10.000 كل من يرتكب غشا، أو يقدم تصريحا مزورا للاستفادة من المصاريف، أو تعويضات غير مستحقة، أو العمل، أو محاولة العمل على الاستفادة منها. 
إن مشرع قانون 18-12  شدد في العقوبات المفروضة على من يستعمل وسائل احتيالية للاستفادة من صوائر التطبيب والعلاج المنصوص عليها في هذا القانون، بأن فرض عقوبات باهظة تثقل كاهل الأجير بصفة خاصة لمحدودية دخله،بل أكثر من ذلك أنه يعاقب على مجرد محاولة الاستفادة من هذه المصاريف ، ونرى في ذلك أقصى حماية يمكن أن يقدمها المشرع للمؤاجر و مؤمنه. 
هذا بالإضافة إلى أن مشرع القانون الجديد فرض في المادة  15 على المؤمن له التصريح بالحادثة بمجرد وقوعها للمؤاجر أو مؤمنه، ويتضمن هذا التصريح البيانات الجوهرية عن الإصابة وأن ترفق بالتصريح الشهادة الطبية الأولية، وبذلك يمكن للجهاز المكلف التابع لشركة التأمين متابعة شفاء المصاب، بحيث إذا تبين أن مدة العلاج المحددة لا تتناسب والبيانات المدرجة في الأخطار، يمكن لهذا الجهاز أن يستدعي المصاب أو يتنقل إليه عند الضرورة  للتأكد من مطابقة البيانات للواقع.
كذلك إذا خلفت الحادثة عجزا دائما للمصاب، يحدد الطبيب المعالج باتفاق مشترك مع الطبيب الخبير المنتدب من قبل المقاولة المؤمنة للمشغل، نسبة العجز اعتمادا على الجدول المتعلق بالعجز، وفي حال عدم توصل الطرفين إلى اتفاق مشترك بخصوص تحديد نسبة العجز، يمكن للمقاولة المؤمنة للمشغل تعيين طبيب خبير مختص بناء على اقتراح من الطبيب المعالج للمصاب .
وفي رأينا، أن ما قيل بخصوص الأضرار التي تلحق المؤمن ماليا عند إعطاء الأجير المصاب حق اختيار جهة العلاج لا يمكن قبوله في إطار مقتضيات القانون الجديد، فكما رأينا، فإن المؤمن له بمجرد وقوع الحادثة يصرح بها للمؤاجر أو مؤمنه، ويتضمن هذا التصريح البيانات الجوهرية عن الإصابة، وبذلك يمكن للجهاز المكلف التابع لشركة التأمين متابعة شفاء المصاب، لأن المشرع الجديد في المادة 26  منح للمؤاجر أو مؤمنه حق تعيين طبيب أو عدة مختصين من أجل اطلاعه على الحالة الصحية للأجير المصاب خلال فترة العلاج، ويمكن للطبيب إجراء مراقبة طبية على المصاب بحضور الطبيب المعالج وفي حال عدم استجابة المصاب لهذه المراقبة  بعد إنذاره لمرتين يتم توقيف التعويض.  
وفي ما يخص ما تدعيه شركات التأمين من أن إعطاء الأجير المصاب حق اختيار جهة علاجه قد يؤدي إلى مضاعفة الآثار التي تترتب عن الإصابة، نتيجة سوء اختياره لجهة العلاج، فإنه عكس ذلك عندما يعلم المصاب أنه سيحصل على المصاريف التي سينفقها على علاجه وفي أقرب الآجال، فإنه سيتوجه حتما إلى أطباء أكفاء، وفي هذا فائدة للمؤمن، إذ يتم شفاء المصاب في وقت قصير، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيض عدد الأيام التي يتقاضى عنها تعويض العجز، فضلا عن أنه سيعالج بأسلوب طبي دقيق، مما يحول دون تخلف العجز عن الإصابة، فلا يلتزم المؤمن بدفع التعويضات والإيرادات.
وفي المقابل فإن المشرع يلزم المشغل أو مؤمنه بتحمل مصاريف العلاج والرعاية الطبية في حدود التعريفة القانونية، وبذلك فإنه في حال توجه الأجير المصاب إلى مصحة خاصة للاستشفاء تتجاوز تعريفة المستشفيات العمومية، فإن المشغل أو مؤمنه يتحمل مصاريف العلاج والاستشفاء في حدود هذه التعريفة.
 إلا أنه في إطار ظهير التعويض عن حوادث الشغل السابق 6 فبراير1963، إذا أثبت الأجير أن دخوله تلك المصحة الخاصة كانت تتطلبه ظروف العلاج المستعجلة، يكون المؤاجر أو المؤمن ملزم بأداء الصوائر التي تفوق التعريفة المحددة قانونا، وهذه كانت من حسنات هذا التشريع، لأنه في بعض الأحيان تفتقد المستشفيات والمصحات التي تكون قريبة إلى مكان الحادث للتجهيزات المطلوبة لعلاج الأجير المصاب، فيضطر هذا الأخير أو عائلته، وفي حال الاستعجال إلى الانتقال إلى مصحة تستجيب لهذه المتطلبات، تكون مصاريفها مرتفعة مقارنة مع التعريفات المحددة قانونا.  لكن وبقراءتنا لقانون التعويض عن حوادث الشغل الجديد 18-12  نجده قد ألغى هذه المقتضيات، وبذلك يبقى المؤاجر أو مؤمنه ملزما بأداء المصاريف الطبية والاستشفائية في حدود التعريفة القانونية، وهذا فيه تراجع عن مكتسبات الأجير المصاب الذي تمنعه وضعيته المادية من تكبد مصاريف الاستشفاء الإضافية، فيكون مضطرا إلى الاستجابة لعلاج لا يستجيب لوضعه الصحي.
وبالإضافة إلى تحمل المؤاجر أو مؤمنه للمصاريف الطبية والصيدلية، فإنه بموجب الفقرة الثالثة من المادة 37 من قانون 18-12،  يتحمل مصاريف انتقال الأجير المصاب إلى محل إقامته الاعتيادي، أو إلى المستشفى القريب من وقوع الحادثة. ومضمون هذا الالتزام لا يقف عند مجرد التنقل من مكان وقوع الحادثة إلى محل الإقامة الاعتيادي للأجير، أو إلى المستشفى، كما يدل على ذلك ظاهر النص، وإنما يشمل كذلك مصاريف النقل التي قد يتطلبها تردد الأجير المصاب على عيادة الطبيب المعالج، أو على المستشفى أو المصحة للعلاج، وذلك إذا كانت إصابته المتولدة عن الحادثة ، وكذلك طبيعة العلاج تقتضيان مثل هذا التردد ،والمشرع قد أشار إلى هذه المصاريف في مقتضيات المادة 193 من القانون نفسه.
كما يتحمل المؤمن مصاريف الجنازة ونقل الجثمان إذا نجم عن حادثة الشغل أو المرض المهني وفاة الأجير، وتتعلق هذه المصاريف بنقل الجثمان من مكان الوفاة إلى مقبرة البلد التي كان يسكن بها الأجير المتوفى بالمغرب، وإن كان ذلك مشروطا بأن تكون الوفاة في هذه الحالة قد وقعت أثناء تنقل الأجير المتوفى من جراء الحادثة للقيام بالعمل خارج محل إقامته.
وقد حدد قرار وزير الشغل والشؤون الاجتماعية بتاريخ 27 يناير 1975 تعريفة صوائر جنازة ضحايا حوادث الشغل، وهي تعتبر جد هزيلة مقارنة مع ما يتطلبه الوضع الاجتماعي في بلادنا من تكبد ذوي حقوق المتوفى مصاريف مرتفعة لتجهيزه .
الفقرة الثانية: حق الأجير في الحصول على الأجهزة الطبية
حسب مقتضيات المادة 37 من قانون 18-12، فإن من حق الأجير المصاب في حادثة شغل، نيل وإصلاح وتجديد أجهزة استبدال أو تقويم الأعضاء التي تفرض الحادثة استعمالها، إلا أنه قيد التعويض عنها بأن تكون الحادثة قد نجم عنها مساس بالسلامة  الجسدية للأجير المصاب في الوقت ذاته الذي تعيب فيه هذه الأجهزة،  فمثلا لو سقط الأجير في مكان الشغل نتيجة زلة قدم ولم يصب بأضرار في جسمه عند سقوطه، وإنما تكسرت نظارته، فإنه لا يمكنه المطالبة بتعويضها أو بإصلاحها لأن الفعل الضار المتمثل في السقوط والخالي من الإصابة الجسمية لا يعتبر حادثة شغل يستوجب التعويض عنها.
لكن رغم التقييد الذي سنه المشرع المغربي، فمقابل ذلك كان له دور إيجابي حين خول للأجير المصاب الحق في إصلاح وتعويض الأجهزة، حتى ولو كان استعمالها فرضته عاهة سابقة غير متولدة عن حادثة من حوادث الشغل، المهم أن تكون الحادثة التي وقعت له هي التي أفسدتها أو سببت ضياعها أو جعلتها غير صالحة للاستعمال. واتجاه المشرع المغربي هذا سواء في ظهير6 فبراير 1963 أوفي القانون 18-12   يعتبر أفضل من موقف الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي اشترط أمام سكوت المشرع أن يكون استعمال الأجهزة التي أفسدتها حادثة شغل قد فرضته حادثة شغل سابقة، وهذا يعني أن القضاء الفرنسي لا يعوض إذا كان سبب استعمال الأجهزة عاهة طبيعية ، ولوازمها فقدت بسبب حادثة شغل.  لذلك فإن مقتضيات المادة40 من قانون 18-12   تعتبر نقطة إيجابية في موقف المشرع الاجتماعي المغربي الذي تجاوز مصدر استعمال أجهزة التقويم، قصد حماية الأجير ومنحه الحق في تعويضه عنها في حالة تعيبها بسبب حادثة الشغل.
خاتمة
مع تطور تشريعات حوادث الشغل في الدول المقارنة التي تتجه نحو اجتماعية خطر حوادث الشغل ،فقد كان ينتظر من مشرع التعويض عن حوادث الشغل الجديد سعيه لتحقيق إضافات ومكتسبات جديدة  للطبقة الشغيلة ،غير تلك الواردة سابقا في ظهير 6 فبراير1963 ،إلا اننا نجد هذا التشريع عكس ذلك تراجع عن بعض من مقتضياتها التي كانت تراعي مصلحة الأجير في سلامة بدنه، لذلك فالمشرع الجديد كرس من جديد قصور الحماية التشريعية لأجير ما يهدد حياته وكيانه الجسدي سعيا لخدمةالآخر.
* أستاذة بالكلية متعددة التخصصات بتازة

صلاحية المحافظ في التقييد والتشطيب(01)

المحافظ لا يعتبر طرفا في العقود التي يطلب منه تقييدها بالسجلات العقارية(2/1)

لاشك أن عملية إشهار التقييدات المؤقتة بالرسم العقاري تخضع لمجموعة من الإجراءات المسطرية التي يتعين مراعاتها من قبل أصحاب الحقوق المدعى على عقار محفظ تحت طائلة عدم الاستفادة من الحماية المخولة إياه تشريعيا، بل يمكن أن يضيع حقه نهائيا نتيجة خطأ إجرائي في طلب التقييد المؤقت. ومن ثم فإن الجهة المناط بها مهمة تقييد جميع العمليات المتعلقة بالرسوم العقاري، مقيدة بنصوص قانونية تلزمها بمراقبة مدى توفر الشروط اللازمة للقيام بالتقييد تحت طائلة مسؤوليته. كما أن الأمر لا يقف عند هذا الحد،  بل يتجاوزه ليمتد إلى عمليات التشطيب التي يطلب من المحافظ القيام بها بعد إدلاء المعني بالأمر بحكم أو عقد وفقا لمقتضيات الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري، أو بمآل المقال الافتتاحي موضوع التقييد الاحتياطي.

إن هناك أنواعا من التقييدات المؤقتة يسري مفعولها الزمني في أجل محدد تشريعيا، إذ يجب لزاما على المستفيدين منها إنجاز التقييد النهائي للحق داخل الأجل القانوني، وإلا أصبحت التقييدات المذكورة هي والعدم وسواء، رغم بقائها مضمنة بالرسم العقاري.
ومن جهة أخرى، فإن الأحكام القضائية متى كان موضوعها إنشاء حق عيني أو تعديله أو إسقاطه أو إنهائه، تكون واجبة التقييد من قبل المحافظ العقاري إذا كانت مكتسبة لقوة الشيء المقضي به.
ولعل دراسة موضوع صلاحيات المحافظ بشأن التقييد والتشطيب، وأثر ذلك على المراكز القانونية للأطراف المتعاملة بشأن الرسم العقاري، والوقوف على أهم الإشكالات العملية المطروحة في هذا المجال، ورصد موقف المحافظ المتعلق بتعامله مع الأحكام والأوامر القضائية، يقتضي تقسيم هذا الموضوع إلى مجموعة من النقط على الشكل التالي:
-1 حول الإشكالية المتعلقة بالاقتصار على تبليغ عزل الوكيل إلى المحافظ العقاري دون الوكيل
من المسلم أن الوكيل يفقد هذه الصفة ابتداء من تاريخ تسلمه المكتوب أو البرقية المتضمنة إلغاء الوكالة طبقا للفصل 932 من (ق.ل.ع)، وأن الاقتصار على إيداع الإشهاد بالإلغاء بالرسم العقاري المعني بالنزاع لا يتحقق معه علم الوكيل بالإلغاء، بدليل أن مجرد الإيداع لا يعني التقييد بالرسم العقاري الذي يفترض معه العلم به من طرف الكافة عملا بالقرينة التشريعية المنصوص عليها في القانون العقاري. ومن ثم فإن محكمة النقض قد أكدت بدورها على أن زوال صفة الوكيل يستلزم تحقق واقعة تسليمه مكتوب إلغاء الوكالة من قبل الموكل، معتبرة أن التصرفات التي يجريها الوكيل قبل علمه بعزله تكون صحيحة طالما أن المتعاقد معه يجهل بدوره انتهاء مهمة الوكيل.
ونشير إلى أن العمل الإداري بالمحافظات العقارية يرتب عن إيداع الإشهاد بإلغاء الوكالة لدى المحافظ العقاري، امتناع الأخير عن تسجيل العقود المبرمة من قبل الوكيل والمتعلقة بالرسم العقاري، وذلك حماية لمصالح الطرف الموكل من تعسف الوكيل المعزول وقيامه بإبرام تصرفات قانونية نيابة عنه قصد الإضرار به، الشيء الذي يطرح التساؤل حول الطبيعة القانونية لهذا الإيداع لدى المحافظة العقارية، وماهية المسوغ القانوني لهذا الإجراء، وأساس رفض المحافظ لتسجيل عقد مبرم في تاريخ سابق على تاريخ إلغاء الوكالة ومدى قيام مسؤوليته الشخصية.  
 2 - إشكالية تقييد مقال الطعن في قرار المحافظ العقاري تقييدا احتياطيا
إذا كان تقييد مقال الدعوى احتياطيا يتعلق بالنزاعات الناشئة بين أطراف الحق، فإن الإشكال يطرح بالنسبة إلى الدعاوى التي تقام ضد المحافظ العقاري في إطار الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري، فهل يجوز قانونا طلب تقييد مقالات الطعن بشأنها تقييدا احتياطيا؟
من البديهي أن المحافظ لا يعتبر طرفا في العقود التي يطلب منه تقييدها بالسجلات العقارية، وإنما يراقب تحت مسؤوليته صحتها شكلا وموضوعا تحت طائلة رفض تقييدها بقرار يبين فيه أسباب عدم التقييد. وأنه يحق للطرف المتضرر أن يلتجئ إلى القضاء للطعن في قرار المحافظ لعدم قانونيته والمطالبة بإلغائه وأمره بتقييد العقد بالرسم العقاري. فهل يحق للمحافظ رفض طلب تقييد مقال الدعوى احتياطيا طالما أنه خصم في الدعوى وحكم في استعمال سلطته التقديرية في تقرير قبوله لإجراء التقييد من عدمه؟
بالرجوع إلى مقتضيات قانون 07/14 نجدها لم تنظم هذه المسألة، لذلك نعتقد أنه إذا كان من صلاحيات المحافظ رفض تقييد العقد بالرسم العقاري لعلة من العلل القانونية حسب وجهة نظره، فإنه لا يمكنه قانونا رفض طلب تقييد مقال الدعوى تقييدا احتياطيا، على أساس أنه طرف في الخصومة المقامة ضده الرامية إلى إلغاء قراره وأمره من طرف القضاء بتقييد العقد بالرسم العقاري محل النزاع، ومن ثم فإنه ليس هناك ما يمنع من تقييد مقال الدعوى المقامة ضد المحافظ تقييدا احتياطيا، طالما أن المعيار المعتمد من قبل المشرع في المادة 13 من مدونة الحقوق العينية لإجراء تقييد احتياطي لمقال الدعوى هو معيار موضوعي يتعلق بمحل النزاع، وليس معيارا ذاتيا يتعلق بأطراف الدعوى.
3 - إشكالية تمسك الدائن المرتهن بشرط المنع من التفويت
من المعلوم أن المشرع خول للغير الحائز للعقار المرهون عن طريق التفويت إمكانية مقاضاة المدين الأصلي (البائع) بتطهير العقار المرهون عن طريق المطالبة برفع الرهن الذي يثقله، كما قرر في الوقت نفسه الحماية للدائن المرتهن في استيفاء الدين المضمون بضمان عيني ولو انتقل العقار ا لمرهون إلى الغير عن طريق التفويت، الشيء الذي يفيد عدم أحقية الدائن المرتهن في التمسك في مواجهة المشتري للمرهون بشرط منع المدين من التصرف في عقاره المرهون، لأن ذلك يتنافى مع خصائص الرهن الرسمي المتمثلة في حق الأولوية والتتبع من جهة، والمقتضيات التشريعية المنصوص عليها في الفصل 1077 من (ق.ل.ع) من جهة أخرى. وهو الأمر الذي أكدته محكمة الاستئناف بمراكش في قرارها الذي جاء فيه ما يلي :
«حيث إن المشرع أعطى الحق للمرتهن في تتبع العقار المرهون في أي يد انتقل إليها ..، ومن ثم فإنه لا يمكن أن يكون لحق التتبع أي معنى إذا لم يكن من حق الراهن بيع الشيء المرهون.
وحيث إن هذا التأويل يزكيه القانون العام وهو قانون الالتزامات والعقود الذي يعتبر نصا عاما يلجأ إلى تطبيقه عند عدم وجود النص الخاص في الظهير المذكور، الذي لم ينظم سوى الرهن الرسمي الذي يعتبر تقييده وسيلة تقوم مقام قبض المرهون في الرهن الحيازي، فالغاية منهما واحدة وهي حفظ المرهون ضمانا للدائن وتأمينا لمصلحته.
وحيث بناء على أن الغاية واحدة من الرهنين معا، فإن المشرع المغربي إذا كان قد سمح للراهن بتفويت العقارات المرهونة رهنا حيازيا طبقا للفصل 1177 من (ق.ل.ع)، فإنه بالمقابل لم يمنع تفويت ما رهن رسميا ضمن القيود الواردة في هذا الفصل، والفصل 1178 من القانون نفسه، اللذين لا تتعارض مقتضياتهما مع ما ورد في الفصل 185 من ظهير 2 يونيو 1915، ولا مذهب الجمهور في الفقه المالكي... إنه بناء على ذلك، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا بإصدار أمر للسيد المحافظ المختص بتقييد رسم السيد (...) بالرسم العقاري مع الإبقاء على الرسمين المذكورين مثقلين بحقوق المرتهنين جميعا».
وبذلك نخلص إلى القول إن الدائن المرتهن رهنا مؤجلا الذي تحول حقه العيني التبعي إلى تقييد بات قبل انقضاء أجل 90 يوما، لا يمكنه أن يتمسك في مواجهة من انتقل إليه العقار المرهون بشرط منع المدين الأصلي من التفويت، ومن ثم فإنه يجب تقييد هذا الشراء بالرسم العقاري من قبل المحافظ على الأملاك العقارية حسبما أشير إليه في القرار أعلاه، ويكون بالتالي حق الملكية مثقلا بحق الدائن المرتهن الذي يتتبع العقار موضوع الضمان العيني في أي يد انتقل إليها.
بقلم: د. حسن فتوخ  *
*رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي بمحكمة النقض

صلاحية المحافظ في التقييد والتشطيب

تبليغ المحافظ بالمقال الاستئنافي أو بعريضة النقض يمنعه من مواصلة إجراءات التقييد  (2/2)

4 - إشكالية النظام المالي للزوجين وأثره على تقييد التصرفات المبرمة من أحد الزوجين بدون إذن الزوج الآخر.
إن الاتفاق على نظام الأموال المشتركة من قبل الزوجين لا يعني بالضرورة الحصول على الإذن من الزوج الآخر بالتفويت، بل يجب أن يكون العقار المبيع قد اكتسب أثناء العلاقة الزوجية. ومعنى ذلك أن هناك أموالا حرة (Les biens propres) تبقى في ذمة كل واحد منهما حين إبرام عقد الزواج أو قد يكتسبانها بعد ذلك، ولا تدخل في الذمة المالية المشتركة كالأموال العقارية المكتسبة عن طريق الإرث أو الهبة مثلا.لذلك فإن البيع الذي ينصب على هذه الأموال لا يستلزم إطلاقا الحصول على إذن من الزوج الآخر حتى يتأتى تقييده من قبل المحافظ طالما أنه يتصرف في مال مملوك له وحده.
وقد أكدت محكمة النقض هذا الاتجاه من خلال أحد قراراتها الذي جاء فيه ما يلي :»حيث إن الحكم المطعون فيه لم يكن على صواب في ما قضى به وذلك عندما طبق على العلاقة بين الزوجين الفرنسي الجنسية قانون الأحوال الشخصية المغربي واعتبر أن الزوج ذو أهلية تامة لبيع العقار المتنازع فيه، مع أنه من جهة فإن العلاقة الزوجية بين الطالبة وزوجها تحكمها قواعد القانون المدني الفرنسي الواجب التطبيق في هذه الحالة طبقا للفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري المتعلق بوضعية الأجانب في المغرب لأنهما متزوجان في إطار نظام الأموال المشتركة ودون أي عقد ينظم أموالهما ومع أنه، من جهة أخرى، فإن أهلية الزوج المتزوج طبقا لنظام الأموال المشتركة المعمول به في القانون المدني الفرنسي لبيع العقار في حالة اعتباره من الأموال المشتركة لا تكون تامة إلا إذا أذنت الزوجة بالبيع وذلك طبقا للفصل 1424 من القانون المدني الفرنسي وللفصل الثالث من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر أن كل شخص أهل للإلزام والالتزام ما لم يصرح قانون أحواله الشخصية بغير ذلك... «.
وفي السياق نفسه، فإن مسؤولية الموثق يمكن أن تثار في هذا الشأن إذا قام بتحرير عقد البيع دون إدلاء الزوج البائع بإذن الطرف الآخر، أو دون تأكده من مصدر اكتساب العقار المبيع، وتحديد ما إذا كان التملك قد تم في إطار تنمية الأموال المكتسبة أثناء الزوجية وفق نظام الأموال المشتركة المنصوص عليه في المادة 49 من مدونة الأسرة، أو بناء على سبب آخر كالإرث أو التبرع. بل يمكن تصور مسؤولية المحافظ العقاري بالتبعية في حالة تقييده لعقد البيع بالرسم العقاري دون إدلاء البائع بالإذن المشار إليه أعلاه. وهذا ما يجعل القضاء يبسط رقابته على التفويتات التي تبرم في هذا الصدد، والقول تبعا لذلك بعدم صحتها استنادا للنظام المالي للزوجين.
5 - مدى صلاحية المحافظ في تقييد حكم قضائي مرفق بشهادة عدم الطعن مع تبليغه بمقال للطعن خارج الأجل؟
يدق الإشكال في الحالة التي يدلى فيها للمحافظ بالحكم القضائي المطلوب تقييده وبشهادة بعدم الطعن بالاستئناف أو بشهادة بعدم الطعن بالنقض حسب الأحوال، ثم يبلغ المحافظ بمقال الاستئناف أو بعريضة النقض قبل إجرائه لعملية التقييد. فهل يواصل المحافظ تحت مسؤوليته تقييد الحكم القضائي؟ أم أن من حقه التمسك بالأثر الموقف للتنفيذ من خلال الطعن بالاستئناف أو الطعن بالنقض؟
نعتقد أن تبليغ المحافظ قبل عملية التقييد بالمقال الاستئنافي أو بعريضة النقض يمنعه من مواصلة إجراءات التقييد، بدليل أنه غير مختص في تقدير نتيجة الطعن والقول بأنه بوشر خارج الأجل القانوني، لأن الجهة المؤهلة قانونا لمراقبة نظامية مقال الطعن والبت في المنازعة في صحة تبليغ الحكم المطعون فيه هي المحكمة المعروض عليها المقال الاستئنافي أو عريضة النقض. ومن ثم فإن المحافظ ملزم بانتظار نتيجة الطعن الذي تم تبليغه به حتى يمكن أن يقرر الإجراء المناسب بشأن طلب تقييد الحكم المودع لديه، على اعتبار أن الطعن بالاستئناف والنقض يوقفان معا التنفيذ بمجرد وضعهما بكتابة ضبط المحكمة سواء تلك المصدرة للحكم أو القرار، أو المحكمة غير المصدرة للحكم أو القرار، مع ضرورة تسجيل مقال الطعن أمام كتابة ضبط المحكمة غير المصدرة للحكم المطعون فيه داخل أجل الطعن المنصوص عليه قانونا تحت طائلة عدم القبول حسبما أكده قرار لمحكمة النقض جاء فيه ما يلي:
« بحسب صريح مقتضيات الفصل 141 من قانون المسطرة المدنية، فإن مقال الطعن بالاستئناف يودع بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه، غير أنه إذا اختار الطاعن أداء الرسوم القضائية عن مقاله الاستئنافي أمام محكمة غير المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه فإنه يتعين أن يسجل هذا المقال أمام كتابة ضبط هذه المحكمة الأخيرة داخل أجل الطعن المنصوص عليه قانونا تحت طائلة عدم القبول «.
6 - أثر التنازل عن مقال الدعوى المقيد احتياطيا على الاستفادة من مفعول التقييد الاحتياطي
يطرح التساؤل حول أثر الحكم القاضي بالإشهاد على التنازل عن الدعوى التي وقع تقييد مقالها احتياطيا، ومدى اعتباره نهائيا بمجرد النطق به، أم يجب تبليغه للأطراف المعنية به وعدم الطعن فيه داخل الأجل القانوني؟
بالرجوع إلى الفصل 121من ق م م نجده ينص على أن المحكمة تسجل على الأطراف اتفاقهم على التنازل، ولا يقبل ذلك أي طعن. وأنجميع الأحكام الصادرة بشأن قضايا التحفيظ العقاري حسبما أشير إليه أعلاه لا تقيد من طرف المحافظ إلا بعد صيرورتها مكتسبة لقوة الشيء المقضي به. فكيف يمكن التوفيق بين النصوص الإجرائية العامة الواردة بقانون المسطرة المدنية والنصوص الإجرائية الخاصة الواردة بقانون التحفيظ العقاري؟
وجوابا على ذلك، فإن العمل القضائي اعتبر أن الحكم بالإشهاد على تنازل المدعي عن دعواه لا يقبل أي طعن بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 121 من ق م م من جهة، ولا يمكن سلوك إجراءات التبليغ والتنفيذ بشأنه طالما أن منطوقه غير قابل للتنفيذ في حد ذاته من جهة أخرى، على اعتبار أن الغاية من إجراء التبليغ إما أن تكون من أجل الطعن في الحكم موضوع التبليغ، وإما من أجل التنفيذ وفقا لمقتضيات الفصول 428 وما يليه من ق م م. وأن تنازل المدعين عن الدعوى يضع حدا لمفعول التقييد الاحتياطي المتعلق بالمقال موضوع التنازل دون حاجة إلى تبليغ الحكم القاضي بالإشهاد على التنازل عملا بالوصف النهائي الذي أضفاه المشرع المغربي على هذا النوع من الأحكام.
غير أن موقف المحافظين على الأملاك العقارية والرهون ينقسم إلى اتجاهين، أحدهما يرتب عن التنازل عن الدعوى المقيدة احتياطيا استفادة المدعي المتنازل من رتبة التقييد الاحتياطي، وثانيهما يعتبر أن التنازل عن الدعوى ينهي مفعول التقييد الاحتياطي ولا يترتب عليه الأثر الرجعي المقرر في الفصلين 85 و 86 من ظهير التحفيظ العقاري  في حالة صدور حكم في الموضوع لصالح المدعي.
بقلم: د. حسن فتوخ  *
*رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي بمحكمة النقض

حدود مسؤولية المؤاجر في تعويض الأجير عن المصاريف الطبية

للأجير كامل الحرية في اختيار الطبيب أو المستشفى العمومي أو الخصوصي الذي سيباشر فيه العلاج(2/1) 

يلتزم المؤاجر بأداء التعويضات المستحقة للمصاب في حالة العجز المؤقت والدائم، أو لذوي حقوقه في حالة وفاته. وقد حدد القانون 18-12  المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، هذه التعويضات بشكل دقيق  من أجل الموازنة بين مصالح المصاب وذويه من جهة، والمشغل من جهة أخرى، لاعتبارات تفرضها العدالة، وفي حدود لا يمكن تجاوزها، وضمن هذه التعويضات فإن للأجير المصاب في حادثة شغل  أو في حادثة طريق أو بمرض مهني،  الحق في استرجاع كل ما أنفقه من مصروفات طبية وصيدلية طبقا للقانون المذكور، فسواء توقف عن الشغل، أم لا.

يبقى الأجير مستحقا لعلاج طبي من أجل شفائه واستقرار حالته الصحية، من مساعدات طبية وصوائر صيدلانية ونفقات التحاليل الطبية والمخبرية وصوائر الإقامة في المستشفى إذا كانت حالته تدعو إلى ذلك، وعموما كل النفقات التي يتطلبها علاج الأجير المصاب، بما في ذلك أجهزة تقويم أعضاء جسمه واستبدالها.
فقد لا ينتج عن الحادثة أي عجز، لكن الوصول إلى هذه النتيجة يقتضي علاجات وتحاليل وصوائر طبية وصيدلية، وقد يضطر المصاب من خلالها إلى التوقف عن العمل مدة زمنية قصد مواصلة العلاج، وفي هذا الإطار، فإننا سنبحث في نطاق وحدود التزام المؤاجر بأداء التعويضات المقررة للأجير المصاب أو لذوي حقوقه بموجب القانون 18-12 ، نقف فيها عند النقط الإيجابية التي جاء بها المشرع المغربي في القانون الجديد مقارنة بالتشريعات الأجنبية، ونتناول الاشكاليات التي يطرحها الواقع حول حدود مسؤولية المؤاجر في أداء المصروفات الطبية والجراحية والصيدلية للأجير، وكذلك في الحصول على الأجهزة الطبية، لنقف عند موقف القضاء الحديث منها. 
الفقرة الأولى: مسؤولية المؤاجر عن أداء المصروفات الطبية والجراحية والصيدلية
حسب مقتضيات المادة 37 من قانون 18-12، فإن المؤاجر يتحمل النفقات التالية سواء انقطع الأجير عن العمل، أم لا:
-  مصاريف التشخيص والعلاجات الطبية والجراحية والصيدلية ومصاريف الاستشفاء ومصاريف التحليلات والفحوصات والمصاريف الواجب أداؤها للأطباء وللمساعدين الطبيين، وبوجه عام جميع المصاريف التي يستوجبها علاج المصاب.
- مصاريف المستلزمات الطبية التي تفرضها الحادثة، بما فيها المصاريف التي تفرضها الحادثة والمتعلقة بنيل أجهزة استبدال، أو تقويم الأعضاء، أو بإصلاحها أو بتجديدها. 
-  مصاريف نقل المصاب إلى محل إقامته الاعتيادي، أو إلى مؤسسة عمومية أو خصوصية للاستشفاء والعلاج الأقرب من مكان وقوع الحادثة. 
-  في حالة الوفاة، مصاريف الجنازة ومصاريف نقل الجثمان إلى مكان الدفن.
كما  أضاف المشرع في المادة 193 من القانون المذكور،  بأن المشغل أو مؤمنه يتحمل جميع المصاريف غير المنصوص عليها في هذا القانون، والتي يتطلبها تنقل المصاب من أجل تلقي العلاج أو إجراء الفحوصات والخبرة الطبية .
ويشمل الحق في العلاج مختلف أوجه الرعاية الطبية، وتتعلق بجميع حوادث الشغل، وسواء استمر الأجير في مزاولة عمله، أم اضطر إلى التوقف عنه، كما أن هذا الحق في العلاج والرعاية الطبية موحد بين جميع الأجراء، بدون مراعاة لاختلاف قيمة الأجر المتقاضى، أو الحالة المرضية أو نسبة العجز. فغرض المشرع هو منح الأجير المصاب، في حادثة شغل العلاج الطبي اللازم والكامل عن إصابته ومرضه المهني.
والمشرع خول للأجير المصاب من جراء حادثة شغل، أو مرض مهني كامل الحرية في اختيار الطبيب المعالج، أو المستشفى العمومي، أو الخصوصي الذي سيباشر فيه العلاج ، فقط يجب أن لا  تتجاوز مصاريف التطبيب ونقل المصاب للاستشفاء والعلاج الأقرب إلى مكان وقوع الحادثة  التعريفة  المحددة بقرار مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتشغيل وبالصحة المشار إليها في مقتضيات المادة 38 من القانون18-12، ولا يمكن للطبيب المعالج للمصاب أن يطالبه بأداء المصاريف المنصوص عليها في المادة 37 أعلاه إلا في الحالتين  التاليتين: 
-  إذا لم يقدم المصاب الشهادة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة  14من القانون المذكور .
-  إذا قدم المصاب هذه الشهادة ووافق قبل تلقيه العلاج الأولي على تحمل مصاريف إضافية تتجاوز تعريفة المصاريف المحددة في القرار المشترك المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 38  أعلاه. وفي هذه الحالة يجب أن تتضمن الشهادة الطبية الأولية موافقة المصاب على تحمل هذه المصاريف الإضافية.
أما في غير هذه الحالات فلا يمكن لأي جهة كانت أن تطالب الأجير المصاب بأداء مصاريف مسبقة أيا كان نوعها، وذلك تحت طائلة غرامة حددها المشرع بين  2000درهم 10000درهم حسب مقتضيات المادة 191 من قانون 18-12 . 
أما المشرع الفرنسي، فقد منح للمصاب الحق في اختيار جهة العلاج، والطبيب الذي يقع عليه اختيار الضحية، ولا يطالب هذا الأخير بدفع أي أتعاب مقابل الرعاية التي بذلها له، إلا في الحدود التي يتجاوز فيها الأجر المستحق له الأجور التي تتعامل على أساسها صناديق الضمان الاجتماعي، وإذا اقتضت حالة المصاب الإقامة في المستشفى فإن المشرع الفرنسي أورد قيدين على إرادته في اختيارها، وذلك متى كانت غير تابعة لصناديق الضمان الاجتماعي، أو ليست مستشفى عموميا، إذ يتعين أن يكون مرخصا لها في رعاية المصابين بحادثة شغل، ومنح هذا الترخيص يرتبط بإمكانياتها الفنية في مجال العلاج والرعاية الطبية. ولا تلتزم صناديق الضمان الاجتماعي من ناحية أخرى بتحمل نفقات الإقامة والعلاج والرعاية الطبية بالمستشفى الخاص، إلا في الحدود التي تتجاوز فيها مستوى التكلفة بالمستشفى العمومي الأقرب للمصاب .
أما المشرع المصري، فإنه لا يمنح للعامل حرية اختيار جهة العلاج، وإنما يفرض عليه الجهة التي تتولى ذلك، فالأصل أن يقع الالتزام بالعلاج والرعاية الطبية على عاتق جهة التأمين الاجتماعي، حسب مقتضيات المادة 47 من قانون التأمين الاجتماعي، لكن المادة نفسها تجيز لصاحب العمل علاج المصاب ورعايته مقابل تخفيض نسبة الاشتراك عن تأمين حادثة شغل، وذلك شريطة أن تصرح الهيأة العامة للتأمين الصحي له بذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من وزير الصحة . لكنه وأمام الحماية الخاصة والمطلقة للأجير في حرية اختياره لجهة العلاج في التشريع المغربي، ورغم توالي أصوات أرباب العمل ومؤمنيهم شركات التأمين حول مقتضيات  ظهير 6 فبراير1963 التي أعطت للأجير حرية اختياره جهة العلاج، فحسب رأيهم أن ذلك يمس بمصالحهم وبالموازنة بين الأطراف التي يحكمها الظهير المنظم لحوادث الشغل، لأن الاختيار المطلق لجهة العلاج فتح مجالا كبيرا لتضخيم نسبة عجز العامل وتضخيم مصاريف العلاج، كما رأوا أن مصلحة الأجير المصاب تكمن في أن يتم العلاج في أقرب الأوقات والأماكن لتفادي المضاعفات التي تنعكس سلبا على المؤاجر أو المؤمن، وترفع من قيمة التعويضات التي يؤدونها، لأن استفحال الجروح التي أصيب بها العامل قد يؤدي غالبا إلى عجز دائم .
لكن بعض الفقه ومنهم الأستاذ آمال جلال، فرأى خلاف ذلك، أن مبدأ اختيار الطبيب المعالج من طرف العامل المصاب بحادثة شغل لا يمكن أن يسيء إلى العامل أو المؤمن، لأن الطبيب الذي يختاره الأجير في حالة وقوع حادثة شغل، هو حتما أحد الأطباء المسموح لهم بمزاولة مهنة الطب الغير مشكوك في قدراتهم المهنية، كما رأى أن المشرع أعطى الحق للمؤاجر ومؤمنه طبقا للفصل 50 من ظهير 6 فبراير 1963، الحق في أن يعين لقاضي الصلح طبيبا واحدا أو عدة أطباء يطلعونه أثناء المعالجة على حالة المصاب بحادثة شغل. لذلك رأى الأستاذ آمال جلال أنه لا مجال للتخوف من حرية اختيار الطبيب، بناء على أن هذا الأخير قد يسيء معالجة العامل المصاب، أو على العكس من ذلك قد يطيل مدة علاجه، أو يزيد في تقدير نسبة عجزه. وفي رأيه فإن مبدأ حرية الاختيار هو أحسن بكثير من فرض الطبيب المعالج على الأجير المصاب من طرف المؤاجر، أو شركة تأمينه، حسب ما يطالبون به، لأنه يخشى ألا يراعي هذا الطبيب إلا المصالح الاقتصادية للمؤسسة، أو المصالح التجارية لشركة التأمين، وذلك على حساب الأجير المصاب الذي يكون أشد الناس حاجة إلى المساعدة المادية والمعنوية.
بقلم:  فتيحة التوزاني *

* أستاذة بالكلية متعددة التخصصات بتازة

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا