Monday, February 04, 2013

دراسة في القانون: أي استقلال للنيابة العامة يكرس لاستقلال السلطة القضائية في الدستور ؟ (الحلقة السابعة)


يمكن في هذا الإطار أن يحضر وزير العدل والحريات اجتماعات مجمع الوكلاء العامين للملك، من أجل أن يبسط توجهات الحكومة في مجال العدل والسياسة الجنائية، والإجراءات والآليات الكفيلة بتطبيقها، والموارد المالية واللوجستيكية المعتمدة لذلك، والمخصصة من قبل الحكومة لتنفيذها. ماعدا ذلك، يبقى وزير العدل والحريات بعيدا كل البعد عن كنه وعمل النيابة العامة، ضمانا لمبدأ استقلالية النيابة العامة وفق المفهوم الذي حددته المادة 5 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وأكدته مجموعة من قرارات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان التي وجهت ضربات موجعة لفرنسا، بسبب توغل وزير العدل في نيابتها العامة وهو ما سوف نبسطه في المطلب الموالي .
وخلاصة القول في هذا المضمار، هو أن اعتماد التأويل الديمقراطي لعبارة «السلطة التي يتبعون لها « يجب أن يسير نحو تعزيز استقلال السلطة القضائية المبني على الفصل الصريح لها عن السلطة التنفيذية، لأنه من غير استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، فلن يمكننا التحدث عن استقلال حقيقي للسلطة القضائية.
استقلال القضاء رهين باستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية
بالرجوع إلى تاريخ العلاقة القائمة من وزارة العدل والنيابة العامة، سنجد أن أهم ملامح تلك العلاقة قائمة على محورين، أولهما محور التنقيط والتقييم وثانيهما محور التوجيه والإشراف، وبالتالي فإنه من المفيد جدا التساؤل حول ما إذا كان الدستور الجديد لسنة 2011 قد حافظ على نفس مقومات تلك العلاقة أم لا ؟ وهل لذلك أثر على تصور اكتمال الاستقلال المنشود للسلطة القضائية؟.
من حيث التنقيط، نجد أن السلطة التي كان يتمتع بها وزير العدل، تتجسد في كونه الجهة المكلفة بتنقيط عمل الوكلاء العامين للملك وفق مقتضيات الفصل 3 من المرسوم المتعلق بشروط وكيفية تنقيط القضاة وترقيتهم، وبالتالي فإن سلطته على جهاز النيابة العامة كانت قائمة على أمرين، أولهما أنه الرئيس الإداري المباشر الذي يتولى أمر التنقيط، بالإضافة إلى أنه نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يجعله متمكنا من كل أسباب القوة والسلطة ويكون له مركزا متميزا في إطار المنظومة القضائية. وما يزيده تميزا هو كون جميع القرارات التي قد تتخذ في حق أعضاء النيابة العامة غير قابلة للطعن فيها، وبالتالي فإن سلطة التنقيط كانت تلعب دورين أحدهما ظاهري وهو التقييم بمفهومه الإيجابي، وثانيهما ذو طابع سلبي يتمثل في كونه وسيلة ضغط على أعضاء جهاز النيابة العامة.
لكن بمقتضى الدستور الجديد، فإننا نجد أن الوضع قد تغير، خاصة أن أهم مقتضى جاء به الدستور الجديد في هذا الباب هو مسألة الطعن في القرارات المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة. وإمكانية الطعن هذه مكن منها المشرع الدستوري كلا من قاضي النيابة العامة وقاضي الحكم على اعتبار أن المقتضى المتعلق بها جاء عاما ولا يخص فئة دون أخرى.
فامتلاك القاضي بصفة عامة لإمكانية الطعن، يعد مؤشرا حقيقيا حول إرادة المشرع الدستوري لتمكين أعضاء السلطة القضائية، سواء أكانوا عاملين بقضاء الحكم أو بقضاء النيابة العامة من استقلال حقيقي ينأى  بهم عن كل تأثير، خاصة أن إحساسهم بوجود ضمانات حقيقية أثناء أدائهم لمهامهم، يشكل عامل دفع لتمتعهم بالاستقلال المطلوب وبالتالي يلقي على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على هذا الاستقلال.
وأمام هذا الوضع الجديد، يمكن إعادة النظر في علاقة وزير العدل بالنيابة العامة، فمن جهة يجب التأكيد بأن مسألة التنقيط في حد ذاتها يمكن أن تكون وسيلة للضغط على قرارات القاضي، لذلك جعل المشرع الدستوري هذه المسألة نسبية لا تخضع إلى مزاج الجهة المسؤولة على تقييم عمل القاضي وإنما يمكن لهذا الأخير المنازعة فيها وإثبات أن القصد من ذلك هو التأثير على قراراته. ومع إمكانية تصور صحة الطعون، فإنه يكون من الممكن جدا تصور قيام الضرر، فهل يمكن في مثل هذه الحالات أن نتصور أن وزير العدل شخصيا هو الذي أحدث الضرر أم أن مؤسسة وزير العدل هي المحدِثة للضرر؟.
إن الجواب على هذا السؤال له أهمية خاصة، ذلك أن الوقوف على حقيقة الجواب من شأنه أن يوضح أكثر مسألة استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، فإذا كان معروفا أن المتسبب في الضرر هو الشخص الطبعي ذاته - وليس الشخص المعنوي ممثلا في الإدارة - في حالة تقييم عمل الآخرين، فإنه في هذه الحالة يمكن القول بأن المسؤولية الشخصية لوزير العدل كفكرة ستكون حاضرة بقوة، فكيف يمكن التعامل مع هذه الوضعية في ظل افتراض وجود تسلسلية هرمية مؤثرة بموجب آلية التنقيط ؟
إن هذا الوضع الذي نخلص إليه بناء على قراءة متكاملة لمقتضيات الدستور، سيضعنا أمام نتيجة واحدة وهي أنه لا يمكن اعتبار وزير العدل متمتعا بالصفة القضائية كما كان الأمر من قبل، ولا يمكن له الإشراف على مؤسسة النيابة العامة، لأن الجهة التي ستشرف على هذه الأخيرة يجب أن تكون قادرة على تقييم العمل القضائي باعتباره أهم ما يقوم به أعضاء النيابة العامة. وبالتالي فإن الجهة التي يتعين أن يتبع لها قضاة النيابة العامة يجب أن تتوفر فيهم الصفة القضائية حتى يمكنهم تملك سلطة التنقيط التي تبقى في حد ذاتها نسبية ويمكن الطعن فيها باعتبارات أخرى غير تلك التي تتعلق بوزير العدل .
إن هذا الوضع الذي أصبح يطبع علاقة النيابة العامة بوزير العدل على مستوى التنقيط، لا يقل أهمية عن الوضع الذي أصبح يطبع ذات العلاقة على مستوى التوجيه والإشراف.
إن الوجه الثاني للعلاقة التي كانت تطبع علاقة وزير العدل بالنيابة العامة، تتمثل في ما كان يمتلكه هذا الأخير من أدوات توجيهية لعمل النيابة العامة وخاصة في ما يتعلق بالدوريات والمناشير التي كانت ترسم الطريق لعمل النيابة العامة في مجموعة من القضايا، وأغلبها يتعلق بالطابع القضائي، لذلك فإن هذه الآلية بدورها أصبح من الجائز التساؤل حولها في ظل أحكام الدستور الجديد.
فإذا كان من المعلوم أن عمل النيابة العامة يعتبر جزء من عمل القضاء بموجب منطوق الفصل 117 من الدستور، على اعتبار أن عملها يقوم  على حماية حريات الأفراد والجماعات وحقوقهم، فإن هذا الطابع القضائي يأبى التوجيه لما فيه من مس باستقلالية القرار القضائي . ومن ثم فإن العمل على إعادة النظر في علاقة وزير العدل بالنيابة العامة على مستوى التوجيه والإشراف يجب أن يعاد  فيها النظر لتنسجم مع المقتضيات الدستورية الجديدة.
وفي هذا الإطار، يمكن التركيز على أمرين، أولهما نقد المرجع التاريخي لعلاقة النيابة العامة بوزارة العدل، وثانيهما الارتكاز على مقتضيات الدستور نفسه.
بقلم: عبد السلام العيماني, عضو المجلس الأعلى للقضاء  وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا