Sunday, February 03, 2013

التجربة‏ ‏الدستورية‏ ‏الفرنسية‏ ‏و‏ ‏تجارب‏ ‏دول‏ ‏المغرب‏ ‏العربي


التجربة‏ ‏الدستورية‏ ‏الفرنسية‏ ‏و‏ ‏تجارب‏ ‏دول‏ ‏المغرب‏ ‏العربي
2012/05/05 - ‏ ‏د‏. ‏محمد‏ ‏الغالي*
وكان هناك حرص من الباحث علي أن يكون الإطار الزمني الأنسب للدراسة يبتدأ ما بعد سنة 1990, إذ ما قبل هذا التاريخ كانت مختلف أنظمة دول المغرب العربي لم تستطع بعد التحرر من رهانات ما بعد دولة الاستقلال التي حكمت عقلية مختلف القوي السياسية التي تبنت شعار الحركة الوطنية , إذ تعدد هذه الرهانات , والتي وصلت إلي حدة التعارض والتناقض أجلت الشروع في إجراء المشروع المجتمعي , في مقابل البحث عن إثبات الذاتية لجهة علي حساب الجهة الأخري (1), مما أثر بدوره علي التوجهات الكبري لهذه الأنظمة , بالإنتقال من مرحلة الارتباط بالاستعمار , إلي مرحلة الارتباط بالتبعية السياسية و الاقتصادية , وبالتالي ما هي حدود درجة التبعية هذه من خلال نمط الاقتراع كآلية لتجسيد وتحقيق المشروعية القانونية والسياسية للأنظمة القائمة
1- حول مضمون نمط الاقتراع الفرنسي :
تنص المادة 24 من الدستور الفرنسي , كون البرلمان يتركب من غرفتين :
أ - الجمعية الوطنية , وتتكون من نواب ينتخبون عن طريق الاقتراع العام المباشر , ب - مجلس الشيوخ , يتكون من أعضاء ينتخبون عن طريق الاقتراع العام غير المباشر , ويضمن تمثيل الجماعات الترابية للجمهورية , كما أن الفرنسيين المستقرين خارج فرنسا يحظون بتمثيل داخل هذا المجلس (2).
تحدد المادة 24 من الدستور الفرنسي بنية البرلمان الذي يتشكل من جمعيتين , كما تحدد خصائص اختيار أعضائهما , وللإشارة فنظام الثنائية المجلسية لا يدخل في التقليد السياسي للمؤسسات الفرنسية , إذ الأنظمة الدستورية الأولي (1793-1791-1848) لم تعرف سوي مجلس وحيد يجسد الوحدة والسيادة .
عرفت الجمهورية الخامسة تقريبا - خلال مدة سريانها نمط اقتراع الأغلبية في دورتين , وذلك بالنسبة لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية (3), وقد نص الباب الثاني من مدونة الانتخابات حول المقتضيات الخاصة لانتخاب النواب في قسمه الثاني حول نمط الاقتراع , كون النواب ينتخبون عن طريق الاقتراع الأحادي الاسمي الأغلبي في دورتين 13 ويصبح نائبا في الجمعية الوطنية الأعضاء الحاصلون علي الأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها في الدور الأول , ويكتفي بالأغلبية المطلقة من الأصوات المعبر عنها في الدور الأول , في حين يكتفي بالأغلبية النسبية في الدور الثاني شريطة أن يكون المتبارون في هذا الدور قد حصلوا علي عدد من الأصوات المعبر عنها يساوي ربع الأصوات المعبر عنها في الدور الأول (5).
يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي بتلازم نمطين للاقتراع , نمط الأغلبية والنمط النسبي . يطبق نمط الأغلبية أو الأكثري في المقاطعات التي تختار أربعة ممثلين أو أقل , فهو يتعلق بنمط الأكثرية علي أساس القائمة أو أحادي أعلي - في دورتين , يكون أحاديا عندما تكون المقاطعة ممثلة فقط بواسطة عضو وحيد (6), في حين يطبق النمط النسبي في المقاطعات التي يتجاوز عدد المقاعد المخصصة لها أربعة بناء علي قوائم مغلقة , وعلي أساس قاعدة أقوي المعدلات , دون إمكانية مزج الأصوات أو التصويت التفاضلي (7).
ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر في دورتين (8) يعتبر رئيسا , المرشح الذي حصل علي الأغلبية المطلقة من عدد الأصوات المعبر عنها في الدور الأول , وفي حالة عدم تحقق ذلك يتم اللجوء إلي دور ثان , حيث يقتصر علي المرشحين الحاصلين علي نتائج مهمة في الدور الأول , ويعتبر فائزا المرشح الذي حصل علي أغلبية الأصوات (9).
قبل التترك الي توضيح تأثير نمط الاقتراع الفرنسي علي دول المغرب العربي نتعرض لمجموعة من السمات التي تميز النظم السياسية لدول المغرب العربي قبل 1987
1- نظام تنافسي في المغرب , إذ إلي جانب المؤسسة الملكية توجد تعددية سياسية يجسدها تعدد الأحزاب ذات توجهات مختلفة ( يمينية , يسارية , وسطية ) (10) . كالآتي :
2- بالنسبة للجزائر وتونس نظام لا تنافسي بمتغيرين : إذ شكل الحزب الواحد في الجزائر العمود الفقري للنظام الدستوري والسياسي , فدستوري 1963 و 1976 جعلا من ' جبهة التحرير الوطني ' المحرك الأساسي للحياة العامة في الدولة الجزائرية , فرئيس الدولة يعتبر رئيسا للحزب , يجسد معا وحدته والوحدة السياسية للدولة (11) بينما شكلت فكرة الحزب المسيطر , الحزب الوحيد المفروض واقعا في تونس , المحرك الأساسي للعمل السياسي , إذ سيتم تبني تعديل دستوري في الفصل 40 من دستور 1959, بتاريخ 15 مارس 1975 جعل من الرئيس ' بورقيبة ' رئيسا مدي الحياة (12).
ويبقي التعديل الدستوري المغربي لسنة 1996 أهم تعديل مقارنة بالتعديلات الدستورية لسنوات 1970, 1972, 1992, نظرا لأهمية التوافق السياسي الذي طبع مسلسله , إذ أجمعت أغلب القوي السياسية علي ايجابياته , وعليه دعت أهم الأحزاب التي كانت محسوبة علي المعارضة ( الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية , حزب الاستقلال , حزب التقدم والاشتراكية ) إلي التصويت بالإيجاب لصالحه , مما شكل سابقة . فلأول مرة في التاريخ الدستوري والسياسي المغربي تعرب المعارضة مجتمعة عن تأييدها لمراجعة دستورية (13), بينما شكل التغيير السياسي الذي طرأ في تونس , نقطة انعطاف أساسية , نتج عنها تنحية رئيس الدولة ( الرئيس بورقيبة ) في نوفمبر 1987, وتوج بتنقيح دستوري أرخ في 25 يونيو 1988, فبدل الرئاسة مدي الحياة أصبح الرئيس ينتخب حسب مقتضي الفصل 39 من الدستور الذي ينص علي مايلي :
ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمسة أعوام انتخابا عاما , حرا , مباشرا , سريا خلال الأيام الثلاثين الأخيرة من المدة الرئاسية طبق الشروط المنصوص عليها بالقانون الانتخابي . وإذا تعذر إجراء الانتخاب في الميعاد المقرر لسبب حالة حرب أو خطر داهم فإن المدة الرئاسية تحدد بقانون إلي أن يتسني إجراء الانتخاب .
ويجوز لرئيس الجمهورية أن يجد ترشحه مرتين متتاليتين , (14) وسيتم تعديل هذه الفقرة الأخيرة لتصبح :' ويجوز لرئيس الجمهورية أن يجدد ترشحه .(15) لم يتم تبني التعددية السياسية في الجزائر وبالتالي فصل الدولة عن الحزب الوحيد وإقرار مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ الحريات الفردية والجماعية إلا مع التعديل الدستوري لسنة 1989 (16) وستتوج بتبني الأمر رقم 97-09 مؤرخ ب 6 مارس سنة 1997, يتضمن القانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية (17).
2- أوجه تأثر أنماط الاقتراع المغاربية بالنمط الفرنسي :
تبقي دساتير دول المغرب العربي من حيث بنائها النظري أكثر تأثرا بالبناء الدستوري الفرنسي , رغم بعض التمايزات المحدودة .
المغرب : إن نظام الحكم في المغرب , نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية , (18) حيث يستأثر الملك بسلطات واسعة في مختلف المجالات التنفيذية , التشريعية والقضائية , وذلك بصفته أميرا للمؤمنين وممثلا أسمي للأمة ورمز وحدتها .. والي جانب المؤسسة الملكية يوجد البرلمان بغرفتيه , مجسدتين في مجلس النواب ومجلس المستشارين , (19) ويتم انتخاب أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات , ويشار في هذا السياق إلي أنه قبل التعديل الدستوري لسنة 1996 كان يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب عبر أسلوبين مباشر وغير مباشر , ففي الأسلوب المباشر كان يسود نمط الاقتراع الحادي الأعلي في دورة واحدة ( اقتراع الأغلبية ), بينما في الأسلوب غير المباشر كان يسود نمط الاقتراع باللائحة , لكن خلال الانتخابات التشريعية ل 27 سبتمبر 2002 تم استخدام نمط الاقتراع باللائحة في اختيار أعضاء الغرفة الأولي ( مجلس النواب ) وذلك بموجب القانون التنظيمي رقم 02\ 29 المغير و المتمم للقانون التنظيمي رقم 97\ 31 (20), إذ نصت المادة الأولي منه علي كون مجلس النواب يضم أعضاء ينتخبون بالاقتراع العام المباشر عن طريق الاقتراع باللائحة , ويجري الانتخاب بالتمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي , غير أنه في حالة انتخاب جزئي , أي إذا تعلق الأمر بانتخاب عضو واحد , يباشر الانتخاب بالتصويت العام بالأغلبية النسبية في دورة واحدة . في حين ينتخب أعضاء الغرفة الثانية ( مجلس المستشارين ) عن طريق الاقتراع العام غير المباشر بواسطة هيئة ناخبة تتشكل من ممثلي الجماعات المحلية ومن المنتخبين في الغرف المهنية وممثلي المأجورين , ونصت المادة السادسة من القانون التنظيمي رقم 97\32 المغير والمتمم بموجب قانون رقم 02\30 علي إجراء انتخاب أعضاء مجلس المستشارين عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي علي أساس قاعدة أكبر بقية ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي , وتخصص , المقاعد للمرشحين عن كل لائحة حسب الترتيب التمثيلي .
تونس : ويرتكز نظام الحكم علي الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الدولة بموجب مقتضيات الدستور وبحكم الواقع الذي يجعل منه المهيمن المتحكم في مختلف مصادر السلطة . فالرئيس ينتخب لمدة خمسة أعوام عن طريق الانتخاب العام الحر , المباشر والسري , وبالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها , وفي حالة عدم الحصول علي هذه الأغلبية في الدور الأول , ينظم دور ثان , ولا يمكن أن يتقدم إليه إلا المرشحان اللذان أحرزا علي أكثر عدد من الأصوات خلال الدور الأول , تمثل نمط الاقتراع الذي كان مهيمنا قبل سنة 1990 في نمط الاقتراع بلائحة الأغلبية في دورة واحدة (21), وبعد دخول القانون العضوي في 4 مايو 1990 حيز التطبيق أصبح نمط الاقتراع المعمول به في تونس مختلطا ( اقتراع نسبي وأغلبية ), حيث يتم منح نصف المقاعد للائحة التي حصلت علي أغلبية الأصوات , و النصف الآخر يتم توزيعه علي أساس التمثيل النسبي بناء علي قاعدة أقوي المعدلات , واللوائح المستفيدة من التوزيع هي التي حصلت علي 5% علي الأقل من الأصوات المعبر عنها (22), وسيتم تعزيز مراجعة 1990 بمراجعة أخري سنة 1993 من خلال القانون التنظيمي رقم 938118 الصادر في 27 ديسمبر 1993 المتمم لمدونة الانتخاب , حيت سيحتفظ بنمط الاقتراع باللائحة الاغلبي من دون إمكانية مزج الأصوات أو تعويضها لتوزيع المقاعد علي مستوي الدائرة , و التمثيل النسبي علي أساس قاعدة أقوي المعدلات لتوزيع المقاعد علي المستوي الوطني (23) قد بلغ عدد المقاعد المخصصة لمجلس النواب في سنة 1994, 163 مقعدا , وفي سنة 1999 ارتفع العدد إلي 182 مقعدا , وفي سنة 2004 ارتفع إلي 189 مقعدا , 152 منها خصصت للدوائر المحلية و 37 مقعدا علي المستوي الوطني
وقد تم تدشين الغرفة الثانية ( مجلس المستشارين ) في تونس بموجب التعديل الدستوري لسنة 2002, حيث نقحت أحكام الفصل 18 لتصبح كالآتي :
' يمارس الشعب السلطة التشريعية بواسطة مجلس النواب و مجلس المستشارين أو عن طريق الاستفتاء ' (24). كما نص الفصل 19 ( جديد ), بكون أعضاء مجلس المستشارين يتم انتخابهم عن طريق الاقتراع الحر و السري من قبل أعضاء الجماعات المحلية المنتخبين , بمعدل عضو أو عضوين عن كل ولاية وفقا لعدد السكان , وثلث (1/3) الأعضاء يتم انتخابه علي المستوي الوطني من بين الأعراف و الفلاحين و الأجراء , وتوزع المقاعد بالتساوي بين القطاعات المعنية , كما يعين رئيس الجمهورية بقية الأعضاء من بين الشخصيات و الكفاءات الوطنية
يتم الانتخاب عن طريق الاقتراع باللائحة في دورة واحدة , الأعضاء الممثلون لأرباب العمل و الفلاحون و المأجورون ينتخبون علي المستوي الوطني , (25) يقوم الناخب باختيار لائحة من بين اللوائح المقدمة علي صعيد الولاية بدون تعويض أو استبدال أو شطب علي الأسماء (26).
الجزائر : يلعب رئيس الدولة في الجزائر دورا محوريا في النظام السياسي و الدستوري و ذالك طبقا لمقتضيات المادة 70 من دستور 1996, التي تجعل منه مجسدا لوحدة الدولة الجزائرية وحاميا لمؤسساتها , وصاحب السلطة السامية فيها (27), يتم انتخابه عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري , يتحقق الفوز في الانتخاب بالحصول علي الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبر عنها , و في حالة عدم تحقق الأغلبية يتم اللجوء إلي دور ثان . و يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غر فتين : 1- المجلس الشعبي الوطني 2- مجلس الأمة (28). يتم انتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني بالاقتراع العام المباشر و السري عن طريق التمثيل النسبي ( الاقتراع باللائحة ), (29) ويتم تحديد أعضاء مجلس الأمة بواسطة أسلوبين :
1- الأول يتعلق باقتراع عام غير مباشر و سري يشمل ثلثي الأعضاء , من بين ومن طرف أعضاء المجالس الشعبية البلدية و المجلس الشعبي الولائي .
2- الثاني يتعلق بالتعيين , إذ يقوم رئيس الجمهورية بتعين الثلث المتبقي الأخر من بين الشخصيات و الكفاءات الوطنية في المجالات العلمية و الثقافية و المهنية و الاقتصادية و الاجتماعية , وتحدد مهمة مجلس الأمة بمدة ست سنوات , ويجدد نصفه كل ثلاث سنوات .
3 - أوجه الإختلاف في أنماط الاقتراع المغاربية :
يتضح من خلال مقارنة أنماط الاقتراع المغاربية , سواء علي مستوي رئاسة الدولة أو علي مستوي رئاسة البرلمان , أن هناك تأثرا واضحا بنمط الاقتراع الفرنسي مع بعض الملاءمات الجزئية أو البسيطة , ويلاحظ بشكل عام بأن نمط الاقتراع الفرنسي يمزج بين نظام الاقتراع الاغلبية ( الاقتراع الأحادي الأعلي ), ونظام الاقتراع النسبي ( الاقتراع باللائحة )
ويستشف من التجربتين المعاصرتين , المغربية و الجزائرية علي مستوي نمط الاقتراع في الغرفة الأولي , أنهما لم تنحوا منحي المشرع الفرنسي , إذ النمط المعتمد يتمثل في الاقتراع النسبي بدل الاقتراع الأغلبية .
يبقي اقتراع الغرفة الثانية غير مباشر , و يتعلق بجسم انتخابي غير عادي , يضم فعاليات اقتصادية و اجتماعية , لكن الملاحظ أن أسلوب أغلب الدول المغاربية في هذا الاتجاه قد اختلف مع نظيره الفرنسي , ففي كل من تونس و الجزائر يوجد أسلوب التعيين إلي جانب أسلوب الانتخاب أثناء اختيار أعضاء الغرفة الثانية , (30) عكس النظام البرلماني المغربي الذي يعتمد أسلوب الانتخاب لوحده , في اختيار أعضاء الغرفة الثانية ( مجلس المستشارين ) (31).
4- انعكاسات نمط الاقتراع علي الحياة السياسية المغاربية :
يشكل نمط الاقتراع أداة تقنية و سياسية من نظام انتخابي يتكون من مجموعة من العمليات المتداخلة والمعقدة , من وضع توزيع الدوائر الانتخابية , فوضع الترشيحات إلي الإعلان الرسمي للنتائج , ويطرح من وجهة نظر علم السياسة تساؤلا يتعلق بعلاقة نمط الاقتراع في الدول المغاربية بنظيره في التجربة الفرنسية , هل يكمن الطرح فقط من الجوانب الجزئية , أم في جانبه الأوسع و الشامل والذي يكمن أساسا في تحديد علاقة أنظمة الانتخابات بالأنظمة الدستورية و السياسية لهذه الدول , بمعني آخر , ما علاقة الانتخاب بهذه الأنظمة , و ما هي حدود تأثيره في معادلة السلطة من خلال كيفية الممارسة وكيفية الانتقال .
تحليل هذه الإشكالات يقود بدوره إلي إثارة مفهومي التمثيل و المشاركة : كيف تؤطر العلاقة بين الحكام و المحكومين ؟
التمثيل كعملية تقنية وسياسية , يمكن من تفويت السيادة كحق للأمة , لمن يمارسها سياسيا عبر مجموعة من الآليات الدستورية , و المشاركة السياسية كعمل إداري يتعلق بتدبير الشأن العام , يقوم به مواطنون معنيون بهدف التأثير علي اختيارات سياسية , وبالتالي التأثير في عملية اتخاذ القرارات و تنفيذها (32).
يقف المحلل لكيفية سريان الانتخابات , وكذا النتائج التي تسفر عنها في دول المغرب العربي , عند خلاصة أساسية تكمن في كون الانتخابات تستعمل كآلية لإضفاء نوع من التحديث السياسي علي النظام , مادامت النتائج المعلن عنها في النهاية , لا تعكس الواقع السياسي لهذه الدول , و ما يكرس هذا المعطي جنوح المعارضة السياسية في هذه الدول إلي الطعن وبصفة دائمة في مصداقية النتائج , إذ تعتبرها مجالا خصبا للمنازعة في مشروعية الأنظمة القائمة .
يتمثل المعطي الآخر الذي يجعل من الانتخاب نوعا من النزيف السياسي داخل هذه الدول في عدم قدرة نمط الاقتراع , سواء كان أغلبيا أو نسبيا , في التأثير علي التوازنات السياسية داخلها , فقد يطبق , مثلا , نمط اقتراع الأغلبية خلال ولاية تشريعية معينة و خلال ولاية موالية يطبق نمط اقتراع نسبي , وعند مقارنة النتائج كميا و كيفيا لا تكاد تجد تأثيرا ملموسا رغم التغير في النمط و أورد في هذا السياق مثالا بالحالة المغربية و ذلك علي سبيل الحصر .
تقدم في الانتخابات التشريعية ل 14 نوفمبر 1997 ستة عشر حزبا , تمكن خمسة عشر منها من الحصول علي مقاعد داخل مجلس النواب أي 93.75% من مجموع الأحزاب المشاركة , بنسبة تمثيلية لكل حزب تتراوح بين 0.31% و 17.53% من مجموع المقاعد , و نمط الاقتراع الذي طبق في هذه الانتخابات هو اقتراع الأغلبية , الأحادي الأعلي في دورة واحدة ), و تقدم في الانتخابات التشريعية في 27 سبتمبر 2002, ستة و عشرون حزبا , تمكن اثنان و عشرون منها من الحصول علي مقاعد داخل مجلس النواب أي 84.61% من مجموع الأحزاب المشاركة , بنسبة تمثيلية لكل حزب تتراوح بين 0.30% و 15.38% من مجموع المقاعد , و نمط الاقتراع الذي طبق في هذه الانتخابات هو الاقتراع النسبي ( الاقتراع باللائحة ).
تشير مقارنة معطيات نتائج الانتخابات في الدورتين الآخيرتين (33) من الناحية الرقمية إلي عدم وجود اختلاف كبير أتناء تطبيق النمطين , سواء النسبي أو الأغلبية , إذ السمة المميزة لنتائجهما تكمن في البلقة و التشتت , وهذه خلاصة توضح وجها من أوجه أزمة النظام القانوني الذي لا يعتبر العامل الوحيد في تحديد طبيعة الخريطة السياسية , بل عوامل أخري تتداخل , و تتعلق تحديدا بطبيعة الثقافة السياسية السائدة لدي مختلف الفاعلين (34).

أستاد باحث , كلية الحقوق , جامعة , القاضي عياض , مراكش

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا