Sunday, April 27, 2014

دراسة في القانون : اختصاص غرف الاستئناف في الاستئنافات المقدمة ضد أوامر الأداء (1/2)

من المؤكد أن الطعن بالاستئناف، بعد التعديلات المدخلة على قانون المسطرة المدنية وتحديدا بالقانون رقم 35-10، لم يعد يمارس حصريا أمام محكمة الاستئناف فقط كما كان عليه الوضع في السابق، وإنما أضحى أيضا يمارس أمام مرجع استئنافي آخر هو غرفة الاستئنافات المستحدثة ضمن التنظيم الداخلي للمحاكم الابتدائية ، وهذا هو أبرز تعديل رام من ورائه المشرع تخفيف الضغط عن محاكم الاستئناف والسرعة في تصريف القضايا التي تصنف ضمن خانة القضايا البسيطة.

المعيار الذي وضعه المشرع لتمييز الاختصاص بين محاكم الاستئناف وغرفة الاستئنافات عند استئناف الأحكام الابتدائية هو معيار قيمي أي القيمة المالية للنزاع بحسب الأحوال المنصوص عليها في الفصل 19 من قانون المسطرة المدنية وفق التعديل الأخير طبعا.
بيد أن هذا المعيار إذا كان لا يطرح أي أشكال عند اعتماده في نطاق المساطر العادية للتقاضي، فإن الأمر على خلاف ذلك في نطاق مساطر الأمر بالأداء المنصوص عليها في المواد من 155 إلى 165 من (ق م م) إذ قفز إلى الواجهة تساؤل مشروع مفاده:
هل تختص غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية بالبت في الطعن بالاستئناف ضد الأوامر الصادرة بالأداء؟
للجواب على هذا التساؤل ارتأينا التطرق إلى بحث عنصرين:
أولا: استثناء الطعن بالاستئناف في أوامر الأداء من القواعد العادية لهذا الطعن.
ثانيا: تحديد الجهة القضائية المختصة للبت في الطعن أخذا بالمعيار القيمي للطلب.
أولا: الطعن بالاستئناف في أوامر الأداء مستثنى من القواعد العادية.
لعل ما يؤخذ على المشرع المغربي، قبل التعديل أو بعده أنه لم يأت على تنظيم إجراء الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة بالأداء بشكل دقيق ومباشر، بدليل أن الأحكام التي تناولت الإجراء، وردت مبعثرة،  لترتيبها يلزم تفكيك جل الفصول المنظمة للمسطرة، بل واستنباط مفهوم المخالفة عند قراءة بعضها. والحال أن طابع الاستثناء الذي يطبع المسطرة يفرض أجرأة الطعن وفق صياغة أفضل رداء لكل قراءة خاطئة تفضي إلى إفراغ المسطرة ككل من الأهداف التي تقررت من أجلها.
قد يكون الأمر قبل صدور القانون رقم: 35/10 غير مفهوم، لكنه يبقى غير مقبول بعد صدوره خاصة عن استحضار مقتضيات الفصول 162-158-24-19 وخاصة أكثر مسألة الإحالة على الفصل 19 الواردة في الفصل 162 مكرر.
فمن خلال هذه المقتضيات نستطيع اختصار الأحكام التي تحدثت عن إجراء الطعن بالاستئناف كما يلي:
((…. لا يقبل الأمر بالرفض أي الطعن)) والفصل 158.
((… أو لم يقدم طلب الاستئناف في ظرف الثمانية أيام....) الفصل 162
((… غير أنه يمكن لغرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية أو لمحكمة الاستئناف حسب الحالات المذكورة في الفصل 19 أن توقف التنفيذ جزئيا أو كليا بقرار معلل)).
من هنا يظهر تكريس المشرع لمبدأ الاستثناء عند الطعن بالاستئناف في الأوامر بالأداء بتعطيله للقواعد العامة المنظمة للطعن في الفصول 143 إلى 147 من (ق م م) سواء ما تعلق بالأجل المحدد في ثمانية أيام بدلا من الأجل العادي المحدد في 30 يوما أو 15 يوما في بعض الأحوال – أو ما تعلق بتمييزه للأوامر الصادرة وفق الطلب عن تلك الصادرة برفض الطلب عندما جعل هذه الأخيرة غير قابلة للطعن على عكس الأوامر الصادرة وفق الطلب، وهو تمييز يدل أكثر على طابع الاستئناف المشار إليها، ولا خلاف في المسألة ما عدا القصور الذي شاب النصوص المنظمة للاستثناء، إذ تبقى الحاجة إلى استنطاقها لتحديد مجاله وتجلياته، على غير ما عودنا عليه المشرع مثلا عند تنظيمه لأحكام الطعن في الأوامر الاستعجالية أو الأوامر المبنية على طلب.
فبالرجوع إلى صياغة الفصل 158 عند العبارة ".... لا يقبل الأمر بالرفض أي طعن"، يتضح أن المشرع وبعد فراغه من تبيان موجبات البت في الطلب سلبا أو إيجابا وتركيزه على الحالة التي تفضي إلى الاستجابة للطلب والمتمثلة في ثبوت الدين وحلول أجل استحقاقه دون الحالة المعاكسة التي تقاس بمفهوم المخالفة للحالة الأولى طبعا. انتقل بعد ذلك في آخر فقرة الفصل إلى التنصيص صراحة على منع كل طعن عن الأمر الصادر بالرفض، فجاءت الصياغة مجملة دونما ذكر لنوع الطعن المقصود، ودونما إشارة إلى الأمر الصادر بخلاف ذلك.
غير أن مقتضيات المادة 162 اللاحقة تكفلت برفع هذا الإجمال وإن بشكل غير مباشر أيضا، ذلك لأن هذه المقتضيات عالجت أساسا مسألة تنفيذ المدين للأمر بالأداء، فربطت عملية الشروع في التنفيذ بعدم تقديم المدين لطلب الاستئناف داخل أجل قوامه ثمانية أيام من اليوم الموالي للتبليغ الصحيح.
ومن خلال هذا المقتضى، يكون الفصل قد أعلن عن نوع الطعن المقصود من جهة وعن أجله من جهة ثانية وأعلن من جهة ثالثة عن صورة الأمر القابل للطعن.
وبيان ذلك أن الطعن بالاستئناف هو المقصود دون التعرض بطبيعة الحالة وأن الأمر القابل للاستئناف هو الأمر الصادر بأداء الدين دون الأمر الصادر برفض الطلب، مع ملاحظة أنه لا يفترض صدور الأمر بأي صيغة أخرى بعدم الاختصاص أو بعد القبول مثلا حتى لا يفهم العكس من الصياغة الواردة في المادة 157 التي جاءت بعبارة "لا يقبل الطلب..." وأن أجل الاستئناف هو ثمانية أيام استثناء عن الأجل العادي للطعن.
إلا أن المغيب ضمن هذه الأحكام هو تعيين المحكمة المختصة بنظر الطعن أخذا بعين الاعتبار لمعيار الاختصاص القيمي الوارد في الفصل 19 من (ق م م) على النحو المعدل.
وأخذا بعين الاعتبار أيضا مدلول الإحالة على هذا الفصل في الفصل 162 مكرر على النحو المعدل كذلك.
ثانيا: اختصاص غرفة الاستئناف لدى المحاكم الابتدائية للبت في استئناف أوامر الأداء.
كان من الممكن الاستغناء عن هذا البحث، لو لم ترد عبارة الإحالة على الفصل 19 في الفصل 162 مكرر، وهي العبارة التي كانت مدعاة للتساؤل المحوري في هذا الصدد، أي التساؤل حول مدى ازدواجية انعقاد الاختصاص لنظر الطعون بالاستئناف في أوامر الأداء بين محاكم الاستئناف من جهة وغرف الاستئنافات المستحدثة بالمحاكم الابتدائية من جهة أخرى، على اعتبار أن المقتضيات السابقة للمادة 162 مكرر، لم تكن تعرف مثل هذه الإحالة، ما كان معه الطعن في هذا الإطار لا يخضع لمعيار قيمة الطلب أصلا، أي أن جميع الأوامر الصادرة بالأداء كانت قابلة للاستئناف، بغض النظر عن قيمة الدين، حتى ولو قل عن السقف المحدد للاختصاص الابتدائي للمحكمة الابتدائية وفق الوارد سابقا في الفصل 19.

بقلم:ذ. نجيب شوقي, رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بالناظور

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا