Tuesday, February 05, 2013

"المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية" ومهام إنجاح الجهوية المتقدمة


"المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية" ومهام إنجاح الجهوية المتقدمة
الدكتور الطالب بويا ماءالعينين*
في سياق شكلت فيه قضية الصحراء الشغل الشاغل لكل المغاربة، أتى إنشاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بمقتضى الخطاب الملكي في 25 مارس 2006، للتأكيد على ضرورة القطع مع مقاربات الماضي والتأسيس لإستراتيجية دبلوماسية مغربية تنبنى على أساس فسح المجال لفاعلين جدد ؛ يعملون على دفع صناعة القرار المغربي الخارجي، وفق ما يتطلبه المناخ الدولي الجديد الذي جعل الملف يعيش مرحلة دقيقة تحتاج إلى تظافر الجهود على كل المستويات الدولية الإقليمية والمحلية، بغية احتواء الإفرازات والتداعيات الناتجة عن الضغوطات .

حيث أعلن الملك في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء في 6 نونبر 2005 عن المبادرة الملكية التي بموجبها يمنح حكم ذاتي لسكان الأقاليم الصحراوية. إذ جاء هذا الإعلان متلازما مع إنشاء المجلس في التاريخ المشار إليه أعلاه ، للتأكيد على أهمية الأدوار المنوطة به، لخلق حركية ملموسة عقب الركود الذي عرفته القضية الوطنية طيلة ثلاث عقود.

وللوقوف على آليات عمل هذا المجلس والدور الذي يمكن أن يكون قد أداه على صعيد معالجة الملف الصحراوي، سوف نتحدث عن آليات عمل المجلس وطرق تدبيره لهذا الملف الشائك ، أولا.

 على أن أتحدث في المحور الثاني، عن أهم التحديات والمعيقات التي تواجه إنجاح عمل هذه الهيئة.

1- محدودية آليات وطرق تدبير المجلس للشؤون الصحراوية.

لاشك أن تلازم إنشاء المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية، والإعلان عن مشروع المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي، يعكس حقيقة الدور الذي يراد لهذا المجلس أن يؤديه. خاصة بعدما أعلن أن هذه المبادرة ستمكن الصحراويين من تدبير شؤونهم بأنفسهم ومنحهم صلاحيات واسعة داخل هيئاتهم المحلية دون المساس بالأمور السيادية التي ستتولى الدولة تدبيرها من المركز.

ذلك أن ما يجب فهمه أن مبادرة الحكم الذاتي ، تأتي في إطار فهم متجدد للنخبة السياسية المغربية، التي أصبحت ترى في التنمية الفعل الذي يقوي الإمكانات الإنسانية إقليميا وجهويا.

 لذلك أتت الدعوة لأن يقوم هذا المجلس بدوره كاملا وبشكل صريح وواضح للتجاوب مع متطلبات المرحلة الراهنة والحفاظ على بقاء الأقاليم الجنوبية المسترجعة كجزء لا يتجزء من المغرب الموحد . بل الأكثر من ذلك أن يعمل المجلس في اتجاه تكريس وتقوية مهام وأدوار، ابناء الأقاليم الصحراوية في مجال إدارة شؤونهم بأنفسهم قصد الارتقاء بالحكامة الترابية.

 وهو ما ينسجم مع الإستراتيجية الملكية التي تنبني على ضرورة إقامة جهوية متقدمة تكون الأقاليم الصحراوية منطلقها الحقيقي . لتكون نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية ونقل السلطات في إطار نظام الدولة الموحدة، لأن ذلك هو الكفيل بأن يعطي إجابة واضحة على إمكانية التوفيق بين نظام حكم ذاتي خاص بالصحراء ، واستمرار المركزية فيما يتعلق بالأمور السيادية كقضايا الدفاع والسياسة الخارجية والعملة والعلم الوطني... فالحكم الذاتي لا يعني الخروج عن التوجيهات المركزية للدولة وخياراتها بل تحصينا لها وللجهة المعنية بالمبادرة ضد كل انزلاقات قد تدفع إلى الاستقلال أو الانفصال، في إطار خلق نوع من الإنسجام والتكامل بين الأطراف والمركز في أفق جهوية متقدمة وقادرة على فتح الأبواب أمام بروز نخب تحمل على عاتقها مسيرة البناء والتشييد.

لهذه الاعتبارات وغيرها تم تنصيب المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في نسخته الثانية، كهيئة ملكية استشارية وقناة جديدة لتصريف القضايا المتعلقة بالصحراء بوسائل جديدة وآليات فاعلة هدفها جعل المغرب يبتكر وسائل جديدة للحفاظ على وحدته الترابية؛ الأمر الذي ولد الوعي العميق بأهمية هذه الهيئة في تنزيل مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها يمكن أن تكون حلا لإشكالية ظلت جاثمة منذ زمن.

في هذا السياق جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السابعة لتولي الملك محمد السادس العرش، ليؤكد قائلا : "وأعلنا... عن تنصيب المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، بتركيبة جديدة ومسؤوليات موسعة، تجعله قابلا باستمرار لانخراط كل المكونات الفاعلة بأقاليمنا الجنوبية، فيه، وقد كلفناه بأن يرفع إلينا تصوره بشأن مشروع الحكم الذاتي".

كما أن إستراتيجية المجلس الصحراوي فيما يخص مشروع الحكم الذاتي، تطلبت ضرورة مواصلة تكثيف الجهود الدبلوماسية للمجلس، والانخراط في حملة دولية واسعة النطاق للتعريف بهذا المشروع، مما مهد لتقديم المبادرة المغربية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 11 أبريل 2007. وبذلك تم إرساء مقاربة جديدة لحل النزاع من خلال التخلي عن المقاربات السابقة .

الشيء الذي مهد لجولات المفاوضات المباشرة التي انطلقت بمنهاست في الولايات المتحدة والتي مازالت تراوح مكانها إلى حدود اليوم بحكم العديد من المعيقات المحيطة بالملف.

لذلك فتنصيب المجلس في صيغته الثانية من الأوراق التي أرادت الدبلوماسية المغربية توظيفها للتعامل مع الملفات المتعلقة بالصحراء بالجدية اللازمة، ولعل أهم الرسائل الكامنة وراء هذا التنصيب تتمثل في السعي إلى نزع شرعية تمثيل الصحراويين التي تستغلها جبهة البوليساريو كورقة للضغط على المغرب، أما الرسالة الأخرى ضمن رسائل كثيرة، فتكمن في كون إنشاء المجلس يدخل في إطار تعامل ومقاربات جديدة تحرص السلطات على ضرورة تبنيها اتجاه الأقاليم الصحراوية وساكنتها، تبنى على أساس القدرة على التوقع السليم للاحتمالات الداخلية والخارجية ،وكذا التكيف معها ،وتفادي الوقوع في أخطاء الماضي من خلال مراجعة نقدية عميقة تكون كفيلة بقيادة السفينة إلى بر الأمان.

وهنا لابد أن نقف عند المراجعة للقول إن الفترة الماضية التي شملها تدبير المجلس للعديد من الشؤون الصحراوية لم تكلل بالنجاح المطلوب بل شملتها عدة اختلالات منها ما يرتبط بطرق تسيير المجلس ومنها ما يرتبط بغلبة الطابع الشخصي والصراعات بين الأعضاء، الأمر الذي دعا الملك إلى ضرورة إعادة النظر في طرق تدبير هذه الهيئة الصحراوية حيث أعلن في خطاب الذكرى 34 للمسيرة الخضراء عن ضرورة إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في محاولة للتجاوز العثرات والمعيقات.

خاصة في ظل واقع جديد يتسم باعلان دستور جديد يعد بمثابة ثورة هادئة يقودها الملك ، وتطبعها هندسة دستورية جديدة تسعى لتثبيت  آليات  التتبع والتشاور والمحاسبة قصد بناء عهد مؤسساتي جديد يقوم على أساس ديمقراطي يحتاج إلى الارادة والتطلع لبناء المستقبل و الاصلاحات المنشودة . 


2 - تحديات ومعيقات تفعيل المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية.

حسب الظهير(ظهير شريف رقم 1.06.81 ، صادر في 24 من صفر 1424 (25 مارس 2006)) المحدث، فإن مهمة المجلس الذي يعد كبنية أساسية في صرح التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالأقاليم الجنوبية ؛ تتمثل في مساعدة جلالة الملك في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية وصيانة هويتها الثقافية.

مما يعني أن المجلس أوكلت له مجموعة من الصلاحيات، إضافة طبعا إلى إبداء الرأي فيما يستشيره فيه جلالة الملك من قضايا عامة أو خاصة ذات الصلة بالدفاع عن الوحدة الترابية، الشيء الذي يتطلب من المجلس الوعي التام بالمسؤوليات الملقاة على عاتق رئيسه وأمينه العام والأعضاء كافة.

فالمادة العاشرة من الظهير المؤسس للمجلس توضح أن الرئيس هو الناطق الرسمي باسم المجلس والمخاطب الرسمي للسلطات العمومية الوطنية والمنظمات والهيئات الدولية. وقبل ذلك تحدد المادة الثامنة أنه يضطلع بتسيير اجتماعات المجلس بعد المصادقة عليه من قبل الملك ، ورفع خلاصات واقتراحات المجلس إليه، ووضع الميزانية السنوية للمجلس وتولي الأمر بصرفها.

مما يعني أن صلاحيات الرئيس واضحة بمقتضى الظهير، وإن كانت المهام المطلوبة من المجلس تستدعي إشراك ومشاركة الجميع من أجل تحقيق الأهداف بما في ذلك كل الفعاليات الأخرى خارج المجلس من أجل الاستنارة بآرائهم ومقترحاتهم بما يخدم مصالح المواطنين عموما في الأقاليم الصحراوية.

الأمر الذي يتطلب من المجلس رئيسا وأعضاء التوحد وتفادي الخلافات والحسابات الضيقة التي تضر بالمصالح العليا للوطن، الشيء الذي يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في تشكيلة المجلس التي كانت دون التوقعات والانتظارات التي وضعها على كاهلهم جلالة الملك وأبناء الأقاليم الجنوبية ككل.

 مما ولد الخيبة لدى العديد من النخب التي كان طموحها وأملها كبير عند إنشاء هذا المجلس، نظرا للعديد من الاختلالات التي واكبت طرق تدبيره وأصبح بالتالي من الضروري مراجعة الظهير المؤسس من حيث الصلاحيات والهيكلة وآليات الاشتغال لتستجيب لما هو مطلوب ومسطر لهذه الهيئة من مهام جسام نظرا لكونها قوة اقتراحية تعمل في سياق منح الشرعية للمقترح المغربي حول الحكم الذاتي من خلال إستراتيجية تروم إنضاج تصور جهوي في إطار السيادة المغربية يحظى بالرضا والقبول في المنتديات الدولية، وكذا اهتمام وتقدير كبير من لدن ساكنة الأقاليم الصحراوية. والتأسيس لنظام جهوي أكثر تقدما من النظام المطبق حاليا ، يستند على توسيع الاختصاصات للجهات ، والعمل على تخويل المنتخبين الاختصاصات التقريرية والتنفيذية ،وتعزيز الاستقلالية المالية والتدبيرية للجهات واعادة النظر في علاقتها بالسلطات المركزية . في أفق الاعداد الجيد لنوع من الللامركزية السياسية يقتصر فيها دور ممثل السلطة المركزية على ضمان التنسيق بين المركز والجهات .

لهذه الغاية جاء الخطاب الملك واضحا وصريحا بمناسبة الذكرى 34 للمسيرة الخضراء حيث دعا إلى ضرورة إعادة النظر في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بغية وضع حد للانعكاسات السلبية التي عرفها تسيير المجلس طيلة مدة مباشرته لمهامه.

حيث لاحظ العديد من الباحثين المهتمين بالشؤون الصحراوية أن هناك تعارض كبير بين مضمون الخطاب الملكي في "25 مارس 2006" ، المعلن عن إنشاء هذه الهيئة الاستشارية الصحراوية ، وديباجة الظهير المؤسس لهذا المجلس، باعتباره الإطار القانوني والمؤسساتي الملتف على كل الرهانات والخيارات التي وردت في الخطاب والديباجة.

 مع التوضيح أن الذي حصل هو إفراغ الحلم من محتواه من خلال الظهير الذي لم يترك أية صلاحية للمجلس مما يجعله صوريا وشكليا وكل صلاحياته بيد الرئيس مما أفرغ المؤسسة من محتواها وحال دون القيام بالاختصاصات اللازمة من قبيل القيام بالدور الفاعل في مجالات التنمية بالأقاليم الصحراوية.

 وكذا النجاعة في خلق تعبئة فاعلة للمواطنين وتأطيرهم باعتبارهم المعنيين المباشرين بكل القضايا المتعلقة بمنطقتهم وذلك في إطار التأسيس لمقاربة ديمقراطية ترمي إلى قطع الطريق على أساليب الماضي والتراكمات السيئة التي ولدت مشاكل اجتماعية وسياسية ساهمت في تغذية نزعة الانفصال.

خلاصة :

لكي يكون المجلس نموذجا ودعامة يمكن الإعتماد عليها في خدمة أهداف وغايات الدولة المغربية التي لاشك في أن سعيها لإحداث هذا النوع من المجالس ذات الطابع الاستشاري، يتمثل في  إيجاد  إستراتيجية غايتها الحفاظ على المكتسبات وتحقيق المشاريع المرجوة ، والتي لابد لكي تتحقق معالمها ، أن يتم مراعاة النقاط التالية :

-الانفتاح على جميع الفعاليات والتشكيلات الاجتماعية قصد جعل مهام المجلس أكثر يسرا وفعالية على أن يكون ذلك مدعوما بفتح نقاش حول المواضيع الشائكة بكل وضوح وشفافية .

-توسيع صلاحيات المجلس الجديد ( الذي سيشكل في مستقبل الأيام) بدل أن تبقى محدودة ، ولا تستجيب لطموحات أبناء المنطقة . مع التنويه الى أهمية الاسراع في اخراجه الى الوجود .

-ضرورة إفساح المجال لنخب جديدة وطنية وغيورة على أن تكون فعلا قيمة مضافة لتكريس مسيرة البناء، ودفع الأوراش المفتوحة منذ مطلع الألفية الثالثة خاصة في ظل الدعوة إلى خيار الجهوية المتقدمة ، التي يجب ان تعمل على إنضاج الشروط الصحية والسليمة في أفق حكم ذاتي نهائي يمنح للأقاليم الصحراوية المسترجعة .

-ضرورة إعطاء الأولوية لمن يستحق أن يكون في مستوى تحمل مسؤولية العضوية في تشكيلة المجلس الجديد، وذلك عبر تغليب منطق الكفاءة والخبرة والمؤهلات العلمية على منطق العائلة أو القرابة ، لأن في ذلك استجابة لمطلب الرأي العام الصحراوي الذي بدأ يشعر بأهمية إزاحة النخب التقليدية التي تتحكم في مقاليد الأمور منذ ثلاث عقود.

 *باحث مهتم بالشؤون الصحراوية

No comments :

اضافة تعليق

الرجاءالتعليق باللغة العربية الفصحى

page

جميع الحقوق محفوظة © 2013 مدونة القانون المغربي
تصميم : يعقوب رضا