Friday, February 08, 2013

حول المشاركة السياسية


حول المشاركة السياسية 
بقلم خالد عليلو العياشي


مهما قيل عن السياسة فإنها تظل بمثابة الوهج الذي قد يحرق من يقترب منها كثيرا لكنها قطعا تضيء ما حولها، رغم ان البعض يكتفي أن ينأى بنفسه عن نورها ويؤثر ان يحيا في الظلام، أو على الأقل يقبع في كهف يجابه النور بظهره.
فحتى لو قصرنا السياسة في معناها اللغوي العربي الفصيح بأنها القيام على الشيء بما يصلحه، أي حتى لو أتفقنا جميعا على المعنى النبيل للسياسة وجردناها من كل سبة في حقها ومن ترادفها للمكر والخديعة والكذب والخيانة... وألبسناه لباس الطهارة وصارت امرأة عفيفة مجدة همها الإصلاح ... فإن البعض سيختلف حول كيفية ممارستها؟
 وواقعنا يثبت خلافا في كيفية ممارسة السياسة. فإن كان البعض ينشد الإصلاح في التدافع والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية والقبول بقوانين اللعبة السياسية رغبة منه في إنضاجها ثم تعديلها تعديلا يؤهلها لدق المسامير الأخيرة في نعش الفساد والإفساد... فإن البعض الآخر يؤثر ان يحجم عن الدخول في لعبة هو أدرى بخسرانها ومن ثم يلعب (وهو في الحقيقة لا يلعب) على فكرة عدم نضوج شروط الانضمام في اللعبة... ومخرجه المقترح يكمن في تغيير بنية اللعبة من أساسها وتغيير الحَكَم ورقعة الملعب وحجم الفُرق التي ستلعب ووو... شروط وشروط ... وعلى ذكر هذه الشروط يحق لنا التساؤل: ما حجمه السياسي ليطرح شروطا بهذا الحجم؟
الأكيد انه رغم صغر حجمه التنظيمي فإن حجته التي يبديها في طرح شروطه هو إيمانه بقوة فكرته... بمعنى آخر فإنه ينظر إلى النموذج المقترح من قبل الآخريين على انه نموذج ضعيف في بنيته... على الأقل نحن الآن بصدد اعلاء من شأن الذات وتسفييه لتوجهات الآخريين. وهذا شيء غير مبشرا فلا يستساغ من أي كان ان يصور ذاته انه الأجدر والأحق وأن الصواب إلى جانبه...
الأمر المفيد من وجود هذا النوع المزايد على الإصلاح والذي يرفع شعارات ثورية انه يساعد من اختار عن قناعة وبدون مقابل ان يغير في إطار الاستقرار، وهو بهذا المعنى يقدم الكثير للوطن فالشكر موصول له.
 لماذا نشكره على اختلافنا الجذري معه؟ لأنه يوجد حزب يمكن وصفه بالكبير والعتيد والضخم يسمونه في مصر ب"حزب الكنبة" ونسيمه نحن بالأغلبية الصامتة... هذه الفئة الخاملة لا تريد السير في أي من السبيلين: ليست مع الثورة وليست مع الإصلاح في إطار الاستقرار... هي فئة بلا رأي (وإن كان لها رأي) غير محفزة ولا تثق في أي كان، بعبارة أخرى لا تصوت ولا تحتج وقت الاحتجاج والغريب انها لا تتوانى في رمي كلا الفريقين لتبرز كل نقيصة وتبخس أي إصلاح...ونظرا لحالتها الخاملة أدرك الفريقين أن لا حاجة لهم في إقناعها ودفعها إلى ان تَنظم إليهم...فمن شيمها المقاطعة التامة وعدم اكتراتها بالعمل السياسي وجدواه.
 وهي بهذا المعنى خارجة عن اطار المشاركة السياسية، وربما الحل الذي يمكن ان نقترح عليها أن تنشط في العمل الجمعوي (الخيري مثلا) المنزه عن أفيون السياسة واستغلال السياسيين.
لأن من ينشد التقدم فعلا عليه أن يعمل لتحقيق هذا التقدم ، فعلى الأقل التقدم سيبدأ بالإحسان في القيام بالعمل المهني أي كانت طبيعة هذا العمل تدريس أو تطبيب أو نجارة أو حياكة أو حدادة أو تجارة...فإذا ما أجاد المرء عمله المهني تطوع في العمل الجمعوي وبذل جهده وماله ووقته في سبيل عمل تطوعي،
 فإذا ما بقي له من الجهد والوقت والقدرة وظفهم في العمل السياسي ليدفع من هم جديرين بالدفع ويضعف من هم جديريين بالإضعاف ثم ان لا ينسى العمل النقابي الذي به يجود ظروف عمله ويحسن مستواه المادي والاجتماعي ... هذا التحسين الذي سيكون له أثر ايجابي على مشاركته في العمل السياسي والجمعوي والمهني... هكذا يمكن ان نتصور المواطن الفاعل في مجتمعه الذي لا يكتفي بلعن الظلام بل يحرص على إشعال أي شمعة (قطعا ليس بغرض الإحراق).
ومن آثر ان ينروي وأن يقاطع صنوف العمل واستحلى الكنبة فاعتقد أنه غير جدير بأن يقعد في قاعة انتظار الإصلاح.
كل الكلام السابق أتينا به لنخرج منه "حزب الكنبة" او "الأغلبية الصامتة" من دائرة المشاركة السياسية، وليس معنى كلامنا أننا في راحة كون الغالبية آثرت الصمت بل أنها وللأسف تصم آذانها فهي لا تريد حتى ان تسمع ... فهي لا تريد بأي حال ان تعبر علانية او أن تؤثر في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين يفعلون ذلك .
بعبارة أخرى هي فئة لا تريد اللعب ولا تشجع أي فريق ومع ذلك تتوق إلى سماع نتيجة المباراة وليس لها مانع في ان تسمع عن من شارك في التشجيع روايته عن سير المباراة والتي لن تأخذها على محمل الجد. وأود التنبيه إلى ان هذا النقد الموجه إلى هذه الفئة مرده أساسا انه من المؤسف أن لا توظف جميع الطاقات في الإصلاح وعدم توظيف هذه الفئة وتنشيطها هو ما يبطئ وثيرة الإصلاح.
ننتقل الآن للحديث عن المشاركة السياسية باعتبارها مجموع الممارسات التي يقوم بها المواطنون، أو بها يضغطون بغية الاشتراك في صنع وتنفيذ ومراقبة تنفيذ، وتقييم القرار السياسي اشتراكا خاليا من الضغط الذي قد تمارسه السلطة عليهم، ولنتوقف عند هذا المقطع الأخير الذي يبرز أن المشاركة السياسية يجب ان تصدر عن المواطن وعن قناعة وبدون "دفع" من قبل "السلطة" التي قد ترى أن في بلقنة المشهد السياسي بأحزاب هجينة غير مؤسسة على مشروع سياسي مجتمعي وإنما على فكرة وحيدة هي إقصاء طرف ما، وفي النهاية يتميع المشهد السياسي ويصبح ضبابيا يشق قراءته وفهمه. والمغزى العميق في نظري من تناسل "احزاب" هو توسيخ العمل السياسي وبالتالي إبعاد المواطن من المشاركة السياسية قسرا لعدم قدرته على التمييز. ومع ذلك على المواطن ان يدرك أهمية المشاركة السياسية لآثارها الإيجابية عليه كفرد أو على السياسة العامة للدولة. فعلى مستوى الفرد تنمي المشاركة فيه الشعور بالكرامة والقيمة والأهمية السياسية وتنبه كلا من الحاكم والمحكوم إلى واجباته ومسؤولياته وتنهض بمستوى الوعي السياسي. كما أنها تساعد على خلق المواطن المنتمي الذي يعد عماد قوة وعافية الجسد السياسي. 
وعلى صعيد السياسة العامة تجلب المشاركة أكبر منفعة لأكبر عدد من الأفراد إذ أنها تدفع الحاكم إلى الاستجابة لمطالب المواطنين وتسهم في إعادة توزيع موارد المجتمع بشكل أكثر عدالة .. ومن ثم حيث يؤدى ازدياد عدد المشاركين إلى مزيد من العدالة الاقتصادية والاجتماعية عن طريق قيام الحكومة بإعادة توزيع الدخل والثروة. والأكثر من هذا فإن المشاركة السياسية واتجاهها في دعم حزب دون آخر من شأنها تبديد ضبابية المشهد السياسي وخلق قوة حزبية على قدر وجسامة الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن شأنها انبثاق سلطة تنفيذية منسجمة انسجاما تاما وقوية غير مرتهنة الى إكراهات التحالفات او الائتلافات... بهذه الطريقة يمكن على الأقل تبديد حقيقة الوهم والمتمثل في قدرة حزب ما على نيل الأغلبية المطلقة، فالأكيد أن الرأسمال الشعبي أو بعبارة أخرى شرعية الصناديق قادرة على صنع الفارق. وعلى هذا الأساس على المواطن ان يعي جيدا قيمة صوته وقدرته على التغيير...
هنا تبرز أهمية المشاركة السياسية في معناها المتواضع والبسيط في الإدلاء بالصوت فما بالنا بتفعيل المستويات الأرفع للمشاركة السياسية ففي المستوى الأعلى وهو مستوى ممارسة النشاط السياسى ويشمل هذا المستوى من تتوافر فيهم شروط من قبيل : عضوية منظمة سياسية، والتبرع لمنظمة أو مرشح، وحضور الاجتماعات السياسية بشكل متكرر، والمشاركة فى الحملات الانتخابية، وتوجيه رسائل بشأن قضايا سياسية للبرلمان (فمن جديد الدستور الحالي الفصل 15 والذي ضمن للمواطن الحق في توجيه عرائض الى السلطات العمومية)، ولذوى المناصب السياسية أو للصحافة، والحديث فى السياسة مع أشخاص خارج نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالفرد. وفي المستوى الذي يليه وهو مستوى "المهتمون بالنشاط السياسي " ويشمل هذا المستوى الذين يصوتون فى الانتخابات ويتابعون بشكل عام ما يحدث على الساحة السياسية. وفي المرتبة الماقبل الأخيرة "الهامشيون فى العمل السياسي" ويشمل من لا يهتمون بالأمور السياسية ولا يميلون للاهتمام بالعمل السياسي ولا يخصصون أى وقت أو موارد له، وإن كان بعضهم يضطر للمشاركة بدرجة أو بأخرى فى أوقات الأزمات أو عندما يشعرون بأن مصالحهم المباشرة مهددة أو بأن ظروف حياتهم معرضة للتدهور. وفي المرتبة الأخيرة وهي مرتبة "المتطرفون سياسياً" وهم أولئك الذين يعملون خارج الأطر الشرعية القائمة، ويلجئون إلى أساليب العنف. 
وعلى ذكر المشاركة السياسية يبقى الحزب اهم أداة (وليس الوحيد) في تنشيط هذه المشاركة ، فالحزب من ادواره المنوطة به دستوريا حسب الفصل 7 ان تعمل على تأطير المواطنين والمواطنات وتكونهم تكوينا سياسيا وأن تعزز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام ، بمعنى أن من أدوار الحزب تحقيق المشاركة السياسية في مستواها الأعلى من خلال فتح المجال أمام المواطن في الانخراط الحزبي والاستفادة من البرامج التكوينية والغاية بناء مواطن متفاعل مع قضايا أمته وفاعل في التغيير... 
من يريد التغيير عليه أن يتغير فإن تغير فعليه أن يعمل على تغيير الآخريين.

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا