Thursday, February 14, 2013

دراسة في القانون: نزاهة القاضي (1/3)


إن استقلال القضاء يمكن مقاربته من خلال بعدين، الأول مؤسساتي يتمثل في استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية تماما
كما عبر عنه الفقيه منتسكيو، وكرسه الدستور الجديد للمملكة ، والثاني ذاتي يهم القاضي نفسه، الذي يفترض فيه أن يكون مستقلا،
 نزيها، محايدا، متجردا، شجاعا...حتى يتسنى له أداء رسالته على الوجه المطلوب. كان للخطاب الملكي السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 20 غشت 2009 بتطوان لمناسبة ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، عظيم الأثر على نفوس رجالات القانون ببلادنا من قضاة ومحامين وأساتذة باحثين ومنظمات حقوقية ممثلة للمجتمع المدني...، وذلك بالنظر لما تضمنه الخطاب من توجيهات سامية تعتبر بمثابة خطة طريق من أجل إصلاح شامل للقضاء، تكريسا لدولة القانون وثقافة حقوق الإنسان والحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام عموما والشأن القضائي على وجه الخصوص.
وقد ركزت خطة الإصلاح على ستة مجالات اعتبرها العاهل الكريم حفظه الله ذات أسبقية، أهمها دعم استقلالية القضاء وتخليقه لتحصينه من الارتشاء واستغلال النفوذ حتى يساهم في تحقيق الأمن القضائي.
وانطلاقا من دورها في المساهمة في دعم الإصلاح القضائي ببلادنا قامت الودادية الحسنية للقضاة مشكورة بإصدار مدونة للقيم القضائية ساهم في إبداعها ثلة من خيرة قضاة المملكة استلهموا مبادئها من أحكام الشريعة الإسلامية ومن النظام الأساسي لرجال القضاء لسنة 1974 -كما تم تعديله بمقتضى القانون 09.01- ومن النظام الأساسي العالمي للقاضي الذي تمت المصادقة عليه بـ»التايوان» بتاريخ 17 نونبر سنة1999،هذا فضلا عما تضمنته الاتفاقيات الدولية سواء ذات الطبيعة العالمية أو الإقليمية ذات الصلة بالموضوع.
وقد كان الهدف من هذا المجهود كما جاء على لسان رئيس الودادية الحسنية للقضاة - الأسبق والرئيس الأول الحالي لمحكمة النقض الأستاذ مصطفى فارس- العمل على تأمين مبدأ استقلال السلطة القضائية والدفاع عنها وحماية وحصانة القضاة والدفاع عن كرامتهم وتقوية علاقات المودة والتضامن في ما بينهم.
وبالرجوع إلى مدونة القيم القضائية نجدها قد تضمنت بالإضافة إلى ديباجة، 10 مبادئ تتضمن مجموعة من القيم والتقاليد والأعراف التي تحكم سلوك القاضي ويتعين عليه الانضباط لها من أجل أداء رسالته على الوجه الأكمل.
والحقيقة أن هناك مبدأ واحدا يجب الحرص على رعايته واحترامه وهو مبدأ استقلال القضاء، أما باقي المبادئ الأخرى من نزاهة وحياد وتجرد وشجاعة أدبية ووقار وكفاءة.... فهي لا تعدو أن تكون سوى آليات تحقيق هذا الاستقلال.
ومعلوم أن استقلال القضاء يمكن مقاربته من خلال بعدين الأول مؤسساتي يتمثل في استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية تماما كما عبر عنه الفقيه منتسكيو، وكرسه الدستور الجديد للمملكة ، والثاني ذاتي يهم القاضي نفسه والذي يفترض فيه أن يكون مستقلا، نزيها، محايدا، متجردا، شجاعا...حتى يتسنى له أداء رسالته على الوجه المطلوب .
وحيث إن الاستقلال المؤسساتي للجهاز القضائي مضمون بمقتضى الدستور الجديد لاسيما الفصل 107 منه «السلطة القضائية  مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية»، فإن مقاربتنا للموضوع سنركز فيها على استقلال القاضي كفرد فاعل في العملية القضائية انطلاقا من عنصر النزاهة المفترض فيه، والذي يدور مع القاضي وجودا وعدما، شأنه شأن الحكم الشرعي الذي يدور مع علته وجودا وعدما تماما كما هو معروف عند الأصوليين.
وسنتناول موضوع النزاهة من خلال تحديد مفهومها ، وبيان دورها في دعم استقلال القضاء، وضمان المحاكمة العادلة كحق من حقوق الإنسان، وفي جلب واستقطاب الاستثمار خاصة الأجنبي منه مع بيان أهم الضمانات التي وفرها المشرع لدعم وترسيخ هذا المبدأ الأساسي في استقلال القضاء.
وبالنظر إلى طبيعة الموضوع، فإننا سنعتمد المدرسة الأنكلوسكسونية في المنهجية لانسجامها مع طبيعة الموضوع .
نزاهة القاضي من خلال مدونة الأخلاق القضائية :
عرفت مدونة الأخلاق القضائية التي أصدرتها الودادية الحسنية للقضاة النزاهة، بكونها سمة يتحلى بها القاضي فكريا وأخلاقيا وبكونها لا تخص القرار القضائي فحسب، بل تمتد لتشمل أيضا الإجراءات التي تؤدي إلى هذا القرار.
ولتقريب المفهوم من القارئ حاولت المدونة الاستعانة بسبع فقرات لبيان سبل تحقيق ما جاء في التعريف المذكور.
ويمكن القول إن النزاهة هي قيمة أخلاقية متأصلة في سلوك القاضي تدور معه وجودا وعدما، ويمكن تجسيدها بكل بساطة في ذلك الجو من الثقة والمصداقية والطمأنينة الذي يخلقه القاضي في محيط عمله سواء مع زملاءه القضاة أوالمرتفقين أي أطراف النزاع بالإضافة إلى المتدخلين في العملية القضائية من موظفي كتابة الضبط ومحامين وخبراء ومفوضين قضائيين وعدول .... والذي يجعله في منأى عن كل تجريح قد يمس شخصه أو يشكك في مصداقية أحكامه.
نزاهة القاضي  من خلال أحكام الشريعة الإسلامية
وبالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية ومنابعها الصافية لم نجد تعريفا خاصا بالنزاهة شأنها في ذلك شأن باقي المصادر المعتمدة في الموضوع، وذلك لسبب بسيط هو أن مبدأ استقلال القاضي قد احتواها وأن العديد من الفقهاء يعتبرون النزاهة شرطا وآلية لتحقيق الاستقلال ليس إلا.
ومعلوم أن القضاء رسالة عظيمة، تولاها الرسل والأنبياء بأمر من الله تعالى مصداقا لقوله تعالى :{ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} وقال أيضا { إن لله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإن حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.
وعلاقة برسالة القضاء ودورها في تحقيق العدل بين الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا جلس القاضي للحكم بعث الله إليه ملكين يسددانه فإن عدل أقاما وإن جار عرجا وتركاه } رواه أبو هريرة رضي الله عنه.
وروي عن الرسول ( ص) أن قال لأبي هريرة رضي الله عنه { يا أبا هريرة ، عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة بقيام ليلها وصيام نهارها، يا أبا هريرة جور ساعة في حكم أشد وأعظم عند الله من معاصي ستين سنة}.
وقد ثبت أن رسول الله (ص) قد قضى في الخلع والنفقة والحضانة والظهار وأرسل عددا من الصحابة إلى الأمصار وكان بعضهم يجمع بين الإمارة والقضاء، وبعضهم يختص بالقضاء وحده من ذلك معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
بقلم:د/ يونس العياشي, قاض ملحق بوزارة العدل والحريات
دكتور في الحقوق
عن جريدة الصباح

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا